الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مستوطنات تعليمية

الغربي عمران

2020 / 11 / 22
الادب والفن


قراءة في كتاب "مستوطنات تعليمية"
هل نتوجه نحو الأفضل.. أم هدم هشاشتنا.

كتاب يترصد بداية التعليم النظامي الحديث منذ البدايات الأولى.. وحتى اليوم. للإعلامية المتميزة.
الكتاب يتكون من مئتين وأربعين صفحة.. وزعت على ثلاثين فصلا. صادر حديثا عن دار الهلال.. لوحة الغلاف صبية تطير ضفائرها.. محتضنة لكتاب.. يكبلها سلك شائك على شكل حرف"s" ما يوحي من دلالة الدولار الشائك.. اللوحة من تصميمه الفنان حلمي التوني.
بدأت الكاتبة صفحات كتابها.. بنص أدبي شيق.. عن حلم كتاب.. ليتها أستمرت.. ثم مقدمة تضمنت ذكريات الكاتبة مع شهادة الثانوية العامة.. وتلك المواد التي مثلت لها صعوبة بالغة.. صاغتها بأسلوب أدبي سلس.. لتقرب القارئ من مناخ دراسة المرحلة الثانوية في مصر.. ورهبة امتحانات نيلها.. وما تشكله من أزمة نفسية لدى الطلبة وأسرهم لما تمثله من قيمة مستقبلية.
الفصل الأول.. والذي جاء كمقدمة ثانية .. حيث دعمته الكاتبة بالأرقام.. منذ بداية التعليم النظامي وحتى اليوم.. إذ تبين من خلال ذلك تفاقم الخلل.. وزيادة الشرخ منذ بداية دخول التعليم الأجنبي "الدولي" وأتساع رقعته.. لتتسع الهوة يوما بعد يوم. ويتغلغل فساد ينخر الهوية المجتمعية بأسلوب جديد.. مقابل ذلك يتدهور التعليم العام.. ليصبح هناك تعليم بمناهج أجنبية خاص بالمقتدرين.. وتعليم متدهور للعوام.. وبذلك يتم إنتاج مجتمع منقسم على نفسه.. وشرخ خطير تزداد سعته يوما بعد يوم. مشكلا خطرا على هوية المجتمع وتماسكه.. إذ أصبح في مصر نظامين للتعليم .. بمناهج مختلفة.. ونتيجة لذلك زادت نسبة الأمية بين العوام لتضم أكثر من خمسة وعشرين مليون أمي في وقتنا الحاضر.
قسمت الكاتبة تاريخ شهادة البكالوريا في مصر إلى خمس مراحل طبقا
لتطور الشهادة.. اجتماعيا وتاريخيا.
- المرحلة الأولى من محمد على وتأسيس الشهادة حتى عصر إسماعيل --- الثانية من عصر الاحتلال الإنجليزي حتى د. طه حسين
- الثالثة من د طه حسين حتى عام1974
- الرابعة من 1974 حتى 2004
- الخامسة من 2004 وحتى يومنا هذا
من خلال ذلك التقسيم تظهر الأرقام .. تطور التعليم وفترات تدهوره .. من خلال انتشار المدارس الأجنبية .. وبمناهج مختلفة.. وما يقابلها من تدهور في المدارس الوطنية .. بداية من الابتدائي مرورا بالإعدادي ونهاية بالثانوية.. وما نتج عن ذلك من تفاضل في قبول حملة البكلوريا المدارس الأجنبية في الجامعات.. عن حاملي بكلوريا المدارس الحكومية.. ما يزيد من انفصام تعليمي ينذر بالخطر.. وما نتج تدهور للنظام العليمي . تستشهد الكاتبة بما قاله د. طه حسين قبل 80 عاماً: "إن الديمقراطية لا تتفق مع الجهل.. وإن تضييق التعليم العام الجيد وقصره على فريق من المصريين دون الآخر هو ضد الوطن. بل وأضيف أن تكلفة الجهل أكبر وأعظم وأخطر على المستقبل سواء السياسي أو الاقتصادي ".
السفر الثاني..
تحدثت فيه الكاتبة عن زيارتها لالمانية وفرنسا.. بداية الثمانينات.. وبداية التعليم هناك ثم تطوره إثر تحول المجتمع من الإقطاع إلى الرسمالية. لتقارن بين بداية التعليم في المانيا.. وبدايته في مصر بعد الحملة الفرنسية وحكم محمد علي باشا. في لمحة تاريخية تعطي القارئ فكرة عن بداية ثم تدهور التعليم بعد وفاة محمد علي.. ليهيمن التعليم الديني .. ويبقى التعليم العلمي منحصر على الصفوة.
السفر الثالث..
تلخص دور الارساليات واثر الوجود الأوربي على انتشار المدارس التي فتحت أمام المصريين.. وبذلك كانت بداية انتشار المدارس الأجنبية وبالذات الفرنسية. وعقد بعد أخر يتوسع نطاق التعليم الأجنبي.. تقول " كذلك وصل عدد المدارس الأجنبية الأمريكية مثلا إلى 133للبنين و 35 للبنات بإجمالي 168 مدرسة في بداية عام 1900 .ومن رحم ذلك المد وُلدت الجامعة الأمريكية بالقاهرة كأول جامعة أجنبية عام 1919 في مقابل جامعة وطنية واحدة ..سبقتها بعقد كامل هي الجامعة المصرية عام 1908"
السفر الرابع...
خصصته لدور الخديوي اسماعيل في النهوض بالتعليم من جديد ..والذي أراد لمصر أن تكون قطعة من أوربا.. وما صاحب من مشاريع نهضوية في التعليم.. وفي جميع مناحي الحياة.. ثم اثر الاحتلال البريطاني على التعليم الذي اغلق المدارس الوطنية.. وابقى على الأجنبية وباللغة الانجليزية.. لتستمر الكاتبة في أسفارها حتى السفر الأخير.. رصدة ومقارنة التعليم في مصر وفي الدول الأربية .. حتى السماح لأول طالبة بتأدية امتحان البكالوريا عام 1907 وهي الطالبة نبوية موسى وكان عدد الطلاب أنذاك الذي تقدموا للاختبار 250 طالباً فقط.
ثم ترصد أثر ثورة 1919على انتشار التعليم .. وحتى صدور تصريح فبراير 1922 بالاستقلال الجزئي لمصر وتحولها إلى المملكة المصرية.. ليصبح عدد المدارس الثانوية التي يحصل طلابها على البكالوريا "الثانوية العام" خمس مدارس.. وبصدر أول قانون منظم للتعليم الثانوي عام 1928 يرتفع عدد المدارس الثانوية عقب صدور دستور 1923 إلى تسع مدارس
حكومية.
من خلال ذلك ندرك الرصد الدقيق لتطوره التعليم.. وتلك النكسات التي كانت تحصل له من حاكم إلى آخر.. ودرجة شيوع التعليم الأجنبي ..وبمناهج خارجية.. وأثر ذلك على اللحمة الوطنية.. كما حرصت الكاتبة على إبراز توجهات الدول الاستعمارية وما تركته من تأثير على التعليم في مصر.. حتى اليوم..
وتورد الكاتبة إحصائيات دقيقة من فصل إلى أخر ..مثلاً
عام 1882 ، تقول لغة الأرقام إن مخصصات التعليم سنة 1882
كانت 1،02 % وبلغة الأرقام 1%.
بلغ عدد المدارس في عهد علي مبارك وحتى الاحتلال 152 مدرسة
يدرُس بها 12247 طالباً.
في عام 1890 انخفضت موازنة التعليم إلى أقل من 1%.
مع الاحتلال أغلقت المدارس التجهيزية )الثانوية( التي تعطي
شهادة البكالوريا بحجة الاقتصاد في النفقات ولم يبق المحتل
بموافقة الخديو إلا على مدارس الجاليات الأجنبية حتى عام 1887
وعقد امتحان موحد للبكالوريا.
في أوائل القرن ال 19 بلغ عدد المدارس الأجنبية 168 مدرسة منها
33 مدرسة أمريكية للبنين و 35 للبنات وخرجت منها الجامعة الأمريكية بعد ذلك في أوائل القرن العشرين وتحديدا عام 1919.
عدد المدارس الفرنسية "الراهبات" تجاوز عددها إلى 50 مدرسة،
نسبة كبيرة منها للبنين. ووصلت موازنة التعليم إلى 1،03 % عام 1900 . وفي عام 1907 حينما تولى سعد زغلول وهو أول مصري يُنصب
وزيرا للمعارف بلغ عدد طلاب البكالوريا (الثانوية العامة) 250
طالبا، وطالبة واحدة فقط.
ارتفعت موازنة التعليم في عهد سعد زغلول وزير المعارف إلى %3،4 أي طفرة بنسبة زيادة ثلاثة أضعاف.
ووصل عدد السكان إلى ما يقرب من 13 مليون نسمة؟
إن القلة المتعلمة من المصريين لا تعدو 20 % لذلك صدر قرارا
بإنشاء 14 مدرسة ثانوية جديدة وصدر قرارا آخر بتحويل عدة مباني
إلى مدارس فزادت أماكن الإتاحة وزادت الموازنة من 9،5 مليون
جنيه إلى 30 مليون جنيه ثم يعود طه حسين ليكتب.
أن الكثيرين من الطلاب المصريين الآن وعلى مدار الأربعين
عاما على عودة التعليم الاجنبي في هذه المدارس لا يعرفون، بل لا
يحبون أصلاً اللغة العربية، بل والتاريخ والجغرافيا.
وتضيف المؤلفة: حدثت النقلة الكبرى للتعليم بعد ثورة 1952 بإقرار مجانية التعليم كله حتى نهاية التعليم الثانوي، وفي العالم الدراسي 61 -1962 في العهد الناصري تم صدور قرار مجانية التعليم الجامعي.. أيضا ليصبح التعليم بكل مراحله مجانيا (كانت المصروفات حوالى20 جنيها للسنة الدراسية فى الحقوق ).
ومما لا شك فيه أن صدور قرار تطبيق مجانية التعليم الجامعي
في العام الدراسي 61 - 1962 كان له الأثر المباشر في نفس العام في
الزيادة الكبيرة التي حدثت في الالتحاق بالتعليم الثانوي وبالتحديد للفتيات فقد حدثت طفرة بالفعل وقفزة إلى نسبة 71 % زيادة في أعداد الطالبات، فمجانية التعليم الجامعي كانت حلماً كبيراً، أن الصراع مع إسرائيل لم يكن عسكريا فقط في ميادين القتال، وإنما صراع تعليمي وعلمي وبالتأكيد اقتصادي، وتشير الإحصائيات العالمية الحالية لمنظمة o c e d أن إسرائيل في المرتبة الثالثة عالميا في نسب التحاق طلابها بالجامعات بعد كندا واليابان.
إذا كان لي أن أقسم تاريخ التعليم المصري الحديث إلى مراحل وشهادة الثانوية في القلب منها فستكون ، المرحلة الأولى من محمد علي إلى عصر إسماعيل، والثانية من عصر الاحتلال وحتى حكومة الوفد عام 1950 ود. طه حسين، والثالثة من 1952 إلى 1973، والرابعة من 1974 وحتى 2004 والخامسة من 2005 حتى الآن .
وبداية لخلق مستوطنات تعليمية بجانب شهادة الثانوية العامة المصرية! وهذه المرة ليس للجاليات الأجنبية وإنما للجالية المصرية في وطنها.. فقد بدأت الخطوات تدريجيا منذ عصر الرئيس السادات وعلى مدار العقود الخمسة الماضية حتى وصلنا لتدشين الدولة أو وزارة التعليم بنفسها للشهادات الأجنبية، من خلال مدارس تمتلكها الحكومة مثل مدارس النيل أو يمتلكها البعض لتدريس الثانوية العامة الأجنبية.
ويبدو أن هذه الخطة لم تكن كافية فقد تزامن معها في نفس الفترة فتح الباب على مصراعيه للشهادة الثانوية الإنجليزية G.G.E مع وضع مكتسبات مهمة للحاصلين على الشهادة الثانوية الإنجليزية بالتقديم والقبول بالجامعات المصرية ولأن عددهم كان محدوداً والامتحانات بسيطة فقد كانت هذه الشهادة الإنجليزية هي البوابة لدخول الفئات الاجتماعية العليا والقادرة مادياً إلى كليات القمة كما تسمى مثل الطب والهندسة والصيدلة
والاقتصاد والعلوم السياسية وغيرها. بل سمح أيضاً بقبول التحويل بالجامعات من دول الكتلة الشرقية تحديداً.
وهكذا دخل أقطاب الإخوان المسلمين وحلفاؤهم بثرواتهم التي تكونت أثناء فترة هجرتهم إلى الخليج إلى سوق التعليم المصري ليصبحوا لاعباً وإن لم يكن أساسياً في ذلك الوقت ولكنهم دخلوا وبأعداد كبيرة.
بعد الوفاة الإكلينيكية لمشروع الثانوية المنتهية مؤقتا وبعدها بعدة شهور أو عام تقريباً سمعت أفكارا بل وخبرا عن البدء في إنشاء مدارس دولية بشهادات أجنبية برعاية وتمويل الدولة.
تلك مقتطفات من الكتاب أردت نقلها للقارئ.
الكاتبة في تناولها للتعليم في مصر.. صاغت افكراها مدعمة بالإحصائيات والمناسيب والأرقام كما ورد.. مازجة بين تقريرية الكتابة الصحفية والأسلوب الأدبي.. مدعمة بشذرات من ذكرياتها وتجربتها العملية ذات الصلة.. لتقدم المشهد التعليمي وما تراه من حلول.. لما يمكن أن يخدم حماية الهوية الوطنية من خلال توحيد مناهج ومدارس التعليم. مركزة على امتحانات الثانوية العامة .. وما تمثله للطالب وأسرته من رعب.. إذ تعني المستقبل بكل أماله.
ثم التعليم الجامعي والعال.. ومن أسهموا في تطويره.. ثم العلاقة بالمدارس الأجنبية كبزنس وأيضا أنتشار الجامعات.. كما ناقشت ظاهرة الدروس الخصوصية .. وابتكار مراكز إعداد الطلبة للالتحاق بمدارس الأجنبية . إلى شخصيات تولت وزارة التعليم العام او العالي وأثرها البالغ سلبا وايجابا في عملية التعليم .
هذا الكتاب من الأهمية بمكان.. إذ يشخص الحالة.. ويحللها.. مشيرا إلى مواطن السلب والإيجاب بطريقة علمية واضحة.
شكرا لهذا الجهد النوعي البليغ.. شكرا لأسلوبه الممتع.. وثراء معلوماته الدقيق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا