الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة حول الآليات الدولية والمحلية لمحاربة الافلات من العقاب ( 41 / 19) ..ه

أرام عبد الجليل

2006 / 7 / 14
حقوق الانسان


الفقرة الثالثة: إشكالية تعارض مصادر الاختصاص ونتائج تطبيق مبدأ التكامل
تتعدد مصادر اختصاص المحكمة، فإلى جانب النظام الأساسي نجد المعاهدات الدولية، والقوانين الوطنية، وقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، مما يجعل التعارض وارد بين هذه المصادر لما قد يهدر من فاعلية مبدأ التكامل (أولا). كما تمثل نتائج التطبيق هذا المبدأ الأهداف الرئيسية التي دعت إلى صياغته (ثانيا).وسنعتمد في هذا الجانب من الدراسة على الاجتهادات الفقهية البارزة لأستاذنا القدير الدكتور عبد الفتاح محمد مسراج والتي تمكن من خلالها من توضيح مكامن التعارض والوقوف على الثغرات القانونية عند تنفيذ نظام روما .
• أولا: تعارض مصادر اختصاص المحكمة:
رغم الصياغة التكاملية في تحديد القانون الواجب التطبيق، فإن هناك بعض الحالات التي قد يتعارض فيها النظام الأساسي مع غيره من المصادر الأخرى مما قد يؤثر بالسلب على مبدأ التكامل.
1- الأثر السلبي لتعارض النصوص على مبدأ التكامل:
يعتبر التشريع الوطني من أهم مظاهر سيادة الدولة على إقليمها، وإرادتها في صياغة النظام القانوني الذي يحدد العلاقات بين من يقيمون على إقليمها.

كما لا يمكن الفصل بين التشريع والسلطة القضائية صاحبة الاختصاص في تطبيقه، حيث أن التكامل القضائي يستوجب تكامل تشريعي يوضح نطاق اختصاص كل من السلطة القضائية الوطنية أو الدولية. فمن المسؤول إذن، عن التعارض التشريعي مع النظام الأساسي؟ كيف يمكن تقديمه للمحاكمة؟ إن انهيار مبدأ التكامل يمكن أن نفترضه عند قراءة المادة (8/2/ب/26)، والمادة (الفقرة هـ/7 )الخاصة باعتبار تجنيد الأطفال دون الخامسة عشر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية(1).

- الافتراضات المتعلقة بتعارض نصوص التشريع الوطني مع أحكام النظام الأساسي:
يحدث هذا التعارض حالما تقوم دولة ما بتجنيد الأطفال إجباريا دون سن الخامسة عشر. فهذه الوضعية تطرح تساؤلا عميقا حول من المسؤول هنا، هل هو رئيس الدولة، أم رئيس البرلمان، أم قائد القوات المسلحة؟ وما هي حدود هذه المسؤولية؟(2).

إن المسؤولية تنتفي حالما ينخرط من هو دون الخامس عشر تطوعا في التجنيد، ما لم يحدث عدم رفض سلطات الدولة انضمام الأطفال دون سن الخامس عشر إلى صفوف محاربيها صورة من "جرائم الامتناع" المعروفة في التشريع الجنائي الوطني(3).

فإذا كان واضعو هذا النص قد راعوا أحكام البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 المكملين لاتفاقيات جنيف، فإن الأمر ينتج عن اختلاف ،أهمه أن النظام الأساسي يرتب مسؤولية جنائية فردية على من يخالف أحكامه بصفة مباشرة باعتبار المحكمة الجنائية جهاز قضائي دائم، بينما يعتبر البروتوكولين اللذين يمثلان مجرد قواعد وأحكام تحمل التزام قانوني للدول لتوفيق تشريعاتها، وأنظمتها بما يتفق وأحكام هذين البروتوكولين خاصة في ظل غياب آلية قضائية دولية يعهد إليها بتطبيق هذه النصوص.

"لذلك فإن الصياغة الأكثر ملاءمة لهذه النصوص هي أن تقتصر على حالات (استخدام الأطفال دون سن في أعمال القتال) بحيث تسري على حالات التجنيد الإلزامي او التطوعي، ويمكن هنا إسناد المسؤولية الجنائية الدولية إلى من قام باستخدامهم الفعلي، أو سمح لهم بالتطوع في صفوف المقاتلين"(4).

ب- عدم فعالية بعض نصوص النظام الأساسي لتطبيق التكامل:
إن تجنيد أو قبول تطوع ما فوق سن 15 سنة لا يعتبر جريمة. وبالتالي، فإن استخدام دولة ما لمقاتلين من سن الخامس عشر حتى ما دون الثامنة عشر لا يعد هذا بمثابة جريمة تختص بها المحكمة، مادامت أن المادة (26) من النظام الأساسي قضت بأنه "لا يكون للمحكمة اختصاص على أي شخص يقل عمره عن 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه".

إن هذه الصياغة المطلقة تبين على عدم انعقاد الاختصاص للمحكمة كلية لمن لم يتجاوز سن الثامنة عشر وقت ارتكابه الجريمة التي تدخل في نطاق اختصاصها. ويزداد الأمر تعقيدا حالما لن تتمكن دولة الطفل –المقاتل- من محاكمته تطبيقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ناهيك عن كون هذا المقاتل –الطفل- سيكون من محاربي هذه الدولة،والذي قاتل بناء على تعليمات رؤسائها وقادتها. وهو ما يجعله بمنأى عن العقاب، وهنا يصبح المقاتل –الطفل-غير مسؤول عن أفعاله التي تعتبر جريمة دولية".

إن المادة (26) من النظام الأساسي تمثل عائقا لتطبيق مبدأ التكامل وهو ما يتعين النزول بالسن فيها إلى الخامسة عشر لتنسجم مع سياق النصوص، أو أن يتم حذفها لتقع المسؤولية على من يستخدم هؤلاء الأطفال أيا كان السن، مع تقرير محاكمة وعقوبة أخف للصغار، وذلك تماشيا مع السياسة الجنائية للتشريعات الوطنية، وقواعد بكين الخاصة بالقواعد النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث(4)، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تنص المادة (14/4 )منه على أنه "في حالة الأحداث يراعى جعل الإجراءات مناسبة لسنهم، ومواتية لضرورة العمل على إعادة تأهيلهم".

"فضمان تطبيق مبدأ التكامل يقتضي إخضاع من يرتكب جريمة تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، مع وضع اعتبارات خاصة للسن، وترتيب إجراءات وعقوبات تتناسب مع صغر السن، حتى لا يؤدي نص المادة (26) إلى إفلات الجناة تحت سن الثامنة عشر من العقاب خاصة في حالة فساد أو انهيار الأنظمة القضائية الوطنية لدولهم"(6).

* ثانيا: نتائج تطبيق مبدأ التكامل:
تقوم نتائج تطبيق مبدأ التكامل على فرضية أساسية، وهي أن العمل بهذا المبدأ يخلق فرص المقاضاة العادلة، والمتوازنة، والمبنية على أسس قانونية، سواء استندت إلى المصادر ذات الطابع الدولي (كالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية مثلا) أو إلى مصادر وطنية ممثلة في القانون الداخلي.

1- تطبيق فرض لجوء الدول إلى مجلس الأمن في المنازعات القانونية:
لقد خول الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن اختصاصات لحفظ السلم والأمن الدوليين(7)، التي غالبا ما كانت مقاضاة المتهمين بارتكاب الجرائم الجسيمة التي تمثل تهديدا للأمن الجماعي تتخذ طابعا سياسيا، مادامت تقاضي الدول وليس الأفراد.

وبالرغم من خروج بعض الجرائم من النظام الأساسي للمحكمة كجريمة الإرهاب، فإن فرض لجوء الدول إلى المحكمة الجنائية يرتفع مقابل تقلص فرص اللجوء إلى مجلس الأمن خاصة وأن المنازعات ذات الطابع القانوني والمتعلقة بالقانون الجنائي الدولي تختلف عن النزاعات السياسية اختلافا جذريا.

فإذا كانت الدول قد لجأت إلى مجلس الأمن لكون المجتمع الدولي كان يفتقد إلى جهاز قضائي جنائي يتولى الفصل في النزاعات الجنائية، إضافة إلى عدم فعالية النظم القضائية الوطنية في ملاحقة الجناة المتهمين بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، فإن حسن تطبيق مبدأ التكامل سيوفر على الدول فرص اللجوء إلى مجلس الأمن.

إن التكامل بين القضاء الوطني والدولي، سيملأ الفراغ الذي كان قائما من ذي قبل ،وذلك ببسط قواعد العدالة الجنائية بمفهومها الشامل على كل من يرتكب جريمة تهدد الكيان البشري، وتمثل خرقا للقواعد القانونية الوطنية أو الدولية على حد سواء.

2- تفعيل مبدأ عالمية العقاب:
يقضي مبدأ عالمية العقاب بأن تختص أية دولة بمحاكمة من يتم القبض عليه وهو على إقليمها متى يثبت اتهامه بارتكاب جريمة معاقب عليها بموجب قوانينها، ويتسم هذا المبدأ بأنه ذو طبيعة دولية، لأنه يعبر عن اتحاد أعضاء المجتمع الدولي في محاكمة الجريمة.

إن مبدأ عالمية العقاب ،يعبر عن تقلص مفاهيم السيادة التقليدية في المقاضاة عن الجرائم التي ترتكب على الإقليم الوطني، سواء في صيرورته الفعلية أو الحكمية، أو الحالات التي يمتد فيها القانون خارج الإقليم على سبيل الاستثناء(8)، خاصة منها الجرائم المخالفة للقانون الدولي، والتي تهدد المجتمع الدولي.

فالتقارب بين مبدأ العالمية ، ومبدأ التكامل يزيد من فرص التعاون الدولي، ويقلص من فرص نجاة المتهمين من العقاب. فمبدأ العالمية يخول للدولة التي قبضت على المتهم أن تجري تحقيقاتها، وتحاكمه عن جريمته وفقا لحدود اختصاصها القضائي، فإن مبدأ التكامل يأتي ليكمل هذا الإطار من التعاون بين الدول بخلق التزام على الدولة لتقديم الشخص إلى المحكمة متى انعقد لها الاختصاص وفقا لأحكام النظام الأساسي.
وإذا كان قد شهد مبدأ عالمية العقاب نفي العصر الحديث تطبيقا ولو ملحوظا(9)، فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تسمح لها قواعد الاختصاص من تفعيل هذا المبدأ(10)، "بل تطبق مبدأ الإقليمية بصورة صارمة وفقا لما هو سائد في قانون العقوبات الوطني للدول"(11).
فتفعيل مبدأ عالمية العقاب يتطلب التجاوب التشريعي من بعض الدول بعدما أصبح هذا المبدأ بمثابة قاعدة دولية تفرض آثارها على المجتمع الدولي بأسره، كما ان عمل المحكمة واضطلاعها بمهامها، يقتضي أن تتعاون الدول المعنية مع المحكمة سواء فيما يتعلق بالقبض على المتهمين، أو تقديم الوثائق والشهود وغيرها من سبل التعاون التي تضمنتها مواد الفصل التاسع من النظام الأساسي للمحكمة.

هوامش
1. إن استخدام الأطفال للمشاركة في الأعمال الحربية، بمثابة جريمة من جرائم الحرب، وذلك حسب نص المادة (77/2 )من البروتوكول الأول ل 1977 المكمل لاتفاقيات جنيف الأربعة، وذلك في حالة اندلاع النزاعات المسلحة الدولية أما في حالة النزاعات الغير الدولية وهي التي نظمها البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977، فقد نصت المادة (4/3 )على نص مماثل.
2 . الأمر يطرح هنا، على اعتبار أن مجرد صياغة هذا التشريع جريمة، وذلك تطبيقا لحرفية النص التي جاءت باصطلاح التجنيد الإجباري conscripting. .
3 . انظر: عبد الفتاح محمد سراج، م.س، ص 106.
4 . ترجع الأسباب عموما في انعدام الدقة في الصياغة الأصلية إلى عدم توفيق لجنة الصياغة في بعض الحالات لاستخدام مصطلح يتفق واللغات الست التي تم تحديد النظام الأساسي بها.
- نفسه، ص 107.
5 . تعرف المادة (2/أ) من قواعد بكين الحدث بأنه "طفل صغير يجوز بموجب النظم القانونية ذات العلاقة مساءلته بطريقة مساءلة البالغ".
6 . نفسه، م.س، ص 109.
7 . يتجلى تدخل مجلس الأمن في المنازعات ذات الطابع الجنائي الدولي من خلال مظهرين رئيسيين:
- المظهر الأول: يتمثل في التدخل المباشر بقرارات صادرة عن مجلس الأمن لفرض عقوبات دولية على الدول التي رفضت الامتثال لقرارات مجلس الأمن بتسليم بعض المشتبه في ارتكابهم جرائم.
- المظهر الثاني: يتمثل في القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بإنشاء محاكم جنائية خاصة للنظر في محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في يوغسلافيا السابقة ورواندا.
8. المقصود بذلك أن اعتبارات السيادة هي التي تدفع معظم التشريعات الجنائية الوطنية لصياغة نصوص لتطبيق أحكام تشريعها الجنائي الوطني خارج الإقليم، وذلك إما بهدف ملاحقة مواطنيها الذين يكونون قد ارتكبوا خارج الإقليم جريمة معاقب عليها بموجب تشريعها وتشريع الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة (مبدأ الشخصية الإيجابية)، أو للقصاص من الجناة الذين يرتكبون جرائم ضد مواطنيها (مبدأ الشخصية السلبية)، أو لحماية مصالح بذاتها يمثل الإضرار بها، أو افتراض جرائم من شأنها أن تمس سلامة الوطن واستقراره (مبدأ العينية).
9 . فمثلا من خلال محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا، شهدتا تعاونا من جانب العديد من الدول بتقديم المتهمين الذين يقيمون على إقليمها إلى المحكمة لمحاكمتهم عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة التي ارتكبوها ضد ضحايا النزاعات المسلحة في منطقة البلدان ورواندا.
- انظر تقرير اللجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، م.س، ص 9.
10 . فكما تطرقنا إليه سابقا تحال القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية إما من إحدى الدول الأطراف أو من مجلس الأمن، بموجب الفصل السابع من الميثاق، أو إذا باشر المدعي العام التحقيق بعد موافقة دائرة ما قبل المحاكمة أو من إحدى الدول غير الأطراف وفقا للشروط القانونية.
- انظر المادة 13 من النظام الأساسي وكذا المادة 14 من نفس النظام.
11 وذلك راجع إلى المادتين 13 و 14 كما سلف.
- انظر محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، عرض تاريخي، م.س، ص 150.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف النازحين يناشدون العالم للتدخل قبل اجتياح إسرائيل مدينة


.. رفح الفلسطينية.. جيش الاحتلال يدعو النازحين إلى إخلائها مرة




.. تعرف على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية وآليات إصدار مذكرا


.. الأونروا: النفايات تتراكم في أنحاء قطاع غزة وينتشر البعوض وا




.. القوات الإسرائيلية تشن حملة اعتقالات في طولكرم