الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة والأخلاق

ضياء الشكرجي

2020 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


شاع للأسف إن السياسة مهنة قذرة، لأنها تعني الكذب والاحتيال والغش والتزوير وسلوك كل السبل النظيفة والوسخة للوصول إلى الأهداف السياسية، في صالح شخص السياسي أو في صالح الحزب الذي ينتمي إليه.
بينما السياسة كما ينبغي لها أن تكون، هي رسالة وطنية، ورسالة إنسانية، لأن الذي يهتم بالشأن السياسي، ويمارس السياسة، إنما اختار لنفسه هذا الميدان، لأنه إنسان يحمل الهم العام، ولا يعيش همومه الشخصية فقط.
والسياسة تسقط وتكون عامل دمار للبلد، إذا انتزعت منها النزعة الأخلاقية والإنسانية.
لنمر على أهم الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها السياسي، من أجل أن يكون مؤهلا لدوره، وقادرا على خدمة شعبه.
- الصدق: للا بد للسياسي أن يكون صادقا، وإذا تطلبت المصلحة العامة لا الخاصة والحكمة ألا يقول كل ما عنده، فلا يعني ذلك جواز أن يقول خلاف الحقيقة أو خلاف قناعاته. وللأسف كان الكذب ديدن سياسيينا بعد 2003، وفي سنة 2005 عندما كنت عضوا في الجمعية الوطنية ولجنة كتابة الدستور، قال لي أحد القياديين الإسلاميين الذي تبوأ موقعا مهما في الدولة بعد ذلك: أنت لن تكون سياسيا، ذلك بسبب صراحتي. ونتذكر فضيحة الرئيس الأمريكي كلنتون، ولم تكن فضيحة علاقته الجنسية مع سكرتيرته هي المستنكرة، بقدر فضيحة كذبه، التي أقبح بكثير.
- النزاهة: هي من أهم شروط السياسي، وإلا يكون كارثة على السياسية وعلى شعبه. بينما وجدنا سياسيينا يسرقون المال العام ويزورون الانتخابات ويزورون شهاداتهم.
- الوفاء بالوعد: وفرق بين أن يعد السياسي شعبه شيئا صادقا، وبين أن يعد ثم تطرأ أمام التنفيذ عقبات لم يضعها في حسابه، وبين من يعد وهو يعلم علم اليقين أنه لن يستطيع الوفاء بوعده، بل أكثر سياسيي الصدفة لما بعد 2003 وجدناهم ليسوا فقط يعلمون بعدم استطاعتهم تنفيذ ما يعدون، بل لا يريدون أصلا بالوفاء بوعودهم، إنما يظنون أنهم يستغفلون بها الشعب.
- تقديم الصالح العام على الخاص: لأن السياسي إنما أصبح سياسيا أو هكذا ينبغي لأنه مهموم بالصالح العام، بينما وجدنا سياسيينا أصلا لا يهمهم الصالح العام، ومنذ تأسيس مجلس الحكم، عندما اجتمع بريمر بأعضائه ليسمع منهم ما لديهم من برامج لبلدهم بعد سقوط الديكتاتورية، فكان سؤالهم الأول عن رواتبهم ومخصصاتهم.
- العطاء: فتجد القادة السياسيين في الغرب (الكافر) يكدون الوقت كله، ويسهرون، ويضحون بأوقات عطلهم وراحتهم، ليقدموا ما يستطيعون لشعوبهم، بينما سياسيونا يأخذون ويلفطون ويستزيدون ولا يشبعون، وليس لهم أي عطاء، حتى بمقدار ميكروغرام لشعبهم.
- التواضع: لأن السياسي إذا تكبر على شعبه سقط، لذا لا بد أن يكون متواضعا، وفرق بين الثقة بالنفس والتكبر. أما سياسيونا فواحدهم رأيناه يتصرف وكأنه فلتة زمانه، ورأينا ظاهرة ما أسميه بـ (المصدگ بنفسه).
- العدل: فالسياسي من أهم ما يجب أن يحققه في مجتمعه هو أن يقيم العدل فيه، بينما وجدنا سياسيينا أبعد ما يكونون عن العدل، فالكهرباء لهم لـ 24 في اليوم على مدى 365 يوما في السنة، وكل أربع سنوات يزدادون يوما، ولا كهرباء للمواطن، يكرفون المليارات والمواطن لا يشبع، ولا تشبع أسرته، يتمتعون بكل وسائل الرفاهية، والمواطن في ضيم ما بعده ضيم.
- المصارحة: لا يجوز للسياسي أن يخفي على شعبه ما من شأنه أن يعرف به، ولا يجوز إخفاؤه عليه، وسياسيونا باطنيون يضمرون غير ما يعلنون، ولا يصارحون الشعب بحقائق الأمور.
- الاعتذار: نجد سياسيي الدول المتقدمة لأبسط خطأ يصدر منهم يعتذرون ويستقيلون، بينما ثقافة الاعتذار معدومة كليا عند سياسيينا، باستثناء بعض المشاهد المسرحية التي رأيناها من أحد السياسيين يدين نفسه وكل الطبقة السياسية ويعتذر للشعب، دون أن يغير من منهجه، بل أصر على مواصلة ما اعتذر بسببه.
وهكذا لو سردنا كل مفردات الأخلاق العالية، لوجدنا أنها من الشروط التي لا بد أن يتحلى بها السياسي، باعتباره قائدا وقدوة، وباعتباره اختار لنفسه خدم الشعب والوطن. وسياسيونا لم تنقصهم المعرفة والثقافة المطلوبة للسياسي، بل وجدنا أزمة القيم هي الأبرز في سلوكهم، وافتقادهم إلى الحد الأدنى من الأخلاق، إلا ما ندر، حتى نتجنب التعميم والإطلاق.
23/11/2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ينبغي قلع جذور الفاشية في مجتمعاتنا!
طلال الربيعي ( 2020 / 11 / 24 - 00:36 )
الاستاذ العزيز ضياء الشكرجي
تحية طيبة!
باعتقادي إن سلوكيات وأخلاق الساسة عندنا هي نتيجة مناخ اجتماعي, فهم لم يهبطوا علينا من المريخ. إن وضع ساستا وأخلاقهم هي انعكاس لاوضاع مجتمعاتنا, وكلامي هذا قد يعتبره البعض هرطقة وبمثابة كفر! هذا إضافة الى ضعف وعي المواطن بحقوقه وعدم ترسخ مبدأ المواطنة لديه فيتخندق خلف العشيرة او الطائفة. والأحزاب السياسية في أغلبيتها احزاب سلطوية وليست منظمات مجتمع مدني بعرف المفكر الشيوعي انطونيو غرامشي. والعديد من مثقفينا يلعبون للأسف دورا كبيرا في ترسيخ التخلف بوعي او بدونه, وهذه حقيقة مرة أخرى. ونادرا ما نسمع من يدعو الى فصل حقيقي للسلطات الثلاث. بل بالعكس يقوم البعض بإرسال رسائل مفتوحة الى المرجعيات والكاظمي او غيره يلتمسونهم تغيير الاوضاع بدل المطالبة بتأسيس دولة مؤسسات وليس دولة قادة وهم يساهمون في خلق الطغاة.
والفيلسوف سارتر قال اذا اردت ان تغير شيئا صغيرا فعليك أن تغير شيئا كبيرا. فتبديل الأوجه بعد الاحتلال ابدل فاشية قومية بأخرى دينية. والفاشية هي الفاشية, وما يتبدل هو الأقنعة التي تتلبسها!
يتبع


2 - ينبغي قلع جذور الفاشية في مجتمعاتنا!
طلال الربيعي ( 2020 / 11 / 24 - 00:38 )

لذا ينبغي قلع جذور الفاشية في مجتمعاتنا! وهذا بالطبع ليس أمرا سهلا, بل انه من أصعب الأمور قاطبة!
وافر تحياتي


3 - من مقالك أسألك
محمد البدري ( 2020 / 11 / 24 - 05:49 )
تحية للفاضل الاستاذ الشكرجي
وشكر مسبق لمقالات قديمة لك تدل علي قراءة دقيقة لما في تراث العرب تقول فيها بين سطورها الكثير باكثر مما في البحر لو كان ماؤه مداد لكتابتها.
اما عن هذا المقال فوردت فيه عدة مفاهيم كقيم عليا هي ما دارت حوله له جميع الفلسفات الانسانية بلا استثناء، بل والاساطير القديمة ايضا، بحثا عنها وكمحاولة لتطبيقها لو وجدت، لخص مقالك هذا بعضها في الاتي: الصدق، النزاهة، الوفاء، العدل والاعتذار.
اشكرك عليها علي ايه حال ولهذا ساتساءل عن هذه القيم واخري كثيرة هل توجد ضمن ثقافة الاسلام؟
اسالك هذا السؤال لاننا غارقين في مستنقع ثقافي روج له القوميين ومن بعدهم الاسلاميين. يا عزيزي افلاضل اي قراءة دقيقة للقرآن الكريم جدا والاحاديث والسيرة النبوية العطرة جدا جدا تقول بصراحة ووضوح ان تلك المفاهيم لا وجود لها عندنا ولا احد يسعي اليها. الغريب ان اي عاقل لو قرآ القرآن ووصل الي الاية: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ-;- خُلُقٍ عَظِيمٖ-;- فسيطويه كما طوي عبد الملك ابن مروان كتاب الله تعالي جدا وقال هذا آخر عهدنا بك. اما عن السياسة فذلك امر شانه شأن الارزاق كما قالها أحمد فؤاد نجم، دا شئ مؤجل ليوم السحاب.


4 - اسف للاخطاء في بعض الكلمات
محمد البدري ( 2020 / 11 / 24 - 06:48 )

يا عزيزي الفاضل وليس افلاضل
دا شئ مؤجل ليوم الحساب وليس السحاب
تحياتي

اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في