الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق / ثنائية الموت والأمل

عمر إدلبي

2006 / 7 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


ما يثير الدهشة والشفقة معاً أن ملوك الطوائف في العراق يصرحون ـ وبشكل بات ممجوجاً ـ بنواياهم الحسنة تجاه بعضهم بعضاً، ويؤكدون للقاصي والداني حرمة الدم العراقي على العراقيين، في الوقت الذي يشهد فيه تراب العراق أغزر عملية إرواء له منذ بدء التاريخ من هذا الدم الحرام، الذي يريقه العراقيون أنفسهم، وما على المراقب والمشاهد إلا أن يصدق زوراً وبهتاناً أن وعي الشعب العراقي في أعلى مراحله الحضارية!!
نهر الدم العراقي ما زال يجري، ورموز الطائفية بشخوصها وأمكنتها أضحت طحيناً بين حجري طاحونة الإرث الخلافي التاريخي، الذي لم يغب عن أذهان أجيال مناصريه منذ أراد أربابه الأوائل اقتناص ما أمكن لهم اقتناصه من مكاسب شخصية، بدعم من حججهم التي أوردوها من النصوص المقدسة حيناً، ومن سيوفهم المستعدة أبداً لسفك الدم في كل الأحيان الأخرى.
إن ارتداد العراقيين إلى انتماءاتهم البدائية، الإثنية والدينية والطائفية والعشائرية كرس حضوراً كبيراً لمرجعياتهم العرقية والدينية والطائفية، وجعل من هذه المرجعيات مركز الثقل الفعلي ومحور العمل السياسي في عراق ما بعد صدام، وشكل انتقال خلافات هذه المرجعيات فيما بينها إلى القوى السياسية معيقاً هائلاً في وجه إيمان كل طرف سياسي بصدقية الطرف الآخر، ومن غير المتوقع أن ينتهي وإلى الأبد الصراع بين الكتل السياسية التي تتضمنها اللوحة السياسية العراقية، هذا الصراع الذي أخذ شكلاً دموياً تسخينياً وتصعيدياً خطيراً خلال فترة المشاورات لتشكيل الحكومة، وذلك باعتبار أن مصالح هذه الكتل مختلفة ومتعارضة من جهة، وأن هذه الكتل في عمومها الغالب لا تقدم مصلحة العراق والعراقيين على إيديولوجياتها ومطالب كتلها الاجتماعية ـ شبه المتخلفة على صعيد وعيها ـ التي تقف وراءها من جهة أخرى، ولكن ما نتوقعه ـ بشيء من التفاؤل ـ أن تتراجع حدة هذا الصراع الذي يغذيه سوء فهم كبير بين مختلف هذه القوى السياسية.
الجديد في المشهد العراقي أشد وأخطر مما يخطر في بال بشر، فملوك الطوائف الجدد انتقلوا من مرحلة التحالف غير المقدس إلى مرحلة التصارع ـ عبر مليشياتهم المسلحة ـ على سرقة ما يمكن سرقته من ثروات الشعب العراقي ولا سيما النفطية منها، وتحولت البصرة إلى " باليرمو " المافيا العراقية، بعد أن كانت مضرب المثل في هدوء حالتها الأمنية، فيما يعكس تحولاً ـ لم يكن غير متوقع في نظرنا على الأقل ـ في طبيعة الفلتان الأمني من صيغة الصراع الطائفي والعرقي إلى صيغة لا تقل بشاعة وخساسة، ألا وهي صيغة صراع العصابات، هذه العصابات التي تمثل الوجه الآخر والقبيح في حقيقته للتكتلات الحزبية الطائفية أصلاً والمشبعة بالأحقاد والأمراض والفساد، وقد صدق في حالتها المثل الشعبي الذي يقول: لم يروهم يسرقون، ففضحوا أنفسهم عند اقتسام السرقات!!
ولكن ـ وعلى عادتنا ـ سنكون متفائلين، وننظر بعين الأمل إلى تطور العملية السياسية في العراق، التي نعتقد أنها المخرج الوحيد للعراقيين من الأزمة التي تعصف بهم وبالعراق، وأنها مقدمة لإحراج قوات الاحتلال ودفعها للخروج وتسليم مصير العراق للعراقيين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن تطور المسار السياسي التشاركي سيقلل في اعتقادنا فرص انتشار إرهاب التيار التكفيري، وسيدفع بعض المنخرطين فيه إلى مراجعة حساباتهم، وانتهاج نهج تصالحي مع الذات ومع الآخر، فيما إذا جرت عملية احتواء وتفهم مخاوفهم عبر الحوار، وبالتالي إبعادهم عن الزج بأنفسهم في طاحونة القتل الأحمق الذي لا يشبه المقاومة المشروعة في شيء.
وفي هذا السياق جاء الإعلان عن الولادة العسيرة لأول حكومة عراقية دائمة تحقق ـ إلى حد ما ـ شمولية العرق والطائفة، ورغم أن جبهة التوافق التي تمثل العرب السنة تحفظت على تشكيل الحكومة ومنحها الثقة قبل تسمية وزيري الدفاع والداخلية الدائمين إلا أن هذا النهج التشاركي الذي يصر عليه أطراف العملية السياسية والمجتمع الدولي يعتبر في نظرنا تطوراً بارزاً ومطلوباً للوصول إلى عراق قوي وحر وديمقراطي وموحد.
وأمام الحكومة الجديدة مصاعب ومستحقات لن يتسامح الشعب العراقي مع التخاذل بها، تبدأ بالخبز والأمن ولا تنتهي إلا بكامل الحقوق والحريات الإنسانية الأساسية، وما يكفل ذلك هو إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية انطلاقاً من اعتبار مصلحة العراقيين فوق كل اعتبار ،فتحسين الوضع الأمني والمعيشي للعراقيين بات مطلباً يتعلق بتحقيقه وجود العراقيين كبشر، وتحقيق المصالحة الوطنية وجلوس العراقيين بكافة فئاتهم ـ بصرف النظر عن شروط المحتلين واعتراضهم على بعض التيارات ـ على طاولة مصالحة وطنية جامعة للمشاركين وغير المشاركين في الحكومة والبرلمان هو المدخل الوحيد لتحقيق الشرط الملائم لإنجاز الديمقراطية العراقية المنشودة، وهي آمال نرغب كما يرغب العراقيون أن تكون قاعدة تؤسس لعراق قائم على فكرة المواطنة كمحدد للهوية العراقية بعيداً عن الطائفية البغيضة والعرقية العنصرية ومهزلة المحاصصة.
إن تسهيل تقليص عديد قوات الاحتلال في العراق ـ كما يأمل سفير واشنطن في بغداد ـ مسألة نعتقد أنها ترتبط باعتبارات عديدة ومختلفة، ليس استتباب الأمن في العراق إلا واحداً منها، وليس هو السبب الحاسم والوحيد في هذه الخطوة التي يأمل العراقيون جميعاً الإسراع في إنجازها، فالمسألة تتعلق بالأهداف الإستراتيجية للسياسة الأمريكية في المنطقة بالدرجة الأولى.
وأمام هذا المشهد المعقد، فإن برنامج الحكومة العراقية الجديدة طموح للغاية، ويكاد يبدو ضرباً من ضروب الوهم، فهل تتمكن هذه الحكومة من إنجاز حلمها؟ أم أن طاحونة العنف ونذر الحرب الأهلية وكابوس الاحتلال ستلقي بظلالها على مستقبل الشعب العراقي المنكوب؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية سخيفة


.. بعد ضغوط أمريكية.. نتنياهو يأمر وزارة الاتصالات بإعادة المعد




.. قراءة في ارتفاع هجمات المقاومة الفلسطينية في عدد من الجبهات


.. مسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعترف بالفشل في الحرب




.. مصر تحذر من أن المعاهدات لن تمنعها من الحفاظ على أمنها القوم