الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار العودة للتنسيق الأمني ومخاطره على المصالحة

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2020 / 11 / 25
القضية الفلسطينية


القرار ومخاطر تعميق الأزمة الداخلية
بقلم نهاد أبو غوش
قرار السلطة الأخير بعودة العلاقات مع إسرائيل إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل التاسع عشر من أيار، بما يعنيه ذلك من عودة التنسيق الأمني، والتنسيق المدني واستلام أموال المقاصة، أثار ردود فعل واسعة مال معظمها إلى رفض واستغراب القرار، والتعبير عن الصدمة من من توقيته وشكل تخريجه، كما اقترن هذا الاستغراب بالتخوف من النتائج التي يحملها هذا القرار وانعكاساته على الأوضاع الداخلية من جهة، وعلى مستقبل خطة الضم وما تقوم به إسرائيل من تنفيذ عملي لصفقة ترامب نتنياهو.
صحيح أن البعض القليل استغرب " حالة الصدمة" وكأنه يقول أن هذه الانعطافة كانت متوقعة ومنسجمة مع طبيعة السلطة وخياراتها، لكن ذلك يبقى في دائرة التطيّر والريبة الدائمة والتي تنظر إلى تسلسل الأحداث كخط بياني تآمري، ومهما فعلت السلطة وقيادتها، وسواء عليها صعّدت أو تنازلت فإن أعمالها كلها تبقى في دائرة الشك. ولا بد من الإشارة إلى أن قلة قليلة من المحللين والسياسيين دافعت عن القرار، وراحت تبحث عن مبرراته والتي كان من أبرزها القول أن الأزمة المالية الخانقة وصلت إلى حد لا يحتمل، أو أن القرار جاء بدافع الضرورة القصوى لضمان بقاء الفلسطينيين حاضرين في المشهد السياسي العام.
ولكن ثمة حالة إجماع، من الفصائل على الأقل، أن القرار اتخذ من دون معرفة الهيئات القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية وتحديدا لجنتها التنفيذية، أو حركة فتح ممثلة بلجنتها المركزية، أو الحكومة التي هي أصلا غير مسؤولة عن الشأن السياسي. وغني عن القول أن كل ما قيل عن "انتصار" لا يعدو كونه تنميقا لفظيا لقرار التراجع الذي ينطوي على مخاطر جمّة، وإذا كان ما جرى انتصارا فإنه يشبه الانتصارات العربية اللغوية المعروفة، كالانتصار في حرب عام 1967.
ولا يفلح الاستناد إلى رسالة الجنرال الإسرائيلي، وتحميلها ما لا تحتمل، سوى في زيادة الغموض والالتباس، لا بل يحمل الأمر مخاطر جديدة توحي بأن منسق أعمال جيش الاحتلال في المناطق بات يمثل مرجعية السلطة، وأن التنسيق يجري معه تحديدا بصفته الوظيفية لا مع حكومة إسرائيل ومستوياتها السياسية .
ومن مخاطر القرار الأخير، الإيحاء بقبول التعايش مع خطة الضم الإسرائيلية، والتي يجري تنفيذها عمليا وبالتدريج من دون الإعلان الاستعراضي عن ذلك، والإقرار بأن طاقتنا في الصمود والممانعة ورفض استلام أموال المقاصة محدودة بشروط اقتراض السلطة من البنوك، ومن الأضرار الكبيرة التي سببها القرار، فكونه جاء معاكسا لكل الجهود والمحاولات التي بذلت لطي ملف الانقسام واستعادة الوحدة وإجراء الانتخابات، وهي الجهود التي تكللت باجتماع الأمناء العامين، ولقاءات اسطنبول – دمشق- القاهرة، والاتفاق على تشكيل قيادة وطنية موحدة، والغريب أن الرسائل الأخيرة المتبادلة بين حركتي فتح وحماس تشير صراحة إلى مرجعيات الحوار، وكونه قرارا استراتيجيا لدى الحركتين، ليأتي قرار عودة العلاقات مع إسرائيل إلى سابق عهدها ليضع كل تلك الجهود الوطنية في مهب الريح.
مأخذ آخر، تكتيكي هذه المرة، يسجل على القرار، أنه جاء مجانيا ومن دون مقابل، وكان من الممكن تأجيله ولو قليلا، أو تقديمه كاستجابة لطلب إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، مقابل رزمة من التنازلات يمكن تحصيلها بسهولة، لكنه جاء خلاف ذلك ويا للغرابة، مقابل رسالة غامضة وملتبسة لمنسق أعمال الجيش الإسرائيلي.
القرار سوف يضعف ثقة الجمهور الفلسطيني بقرارات قيادته وخياراتها، ويعمق الشرخ العميق أصلا بين أطراف الحركة الوطنية، ويؤزم الحالة الداخلية الفلسطينية فوق أزماتها، ولعل آخر ما نحتاج إليه كفلسطينيين في هذه المرحلة العصيبة والدقيقة، هو جولة جديدة من الصراع الداخلي الفلسطيني - الفلسطيني مع ما يرافقه في العادة من أجواء شحن وتوتير، واتهامات متبادلة، وحملات تحريض وتخوين، لا تتوقف عند حدود الكلام والسجال اللفظي فقط، بل تنعكس على الأرض بإجراءات عملية خبرناها وعرفناها جميعا، من اعتقالات واستدعاءات للخصوم والمخالفين، وتشديد الرقابة على الإعلام وقمع الحريات وخاصة حرية التعبير والتجمع والعمل السياسي. وكل ذلك لا يساهم إلا في تعميق الأزمة الداخلية، وتوسيع الشرخ، وتشجيع العناصر الانقسامية والانهزامية على ترويج وتبرير خياراتها الفئوية والذاتية.
هذه الصورة ليست جديدة ولا هي من وحي الخيال، بل هي الصورة التي سادت خلال سنوات الانقسام التي زادت عن أربع عشرة سنة. لا بل إن جولات الحوار والتفاؤل بإنجاز المصالحة، بدت مثل فترات وقت مستقطع، قصيرة نسبيا، بين جولات التصعيد والتوتير والتأزيم، كل ذلك بينما المشروع التوسعي الاستيطاني يمضي على الأرض، وعملية تهويد القدس وسلخها عن محيطها الفلسطيني، وتنفيذ مخططات التطهير العرقي بحق مواطنيها الفلسطينيين العرب، لا تأخذ أي إجازة أو وقت مستقطع، كما يبدو العالم، وبخاصة محيطنا العربي الشقيق، غافلا عنا ومنشغلا بهمومه ومشكلاته، ومنخرطا في أحلافه ومحاوره الجديدة البعيدة كل البعد عن القضية الفلسطينية التي كانت على مدى عقود، القضية المركزية، ولم تعد كذلك في نظر بعض أشقائنا.
أزمتنا الداخلية وانقسامنا أغرت أعداءنا بالتمادي في محاولات تصفية القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وساهمت في انفضاض أشقائنا وأصدقائنا عن دعمنا وتحويل تعاطفهم مع حقوقنا إلى مواقف وبرامج عملية ملموسة، وما لم يبادر القادة والعقلاء إلى تدارك الآثار الوخيمة لقرار عودة العلاقات، بسلسلة من القرارات والإجراءات التي تعيد مسار المصالحة إلى سكته، وتعيد للهيئات الشرعية اعتبارها واحترامها، نكون كمن سددنا ثغرة صغيرة من خلال إحداث خرق هائل في سفينة المشروع الوطني الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس