الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ختامها حرب؟

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 11 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


قد لا يختلف عاقلان محايدان على أن نظام الملالي في إيران يحركه ميل توسعي أيديولوجي أفرز الكثير من القيح والمآسي في غير موضع عربي، أقله المتاجرة بحيوات بعض الأعراب لمقارعة الكيان الصهيوني بدمائهم كوسيلة لتعزيز نفوذه الإيديولوجي، وأكثره تراجيدية احتلال الهشيم السوري وتهجير أهله من أوطانهم في نهج عنصري لا يختلف عن أي قوة احتلال غاشمة عرفها التاريخ، وبغض النظر عن أي تلفيقات لتبرير ذلك الفعل المنتهك لكل المعايير الأخلاقية والدينية و كل أعراف وقوانين الحرب التي تنظر إلى ترويع المدنيين و التطهير المجتمعي على أسس مذهبية أو عرقية بأنه جريمة عارية ضد الإنسانية.

وعلى المقلب السياسي العياني المشخص من تفاصيل تلك المآسي الجللة التي خلفها الإيرانيون في غير موضع عربي فإن هناك صخباً وقعقعة تدور في كواليس الولايات المتحدة السياسية للقيام بعملية عسكرية جراحية موضعة أو موسعة لاستئصال قدرات إيران النووية قبل إسدال الستارة على حقبة الإدارة الأمريكية الآفلة. وهي عملية غير واضحة المعالم حتى لمن قام باقتراحها لعدم وضوح الحدود بين ما هو مدني وعسكري في نظام دولة أمنية بامتياز كإيران يسيطر فيها الحرس الثوري على كل مفاصل الحل والعقد فيها. وهو ما يجعل من مآلات أي عملية عسكرية تستهدف القدرات العسكرية الإيرانية على أي صعيد مفتوحة على الكثير من المنعرجات التي قد تفضي إلى تعقيدات وتشابكات أكثر مما كان متوقعاً لها في خطتها النظرية.

وهنا لا بد لحصيف من التساؤل عن مصالح العرب في تلك المعركة المحتملة، التي قد يرى فيها الكثيرون تلبية للرغبة الجامحة والمحقة بإحقاق قصاص عادل وفق شريعة حمورابي للملايين من بني العرب الذي فقأت عيونهم مرتزقة المليشيات الإيرانية عرباً وعجماً، واقتلعت جذورهم من منازلهم وأوطانهم، وحولت حيواتهم إلى سعير كلياني أنتج الملايين من المهجرين المظلومين.

وعلى الرغم من ذلك كله فقد يستدعي الرشاد نظرة ثانية إلى مآلات مثل تلك الحرب الموضعة على إيران، التي قد تكون في أحسن أحوالها مثل حرب الخليج الأولى حرباً جراحية محدودة الأهداف، تتم بقصف جوي أو صاروخي يضعف النظام، دون أن يتمكن من إسقاطه لأرجحية عدم وجود قوات مشاة أرضية لتحصد نتائج القصف الجوي على الأرض، و خاصة في ضوء تمترس الدولة الأمنية العسكرية في كل تفاصيل المجتمع الإيراني عمقاً وسطحاً وعمودياً وأفقياً وهو ما قد يتطلب محو المجتمع الإيراني بأكمله لاستئصال نظام غوغائي مؤدلج مثل نظام الملالي في إيران الذي لا غريم سياسياً له في لج حالة التصحر السياسي التي أفرزتها هيمنته المطلقة على حركية المجتمع، والتي تأسست على أرضية الهشيم السياسي الذي أنتجته المخابرات الأمريكية والإنجليزية في انقلابها على نظام محمد مصدق العلماني الوطني المعتدل في العام 1953، منتجاً عودة نظام الشاه إلى سدة الحكم، ليقوم بعدها بالانتقام من كل الفئات الوطنية والعلمانية والمعتدلة التي كانت في صف مصدق، ومخلياً الساحة المجتمعية من كل التيارات الفكرية و السياسية التي كانت تعتمل فيها، و من جل إمكانيات المقاومة لجور الحاكم الذي تفنن الشاه بإيصاله إلى مراحل بزت الكثير من أباطرة الاستبداد ممن سبقوه، مفسحاً المجال لأصحاب العمائم لملء الفراغ السياسي، و تصدر واجب المقاومة الذي أصبح خياراً لا بد منه بعد أن تحولت حياة المجتمع الإيراني بأكمله إلى جحيم راقد تحت البسطار الأمني لدولة الشاه، و هو ما أفضى في المآل الأخير إلى ثورة الخميني وأتباعه فيها، وأدى إلى تحول المجتمع المدني العلماني في إيران، الذي لم يكن هناك ارتباط بين هويته الحضارية والتاريخية وتلك الدينية سوى خيوط هشة قبل تلك الثورة، إلى مجتمع ذي هوية دينية مؤدلجة بامتياز.

وهو واقع الحال الذي قد يستتبع في حال تعرض النظام الإيراني بشكله الراهن إلى هجمة جراحية موضعة رد فعل يتناسب مع حجم صلف رجالات النظام نفسه، ومع ما قد يحصلون عليه من دعم ممن يريدون إيقاع الأمريكان في مستنقع يشبه ما وقعوا فيه سابقاً في أفغانستان وكان المقدمة لانهيار الاتحاد السوفيتي و امبراطوريته، منتجاً جل ما يخشاه كل عاقل يرى واقع الحال البائس الذي آلت إليه جل المجتمعات العربية التي يئن معظمها من أزمات بنيوية عميقة حولت جل حيوات مواطنيها إلى جحيم سرمدي وموات مقيم مع وقف التنفيذ المؤقت بين الفينة والأخرى. إذ لا يحتمل أن ينتج رد فعل النظام الإيراني على أي هجمة عسكرية عليه إلا إلى مفاقمة ذلك الحال المزري، حيث من غير المرجح أن يستطيع الإيرانيون الرد على الولايات المتحدة بشكل مباشر، ويرجح أيضاً أن يتكئوا على ذرائعيتهم المهولة لتفادي أي اشتباك مع الكيان الصهيوني بشكل مباشر، سوى ذلك الذي يمكن أن يتم عبر ميلشياتهم العربية، والذي سوف يدفع ثمنه أيضاً المجتمعات العربية التي تنطلق منها تلك الميليشيات كما كان في حرب تموز من العام 2006 وما كان على شاكلتها، وهو ما يبقي احتمالاً واحداً هو أن يلجأ النظام الإيراني لاستخدام ترسانته الصاروخية للنيل من مجتمعات دول الخليج العربي، التي تعاني من أزمات بنيوية خانقة أقلها تلك المتربطة ببنيتها الريعية الهشة التي تكاد تتهالك تحت وطأة تراجع أسعار النفط وانخفاض الطلب العالمي عليه، جراء إدراك البشرية لكارثية الاعتماد على النفط ومشتقاته كمحرك أساسي للاقتصاد العالمي. وهو واقع اجتماعي واقتصادي قلوق لا يحتاج صواريخ إيرانية للإطباق على بناه الواهنة، وأبراجه المشيدة التي أصبح الكثير منها خاوياً، في حال من الاحتضار المزمن منذ التراجع الاقتصادي العميم في العام 2008 والذي لما يخرج الاقتصاد الكوني منه، وهو ما يظهر بجلاء أكبر في حالة الاقتصادات الخليجية.

ومن ناحية أخرى لا بد قبل قرع طبول الحرب والسير في ركابها من استذكار ملايين العرب الذين يعملون كعمالة وافدة في دول الخليج العربي، ويقتات مما يحولونه الملايين من العوائل في المجتمعات العربية الأخرى، والتي قد يكون سقوطهم إلى قعر الفاقة خياراً حتمياً في حال حدوث زلزال اقتصادي في دول الخليج لا يحتمل أن يدفع ثمنه إلا المستضعفون المنهكون من مكابدتهم السرمدية لعسف لقمة العيش المرة مرغمين على استمرائها بقوة وجور الأكثر مرارة منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب