الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عُجَاب الإرهاب مفهوماً ونهجاً
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2020 / 11 / 25
الارهاب, الحرب والسلام
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي
فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بأن التشويش المتعمد للمفاهيم والمصطلحات في الأدبيات السياسية الرسمية والخطاب الإعلامي المسيس في العالم العربي، أدى إلى خلط غرائبي في مفهوم «الإرهاب» ومدلوله المعرفي؟
مصعب عزاوي: الجواب الفعلي المختصر هو أن مفهوم ومصطلح «الإرهاب» قد يكون أحد أكثر المصطلحات التي كان التشويش المتعمد في صياغة مدلولها المفهومي جزءاً بنيوياً من صيرورة تكوينها وتوطنها معرفياً في حالة الواقع العربي وعلى المستوى الكوني.
وللتوضيح أكثر لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح «الإرهاب» كترجمة لمفهوم «Terrorism» -والذي يعني الترويع أكثر من الترهيب باللغة العربية- بدأ في الظهور في الأدبيات السياسية والاجتماعية في خواتيم القرن الثامن عشر في إشارة إلى ما تقوم به الدول الأوربية تجاه شعوبها خلال عملية التحول الديموقراطي في القارة الأوربية خلال تلك الفترة. واتساقاً مع آلية التشويش المفهومي والاصطلاحي والمنهجي فقد تم إعادة تحوير المفهوم لتحميله بحمولة إيديولوجية جديدة في أدبيات غيلان الإمبريالية الغربية المعولمة ليصبح أي فعل يقوم به المواطنون بغض النظر عن موقعهم الجغرافي يقاومون فيه بشكل عياني مشخص يحتمل أن يتمخض عن تأثير ما يخالف إرادة الفئات المهيمنة في الدول الغربية صاحبة الحل والعقد في الاتجاه الذي سوف تتحرك في مساربه الآلة التهشيمية للإمبريالية في أرجاء الأرضين.
وهو ما عنى عملياً إعادة صياغة مفهوم «الإرهاب» بشكل يخالف تماماً للسياق الذي استنبط من أجله في المآل الأول، ليصبح بدلاً من أن يكون توصيفاً للعنف والقمع الذي تمارسه الدولة تجاه مواطنين، ليكون أي فعل يقوم به مواطنون تجاه دولة، وهو توصيف فضفاض وحمال أوجه يمكن من خلاله اعتبار أي فعل بغض النظر عن سلميته «إرهاباً» في حال تناقضه مع مصالح الفئات المهيمنة حتى لو كان مقاومة سلمية للمستبدين المستعمرين على طريقة غاندي للغزاة العنصريين البيض في شبه القارة الهندية إبان تقسيم أولئك الأخيرين لها.
وهو نفس المفهوم الذي اكتسى بحلة ضبابية تضليلية جديدة في سياق التطور البنيوي والوظيفي السرطاني لماكينة الدعاية السوداء «البروباغندا» الغربية، التي قامت باستعادة المفهوم الأصيل لمدلول «الإرهاب» بكونه فعلاً تمارسه دولة ضد شعبها، ولكن حينما يتعلق ذلك بفعل لنظام تصادف في سياق زمني ما تناقضه مع مصالح الغول الإمبريالي المعولم وشركاته العابرة للقارات وممثليها السياسيين صناع القرار في دول العالم الغربي. فيصبح نظام «صدام حسين» إرهابياً يستحق الويل والثبور والمحو عن وجه البسيطة عندما سولت نفسه التمرد على قرار أسياده وأولياء أمره، دون أن يكون نفس سلوكه الوحشي القمعي بإبادة أبناء شعبه العزل بالسلاح الكيماوي سابقاً «إرهاباً» حينما كان ملتزماً بالقيام بدوره الوظيفي النموذجي في استنزاف موارد الخليج العربي في سياق الحرب العراقية الإيرانية التي عطلت احتمالات التنمية لسنين طويلة في المنطقة، وحولت جل مواردها لشراء أسلحة لا طائل منها سوى التقتيل العدمي في معادلة حاصلها الحتمي صفري. وهي معركة أراد الغرب فيها بتآمر غير معلن مع الاتحاد السوفيتي آنذاك على ألا يكون فيها غالب أو مغلوب، فالهدف منها هو الحرب نفسها، والتي يجب ألا تفضي سوى إلى هدنة مؤقتة في أحسن الأحوال، و هو ما نرى راهناً استنساخه المسخي من جديد في غير موضع عربي. وذلك التوصيف التحليلي يسري بشكل أو بآخر على الصراع العربي الصهيوني وإن بطريقة أكثر إشكالية وتعقيداً.
ولكن الاستثناء الأكثر أهمية في السياق الأخير هو أن تعريف «الإرهاب» بأنه «إرهاب دولة لمواطنين» لا يسري بأي شكل من الأشكال على الإرهاب الذي تقوم به الآلة الحربية الإمبريالية المعولمة في غير بقعة من العالم، فهي منزهة عن ذلك الخلل والزلل، في «طهرانية أقرب للقدسية» تمنعها من الانزلاق إلى ذلك «الدرك الرقيع من الحضيض الأخلاقي». فكل ما قامت به من حروب في العراق وأفغانستان والبلقان وفيتنام والفلبين وكوريا وأمريكا اللاتينية، وكل الانقلابات الوحشية التي رعتها ومولتها وسلحتها بشكل معلن أو موارب من وراء الكواليس لم تكن إلا لأجل توطيد «الديموقراطية» و«الليبرالية» و«حقوق الإنسان» والتي تعني بعد ترجمتها ونفض غبار التضليل وتشويش الدعاية السوداء عنها حرية لا عقال لها في التحكم بمصائر المجتمعات «المحظية بسخاء وعطاء القديسين الإمبرياليين» عبر توطيد نظم سياسية بهياكل شكلية تزويقية من الديموقراطية التمثيلية والانتخابات الهزيلة مهمتها الأسمى ضمان الانفتاح الكامل لاقتصادات تلك المجتمعات لتصبح موطناً لا قيود فيه للاستثمارات الإمبريالية، وسوق تصريف مفتوحة لنتاج الاقتصادات الإمبريالية نفسها، ومورداً لا ينضب لقوة العمل الرخيصة من بشر مقهورين لا خيار لهم سوى النكوص والقبول بالأمر الواقع وتأجير أنفسهم كعبيد بدوام جزئي من الصباح إلى المساء كخيار وحيد لعدم الانزلاق إلى هاوية الفناء جوعاً.
والطرافة تكمن في الكيفية المسخة التي تلقف الطغاة العرب المفهوم الهلامي «للإرهاب» من الماكينة الإعلامية والسياسية للإمبريالية الغربية، فقاموا بتوطينها عربياً بامتياز بشكل لو تم في مجال التصنيع الثقيل لكانت الدول العربية في مصاف الدول الصناعية الكبرى راهناً. وهو «الإرهاب» على الطريقة الرسمية العربية الذي أصبح لبوساً هزلياً يتم إلباسه لكل من قد تسول له نفسه التفكر أو التلفظ أو الإتيان بأي فعل قد يهدد هيمنة المستبدين وسيطرتهم المطلقة على كل مفاصل الحياة في المجتمعات العربية. وهو ما عنى تحويل كل معارض في كل دولة عربية إلى «إرهابي» دون الحاجة للتساؤل عن الكيفية التي قام من خلالها بإرهاب غيره. فيصبح الصحفي الحر، والكاتب غير المدجن، والمتظاهر السلمي، والمتوجع من جوعه المقيم «إرهابياً» لا ضير في إفنائه وتغييبه ونسيانه وتجاهله أسوة بنهج تعريف «الإرهاب» الذي اختطه السادة الإمبرياليون أولياء أمور وكلائهم من الطغاة حكام الدول الأمنية العربية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر