الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في العلمانية – 13 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية – 3.

نضال الربضي

2020 / 11 / 26
الادارة و الاقتصاد


عوداً على التعريف الأول للعلمانية: كفصل الدين عن الدولة، و بالتالي كنتيجة: إنتاج الحلول التي تتناسب مع الواقع المُعاش و تتعامل مع حقيقته، بدون العودة إلى نصوص قديمة ظهرت كإجابات عن تحدّيات لواقع متزامن مع تلك النصوص، و بتجذُر ٍ في ماضٍ سبق تلك التحديات حمله أصحابه القُدماء إلى وقت ظهور تلك النصوص العتيقة،،،

،،، من هذا الفصل بين الدين و الدولة ينتج ضرورة ً شكل ٌ للتفاعلات المختلفة بين أفراد المجتمع، تطلبُهُ طبيعة هذا الفصل، و هو الشكل التفاعلي المبني على المصالح المُشتركة، و التي تتبلور في جميع مناحي الحياة على شكل: حاجات، للتعليم، للعمل، للتسوق، للاقتناء، للترفيه، للحركة الحُرة، للتفاعل مع الأقران و الأصدقاء و الأقرباء، للتعبير عن الرأي، لإفساح المجال للحيّز الشخصي للفرد كي يُعبِّر عن نفسه، إلى آخره من المجالات التي يشترك البشرُ في نوعها، و يختلفون في طريقة تحقيقها.

إن هذا الشكل التفاعلي الناتج عن العلمانية يحمل طابعا ً مُزدوجا ً، أو لنقل: طابعا ً على مستوين. أما المستوى الأول فهو: فردي، بمعنى أنه متعلق بشخص الفاعل، يعكسُ توجُّهاته و منهجه في الحياة، لذلك فهو متنوِّع ٌ بقدر ِ اختلاف أنماط تعبير الأفراد ِ عن أنفسهم. أما الثاني فهو جماعي، له ُ شكل ٌ واحد ينتج ُ عن اندماج الشخصيات ِ الفردية داخل مُنصَهَر ٍ قانوني ٍّ اجتماعيِّ واحد هو: العقد الاجتماعي بين الدولة و الفرد.

في هذا العقد الاجتماعي تضمن ُ الدولة الحقوق الإنسانية َ الفردية، و يضمنُ الفرد الالتزام باحترام خصوصيات كل فرد ٍ آخر في المُجتمع و الاندماج مع المجتمع بالقدر المطلوب لتحقيق ِ تعاون ٍ يستديم شكل المجتمع و الدولة، و يضمن لذاتِه خصوصيتها. هذه هي طبيعة ُ العلاقة ِ العلمانية بين الفرد و الدولة.

حتى هذه النقطة و من هذه الزاوية لا بدَّ للاعتراف للعلمانية بِخصائصها الضامنة لاستعلان ِ شخصية ِ الفرد و إمكانية ِ بلوغِه بمُنتهى إمكانياته الشخصية، لكن طبعا ً بشرط ِ توفُّر ِ الظروف التي تسمح للفرد بأن ينمو و يُحلِّق. هذه النقطة بالذات ينبغي التوقُّف عندها مليَّاً و التَّساؤل:

هل يا تُرى إذا ما ضمنت ِ العلمانية ُ حُريِّة َ الرأي و الكرامة الإنسانية، و حمت ِ الحقوق الإنسانية َ الأساسية، و أبلغتنا نقطة ً لم تعد علينا فيها رقابة ٌ من سُلطة ٍ دينية ٍ، سنُستطيع ُ عندها بالضرورة أن نرتقي لُمستويات ٍ أعلى من الوعي، و نبلغ َ إلى المُجتمع الأرقى و الأعلى؟

لا بُدَّ للجواب ِ على هذا السؤال أن يُؤكِّد َ حقيقتين أساسيتين:

الأولى: أن الخطوة الأساسية و الأولى هي التخلص من سيطرة قيودِ السلطة ِ الدينية.
الثانية: أن الخطوة الأولى على أهميتها كأساس، إلا أنها لوحدها لا يمكن ُ أن تُبلغ أيَّ مُجتمع ٍ نُقطة َ الانطلاق نحو العدالة و المساواة و الخير الشامل المُوزَّع ِ توزيعا ً عادلا ً إلا إذا تمَّت إعادة بناء الشكل الاقتصادي للمجتمع على أُسس ٍ تنطلق من مبدأ ِ مصلحة المجتمع و الفرد، لا من مبدأ رأس المال الفردي و خدعة ِ الحق ِّ المزعوم لصاحب ِ رأس المال.

من هذه النقطة بالذات تنتُج ُ المشكلة الأكبر و الأعظم للإنسان: أن يشتري َ صاحب ُ المال وقت العامل!

يقول ُ صاحبُ المال: أنا أدفع ُ لك مالا ً مقابل َ الوقت الذي تقضيه في العمل، هذا عدل: تعطيني وقتك و أعطيك المال.

الخدعة ببساطة شديدة: يقضي العمل وقته في العمل لُينتِج بضاعة مادية تُباع، أو خدمة يدفع ُ الزُّبون أو العميل لها ثمنا ً، فيحصل صاحب رأس المال على ربح ٍ كبير يفوق ما يدفعه لمجموع العمَّال مُضافا ً إليه مجموع تكاليفه و ضرائبه كاملةٍ، و بِما يجعله شديد الثراء، بينما يدفع للعمَّال ما يكفي لإبقائهم على قيد الحياة من جهة، و يضمن بقائهم متعلِّقين به كمصدر لتلك الحياة الشبيهة بأقرب مستوى للموت من جهة ٍ أخرى.

هذه المعادلة تحديدا ً هي ما يجب أن يتغير، و لا مجال َ للمساومة ِ هنا!
هذه المعاداة هي أساس التفاوت الطبقي و سبب ُ استدامة ِ الظلم و الاستغلال و الجشع!
هذه المعادلة هي بالذات المبدأ و الآلية و الهيكل الذي لا يمكن ببقائه أن تتحقَّق َ أي عدالة أو مساواة أو ارتقاء ٌ نحو مستوى أعلى من الكرامة الإنسانية!

رأسُ المال كمبدأ ٍ اقتصادي، لا يستطيع ُ أن يتغوَّل َ كما يفعل ُ الآن إلا إذا استطاع َ أن يتغلغل َ إلى داخل ِ القرار السياسي للدولة، فيفرض َ بقوَّة القانون مبادئ العولمة و الاقتصاد الحر و السوق المفتوح، و هي كُلُّها كلمات ٌ قد تبدو أنها مُحمَّله بطاقة ِ إبداع ٍ إيجابيه، تخلق ُ الفرص، و تأتي بالجديد، و تُنتجُ المختلف، و لا خلاف على هذا، لكن،،،،،،،

،،،، أقول ُ لكن، و هنا مَناط ُ الفهم: يكون ُ كلُّ هذا الإنتاج و الإبداع و الجديد نتيجة ً لاحتقار المبدأ الإنساني الأوّل الذي يعترف ُ للإنسان بكرامته و حقِّه في الكفاية و الرفاهية و الانتصاب على نفس ِ المستوى مع كل ِّ فرد ٍ آخر، هذا بالذات ما لا يمكن ُ أن تسمع َ مُنظِّري و دعاة الرأسمالية الحُّرة يتحدَّثون بجدِّية ٍ عنه، و أقول ُ بجدِّية لأنهم قد يتحدَّثون عنه لكن بما يخدمُ هيكلية َ اقتصادهم، بما هو َ وهم ٌ و تنظير ٌ و تجميلٌ و تسخيف ٌ و خداع، و هذا كُلُّه لا يعني الحقيقة َ في شيء، إنَّما هو لصاحب ِ العقل أو الوجدان مُجرَّدُ وهم ٍ آخر يقصد ُ به صاحب رأس المال عن طريق ِ من وظَّفهم أن يُزيح َ النفسَ التَّوَّاقة للعدالة و المساواة عن مسعاها إلى أمر ٍ تلتهي به، لا اكثر.

إذا ً ما علاقة ُ العلمانية بالكرامة من هذا المُنطلَق؟

ببساطة:
أن تقوم َ الدولة بدورها في ما يلي:

1- فصل الدولة عن الدين من جهة التشريع.
2- أن تكون الدولة هي المرجع الوحيد للتشريع.
3- أن لا تنافس َ الدولة أي سلطة أخرى، لا دينية و لا غيرها.
4- أن لا يتحكَّم َ رأس المال في سياسات الدولة.
5- أن يخضع َ رأس المال لاستراتيجيات الدولة الاقتصادية، و على رأسها أن يستثمر في قطاعات السوق التي تحدِّدها الدولة.
6- أن تضع الدولة القوانين التي تضمن أن يكون العامل شريكا ً في الشركة أو المصنع بالأسهم أو الإيرادات.
7- أن تضمن الدولة شمول كافة المواطنين في مظلات الأمن الاجتماعي من: سكن ٍ و علاج ٍ و توظيف ٍ و تعليم ٍ.

بهذا فقط يمكن ُ أن تقترن َ العلمانية ُ بالكرامةِ الإنسانية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صباحك فل وياسمين
قاسم حسن محاجنة ( 2020 / 11 / 26 - 09:17 )
عزيزي الغالي كيف الاحوال
نعم يا صديقي... يجب ان تأخذ الدولة دورها في تعزيز الكرامة الانسانية ...
لكن الواقع يقول غير ذلك الا في بعض البلدان الاوروبية ...مع بعض التحفظ . إذ تختلف البلدان بعضها عن بعض.
وها انت تعيش في دولة الرأسمالية المتوحشة ، حيث يقوم الرأسمال بتوجيه الدولة لكي يُراكم ارباحه دون اي التفات لكرامة الانسان.. والمثال الواضح هو التأمين الصحي ..
الكرامة الانسانية فوق اي اعتبار... لكن يا صديقي لا تقف على رأس سسلم اولويات الدولة .
يعطيك العافية والى لقاء


2 - تشخيصك دقيق
نضال الربضي ( 2020 / 11 / 26 - 17:08 )
نهارك وردي جميل أيها الصديق الجميل!

المعضلة الأولى تكمن في فك ِّ الارتباط بين رأس المال و السياسة، فالنظام الاقتصادي يتحكم بالدولة و يسيرها، لا العكس. أو حتى نكون دقيقين لنقل أن التأثير بينهما متبادل، لكنه راجح لصالح الشكل الاقتصادي.

أفكار العولمة و السوق الحر و الاقتصاد المفتوح تحمل معها مقتضيات الغزو الثقافي و التغير الاجتماعي في بنية الدول الضعيفة لخدمة القوية، و موت السوبرماركت الصغير لصالح المول العظيم، و قس على ذلك.

أجد أن الرأسمالية في حقيقتها هي تمثيل لمجموع الغرائز البيولوجية عند الإنسان، تأملها معي و راقب هذا السباق التنافسي نحو الوظيفة و الخضوع للهرم الإداري و التفاوت في الأجور و توزيع العمل، كل هذا يشي بحقيقة هذا الكائن البشري البيولوجيه، و التي تمنعه من تحقيق مفاهيم العدالة والمساواة الشاملة.

إن تسليط الضوء على الظلم و التفاوت الطبقي و عبثية النظام الرأسمالي و ما يقتضيه من إدارة، هو أيضا ً شهادة لوجه آخر من الطبيعة البشرية و هو وجه الوعي الإنساني الأعلى و االأسمى، إنه وجه ارتقاء الإنسان فوق غريزته الحيوانية.

دمت بأطيب الود و أعذبه!


3 - أين اليسار يا نضال؟
شوكت جميل ( 2020 / 11 / 26 - 21:39 )
تحية طيبة أخي نضال

مقال رائع..في تقديري أن تاريخنا الحضاري ما برح حتى لحظتنا الراهنة قائما على -الافتراس-

أعجبني جدا حديثك عن فائض القيمة و العمل مدفوع الأجر و أرى ان شبح ماركس ما زال حاضرا و لن يقبر ما دامت الراسمالية بشكلها الحالي قلئمة.

يبدو أن رواد موقعنا اليساري ليسوا يساريين أو ان اليسار أصبح في يسار كما يقول أحدهم!والدليل التصويت !!

أرق تحياتي


4 - جوهر المسألة - 1
نضال الربضي ( 2020 / 11 / 27 - 15:23 )
أطيب التحيات لك أخي الجميل شوكت!

جملتك َ الأولى هي وصف شديد الدقة لطبيعة الوجود، فهو قائم على الافتراس، و هذا واضح من مراقبة الحيوانات و النباتات معاً، هرم الغذاء، الصياد و الفريسة. يكفي أن تدخل أي مول أو هايبر ماركت أو مدجنة أو دكان لحم و تنظر إلى الأصناف المعروضة المعلبة بعناية و إغراء، كلها أجسام لكائنات ميتة: خراف، بقر، دجاج، نباتات، كلها ميتة، مقتولة، معروضة كغذاء لكي يحيا الإنسان!

إذا جوهر الوجود قائم على دورة: حياة كائن، موته، استهلاك جسده الميت طعاماً، ثم موت المُستهلك، و تحول جسده لمادة تغذي ولادة كائن آخر، ولادة، حياة، و دوران هذه الحلقة حتى نهاية الوجود إن كان له نهاية.

هذا الوصف ينسحب أيضا ً على المستوى الاقتصادي، إذا ما كانت المؤسسة أو الشركة نظير الوجود، و استخدام العامل نظير الفريسة، و تبدُّلُ العمال نظير الموت، هي ذات الدورة، التي في حالة الوجود تستديمه، و في حالة الشركة تضمن استمرارها، و في الحالتين يموتُ الإنسان.

إذا ً نحن أمام وجود يضمن نفسه بكلِّيته، لا بفردية ِ الموجودات.

يتبع


5 - جوهر المسألة - 2
نضال الربضي ( 2020 / 11 / 27 - 15:32 )
تابع من 1

لكن، و بالنظر إلى ما سبق، علينا أن نعترف أن طبيعة الكائن البشري تعطيه عقلا ً مفكِّرا ً يرفعه فوق الموجودات الأخرى من جهة قدرته على إيجاد الحلول للمشاكل (التكنولوجيا، التصنيع، وسائل المواصلات و خصوصا ً الطيران، استكشاف الفضاء)، بل و اختراع الحاجات الجديدة، تطبيقات الموبايل ووسائل التواصل الاجتماعي كمثالين.

من هذا المنطلق تصبح الفكرة الرأسمالية القائمة على مبدأ شراء وقت العامل تسخيفا ً شديدا ً بل هي الخداع الأعظم عبر التاريخ، لأن الكائن البشري القادر على بناء الطائرات و السفن و اختراع التقنية الحديثة يعلم تمام العلم أن وقته ينتج بضاعة لها قيمة مُستدامة، و بالتالي يجب أن يحصل مقابل هذا الوقت على فائدة مستدامة، لا على أجر مقطوع يمثل فُتاتا ً يبقي المجموع العالمي للبشر على قيد الحياة و لا يوفر الحد المقبول من الكفاية و الترفيه و الكماليات.

يتبع


6 - جوهر المسألة - 3
نضال الربضي ( 2020 / 11 / 27 - 15:40 )
تابع من 2

الخطوة الأولى في التغير هي أن يفهم العمال الخدعة الكبرى: مبدأ شراء وقت العامل.

و تبدأ المطالبة بنظام اقتصادي جديد يكون في كل عامل شريكا ً في المصنع، أو الشركة، و تتم فيه مراقبة هيكلية الشركات و طرق الإدارة، و مراجعة هيكلية الرواتب، خصوصا ً المبالغ السخيفة التي يتقاضاها من هم في أعلى سلم الإدارة، و مكافأتهم غير المُبررة، و ان تعود الدولة إلى دورها في رسم الخطط الاقتصادية و تحديد القطاعات التي ينبغي الاستثمار فيها، و تتعامل الدولة مع واقعها من حيث النظر إلى تأثير العولمة و السوق الحر و الاقتصاد المفتوح على الشركات المحلية و الأعمال الصغيرة و المتوسطة، و تأخذ دورها في حماية سوقها المحلي و إنتاجه.

إننا بصدد النظر إلى تفكير اقتصادي جديد لا يقف أمام الماركسية و الرأسمالية كأسماء، إنما يأخذ من كل نظام اقتصادي الأفكار النافعة، و يتألفها، و ييُضيف عليها، و يصنع ما تحتاجه الدولة.

من هنا يجب أن ننطلق يا صديقي.

اسعدني مرورك الرائع، دمت بكل الود!

اخر الافلام

.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.


.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي




.. هل تستثمر في حقيبة -هيرميس- الفاخرة أفضل من الذهب؟


.. كل الزوايا - شركة -فري زونر- تناقش فرص الاستثمار في دول -الم




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة