الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد اللطيف الشواف في ذكرياته وانطباعاته حادثة تموز 1958 قفزة نحو المجهول

شكيب كاظم

2020 / 11 / 20
الادب والفن


في سنة 2004، تولى من لندن الدكتور علي نجل الأستاذ عبد اللطيف (علي) الشواف، المولود في كرخ بغداد سنة 1926، والمتوفى في القاهرة في الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس 1996، بعد معاناة مريرة وقاسية من المرض، أفقدته حتى القدرة على النطق، أقول تولى الدكتور علي نشر فصول كتبها أبوه المرحوم الشواف، القاضي ومن ثم الوزير في العهد الجمهوري الأول، عن بعض الشخصيات العراقية التي وصفها بـ(النافذة)، وقد اعترض بعضهم على هذه الصفة، لكن المرحوم عبد اللطيف الشواف يرى أن بعض الذين درسهم وكتب عنهم، قد لا يستأهلون هذه الصفة، لكن شفيعه في ذلك أنها شخصيات تجمعها الطيبة والنزاهة والإخلاص للعراق.
ذكر الأستاذ فاروق (عبد الجليل) برتو في مقدمته للكتاب: "وقال لي - أي الأستاذ الشواف-وهو لا يزال يستطيع الكلام بعد: "إنني لم أذكر جوانب الضعف والنواحي السلبية في أي من الأشخاص الذين اخترتهم للكتاب، على رغم استحالة خلو إنسان من العيوب، وهي إن وجدت في أي منهم لا تستحق الذكر إزاء ما نلمسه ونعانيه اليوم من شرور. المهم أن نضرب للعراقيين أمثلة طيبة تشجعهم على الأمل والرحمة والتكافل والثقة، بقدرتهم الذاتية على تجاوز المصاعب" تراجع. ص12.
درس المرحوم عبد اللطيف الشواف في كتابه هذا، الذي نشرته دار الوراق بلندن سنة 2004، ويقع في مئتين وست وتسعين صفحة، وعنوانه (عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون. ذكريات وانطباعات) درس فيه كلا من: الزعيم عبد الكريم قاسم، وسالم عيسى الوجيه، ونجيب المانع، وعلي السليمان البسام، وعبد الجليل برتو.
وكان قبل ذلك أصدر كتابا ينحو فيه المنحا ذاته، صدرت طبعته الأولى في لندن- كذلك- عن دار كوفان للنشر سنة 1993، وعنوانه (شخصيات نافذة)، وقف عند كل من: عبد الله الفالح السعدون، وسليمان فتاح باشا، وشكر التكمه جي، ومحمد زينل، ومحمود خالص، وحمد المحمد الذكير، ولقد رأيت أن أقف في حديثي هذا، عند الأهم من شخوص الكتابين، ألا وهو الزعيم الركن عبد الكريم قاسم، أول رئيس وزراء في العهد الجمهوري، ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة، الذي تولى قيادة العراق نحو خمس سنوات، منذ يوم الإثنين الرابع عشر من تموز 1958، وحتى مقتله المؤسي وثلة من رجالاته ظهر يوم السبت التاسع من شباط 1963.
ما يعطي هذه الكتابات أهمية قصوى، والتي يصفها الشواف بأنها لا ترقى إلى مستوى التحليل، بل هي أقرب إلى الانطباعات والذكريات عن الأيام التي أعقبت ثورة تموز، وأحداثها وعواقبها بعواملها وأسبابها وظروفها والعوامل التي أدت إلى فشلها، في تحقيق أغراضها. تنظر.ص137
إن الأستاذ عبد اللطيف الشواف، الذي استوزر للتجارة في 14/تموز 1959، واستقال منها في السنة التالية، ليشغل وظيفة محافظ البنك المركزي العراقي، وعلى الرغم من استقالته من هذه الوظيفة، إلا أنه ظل قريبا من الزعيم عبد الكريم، وموضع استشارته، ويكلفه ببعض المهام، ومنها كتابته الدستور الدائم للعراق، وقد تولى كتابة الجزء المتعلق بالسلطة القضائية، لكنه اتلفه بعد شباط 1963 خوفاً من العثور عليه، كما أنه زاره، وبناء على طلب الزعيم ليلتي السادس والسابع من شباط، وحتى الساعات الأولى من يوم الثامن من شباط، التي تعني الساعات الأخيرة من عمر الزعيم وعهده، فضلا عن أن الأستاذ عبد اللطيف هو ابن عم، وابن خالة اللواء الطبيب محمد (عبد الملك) الشواف الذي استوزر للصحة في الثالث من شباط 1959، خلفا للوزير المستقيل الطبيب محمد صالح محمود، أول وزير للصحة في الزمن الجمهوري، مع جمهرة من الوزراء الذين عرفوا بـ( القوميين) وقدموا استقالاتهم لرئيس الوزراء، اثر الخلاف المدمر الذي نشب بين الطرفين، وهم كل من وزير الخارجية الدكتور عبد الجبار الجومرد، ووزير التربية الدكتور جابر عمر، ووزير الإرشاد محمد صديق شنشل، ووزير الشؤون الاجتماعية الزعيم الركن ناجي طالب، ووزير الإعمار فؤاد الركابي، ووزير الأشغال بابا علي الشيخ محمود، فضلا عن وزير الصحة آنف الذكر.
كما إن الأستاذ عبد اللطيف، هو ابن عم وابن خالة العقيد الركن عبد الوهاب ( عبد الملك) الشواف، آمر موقع الموصل، وآمر جحفل لواء المشاة الخامس، الذي أعلن انتقاضه ضد السلطة المركزية ببغداد، يوم 8 من آذار 1959، اثر تطورات متسارعة وعاصفة، يطول الحديث عنها، وارسل طائرات حربية لقصف وزارة الدفاع، ومرسلات الإذاعة في أبو غريب، بقيادة آمر قاعدة الموصل الجوية عقيد الجو الركن عبد الله ناجي والرئيس الطيار قاسم محمد علي العزاوي، والملازم الطيار أحمد مهدي صالح العاشور، والملازم الطيار فاضل ناصر، وكلهم أعدموا ليلة عيد الفطر؛ المصادف الثلاثين من شهر آذار عام ١٩٥٩، هذه التطورات أدت إلى قتل عبد الوهاب الشواف، إثر قصف جوي قاده ونفذه، الرئيس الطيار خالد سارة، لمقر الشواف في الثكنة الحجرية باليوم التالي ٩ آذار يعاونه في ذلك، الرئيس الطيار يونس محمد صالح، والملازم الأول طيار مصطفى أحمد، والملازم الأول الطيار صباح نوري الموسوي، الذي سقطت به طائرته الحربية يوم ١٤ تموز ١٩٥٩.
نزاهة المؤلف ونصفته
تستمد هذه الفصول أهميتها، وأهمها الفصل الخاص بالزعيم، تستمد أهميتها من هذا الذي ذكرته، وأخرى، وسطية عبد اللطيف ونزاهته وصراحته، واستقلاليته وعدم تحزبه، فضلا عن قربه من مركز القرار، واطلاعه على الأسرار والمخفي، إنه العين الراصدة المواكبة لحوادث نحو خمس سنوات، والمدققة الدقيقة، تقرأ هذا الفصل الذي تجاوز المئة صفحة، فتلمس بساطة حياة رئيس الوزراء وتقشفه، والذي ظل يحيا حياة آمر فوج- كما يقول الشواف- وليس رئيسا للدولة العراقية الغنية، حتى إذا أشار عليه بعضهم أواخر عهده بتغيير ذلك، تولى المهندس المعماري الفنان قحطان عبدالله عوني، بناء جناح يطل على نهر دجلة، لا بل ظل يأتيه الطعام البسيط، من دار شقيقه حامد بواسطة ( السفر طاس)،ولدي معلومات موثقة إنه كان يجلب له من دار شقيقته، ولعلهما تناوبا على ذلك! وكان يفرش ورق الجرائد على الطاولة، كي لا تترك بقع الطعام أثرها على الطاولات عند الأكل، لكن صديقه الأثير السيد رشيد مطلك، مدير المصايف والسياحة، يشاهد ذلك، وهو المعروف بأناقته، فيجلب أغطية قماشية كي تفرش على المائدة، تليق بشخص رئيس وزراء، ظل يحيا ببساطة لا تبارى ولا تجارى، وهذا الأمر متواتر ومعروف، ولم يتحدث عنه القريبون منه فقط والمؤيدون، بل حتى المناوؤن له ، والمختلفون معه، مثل الدكتور شاكر مصطفى سليم (1984) في سلسلة مقالاته المعنونة ( في حضرة السلطان دنفش) التي نشرها في إحدى الصحف بعد شباط 1963 ، فضلا عن القاضي محمود خالص ( توفي في شباط ١٩٨١)، الذي استدعاه الزعيم إلى مكتبه في وزارة الدفاع، بوصفه رئيسا لمحكمة تمييز العراق، لخلاف في وجهة نظرهما إزاء بعض القضايا القانونية، مما فصله المرحوم محمود خالص في كتابه (ذاكرة الورق. ستون عاما من تاريخ العراق الحديث في يوميات محمود خالص) إذ يذكر في يومية الأربعاء 25 كانون الثاني 1961، ذهابه إلى مقابلة رئيس الوزراء، الذي وصل متأخرا ودعاه للغداء معه فاعتذر منه لأنه تغدى في داره، فتغدى معه العبدي والمهداوي ووصفي طاهر.
تلمس رقته وانهمار دموعه وهو يشرح الأسباب التي دفعته لإصدار أوامره للجيش، لضرب مواقع التمرد، التي سيطر عليها الملا مصطفى البارزاني، إثر خلافهما على الرغم من أنه هو الذي دعاه للعودة إلى الوطن خريف 1958، من الإتحاد السوفيتي الذي ألتجأ إليه البارزاني بعد إنهاء تمرده سنة 1946، وكان يؤشر على خارطة، تشير إلى مناطق الحركات العسكرية، كما يقول المرحوم الشواف، والتي لم يقره عليها أكثر وزرائه، بل شجعه عليها العسكريون من حوله. تنظر. ص129
حياة متقشفة
في ذكريات الشواف هذه، حديث عن اجتماعات مجلس الوزراء التي تعقد يومياً في مبنى وزارة الدفاع، وبما أن قاسما كان معتادا، منذ أيام العسكرية على العمل ليلا، وقد يمتد هذا العمل حتى الساعات الأولى من الفجر، وما قد ينتج عن السهر الطويل، عدم دقة وتركيز في قراءة مشاريع القوانين، ومن ثم تأجيلها حتى أن قانون ( إدارة البلديات) الذي أعدته وزيرة البلديات الطبيبة نزيهة جودت الدليمي، بمعاونة ومؤازرة الدكتور صفاء الحافظ والشواف ذاته، فإن مشروع القانون هذا على الرغم من أهميته البالغة- كما يذكر الشواف- ما أنجزت قراءته حتى نهاية حكم الزعيم، ومن ثمّ ترك واهمل! تنظر ص71
لقد استحدث العهد الجمهوري عديد الوزارات، مما أدى إلى ترهل الجهاز الإداري، فضلا عن صعوبة إيجاد المؤهلين لشغل هذه الوظائف، واضعين في الحسبان، إقصاء عديد الكفاءات بحجة عملها مع العهد الملكي! ولقد باح المرحوم الشواف بقلقه هذا لرئيس الوزراء، الذي فاجأه بأن قال له بحزن وأسى:" لو كنت حاضرا الضغوط التي سلطت علي لتقسيم وزارة الاقتصاد، إلى وزارة للصناعة وأخرى للنفط وأخرى للتجارة، وإلى تشكيل وزارتي الإصلاح الزراعي والزراعة وغيرها، لتصورت الآن مدى الظلم الذي وقع علي من قبل الوزراء والعناصر السياسية التي الحت علي وحضتني على الموافقة على ذلك". تراجع. ص79
يزوره مرة الشيخ مزهر بن عجيل باشا السمرمد، فيستقبله بكل احترام وتوقير ويجلسه على كرسي إلى جانبه، ثم يوصله بنفسه إلى سيارة الشيخ خارج بناية وزارة الدفاع، وكأن هذا التصرف تكفير لذنب إصداره ما عرف بقانون الإصلاح الزراعي، الذي حطم المنظومة الزراعية العراقية، لانفلات العقال الذي كان يضبط العملية الزراعية، وهجرة الفلاحين نحو المدن، وأمسى العراق مستوردا، بعد أن كان مصدرا لكثير من المنتجات الزراعية.


أخطاء مدمرة
يقف الأستاذ عبد اللطيف الشواف طويلا عند بعض القضايا التي كانت قاصمة ظهر العهد الجمهوري الأول، منها: إعدام بعض كبار الضباط، رفاق عبد الكريم في تنظيم الضباط الأحرار، بتهمة التعاون مع العقيد الركن عبد الوهاب الشواف في تحركه ضد الحكومة، ومنهما قائد الفرقة الثانية، الزعيم الركن ناظم الطبقجلي، ومدير الاستخبارات العسكرية، العقيد رفعة الحاج سري، الذي أثار نقمة كثير من العراقيين، فانطلقت التظاهرات منددة بهذا القرار، في بغداد، وترك ظلاله النفسية الكابية على الزعيم، لعله الشعور بالذنب، وكان إعدامهما وثلة من زملائهما سببا مهما في قتله في التاسع من شباط 1963.
لقد كان إعدامهما، كما يذكر المرحوم الشواف مأساة حقيقية، إذ استمر الزعيم بضعة أيام حزينا بائسا وعصبيا، كما سمع أن الزعيم لفرط حزنه وتأثره، أصابه نوع من الانهيار والخلل العصبي، حتى إنه طلب مرة، ثلاثة أقداح من الشاي، وأمر بوضع قدح لرفعة، وآخر لناظم واناء له، وكأنه يشاركهما في احتساء الشاي!
ومن أجل أن يسوّغ لنفسه إعدامهما ولتخفيف تأنيب ضميره له، صرح إنهما بعملهما مع الشواف لم يتركها أمامه خيارا سوى ذلك.! تنظر ص87 ص88.
كان قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959، من القضايا الخلافية الأخرى، حيث ساوى في الإرث بين الذكر والأنثى، وقد ألغيت هذه الفقرة بعد شباط 1963 لكن نعجب ونتعجب إذ نجد أن هذا القانون لا يحسب للعهد الجمهوري، بل لأيام الملوك، إذ يؤكد الشواف أن وزارة العدلية في العهد الملكي، ألفت لجنتين لتقنين وتوحيد أحكام الأحوال الشخصية. ص83
وكانت قضية استقلال الكويت من القضايا المهمة جداً، ولقد كان من المؤمل اعتراف العراق باستقلال الكويت، بعد انتهاء مفعول اتفاقية 1899 بين بريطانية ومشيخة الكويت في حزيران 1961،لا بل أن أحد المقربين من قاسم اقترح تهيئة طائرتين تحملان وفدا إلى الكويت للتهنئة باستقلالها، كما أرسل وزير الخارجية الدكتور هاشم جواد، أحد رجال الأعمال لدراسة الموقف العراقي من قضية استقلال الكويت، واتصل بعديد الكويتيين لهذا الغرض، كما كان من ضمن المقترحات تزويد الكويت بالماء العذب، لكن نعجب ثانية إذ نجد أن هذا المشروع القومي الوحدوي من بناة أفكار المرحوم الباشا نوري السعيد ، لا لتزويد الكويت وحدها بالماء الصالح للشرب، بل مشيخات الخليج العربي كلها ص96 ص97
وللتاريخ أدون، ولعل هذه الواقعة قد تبخرت من أدمغة المعنيين! إن وفدا كويتيا زار العراق ربيع سنة 1989، ترأسه وزير الماء والكهرباء في دولة الكويت، الدكتور عبد الرزاق أبو ركبة، أجرى مباحثات ناجحة مع نظرائه العراقيين، أسفرت عن اتفاق سمعناه من المذياع، وقرأناه في الصحف، ينص على قيام العراق بشق ترعة من نهر الغراف عند ناحية البدعة شمالي مدينة الشطرة نحو الكويت لتزويدها بالماء الصالح للشرب مجانا، على أن تتولى دولة الكويت تزويد المحافظات العراقية الجنوبية الثلاث: البصرة، وذي قار، وميسان بالكهرباء مجانا، لكن هذا المشروع القومي وئد، إثر الدخول العراقي المدمر لأراضي الكويت فجر الخميس الثاني من آب/ أغسطس 1990 وما تلاه من تداعيات مدمرة للبلدين الشقيقين.
لكن كما تهوّر صدام وهاجم الكويت، فوجىء العراقيون والعرب والعالم بخطاب لقاسم يوم 28 من حزيران/يونيو 1961، يطالب فيه بضم الكويت إلى العراق، بوصفها قضاء تابعا لولاية البصرة أيام الدولة العثمانية! وتعيين أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح قائممقاماً لقضاء الكويت! وكان هذا التصرف المتهور الذي لم يستشر فيه أحدا، سببا مهما في إسقاطه، لابل عجل في ذلك، كما أسقط صداما.
قرأت مرة في احدى صحفنا العراقية، فقرات من مذكرات تنسب إلى الزعيم الركن سيد حميد سيد حسين، قائد الفرقة الأولى أيام الزعيم، مفادها : في أواخر شهر حزيران 1961 كانوا مدعوين على مائدة عشاء في دارة الفريق نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة، وهم سيادة الزعيم والوزراء ورئيس أركان الجيش والحاكم العسكري العام، وزملاؤه قادة الفرق، وقبل الساعة الثامنة مساء بدقائق، نادى الزعيم على أحد مرافقيه، طالبا منه جلب المذياع من سيارته، وإذ ذهب المرافق لجلب الراديو، اخبرهم الزعيم إنهم سيسمعون خبرا مهما، وفتح المذياع، وإذا بالمذيع يقدم خطاب الزعيم، الذي يطالب فيه بضم الكويت وسط ذهول الجميع!
سيد حميد يقول، بعد انتهاء الخطاب نهضت مستعدا راجيا من الزعيم أن يأذن لي بالالتحاق بمقر عملي في قيادة الفرقة، لكن الزعيم طلب مني البقاء، فانفض المدعوون تباعا، وأخذه الزعيم في جولة من جولاته الليلية حتى الفجر!
يقول الزعيم الركن قائد الفرقة، تحدثنا بشتى المواضيع أثناء جولتنا الليلية الطويلة، عدا قضية الكويت! عدنا لوزارة الدفاع فجرا، فتناولنا إفطارنا سوية، ذهب الزعيم لينام، وذهبت أنا نحو الديوانية!
أظن أن الأمر فوق كل تعليق!
وللتاريخ أذكر أن هذا الرجل تعرض لحملات تشويه سمعة قادها اليسار العراقي، حتى اتهموه بأنه تخاذل عن تنفيذ أمر الزعيم في استرداد الكويت، وإذ تسألهم لماذا لم يعاقبه الزعيم؟! يأتوك بما لا يقبله عقل! وسبب عمليات التشويه ضد هذا الرجل العسكري المنضبط، ان الحكم العسكري الذي كان سائدا وقتذاك، يخول قادة الفرق بعض الصلاحيات وحصل أن منع السيد القائد جريدة (اتحاد الشعب) التي كان يصدرها الحزب الشيوعي، من البيع والتوزيع في الألوية الجنوبية، أي المحافظات بلغة هذه الأيام، الواقعة ضمن الرقعة الجغرافية المسؤولة عنها قيادة الفرقة، وما لبث الزعيم أن ألغى امتياز الجريدة واغلقها، وهذا أمر لا يذكره الذاكرون لمآرب شتى!
نظافة يد الزعيم
المرحوم عبد اللطيف الشواف في فصله هذا، يؤكد نظافة يد الزعيم من المال العام، وهذا أصبح من البديهيات الواضحات، حتى إن عدداً من مرافقيه استأجروا دورا تعود للأوقاف وتحتاج إلى ترميم، إلا أن وزير المالية المرحوم محمد حديد، لم يوافق على صرف مبلغ الترميم من خزينة الدولة، على الرغم من أن المستفيدين، هم من مرافقي رئيس الوزراء، وما تدخل الزعيم لصالح مرافقيه، لا بل أيد رأي الوزير، لكن هؤلاء المرافقين كانت لهم سطوة وحظوة وتأثير في الكثير من القرارات المهمة، ويوم أراد الزعيم تنفيذ حكم الإعدام، الصادر عن المحكمة العسكرية العليا الخاصة بمن حاولوا اغتياله، فضلا عن منذر أبو العيس، الشاب الكظماوي الذي قتل شخصا من بيت الطويل، لأنه تحدث بما لم يرض عنه منذر فقتله، فحكم عليه المجلس العرفي العسكري بالإعدام، أقول: يوم أراد الزعيم في شهر آذار 1960، تنفيذ حكم الإعدام بهذه الثلة، فإنه اصطحب معه في جولته الليلية، سكرتيره الصحفي والمشرف على الإذاعة والتلفزيون، المقدم الركن جاسم كاظم العزاوي، وطلب منه إبلاغ الإذاعة باستمرار البث، وقبل وقت قصير من موعد تنفيذ الحكم، توجه نحو دار الإذاعة ليعلن تأجيل التنفيذ ، وقد قرأت ذلك في مذكرات العزاوي التي نشرها بكتاب بداية تسعينات القرن العشرين، ولعل الزعيم، ما أراد تكرار ما وقع فيه يوم نفذ إعدام ناظم الطبقجلي ورفاقه في 19 من أيلول 1959 ، وما تركت من آثار نفسية مُبرّحة عليه.
المرحوم الشواف على الرغم من براكماتيته وذرائعيته ووسطيته، فإنه ينتقد رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة، العقيد فاضل عباس المهداوي، ابن خالة الزعيم، إذ يرى إنها انتهت إلى الخوض في الخلافات والخصومات التي نشأت بعد الثورة، وبذلك فقدت المحكمة مبرر كونها وسيلة إعلام ودعاية للثورة، وأصبحت على العكس من ذلك، وسيلة إعلام ودعاية لانحراف الثورة عن مبادئها، وعن مبادئ العدل وآداب المحاكمة وسلوكياتها، مما يضمن احترام المتهمين والناس والمجتمع عامة للمحكمة وقراراتها (..) ولكن المحكمة لم تستطع القيام بدورها حسبما مرسوم لها بنجاح"ص81
وإن هذا البراكماتي المتعفف، الذي لا يبخس الناس أشياءها، وينزل الناس منازلها، والناس ما هم ملائكة ولا شياطين، بل هم بشر، يصف ثورة تموز 1958، بأنها قفزة في المجهول، أكبر وأشق من أن يتحملها الوضع السياسي العراقي، ص135.
وإن الزعيم عبد الكريم لا يلام وحده، بل أعوانه يتحملون جانباً مهماً من المسؤولية في تلك الأيام الضاجة بالتعجل وبالعنف والخلاف الدموي. ص111
هذا الرجل - بكل ما له وما عليه- انتهى في شوال، (كونية) وفصيحها (جولق)مثقلة بالحجر مرمية في النهر، وبهذه الطريقة المتوحشة والبعيدة عن الحضارة والوفاء والمروءة والخلق الإنساني، انتهت حياة الزعيم عبد الكريم بن قاسم البكر وانتهى وجوده على هذه الأرض. ص132








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى