الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السُّودانُ والخَرَابُ القادمُ من جُوبا ..!

فيصل عوض حسن

2020 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يجتهد انتهازيُّّو ما يُسمَّى جبهة ثوريَّة لإقناعنا بـ(خِدْعَة) السَّلام الشامل، القائم على شراكتهم مع القَتَلة وصُنَّاع الإبادة والاغتصاب والنَّهب، ويبدو أنَّ هذه (الخِدْعَة) قد انطلَت على الكثير من السُّودانيين، الذين (تَوَهَّموا) بأنَّ المُجرم البرهان وتابعه المُرتزق حميدتي وأزلامهما، سيمنحونا السلام/الأمن (المفقود)، عبر (صفقات) طَمْس الحقوق وتمكين تُجَّار الحرب والمُجنَّسين من مصايِر البلاد والعباد!
لم أثق يوماً في المُجتمعين بجوبا، فهم بالنسبة لي (أدوات) لا يملكون من أمرهم شيئ، ويُنفِّذون ما يُؤمرون به تلبيةً لمصالحهم المالِيَّة والسُلْطَوِيَّة، وأنَّهم جُزءٌ من سيناريو يفوق في انحطاطه ما حدث بنيفاشا، التي أدَّت لفصل الجَنُوب وحده، بينما يسعى هؤلاء السَفَلَة لـ(تذويب/تلاشي) السُّودان بكامله، استكمالاً لـ(مُثلَّث حمدي) الإسْلَامَوي! ولعلَّ أخطر الحقائق الغائبة عن الكثيرين، أنَّ اتفاقات جوبا أعلى من الوثيقة الدستوريَّة التي يتبجَّح بها القحتيين، ولا يُمكن إلغاء هذه الاتفاقات أو تعديلها إلا عبر المحكمة الدستوريَّة، التي يُعطِّلها العَسكَر والقحتيين عن عَمد! والأدهى، أنَّ تُجَّار الجبهة الثوريَّة يرفضون أي تعديل في هذه الاتفاقات، وبعبارةٍ أكثر وضوحاً: لا مخرج من هذه الورطة (المُدمِّرة) إلا بثورة شعبيَّة حقيقيَّة/كاملة، تقتلع جميع هؤلاء الانتهازيين، سواء عَسْكَر أو مدنيين/قحتيين أو تُجَّار جبهة ثوريَّة.
بالنسبة لمضامين اتفاقات جوبا (المُعْلَنَة)، فهي (دقيقة/مُحدَّدة) في ما يخص المَنافع المالِيَّة والسُلْطَوِيَّة لانتهازيي الجبهة الثوريَّة، لكنها أهمَلَت تماماً السُّودانيين (أصحاب الوَجْعَة) المعنيين الحقيقيين بالسلام، كضحايا الإبادة الجماعِيَّة والتشريد والاغتصاب، وضحايا القمعِ والإفقار والتجهيل، والمفصولين (تَعَسُّفياً)، والذين نُزِعَت أملاكهم (أراضي/أموال)، سواء بمناطق النِّزاعات كدارفور والمنطقتين، أو بِبَقِيَّة مناطق السُّودان كمُتضرِّري السدود بالشرق والشمال، ومشاريع الرهد والجزيرة والسُّوكي والنيل الأبيض والشماليَّة وكُرْدُفان، وبُرِّي وأُم دُوْم والجِرِيْف شرق وغرب والفِتِيْحَاب وغيرهم، فهؤلاء جميعاً يحتاجون لتطييب النفوس وجَبْرِ الخواطر، بإرجاع ممتلكاتهم إليهم فوراً، وإخراج المُتواجدين فيها والمُنتفعين منها و(إلزامهم) بالتعويض، وهي مُتطلَّبات حتمِيَّة (تَجَاوَزتها) اتفاقات جوبا. وبعبارةٍ أُخرى، فإنَّ السَّلام (العادل) الذي نبتغيه يبدأ بتسليم البشير ورُفقائه فوراً للمحكمة الجِنائِيَّةِ، ومُحاسبة/مُحاكمة جميع نُوَّابه ومُساعديه والوُلاةِ والعسكريين، وكل من أَجْرَمَ في حق السُّودانيين دون استثناءٍ أو مُجاملة، وهذا يعني أنَّ البرهان والمُرتزق حميدتي على رأس المطلوبين للمُحاكمة، تبعاً لجرائمهما السابقة/الحالِيَّة، وليس (التفاوُض/التَحالُف) معهما. وتمتد (عدالة) السلام لتشمل (تأمين/حِمَاية) المُواطنين العُزَّل، وإعادة النَّازحين لمناطقهم (الأصيلة) والتعويض المالي المُلائم، وإرجاع أملاكهم بعد إخراج الوافدين المُتواجدين فيها.
أخطر المهددات (السيادِيَّة) التي نُعانيها وأحد مبررات ثورتنا، هي تَمَدُّ الأجانب الذين جَلَبَهم الكيزان بمجموعاتٍ كبيرةٍ، ومنحوهم الجنسيات ومَلَّكُوهُم الأراضي، وألحقوهم بمليشياتهم المُختلفة خاصَّةً ميليشيا الجنجويد، وبعضهم اسْتَوْزَر وتَقَلَّد مناصب حَسَّاسة وارتكب أبشع الجرائم، وفق ما أوضحنا بمقالنا (الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019. وبدلاً من حسم تهديدات هؤلاء المُجنَّسين، قام تُجَّار حرب الجبهة الثوريَّة بـ(تعظيم) سُطوتهم، وخَصَّصوا لهم (مَسارات) تفاوُض وهمِيَّة خصماً على أهل السُّودان (الأصليين)، مُتجاهلين خطورتهم وولائهم المُطلق/المُعلَن لبلادهم الأصيلة، وأحقادهم الكبيرة وجرائمهم البشعة ضد أهل البلد، كالنَّهبِ والقتل والاغتصاب والتعذيب، و(مَنْعِ) الصلاة على الموتى كما شاهدنا عقب مَجْزَرَة القيادة، وادِّعاءاتهم المُوثَّقة بـ(تبعيَّة) بعض أراضينا لدولهم المطرودين منها. ولم يُفكِّر تُجَّار الحرب في تهديد (المُجنَّسين) لسيادتنا الوطنِيَّة، وتعطيلهم للتَحَوُّل الديمُقراطي وبناء دولة القانون، ومَنْعْ (عودة النَّازحين) وضحايا الحرب لمناطقهم الأصيلة.
السُّودانيُّون (الأصيلون) تربط بينهم مُصاهرات وصلات رحم وصداقات وزمالات وجِيرة نبيلة، ومن الاستحالة يقطعوها أو يفسدوها مهما كانت الأسباب، لذلك فإنَّ تَصَاعُد الاصطفاف القَبَلي/الجِهَوي وخطابات الكراهِيَّة المُتزايدة، عقب إبرام اتفاقات جوبا خلفها (مُجنَّسي) الجبهة الثوريَّة والعَسْكَر، خاصَّةً المُرتزق حميدتي الذي لا يرتبط بالسُّودان (جينياً/أخلاقياً)، وهذه حال جميع الذين يتبنُّون التصعيد (الجِهَوِي/القَبَلي) الماثل، ليسوا من أرض السُّودان ولا ينتمون لأهله الطيبين! ولخدمة أهدافهم المرحلِيَّة والاستراتيجيَّة، يعتمد المُجنَّسون على (التضليل)، سواء في الثوابت التاريخيَّة أو في الحاضر، ومن ذلك تحريف بعض المُقرَّرات الدراسيَّة، وإدخال ممالك وحضارات من العدم وحَجْب/تشويه تاريخنا الأصيل، بإشراف ورعاية المُتأسلمين وأزلامهم، مع غفلة تامَّة وتراخي مفضوح لمُتخصصي التاريخ والمُؤرِّخين السُّودانيين، تجاه هذه الجريمة (العُظمى) التي تُشَرْعِنْ لوجود المُجنَّسين في حاضرنا وتهديد مُستقبل أجيالنا القادمة.
آخر أكاذيب وتضليلات المُجَنَّسين، أطلقتها إحدى (مُجنَّسات) مَسَار الشرق، يوم 18 نوفمبر 2020، حينما ادَّعت بأنَّ مجلس السيادة مسئولٌ عن (تأمين/حِماية) جولة قادتهم بالشرق، للتبشير باتفاقات جوبا المشؤومة، ثُمَّ اكتفاء مجلس السيادة بنَفيِ (خجولٍ) لهذه (الفتنة)! وكُنَّا ولا زلنا ننتظر مُحاسبة رادعة لهذه (المُجنَّسة/المُفَتِّنة) ومُحاكمتها هي ومن معها بأقسى العقوبات، قياساً بخطورة ما قامت به من (جُرْمٍ) كبير، قد يؤدي لا تُحْمَد عُقباه، مما يُثير الريبة ويعضد القناعة بتَوَرُّط العَسْكَر مع المُجنَّسين عموماً، وهذه (المُفَتِّنة) خصوصاً لأنَّ هذه لم تكن فتنتها الأولى التي تصنعها مع سبق الإصرار والتَرَصُّد! حيث أثارت قبل أيَّام (فِتْنَة) ولَغَط إعلامي كبير، حينما (تَلَبَّست) ثوب الصحفيَّة لحضور مُؤتمر المجلس الأعلى للبجا، وهي في ذات الوقت عُضوٌ في كيانٍ (للمُجنَّسين) المُتغوِّلين على بلادنا، وقائمة التجاوُزات و(الفِتَن) تطول ولا يسع المجال لتفصيلها.
من القنابل المُتوقَّعة لاتفاقات جوبا، تَعاظُم الفراغ الأمني الحالي، تبعاً لتقاطُع الميليشيات الإسْلَامَوِيَّة المُختلفة (الجيش، الشرطة، الأمن والمُخابرات، الجنجويد، الأمن الشعبي/الطُلَّابي ... إلخ)، وصعوبة تَقَبُّلها للقادمين الجُدد وفقاً للترتيبات الأمنيَّة، واستحالة إعادة تهيئتهم جميعاً كقُوَّاتٍ وطنِيَّةٍ وشرعِيَّةٍ (مُحترمة). إضافةً لعدم وجود (آليات) واضحة لتنفيذ مضامين اتفاقيات جوبا، أو ضمانات قانونِيَّة (موثَّقة) لمُتابعة التنفيذ وتقييمه وتقويمه، مُقابل إقصاء نَّوعي وسيطرة مناطِقِيَّة/جُغرافِيَّة و(إثنِيَّة) وعائِليَّة/أُسريَّة واضحة، والانتهازِيَّة الطَّاغِية على جميع الأطراف، سواء العَسْكَر (أزلام المُتأسلمين) أو القحتيين، أو تُجَّار الجبهة الثوريَّة، فجميعهم يستهدفون السُلْطَةِ والمال، حتَّى ولو كان ذلك على حطام الوطن وجماجم أهله! وبجانب عجز السُّودان عن (الإيفاء) بالالتزامات المالِيَّة (الخُرافِيَّة) التي حَوَتها اتفاقيات جوبا، هناك (قُنبلة) نُظُم/أشكال الحُكم المُتقاطعة مع (ثوابت) الإدارة العلميَّة الرَّصينة، لأنَّ نظام/شكل الحُكم السليم، أياً كان نوعه (فيدرالي/مركزي/لامركزي وغيره)، لا يتحدَّد بـ(الرغبات/الأماني) وإنَّما بمدى تَوفُّر مُقومات أو مُتطلَّبات النجاح، سواء كانت (إداريَّة، اقتصاديَّة/ماليَّة، ثقافيَّة/معرفيَّة، اجتماعيَّة وسياسيَّة)، بعيداً عن الارتجال و(دَغْدَغَة) المشاعر.
وكمثالٍ، اعتمدت اتفاقات جوبا نظام الحكم الذَّاتي للمنطقتين، دون تَوَفُّر مُقوِّماته الأساسيَّة، كوجود فوائض نقديَّة كبيرة، وأمن سياسي وسِلْم اجتماعي واضح، وموارد بشريَّة بمُستويات ثقافيَّة ومعرفيَّة مُتنوِّعة، لتدعم القدرة على الإدارة والتسيير، وهذه مُتطلَّبات لا تتوفَّر حالياً في السُّودان بكامله دعكم المنطقتين وحدهما، فنحن لا نملك مُجرَّد إحصائِيَّة (موثوقة) بأعداد السُّودانيين، ناهيك القادرين على العمل والمُصنَّفين حسب النَّوع (إناث/ذكور) والمجالات والتخصُّصات والدرجات العلميَّة والمِهَنِيَّة! وغالِبِيَّة الدول التي طَبَّقت الحكم الذَّاتي تمتلك إمكانات مهولة، وعَانَت كثيراً ولا تزال نتيجة لاختيار هذا النَمَط الإداري (المُكلِّف)، فهو يعني تقسيم المناطق المَعنِيَّة لأقاليم/وحدات إدارِيَّة، تتكَفَّل بتهيئة خدمات التعليم ومُرافقه المُختلفة (مدارس، معاهد، جامعات، معامل ...إلخ)، بجانب الخِدْمَات الصِحِّيَّة والاجتماعيَّة، والتنمية الحَضَرِيَّة والرِّيفيَّة، والمسئوليات الأمنِيَّة وغيرها، مما يجعلني أقول وبالفم المليان، أنَّ خيار الحكم الذَّاتي المُتَّفق عليه بجوبا (مُدمِّر) وفاشل، لأنَّه بعيدٌ عن العلمِيَّة والواقعيَّة. وهناك أيضاً غياب كلٍ من الحلو وعبد الواحد، على الرغْم من تمثيليَّة حمدوك بشأن اتفاقه مع الحلو، الذي كان ولا يزال واضحاً وثابتاً في أطروحاته، وأهمَّها رفضه القاطع لوجود (المُرتزق) حميدتي في هرم السُلطة، باعتباره قائد مليشيات القتل والتخريب (وهذا صحيح)، بخلاف (تسفيه) الجنرال كباشي لحمدوك واتفاقه مع الحلو، وهذه مُعطياتٌ (يستحيل) معها تحقيق (التَوازُن) بين مواقف/أطروحات الحلو وعبد الواحد من جهة، وبين اتفاقات جوبا من جهةٍ ثانية! أمَّا بَقِيَّة المَسَارات فهي (تَمَامَة جِرْتِق)، ولا يقلُّ أصحابها انتهازِيَّةً عن غيرهم، ويكفي أنَّ أحد الموصوفين بـ(قادة) مَسارات قال في التليفزيون، وببجاحة يُحْسَد عليها: "أنَّا مشيت جوبا (بَرَاي كِدَة)، بدون تفويض من أي زول"! وأترك التقييم للقارئ الكريم!!
المُحصِّلة، أنَّ السلام والأمن والعَدالة مَطالِب حتمِيَّة نبيلة، لكنها لاتتحقَّق عبر المُجرم البُرهان والمُرتزق حِمِيْدْتِي وأزلامهم (المُجنَّسين)، ولا عبر العُملاء حمدوك والقحتيين و(تُجَّار) الحرب، ولا بالمَطالِب (الانتحارِيَّة) كتقرير المصير والحكم الذاتي وغيرها، وإنَّما تتحقَّق بتقويم المفاهيم المُشَوَّهة، وتجاوُز الفتن المصنوعة وإزالة المظالم والمَرارَات/الغبائن لأصحاب (الوَجْعَة)، وإشباع رغباتهم (المشروعة) في القصاص من الظَلَمَة. والفرصة مُواتية ومُمكنة لتحقيق هذه الأماني والمَطالِب النبيلة، لو أردنا ذلك.. وللحديث بَقِيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نشْجى لواديكَ أم نأسى لوادينا ؟؟
صلاح الدين محسن ( 2020 / 11 / 23 - 04:17 )
يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا
نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا
ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَداً
قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا

من شعر أحمد شوقي

اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24