الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الدين: الدين عند الكلتيين القُدامى

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2020 / 11 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الكاتب: سيرجي الكساندروفيتش توكاريف

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

نحن نعلم عن ديانة شعوب الكلتيين Celts(أ)، وبعيداً عن المعرفة الكاملة، فقط عندما كان يُمارس في الوقت الذي اشتبكت فيه هذه الشعوب مع الرومان في القرن الأول قبل الميلاد في صراعٍ دامٍ. ان مصادر دراسة هذا الدين، هي، بالدرجة الأولى، التماثيل الأركيولوجية في الفترة الرومانية-الصور والنقوش-، والالمصدر الثاني، روايات الكُتّاب القُدماء. ما زلنا لا نعرف شيئاً عن التطور السابق لدين الكلتيين. صار الدين الكلتي، في الفترة اللاحقة عُرضةً للتفكك السريع، أولاً تحت تأثير الرومنة، ثم المسيحية.
كان لدى المُجتمع الكلتي (الغال) في الفترة التي كانوا فيها على اتصال وثيق بالرومان (القرون من الأول الى الثالث قبل الميلاد)، نظام عشائري قَبَلي متطور قبل أن يتحول الى مُجتمعٍ طبقي. أي أن الكلتيين كانوا بشكلٍ عام على مستوىً تاريخيٍ أعلى من الجرمان والسلاف في ذلك الوقت. سكنت مُعظم القبائل الكلتية شبه الجزيرة الأيبيرية والغال (فرنسا الحالية) والجُزر البريطانية. كانت أقوى القبائل التي تسكن الغال، والذين نحن على معرفة أكثر بهم، تتقاتل فيما بينها باستمرار: الالوبروجيين Allobroges، الهيلفيتيين Helvetii، السيكوانيين Sequani، والأرفيرنيين Arverni، والتريفيريين Arverni والنيرفيين Nervii. ولكن اتحدت أقوى هذه القبائل تدريجياً مع جيرانها. خلال فترة يوليوس قيصر (منتصف القرن الأول قبل الميلاد) في الغال، كان أكبر تحالفين قَبَليين مُتنافسين. كان أحدهما برئاسة قبيلة الهيدوي Aedui والثاني برئاسة قبيلة السيكواني. كانت هناك بالفعل في داخل القبائل، أرستقراطية حكمت الناس وشنت حروباً مُستمرةً.
انعكس هذا النظام القَبَلي الأرستقراطي والعسكري لدى الكلتيين في دينهم. كان الكهنوت المُحترف، الدرويديين Druids يُسيطر على العبادة بشكلٍ تام. لقد كان هذا الكهنوت، الى جانب زعامات النبلاء، جزءاً مؤثراً من قيادات القبائل السلتية. على الرغم من أن كهنة السلتيين لم يكونوا طبقةً وراثيةً مُنفصلة، الا أن الوصول الى هذه المجموعة كان مُتاحاً فقط من قِبَل الأشخاص الذين ينتمون الى الطبقة الأرستقراطية القَبَلية. كان لهؤلاء الدرويديين تنظيمهم القَبلي الداخلي الخاص بهم والذي شمل جميع أنحاء بلاد الغال. كانوا يلتقون مرةً واحدةً في السنة في المؤتمرات التي تُعقد في مركز الغال الديني في منطقة كارنوتس Carnutes. لقد انتخبوا رئيس كهنةٍ يخدم مدى الحياة. يخضع أي شخصٍ يُريد أن يُصبح كاهناً الى تدريبٍ طويلٍ وصعب على مدار عشرين عاماً. يدرس المُرشح لهذه الخدمة حكمة الكهنة ويحفظ عن ظهر قلب مجموعةً من الترانيم والتعاويذ الدينية. يُمكن للنساء أن يُصبحن كاهناتٍ أيضاً.
يتمتع الكهنة الكلتيين يمكانةٍ عظيمة. هذا هو السبب في أن الديانة الكلتية غالباً ما تُسمى الدرويدية Druidism. قدّم هؤلاء الكهنة القرابين، وكانوا عرّافين وطاردين للأرواح الشريرة ومُعالجين وحمَلَةً للمعرفة لسرية.
كانت طبيعة العبادة وحشيةً. كانت القرابين البشرية شائعة، وأحياناً تتعلق بنظام العرافة. تكرست عدد من الطقوس لعبادة شجر البلوط المُقدس (كانت كلمة كاهن أو الدرو Dru مأخوذةً من كلمة Oak أي بلوط) أو شجر الهدال mistletoe. كان الأكثر غموضاً بشكلٍ خاص هو طُقُس قطع فرعٍ من الهدال بمنجلٍ ذهبي من قِبَل كاهنٍ يرتدي رداءاً أبيض في منتصف الليل تحت ضوء البدر. ذكر الكُتّاب الرومان مهنتين اخريين تتعلقان مُباشرةً بدين السلتيين: اليوجيين Euhages الذين يخدمون اثناء ممارسة تقديم القرابين، والشعراء المُطربين المُلهمين، ربما يُشبهون الشامان.
كانت احدى المذاهب الدينية الرئيسية عندهم هي التعاليم حول تناسخ الأرواح. آمن الكلتيون أيضاً بالحياة الأخرى تحت الأرض أو تحت الماء أو على الجُزُر.
تُخبرنا النقوش والصور وتقارير الكُتّاب الرومان بأسماء عددٍ كبيرٍ من الآلهة السلتية. كان مُعظمها من الآلهة المحلية والقّبَلية الراعية، وكفاعدة عامة، كانت أسماء الآلهة تُعطى لها على أساس اسم قبائلهم.
من الواضح أن الآلهة الكلتية كانت في الأصل زعاماتٍ قَبَلية ومُجتمعية وحافظت في كثيرٍ من الحالات على مظهرها القديم، وتُشير أسماءها أو سماتها الى أصلها الطوطمي القديم. البعض منها مُرتبط بطُقُس الصيد. ارتبطت آلهةٌ أُخرى بالحيوانات المُستأنسة وكان يُنظر اليها على أنها حافظة للرعي. ارتبطت آلهة أُخرى بالظواهر الطبيعية، وكان بعضها حراساً للخصوبة والزراعة، أو شكلت شخصياتٍ أكثر تعقيداً. كان هناك العديد من آلهة الأنهار والينابيع. ان أحد أهم الآلهة هة الاله ايسوس Esus، والذي على ما يبدو، كان مُرتبطاً بالحياة في داخل الغابات. حتى أن بعض الباحثين يعتقدون أنه كان الاله الأعلى القديم للكلتيين. وجد الباحثون نقشين لايسوس على شكل رجلٍ يقطع شجرة، وُجِدَت احدهما يحمل اسم الاله مكتوباً عليه، في مكانٍ يُشبه الضريح القديم في باريس، حيث يقع نوتردام اليوم.
كان اوغميوس Ogmios شخصيةً مُثيرةً للاهتمام. انه اله الحكمة والبلاغة، والذي كان في السابق حارساً لحقول القمح. ربطه الكُتّاب القدماء بهرقل (كما ربط الرومان آلهة سلتيين آخرين بهرقل).
أدى نمط الحياة العسكري لقبائل السلتيين الى ظهور عدد كبير من آلهة الحرب، وهم ايضاً منحوا الآلهة القديمة وظائف عسكرية.
ظهرت آلهة جديدة مع تطور التجارة بين القبائل-رُعاة التجارة الذين طابقهم الرومان بعطارد ومينيرفا.
يُمكن ارجاع عبادة الالهة الأنثى ماتريس Matres الى المُجتمع الأمومي، وعادةً ما يتم تصويرها على انها الهة ثُلاثية، أي ثلاثة آلهة اناث.
بالاضافة الى آلهتهم، امن الكلتيون أيضاً بالعديد من الأرواح والجان والوحوش وألّهوا الأشجار والينابيع والصخور.
لان الدرويديين تزعموا العبادات، فان مصير الدين القديم كان يعتمد الى حدٍ كبير على سلطتهم. عندما كان الرومان يحتلون الغال، دعم يوليوس قيصر الدرويديين مُعتمداً عليهم في قتال النبلاء العسكريين الكلتيين. بعدما تمت السيطرة على الغال، تغيرت سياسة روما تجاه الدرويديين. قَمَعَ أوغسطس وتايبيريوس الدرويديين وحاولوا تقويض مكانتهم بين شعوب الغال. قام الامبراطور كلوديوس بممارسة المزيد من التأثير لتدمير الدين الدرويدي في الغال. وفي النهاية، وبعد ذلك، وجه انتشار المسيحية الضربة القاضية لدين الكلتيين.
ومع ذلك، لا تزال آثار هذا الدين واضحةً بين شعوب فرنسا وانجلترا وايرلندا، الذين يؤمن بعضهم بالسحرة والجان والوحوش المُختلفة. أما بالنسبة للآلهة الكلتية العظيمة، فقد أصبح بعضها قديسين مسيحيين، مثل القديسة بريجيد Saint Brighid والقديس باتريك Saint Patrick.
في ايرلندا وويلز اليوم، فيما يتعلق بالحركة القومية المُناهضة لبريطانيا، جرت محاولات لاحياء الديانة الكلتية القديمة. تتضمن هذه الديانة الويلزية الدرويدية الجديدة اضفاء المثالية على الديانة الدرويدية كحكمة مُفترضة غامضة وعميقة.


أ- يُمكن للكلتية أن تُلفَظ السلتية كذلك. ان اسم (السلتية) نابع من المصدر الفرنسي-اللاتيني القديم له. ولكن تغيّر هذا الوضع في مُنتصف القرن الثامن عشر حيث صارت تُلفظ الكلمة (الكلتية)، وترسخت هذه الأخيرة في الأبحاث الأكاديمية حتى يومنا هذا.

ترجمة للفصل الثاني عشر من كتاب:
History of Religion, Sergei Tokarev, Translated From Russian To English by Paula Garb, Progress Publishers, Published 1986, Translated 1989.
Chapter Twelve: Religion Among the Ancient Celts








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024