الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سريان النخب بالمغرب

محمد زين الدين

2006 / 7 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تعتبر مسألة تجديد النخب مسألة محورية في مسار أي مجتمع على اعتبار أنها تمثل إرهاصا معنويا وماديا يترجم بشكل أو بآخر حركية المجتمع من جهة ومعيارا تأطيريا للحظة تواجدها من جهة أخرى؛ فالحديث عن النخبة يبقى مؤشرا قويا يترجم مدى حيوية المجتمع ومدى قابلتيه لبلورة مشروع حداثي لكونها مشتلا سياسيا يبلور منظومة من القيم ومشاريع الأفكار التي تطبع هوية ذلك المجتمع ؛ ذلك أن النخبة تبقى في نهاية المطاف مصنعا لانتاج أفكار ومشاريع المجتمع.
فإلى أي حد يصدق هذا التصور على واقع النخب بالمغرب؟
إن طرح هذا السؤال المركزي يقودنا إلى البحث في أسئلة نوعية من قبيل:
ما هي حدود وامتدادات النخب في النسق السوسيوسياسي المغربي؟ ما الذي يحدد إمكانات الانخراط في النخبة أو الخروج منها؟ هل نتوفر على نخبة مغربية فاعلة تخطت مرحلة الخصاء واللافعل؟ وإلى أي حد يمكن الحديث عن أزمة لا تجديد النخب؟
يصعب على الباحث الجامعي إيجاد نمذجة خالصة لتموقع النخب المغربية؛ فالتداخل بين ماهو ديني وماهو سياسي يحضر بقوة؛ مثلما يحضر تداخل بين ما هو إداري مع ما هو اقتصادي؛ بل أحيانا يتحول هذا التداخل إلى تناقض مطلق بين ايديولوجية وتصورات هذه النخب وبين انتمائها إلى فضاءات وتنظيمات متباعدة عنها إذ لم نقل مخالفة لها.
وبغض النظر عن هذه الاشكالية تنقسم النخبة المغربية إلى نُخب فرعية أهمها النخبة الوزارية ؛النخبة الاستشارية ؛نخبة علماء الدين ؛النخبة المثقفة والنخبة البيروقراطية إلى جانب المعارضة السياسية التي نعتبرها نخبة مضادة.
والواقع أن الباحث الجامعي يصادف في ميدان علم اجتماع النخب ظواهر متعددة تتصل كلها بالنخبة المغربية سواء في المجال السياسي؛ الاقتصادي؛ الاجتماعي الديني أو الاداري؛ ولعل أبرز هذه الظواهر ظاهرة احتكار العمل الجمعوي؛فإذا كان مقعد الزعامة في الأحزاب السياسية لا ينحل إلا بوفاة القائد فإن هذه الظاهرة تبرز بقوة في العمل الجمعوي؛ حيث يرصد بنحدو في كتابه" نخب المملكة"مسألة احتكار العمل الجمعوي هذه الوضعية قائلا :"هناك 51% من مسيري النوادي الرياضية هم أصحاب شركات أو أصحاب بنوك أو مفاوضون أو مدراء لشركات و1 % موظفون سامون و13% رجال أعمال حرة؛ فرجال الأعمال يحتلون مواقع هامة بناء على القوانين التأسيسية لهذه الجمعيات بحيث تتوارث من الأب إلى الابن و56% منهم يحصلون بكيفية متعاقبة على منصب الرئيس25% هم كتاب عامون و10 أمناء المال".
فهل يحق الحديث عن مجتمع مدني في مغرب لا تزال فئات تتمتع بامتيازات اجتماعية وسياسية بينما تكرس مختلف الدساتير التي عرفها المغرب المستقل على أن المغاربة متساوون في الحقوق والواجبات طبقا لمقتضيات الفصل الثامن من الدستور المغربي؟
وهل يحق الاعتماد على النخبة التقليدية التي ورثناها منذ عهد الاستعمار لتسيير دواليب الحياة الاجتماعية والاقتصادية ؟
إن الحديث عن نخب المملكة المغربية يطرح جملة من التساؤلات المركزية تتعلق أساسا بطبيعة هذه النخب ومنابع تشكيلها ومدى قدرتها على تحمل المسؤولية العمومية إلى جانب توفرها أو عدم توفرها على مشروع مجتمعي حداثي لكونها تلك الفئة التي تحمل مشعل التغيير.
فما واقع النخب المغربية؟
ثمة سؤال مركزي يفرض نفسه بإلحاح شديد على بلد يواجه إكراهات متعددة؛ مثلما يرتبط بمواعيد دولية حارقة تحتم عليه السير قدما بوثيرة سريعة لكن بتؤدة وهو الأمر الذي يتطلب وجود نخب مستشعرة لطبيعة هذه التحديات الداخلية والخارجية.
وإذا كان هناك شبه إجماع على وجود حالة من الانحطاط القيمي في مكونات النخب المغربية فإن هناك بالمقابل تباينا ملحوظا في وضعية كل نخبة على حدى؛ فالنخب الحزبية لا يمكن أن نموقعها في خانة واحدة لذا ينبغي أن نسجل بأن هناك تفاوت ملحوظ في تعامل الأحزاب السياسية المغربية مع مسألة استقطاب وإنتاج النخب؛فمن حسنات أحزاب الكتلة الديمقراطية قبل ولوجها لتجربة التناوب التوافقي كونها كانت تشكل مشتلا قويا لاستقطاب وانتاج نخب متعددة المشارب لعبت دورا مركزيا في إنضاج مسلسل النهج الديمقراطي؛ بيد أن إخفاقات تجربة التناوب قادت إلى نوع من الانكماش لدى جانب من هذه النخبة الأمر الذي سيدفع الكاتب الأول محمد اليازغي خلال اجتماع اللجنة الادارية للاتحاد الاشتراكي إلى الافصاح صراحة على تطلعه قائلا: "علينا أن نكون قوة سياسية تجعل من المنهجية الديمقراطية أمرا واقعا" بيد أن تحقيق هذا المسعى لن يكون إلا بعودة الروح في مكونات الكتلة من جهة؛ وذلك بالعمل على استقطاب الأطر المغيبة من الحقل السياسي المغربي من جهة؛ وتدبير ثقافة الديمقراطية الحزبية من جهة ثانية.
في المقابل تبدو أحزاب الوفاق في حالة شرود سياسي على مستوى استقطاب النخب؛ وحتى في حالة وجود نزر يسير من هذه النخب فإننا نجدها تحلق خارج سرب مكاتبها السياسية؛ هذا في الوقت الذي عجزت فيه أحزاب "العهد الجديد "على استقطاب الاغلبية الصامتة من النخب المهمشة.
إلى جانب ذلك تعيش النخبة الحزبية المغربية قدرا كبيرا من الشخصنة عوض المأسسة ، بشكل يغيب الجوانب الموضوعية والمصلحة الجماعية؛ فنجد من بين التعابير الدالة والمتداولة في هذا الإطار، القول مثلا بأن هذا حزب فلان، وليس الحزب الفلاني، أي أننا نشخصه ونختزله في الزعامات؛مثلما يلاحظ أن تصور المجتمع يتموقع حول فكرة معينة تتمثل في المحاباة لصاحبها، وليس قياسا لمضمونها وجوهرها، ومدى الاقتناع بها.
أما النخبة الاقتصادية فإن جانبا كبيرا منها مازال يتقوقع حول الطابع العائلي للمقالات المغربية بشكل يجعلها غير قادرة على الابتكار والتجديد وخوض غمار المنافسة إلى جانب استيعابها لمسألة التكتلات الاقتصادية لكونها سمة مركزية من سمات العولمة دون أن نغفل ظاهرة التملص الضريبي وضعفها في جحافل العاطلين.
فيما حال وضعية النخب المثقفة لا يقل عن وضعية نخبنا السياسية؛ فالمغرب لا ينتفع بالقدر الكافي من آراء واجتهادات مفكريه، علما بأن هؤلاء موجودون بجامعاتنا، وفئة منهم ذات مستوى علمي وفكري وثقافي عالمي.
فهل الأمر يتعلق بغياب أو تغييب دور المثقف المغربي؟
إن النخبة المثقفة بالمغرب الراهن تبقى في مجملها متقوقعة على الذات بشكل يجعلها بعيدة عن إدراك نبض الشارع المغربي لدرجة قادت عبد الله الحمودي في كتابه" مصير المجتمع المغربي" إلى الافصاح صراحة على أنه:" لا تستطيع اليوم أن تجد ولو خمسة كتب لمثقفين عاشوا ولو ستة أشهر مع الفلاحين في البادية" ليستطرد موضحا على أن :" النخب التي تدعي العقلانية كان ارتباطها بالواقع نظريا وليس عمليا على الأرض"
إن نخب المملكة اليوم مدعوة إلى أن تزيل صورة الانحطاط القيمي التي تتولد في ذهنية المجتمع؛فارتكازها على نظام الامتيازات أو المكافآت أمسى اليوم متجاوزا بفعل ندرة الموارد الدولة من جهة وتطلع السلطة الحاكمة إلى الاستناد على معيار الكفاءة وهو الأمر الذي ما زال لم تستوعبه نخبة اليوم ذلك أن منطق العرض والطلب تغير في المعادلة السياسية مع العهد الجديد؛ حيث نلمس الاستناد على الأطر الشابة المتخصصة في مجالات دقيقة عوض فيما المجال التمثيلي المخصص للأحزاب السياسية ما زال يكتنفه قدر كبير من الضبابية بفعل منطق نظام قسمة الغنائم السائد في مخيلة النخب الحزبية لينعكس الأمر بشكل سلبي على المؤسسات التمثيلية؛ فالبرلمان المغربي أمست مناقشاته تتم بأربعة إلى خمسة نواب إلى جانب الوزير المعني بالسؤال فيما يتم التصويت على ميزانية الأمة بربع عدد النواب.
مجمل القول أنه إذا كان من الطبيعي أن تتقلد النخب مراكز القرار فإنه من غير الطبيعي أن يتم تقلد هذه المناصب بناء على اعتبارات غير موضوعية كاللجوء إلى القرابة أو المصاهرة أو تقديم مكافأة لأن هذه الممارسات تتعارض جملة وتفصيلا مع دولة الحق والقانون؛ فإدارة مراكز القرار ينبغي أن تستند على عنصري الكفاءة والاستقامة وليس شيئا آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة