الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريجِز

محمد الأزرقي

2020 / 11 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يتألف كتاب (إعادة التكوين: كيف ستبدع البايولوجيا التركيبية في الطبيعة والإنسان) من توطئة وخاتمة وبينهما تسعة فصول استعرض فيها المؤلفان تاريخ تطور الكائنات الحيّة ومعها الحركة العلمية، التي صاحبت هذا التطور منذ عصور سحيقة في القدم. المؤلفان هما د. جورج چَرچ، استاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفرد، بالإشتراك مع د. إدور ريجِز، الفيلسوف المهتم بقضايا العلوم والنواحي الأخلاقية في تطبيقاتها.
يزفّ المؤلفان لنا البشرى في توطئة كتابهما، بأنّ العلماء والباحثين تمكنوا من صنع خميرة معدلة الجينات تضاف الى علف الحيوانات لتصنيع لدائن پلاستِك عضوي/نباتي يمكن استخدامه في صنع انابيب مياه الشرب والمجاري داخل بيوتنا PVC، وكذلك الأكواب والقناني وغيرها من الأدوات المستعملة في البيت أو الصناعات الأخرى العديدة. إنّ ضرر هذا النوع من الپلاستِك على البيئة محدود للغاية لكونه يتحلل خلال بضعة اشهر، خلافا للپلاستِك النفطي، الذي يدوم ضرره لآلاف السنين. كما باستطاعتنا استعمال خميرة معدلة جينيّا لصنع انسجة عضوية لغرض تحويلها الى سجّاد نفرشه على الأرض وله خصاصية تجعلنا نشعر بالراحة لدى المشي عليه. وباستطاعتنا ايضا خلق لدائن من الپلاستِك النباتي لتعوّض عن استعمال خشب الأشجار، وهو المادة الطبيعية المستعملة في تشييد البيوت والمباني. كما تمّ صنع مايكروب لتوليد الطاقة الكهربائية المستعملة في الإنارة وتشغيل المكائن، من خلال عملية معالجة مياه الصرف الصحي باستعمال خميرة معدّلة جينيّا ايضا. إضافة لذلك، تُستعمَل الخمائر المعدلة لإنتاج محروقات الديزل والگازولين ووقود الطائرات النفاثة الأقلّ ضررا على البيئة.
وهذه جميعا قضايا في غاية الأهمية. ذكر تقرير صحفي أنّ شركة هولندية للطاقة المتجددة قد طوّرت مواد پلاستيكية صنعت من النبات وهي صالحة للاستخدام البشري. يحتاج هذا الپلاستِك النباتي عدة أعوام ليتحلل بالطبيعة ولكن الشركة تنوي إعادة تدويره باستمرار، وهو أمر من شأنه خفض معدل التلوث البيئي، الذي يسبّبه الپلاستيك النفطي. إنّ التوصل الى تصنيع لدائن الپلاستِك النباتي للتعويض عن الپلاستِك النفطي سيحمي البشر والبيئة، خاصة البيئة البحرية والمائية وكائناتها العديدة، التي تعيش وتتكاثر في تلك البيئات. تموت ملايين الأسماك وطيور النورس كلّ عام بسبب المخلفات الپلاستيكية، وتشير التقارير إلى أنّ 98% من الطيور البحرية تحمل فى جهازها الهضمي أجزاء وبقايا پلاستيكية ضارة تسبب تلوثا فى أنسجتها ومع الوقت تدمّر جهازها الهضمي فتموت. تحتوي بطون الحيوانات الأخرى نسبة من المخلفات الپلاستيكية، التى تنقل الأمراض لجسدها ومنها إلى الإنسان حال نجاتها من الموت وقيام الإنسان بأكلها. ووفقا لإحدى الإحصائيات [https://alkhadraasy.com/2019/07/03/]فإنّ كيسا واحدا من الپلاستِك النفطي يقتل حيوانا بالإختناق كلّ 3 أشهر.
كما يتسبب التخلص من الأكياس الپلاستيكية حرقا إلى انبعاثات غازية سامة تضر بالغلاف الجوي، وتزيد من نسب المركبات العضوية فى الهواء، ممّا يحدث إضطرابات فى النظام البيئي الجوي. كما أنّ الغازات المتصاعدة من عملية حرق الپلاستِك تترك آثرها على الغدد الصماء للإنسان وعلى رئتيه وعلى كل خلية ونسيج من الإنسان والحيوان والنبات.
هذا وقد أورد تقرير صحفي ما أعلنته شركة "ميتسوبيشي كَميكَل" اليابانية، عن تطويرها لأكياس پلاستيكية قابلة للتحلّل في المحيطات والبحار، في خطوةٍ منها للحدّ من نسبة المخلّفات والنفايات الپلاستيكية فيهما. إعتمدت الشركة في هذه الخطوة على الآلية عينها الّتي يتم بواسطتها تحليل النفايات في التّربة وتحويلها إلى سماد. فيما قال مسؤولون في الشركة إنّ الأكياس الجديدة مصنوعة من مكونات نباتية، كقصب السكر، حيث يمكن ذوبانها بسهولة في مياه البحر. كما أشاروا إلى أنّ الأمر يستغرق نحو عام حتى يتحلل الكيس بشكل كامل في تلك المياه. [https://aawsat.com/home/article/2418946/]

وعن توليد الكهرباء من مياه الصرف الصحي [https://nok6a.net/%D9%83%D9%8A]، أشار تقرير صحفي الى اقتحام منطقة Le Valais السويسرية، مجال الكهرباء الحيوية، بفضل المايكروبات المعدلة جينيّا في محطة معالجة المياه (STEP) في Sion. مثل بعض الأسماك، يمكن للمايكروبات إنتاج الكهرباء، فهي تتنفس من خلال نقل الإلكترون. وقد انتهز الباحثون هذه الظاهرة لوضعها موضع التنفيذ في عملية معالجة مياه الصرف الصحي. تمّ تحويل محطة معالجة المياه المذكورة إلى مختبر لاختبار خلية الوقود المايكروبية، ويؤمن باحثون بقيادة الأستاذ فابيان فِشَر، بمستقبل هذه التكنولوجيا.

ذكر السيد فِشَر إنّه منذ بداية القرن، كان هناك اهتمام متجدّد بهذه التقنية، وإذا كان مشروع Sion هو المشروع الوحيد في سويسرا، فإنّ الباحثين الصينيين والبريطانيين يريدون أيضا تطوير هذه التكنولوجيا. من ناحية الشكل، يشبه التثبيت صفا من بطاريات السيارات، أعلى وأرقّ، وتصل المياه العادمة أو مياه الصرف الصحي، من جانب واحد من البطارية، وتلتصق الميكروبات بأقطاب الرغوة الكاربونية لأداء مهمة تنقية المياه، وبذلك تطلق إلكترونات يتم التقاطها لإنتاج التيار الكهربائي.
أوضح فِشَر أنّ معالجة مياه الصرف الصحي في البلدان الصناعية تستهلك ما بين 1% إلى 2٪ من إجمالي إنتاج الكهرباء. وفي محطات معالجة مياه الصرف الصحي، يمثل التخمير الذي يهدف إلى تهوية المياه لتعزيز التحلل الحيوي للمخلفات أكثر من نصف الكهرباء التي تستخدمها محطة معالجة مياه الصرف الصحي. يوفر استبدال التهوية بنظام الإلكترون الطاقة وينتج الكهرباء، وبالتالي، ستصبح STEP منتجا للكهرباء في حين أنّها مستهلك لها حاليا. وفي جميع أنحاء العالم، يمكن أن تنتج المياه العادمة ما يعادل 90 محطة للطاقة النووية، حسب ما جاء في التقرير المذكور.
وهناك مفاجأة من مصر حيث اشار تقرير آخر الى توليد الكهرباء من مخلفات الصرف الصحي لأول مرة في البلد بمساعدة فريق من الخبراء الألمان. [https://alwatannews.net/article/783927/Arab] كما أطلقت مصر مشروعا للطاقة الحيوية فى الريف تحت إشراف وزارة البيئة، وأقامت حتى الآن أكثر من ألف وحدة غاز حيوي. تُملأ الوحدات بروث الماشية ومخلفات المحاصيل، التي تحولها البكتِريا المعدّلة في الخزّان إلى غاز الميثان، وبعد إنتاج الميثان، تتحول بقايا المخلفات إلى سماد يُستخدم في زيادة ما تنتجه الأراضي الزراعية.

إنتقل الحديث بعد ذلك الى تعديل الجينات ومسألة استنساخ الحيوانات، بالذات استنساخ النعجة دالي وسخلة [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%84%D9%8A] الماعز الجبلي البوكاردو، الذي يعيش في سلسلة جبال الپَرَنِز في اسپانيا. جدير بالذكر أنّ النعجة دالي هي أوّل حيوان ثديّ تمّ استنساخه بنجاح من خلية حيوان آخر بالغ. جرى استنساخها في معهد روزلِن في جامعة إدنبره، في اسكتلندا بالمملكة المتحدة. وُلدت النعجة دالي عام 1996 ونفقت عام 2003. وقد أكد النبأ معهد الأبحاث الإسكتلندي الذي قام بعملية الإستنساخ أصلا.
اتخذ المعهد قرار إنهاء حياة النعجة المريضة، التي بلغ عمرها سبع سنوات، بأسلوب القتل الرحيم بعد أن أظهرت الفحوص البيطرية أنّها مصابة بمرض صدري في حالة متدهورة. ذكر الدكتور هاري گرِفِن من المعهد أنّ النعجة كان يمكن أن تعيش ما بين 11 و12 عاما، وأنّ الإصابة بأمراض الرئة تُعدّ أمرا عاديا في النعاج المسنّة. كان الإعلان عن موت النعجة دالي بعد سبع سنوات من مولدها بداية لخلاف عالمي، رغم اعتباره أحد أهم الإنجازات العلمية الضخمة خلال عقد التسعينيات. ولكن الإنجاز أثار أيضا جدلا يستمر حتى اليوم حول أخلاقيات الاستنساخ، خصوصا مع تطوير الأساليب وبدء تطبيقها على البشر.
لقد وضعت دالي التوأم، سالي وروزي عام 1998 ثم تبعته بالتوائم الثلاث، لوسي ودارسي وكَوتِن عام 1999. غير أنّه في شهر كانون الثاني من عام 2003 تدهورت حالتها الصحية بعد تشخيص إصابتها بمرض الروماتزم، (خلافا لما ذُكِر اعلاه). وهذا المرض عادة ما يصيب النعاج المتقدمة في العمر، وبعدها بدأ جدال آخر حول كيفية قياس العمر الحقيقي للنعجة، ومخاطر الإصابة بالشيخوخة المبكرة لدى الكائنات المُستنسَخة.
صرّح الأستاذ إيان ويلموت، الذي قاد فريق الاستنساخ، أنّ ثمة قصور في أساليب الاستنساخ يتطلب مزيدا من التطوير. وقال الدكتور پاترِك ديكسُن، وهو كاتب في أخلاقيات الاستنساخ البشري، إنّ طبيعة نفوق النعجة دالي قد تكون لها ردود فعل كبيرة على إمكانية استنساخ طفل آدمي. وعقّب بأنّ الموضوع الرئيسي هو سبب موت دالي، وهل أنّ الأمر متعلق بالشيخوخة المبكرة؟ فهي لم تكن متقدمة في العمر، بمقاييس النعاج، ليضطر الأطباء إلى إنهاء حياتها.
وذكر الأستاذ رِچَرد گاردنر، رئيس الجمعية الملكية لأبحاث الخلايا الجذعية، أنّه لابُدّ من انتظار نتائج تشريح جثة النعجة لمعرفة سبب الموت المبكر وفيما إذا كان بسبب أنّها مستنسخة. وهو ما قد يلقي الضوء على أوجه قصور استنساخ البشر. وتقرّر حينها أن توضع جثة النعجة دالي في متحف اسكتلندا الوطني في ادنبره.
في عملية الإستنساخ هذه لا يتمّ التكاثر بفعل تلقيح البويضة بالحيمن، بل باختلاق جينوم جديد يتمّ الحصول عليه عن طريق الصهر الإلكترني لاندماج جينوم الحيوان المنقرض مع جينوم آخر من فصيلة متقاربة بعد رفع نواة بويضته، مثل الفيل والماموث والإنسان الحالي وانسان النياندرثال. ذكر چرچ ثلاث طرق هي الصهر الإلكتروني ElectroDiffusion اليدوية وطريقة مَيج MAGE الأوتوماتيكية وطريقة ثالثة تسمّى حقن الكرية الشاملة للخلية بكاملها. Blastocyst Injection of the Whole Cell.
يمضي المؤلف للتصريح بخبر علمي بالغ الأهميّة هو في الحقيقة جوهر هذا الكتاب. ذكر الدكتور چَرچ، "ثمّ هناك طريقة رابعة ما زالت في دور التطوير في مختبري بجامعة هارفرد. ستمكّننا من بعث الحياة في أيّ حيوان منقرض من خلال الجينوم المعروف له أو ما يمكن تركيبه من بقاياه الأحفورية fossil remains. ومن هذه حيوان الماموث الصوفي والحمام الزاجل وحتى إنسان النياندرثال."
يبدأ الفصل الأول بالحديث عن الأساطير الإغريقية حول نشأة الكون، إذ يذكر الكتاب، "تعكس الفترة الجيولوجية الهادينية صورة وجود جحيم العالم السفلي، كما رسم صورته الإله الإغريقي هَيديز God Hades. وهو واقع ليس فيه حياة، مليء بالحمم البركانية المستعرة وتواجد قبل ما يقرب من 3.8 بليون عاما مضت... ومنذ لحظة الإنفجار العظيم Big Bang، كان العالم بكامله تقريبا مكوّن من نويّات الهايدروجين،. وهي أبسط العناصر الكيمياوية وتتألف كلّ نواة منها من پروتون واحد. وحين بدأت تلك الپروتونات بالحركة بدأ التصادم والإنصهار ببعضها البعض ونتج عن هذا الإنصهار ظهور هيليوم النواة المكون من (2 من الپروتونات). وداخل كلّ كوكب، بدأ هيليوم النويّات بالإنصهار مكونا الكاربون (6 پروتونات). دخلت نويّات الكاربون في دورة (الكاربون- النايتروجين) وأخذت منها وسيطي الهايدروجين وهما النايتروجين (7) والأوكسجين (8)، فبدأت النويّات بالتحفيز لتكوين مزيد من الهيليوم. أخذ عالم الهليوم الجديد ينتج المزيد من الكاربون، فكانت المحصلة النهائية لكلّ ذلك هي الكواكب الحارة، حيث يُحفّزُ الكاربون الى استنساخ نفسه."
الانفجار العظيم في علم الكون الفيزيائي هو النظرية السائدة لتفسير نشأة الكون. تعتمد فكرة النظرية أنّ الكون كان في الماضي في حالة حارة شديدة الكثافة فتمدّد، وأنّه كان يوما ما جزء واحدا عند نشأته. تعيد بعض التقديرات الحديثة حدوث تلك اللحظة الى ما قبل 13.8 مليار سنة، وهو ما يُعتبر عمر الكون. وبعد التمدد الأول، بَرَدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالپروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أنّ الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيا. بالوسع القول أنّ معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من عناصر الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بسبب الجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.
تُقدّم نظرية الانفجار العظيم شرحا وافيا لمجموعة واسعة من الظواهر المرئية التي تُشاهد وتُرصد بتلسكوبات ضخمة وتلسكوبات فضائية مختلفة، بما في ذلك وفرة من ارصاد الإشعاعات الكونية والخلفية الإشعاعية للكون والبنية الضخمة للكون وقانون هابل. ونظرا لكون المسافة بين المجرات تزداد يوميا، فبالتالي كانت المجرات في الماضي أقرب إلى بعضها البعض. ومن الممكن استخدام القوانين الفيزيائية لحساب خصائص الكون كالكثافة ودرجة الحرارة في الماضي بالتفصيل. وبالرغم من أنّه يمكن للمسرّعات الكبيرة للجسيمات استنساخ تلك الظروف، لتأكيد تفاصيل نموذج الانفجار العظيم وصقلها. إلا أنّ تلك المسرّعات لم تتمكن حتى الآن إلا البحث في الأنظمة عالية الطاقة. وبالتالي، فإنّ حالة الكون في اللحظات الأولى للإنفجار العظيم مبهمة وغير مفهومة، ولا تزال مجالا للبحث. كما لا تقدم نظرية الإنفجار العظيم أيّ شرح للحالة الأولية قبل الإنفجار العظيم، بل تحاول تفسير نشأة الكون وتطوره منذ تلك اللحظة الأولى بعد الانفجار، إذ بالانفجار يبدأ الزمان والمكان، ولا ترى الفيزياء زمنا قبل الانفجار العظيم، فقد بدأ به الزمن من وجهة نظر الفيزيائيين. [ttps://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A7%]
قدّم العالم البلجيكي جورج لومتر الفرضية التي أصبحت لاحقا نظرية الانفجار العظيم عام 1927. ومع مرور الوقت، انطلق العلماء من فكرته الأولى حول تمدّد الكون لتتبُّع أصل الكون، وما الذي أدى إلى تكوّن الكون الحالي. اعتمد الإطار العام لنموذج الانفجار العظيم وفق نظرية آينشتاين عن النسبية العامة، وعلى تبسيط فرضيات كتجانس نظم خواص الفضاء وتوحّدها. وقد صاغ ألكزندر فريدمَن المعادلات الرئيسية للنظرية، وأضاف فيليم دي سيتر صياغة بديل لها. في عام 1929، اكتشف إدوين هابل أنّ المسافات إلى المجرات البعيدة مرتبطة بقوة بانزياحها الأحمر. إستُنتِج من ملاحظة هابل أنّ جميع المجرّات والعناقيد البعيدة لها سرعة ظاهرية تختلف عن فكرتنا بأنّها كلما بَعُدت زادت سرعتها الظاهرية، بغضّ النظر عن الاتجاه.
ورغم انقسام المجتمع العلمي اليوم بين نظريتي تمدّد الكون بين مؤيد لنظرية الانفجار العظيم، ومؤيد لنظرية الحالة الثابتة، إلا أنّ التأكيد بالملاحظة والرصد على صحة سيناريو الانفجار العظيم جاء مع اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون عام 1964، واكتشاف أنّ طيف تلك الخلفية الإشعاعية يتطابق مع الإشعاع الحراري للأجسام السوداء. منذ ذلك الحين، أضاف علماء الفيزياء الفلكية إضافات رصدية ونظرية إلى نموذج الانفجار العظيم، وتمثيلها الوسيطي كنموذج لمبدأ CDM، الذي هو بمثابة إطار للأبحاث الحالية في علم الكونيات النظري.
ينتقل الحديث بعد ذلك الى القدرة Handedness. كما توجد جزيئات متشابهة معكوسة، توجد أيضا حياة متشابهة معكوسة Mirror Life. تعني الأخيرة أنّها نتيجة لتغير قدرة الكائن بكامله وبمكوّناته كافة، بحيث تكون هناك صور متشابهة متطابقة لكلّ شيء، اعتبارا من المستوى الكلي نزولا الى مستوى الذرة. في الوقت الذي تبدو فيه الحياة المتشابهة المعكوسة مطابقة للحياة القائمة، لكنّها مختلفة تماما من حيث القدرة على مقاومة الفايروسات الطبيعية وغيرها من مسبّبات الأمراض. "إنّ أشكال الحياة المعكوسة لديها مناعة ومحميّة ضدّ هذه الفيروسات ومسببات الأمراض Pathogens."
يمضي المؤلفان للقول،"أنْ نخلق عالما مرآتيا Mirror Life شبيها، قد يعطينا فرصة جديدة للحياة. ستكون حياة خالية من الأمراض ولا وجود فيها للحشرات الضارة للمحاصيل الزراعية. لكنّها قد تكون عرضة لنتائج غير مُستهدَفة أصلا، منها زيادة غاز ثاني أوكسيد الكاربون في اصناف البيئات كافة، الهوائية والمائية والأرضية وما تحت الأرض أيضا."
تشكّل مسألة خلق العضوي من اللاعضوي النقطة الجوهرية للفصل الأول. وفي الحقيقة أنّ هذا الأمر كان مجال بحث علماء آخرين قبل چرچ. فمثلا، أفاد علماء البايولوجيا في جامعة گلاسكو بأنّهم قد أخذوا خطوتهم الأولى نحو "خلق الحياة" من مواد كيميائية غير عضوية تؤدي الى انشاء مساحة جديدة على مسار البايولوجيا غير العضوية. يقول الأستاذ لي كرونن، المسؤول عن توثيق بحوث الكيمياء في كلية العلوم والهندسة بأنّه وفريقه قد قاموا بعرض طريقة جديدة لصنع خلايا حية من أسس كيميائية غير عضوية. مضى يقول، "إنّ أشكال الحياة على الأرض كافة تتمثل من أساس بايولوجي عضوي مثل الكاربون بشكل صيغة الأحماض الأمينية، النوكليوتيدات، وهي عناصر بناء الـ DNA/RNA، أي الپروتينات،السكريات،الخ... ولكن عالم الحياة اللاعضوي يعتبر جامدا ولاحراك فيه! إنّ ما نحاول القيام به هو خلق خلايا حية تقوم بالإنقسام والتطور بنفسها، والذي سيؤدي بها الى الحياة ونستطيع تسميتها....بايولوجيا غير عضوية."
البحث جزء من مشروع الأستاذ كرونن حول اثبات أنّ الخلايا من أصل غير عضوي نستطيع ان تنقسم وتتكاثر وتتطور بنفسها، مثل شبيهتها المنحدرة من أساس او أصل عضوي كاربوني. الأستاذ كرونن متأكد من أمكانية تحقيق مشروعه. فهو يضيف قائلا، "إنّ الهدف الأعظم هو بناء او تصنيع خلايا كيميائية معقدة لها خصائص تشابه خصائص الخلايا الحية، والتي من الممكن ان تساعدنا في فهم كيفية انتاج الحياة واستخدام هذا البحث لاستحداث تقنية جديدة معتمدة على التطور في عالم المادة. وهو نوع من انواع التقنية الحية في علوم الحياة اللاعضوية. إنّ البكتيريا هي من الأحياء الدقيقة البدائية أحادية الخلية تمت صناعتها من مواد كيميائية ذات أصول عضوية! اذا لماذا لانستطيع صناعة احياء دقيقة من أصول كيميائية غير عضوية وندعها تتطور بنفسها؟" [http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=276503&r=0]
يؤمن د. چرچ إيمانا عميقا بأنّ، "خلايا الـDNA تعيش لفترة طويلة (بلايين السنين)." وما يؤيّد هذا الإدّعاء، ولو جزئيا، هو نجاح علماء في أن يعيدوا للحياة مايكروبات استُخرجت من الرواسب العميقة تحت قاع جنوب المحيط الهادئ، بعدما ظلت كامنة لمدة 101.5 مليون عاما. حدث هذا الإكتشاف في إطار بحث يبرهن على مرونة الحياة على الأرض. والمايكروبات، التي تشمل عشر مجموعات رئيسة ومجموعات ثانوية عديدة من البكتيريا، ربما تكون أقدم كائنات حية معروفة على الكوكب. قال العلماء المساهمون، إنّ المايكروبات كانت موجودة في عينات طينية أخذتها سفينة البحث من عمق 74.5 متر تحت قاع المحيط، أو أسفل بمسافة 5.7 [https://ara.reuters.com/article/internetNews/idARAKCN24T2HL] كيلومترا من سطح الماء. ونجا ما يصل إلى 99 بالمئة من تلك المايكروبات، التي عثر العلماء عليها مغطاة بالرواسب ويعود تاريخها لعصر الديناصورات، رغم عدم وجود مغذيات طوال هذا الوقت.
إحتفظ الباحثون بقيادة عالم الأحياء الدقيقة يوكي مورونو من الوكالة اليابانية لعلوم وتكنولوجيا التربة البحرية بالمايكروبات لمدة تصل إلى 557 يوما في ظروف مختبرية آمنة وأمدوها بالكاربون والنايتروجين ومصادر ”غذاء“ مثل الأمونيا والأسيتات والأحماض الأمينية. نمت تلك المايكروبات وتكاثرت وقامت بأنشطة التمثيل الغذائي المتنوعة. قال مورونو "هي مفاجأة وتحدّ بايولوجي أن يعود جزء كبير من المايكروبات للحياة بعد وقت طويل جدا من دفنها أو طمرها في ظروف سيئة للغاية من التغذية/الطاقة."
وهذه المايكروبات هوائية، أي تحتاج إلى الأوكسجين للبقاء، وكان الأوكسجين موجودا في عينات الرواسب. ويشير هذا مثلما قال العلماء إلى أنّه إذا تراكمت الرواسب تدريجيّا في قاع البحر بمعدل لا يزيد عن متر أو اثنين كلّ مليون عاما فإنَّ الأوكسجين ربما يظل موجودا لتمكين مثل هذه المايكروبات من البقاء لفترات مذهلة من الزمن. وقال أخصائي علم المحيطات ستيفن دونت من جامعة رود آيلاند الذي ساهم في وضع الدراسة المنشورة بدورية Nature Communications "الجزء الأكثر إثارة في هذه الدراسة هو أنّها تظهر بشكل أساسي أنّه لا يوجد حدّ للحياة في الرواسب القديمة لمحيطات الأرض." وأضاف، "الحفاظ على القدرة الفسيولوجية الكاملة لمدة 100 مليون سنة في العزلة المهلكة هو إنجاز مثير للإعجاب."
يختتم المؤلفان الفصل الأول بالقول، "وكلما نمضي قدما سنرى مزيدا من الأنظمة الهجينة المكونة من العناصر اللاعضوية/العضوية. يرث اطفالنا الآن علم الأحياء المعزّز ميكانيكيا على شكل سيارات وهواتف ذكية واجهزة لزيادة قدرة السمع واجهزة لتنظيم دقات القلب ...الخ. اصبحت هذه الأجهزة بشكل متزايد جزء من حياتنا اليومية. في الحقيقة، يجد الكثير من الناس صعوبة في العيش بدونها. لقد استطعنا منذ ثمانينات القرن الماضي أن نضيف اجزاء تقوم على الحامض النووي المؤتلف الى اجسامنا مثل الأنسولين Insulin والأريثروپويتين Erythropoietin والمضادات الحيوية الوحيدة النسل Monoclonal Antibodies، وغيرها من المواد الطبية النافعة. إنّ اضافة النظم الحياتية الإصطناعية المعقدة ستطمس التمييز بين الحياة واللاحياة."
أشار المؤلفان في مطلع الفصل الثاني الى أنّه يمكن أن تُعتبَر مصادرنا الطبيعية والجيولوجية والفلكية أيضا مصادر نصوص قديمة. بإمكاننا أن نتخيّل النصوص القديمة، التي دوّنها البشر، وكذلك النصوص، التي دوّنتها الطبيعة. كلها تنقل حقائق عميقة ليست متناقضة بالضرورة. "النصوص القديمة الأصلية للجينوم مكتوبة برموز الـDNA لكلّ شيء حي اليوم. وهذه النصوص قديمة قدم الحياة ذاتها، وهناك أكثر من 1030 نسخة موزّعة حول العالم على امتداد مسافة 5 كيلومترات داخل باطن الأرض الى حافة الفضاء وفي كلّ نقطة ماء في المحيطات. إنّ نسخة هذا النّص موجودة في كلّ خلية ذات نواة في اجسامنا، تشكّل بمجموعها حوالي 700 مَگابايت من المعلومات (6 بلايين زوجا من الـDNA الأساسي). إنّها لا تحتوي فقط على أرشيف تاريخي غزير، ولكن ايضا وصفات عملية Practical Recipes لخلق الكائنات البشرية. ومع أهمية هذه النصوص فإنّ ترجمتها للغات الحديثة لم تبدأ الّا في فترة سبعينات القرن الماضي."
ما هو الجينوم؟ الجينوم البشري Human Genome هو المادة الوراثية DNA التي تتواجد بداخل النواة في خلايا الكائنات الحية سواء كانت حيوانية أم نباتية، بسيطة أو معقدة التركيب. ويمكن تشبيه أهمية الجينوم لوظائف الخلية بأهمية المخ لوظائف الجسد. فالمخ Brain هو مكان التدبير حيث يقوم بالتنسيق والترابط بين الأعضاء المختلفة في الجسم مما يضمن استمرار عمل الجسم بشكل محكم ومنظّم. وللأهمية القصوى للجينوم فإنه في مكان أمين للغاية وهي النواة Nucleus التي تتوسط الخلية ولا يخرج الـDNA منها أبدا بل يرسل نيابة عنه الـmRNA الحمض النووي الريبوسي، لكي ينقل الرسائل المهمة للخلية والتي تترجم إلى پروتينات.

توجد في كلّ خلية جسدية 46 كروموزوم (23 زوج). وتتكون المادة الوراثية من شريط مزدوج يلتف التفافا حلزونيّا حول نفسه، حيث ترتبط النوكليوتايدات على كلّ من الشريطين بشكل مكمل ويدعم هذا الارتباط وجود پروتينات هستونية Histones. لم تكن هناك معلومات كثيرة عن الجينوم أو المادة الوراثية إلى أن جاء اكتشاف العالمين واطسون وكرَگ لتركيب المادة الوراثية. ومع نهاية عام 1980 قدّر عدد الجينات البشرية التي اكتشفها العلماء في ذلك الوقت بحوالي 450 جينا، وفي عام 1985 ازدادت إلى 1500 جينا. لقد نشأت فكرة عمل خريطة للجينوم البشري تحديداً سنة 1984 واستهدف المشروع عمل خريطة لمعرفة أماكن الجينات الوظيفية وغير الوظيفية على الجينوم البشري، ومعرفة ترتيب القواعد النوكليوتايدية لكلّ جين على حدة مما يؤدى إلى استخدام تلك المعلومات في المجالات المختلفة مثل قطاع الصحة والصناعة والزراعة وغيرها من المجالات المختلفة. [https://arsco.org/article-detail-1202-3-0]
تمكن العلماء من الانتهاء من رسم الخريطة الجينية للجينوم البشري، فوُجِد أنّه يحتوي على حوالي 30 ألفا إلى 40 ألفا من الجينات الوظيفية. ونظرا لأهمية الجينوم البشري فإنّ الكشف عن تحديد أماكن الجينات الوظيفية 40 ألفا على كلّ كروموزوم ومعرفة التتابع النوكليوتايدي (القواعد) ذو أهمية بالغة. وتعرف عملية تحديد مكان الجين الوظيفي بإسم رسم الخرائط Mapping أمّا عملية تحديد ترتيب القواعد النوكليوتايدية لكلّ جينوم على حدة في الجينوم البشري، تُسمّى التتابع الجينى Sequencing. ومن خلال الدراسات المتواصلة والبحث في هذا المجال وُجِد أنّ طول جزيء الـ DNA في كلّ خلية من خلايا جسم الإنسان يقدر بحوالي 1.8 إلى 2 مترا في الطول. ونظرا لأنّ جسم الإنسان يحتوي تقريبا على حوالي 100 ترليون خلية، فإنّ طول جزيء الـDNA في الجسم كله يقدر بحوالي 8000 ضعف المسافة بين الأرض والقمر ذهابا وإيابا.

لقد وُجِد أنّ الجينوم البشري مكون من رسالة يتكون نصها من حوالي 3 مليار حرف وفي حالة كتابتها جملة واحدة فسوف نحتاج إلى 200 كتابا بحجم دليل الهاتف، لكي تكتب جميع الحروف، أي ما يعادل 100 ألف صفحة من الحجم الكبير. وتحتوي كلّ المادة الوراثية DNA في جسم الإنسان على حوالي 3000 مليون زوج من القواعد الوراثية، وبالتالي فإنّ جسم الإنسان يحتوي على 3 مليارات زوج من تلك القواعد، حسب ما ورد في هذا الفصل.

تحدث المؤلفان باعجاب عن تجارب مذهلة قام بها فريق فَنتَر وزملاؤه. في التجربة الثالثة، قام الفريق بتغيير نوع من البكتريا وتحويله الى نوع آخر. فعلوا ذلك بأخذ جينوم من نوع معيّن ونقلوه الى خلايا من نوع ثانٍ، فقامت الأخيرة بتحويل نفسها الى النوع الأول. استعمل الباحثون جينوما طبيعيا (ليس مصطنعا). "رغم أنّ طريقة البحث كانت معقدة من الناحية الفنية، فإنّها لم تكن عصيّة على الفهم، لأنّ ما فعله الباحثون هو عزل جينوم M. Mycoides وزرعه في خلية من صنف M. Capricolum. مرّ بعض الوقت والخلية المتلقية تحتوي على الجينومين معا. وفي النهاية تمّ التعرّف على الحمض النووي الجديد فأخذته تلك الخلية وحوّلت نفسها الى خلية M. Mycoides. " في المحاولة التي تلتها وضعوا جينوما مصطنعا داخل خلية فحولت جينات الخلية المتلقية نفسها الى الجينوم المصطنع، وبدأت تمارس مهامها في النمو والإستنساخ بشكل منتظم.
طرح جورج چرچ في نهاية فصله هذا سؤالا، "كيف يمكننا خلق خلية صغيرة حيّة وتكون في ذات الوقت مصطنعة؟ في عام 2009 تقدمت مع زميلي انتوني فوستر بمقترح مشروع بحث لصنع خلية صغيرة تكون في ذات الوقت وجوهريا كائنا حيّا مصطنعا. .... كان مشروعنا أن نبني من الجزيئات نظاما كيميائيا قادرا على التكاثر والنمو." ثمّ يمضي للقول، "المشروع بحدّ ذاته يتعارض تماما مع بحوث فَنتَر القائمة على علم الأحياء الإختزالي Reductionist Biology، في حين أنّ مشروعنا يقوم على علم الأحياء البنائي Constructive Biology، المستهدِف تجميع كيان حيّ من الأجزاء المكوّنة له." واضاف في آخر جملة من الفصل، "المطلوب منّا أن نحكم سيطرتنا على هذه الخلايا الإصطناعية الدقيقة ونستخدمها في صناعة الأدوية واللقاحات والمواد الكيميائية الصديقة للبيئة وتطوير الوقود الحيويBiofuel ."
وفي هذا السياق، فتحت مثل هذه التجارب الطريق للإستفادة من المعلومات بقصد صناعة العقاقير. على سبيل المثال، بدأت تظهر بارقة أمل جديدة لتطوير نوع من العقاقير سيكون من شأنها مكافحة الأمراض المرتبطة بالتقدم في السن، ومن ثم السماح للبشر بعيش حياة أطول. كان ذلك بفعل نجاح الباحثين في تعديل احد الإنزيمات المضادة للشيخوخة في الديدان المستديرة. كان باحثون من المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا قد تمكنوا من ضبط مقدار عمر المخلوقات بطريقة سلسة وسهلة عن طريق تغيير مستويات نشاط الپروتين. قال الباحثون إنّ الإنزيم الذي نجحوا في تعديله سمح للديدان المستديرة بتحويل السكر إلى طاقة عند انخفاض الطاقة الخلوية، وقد عثروا على طريقة تسمح لهم بالتحكم فيه.
لفت الباحثون الإنتباه إلى أنّهم وجدوا أنّ تلك الپروتينات توجد أيضا لدى البشر، وهو ما يعني أنّ هناك احتمال كبير لتطوير أدوية من شأنها المساهمة فعليا في إطالة العمر. ونوهت بهذا الخصوص صحيفة الديلي ميل [https://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-8587395/Anti-ageing-enzyme-tweaked-scientists-roundworms-live-longer.html] قائلة، بإنّ الباحثين الكوريين نجحوا في التوصل لهذا الكشف باستخدام العديد من الأدوات البحثية البيولوجية المختلفة. وأوردت عن سانگسون پارك، الباحث الرئيسي في الدراسة قوله، "استطعنا بمساعدة الأدوات التي لدينا أن نطيل عمر الديدان المستديرة، وذلك بعد أن نجحنا في زيادة انتاج پروتين يعرف بپروتين VRK-1، مهمته مراقبة استخدام الطاقة في خلاياه". لفت پارك الإنتباه إلى أنّهم ركزوا في دراستهم على اثنين من الپروتينات هما VRK-1 وAMPK، اللذين يعملان جنبا إلى جنب في خلايا الديدان، موضحا أنّ پروتين VRK-1 ينظم عمل پروتين AMPK ، وأنّ الأخير ينظم حالة الطاقة الخلوية.
ذكر المؤلفان في مطلع الفصل الثالث أنّ، "هندسة الجينوم ستسمح لنا بأن نكون أكثر تنوعا، وسيزيد ذلك من احتمالات البقاء على قيد الحياة. لقد استطعنا لحدّ الآن من زيادة خصائص اجسامنا من وجوه عدّة. مثلا، إنّنا نحاول أن نحسّن صحتنا ونزيد من اعمارنا ونقوّي انظمة المناعة في اجسامنا ضدّ مختلف الأمراض، الى غيره من المحاولات الأخرى." ويصدق هذا الأمر على التكنولوجيا أيضا. أشار تقرير طبي الى تمكن فريق طبي إيطالي من ابتكار شبكية اصطناعية بدقة عالية تحفز الخلايا العصبية على استيعاب الضوء وبالتالي عودة البصر، عبر تعزيزها بمكون سائل يسهّل تعليق الجسيمات النانوية الپوليمرية الضوئية.
أحدث الباحثون في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا ثورة طبية تكنولوجية بصناعة شبكية للتصدي لآثار أمراض مثل التهاب الشبكية الصباغي والضمور البقعي المرتبط بالتقدم في العمر والذي يتسبب في التدهور التدريجي لمستقبلات الشبكية الضوئية ممّا يؤدي إلى العمى. [https://alarab.co.uk/%D8%AB%D9%8]
نشرت مجلة Nature هذه الدراسة العلمية تحت عنوان، "ثورة تكنولوجية طبية تخرج المكفوفين من العتمة إلى النور: محاكاة بيولوجية لشبكية العين تحفز الخلايا العصبية على الاستيعاب الضوئي." نقلت المجلة أنّ الفريق متعدد التخصصات يتكون من باحثين من مركز علم الأعصاب والتكنولوجيا الشبكية الإيطالي، بالتعاون مع باحثين جامعيين وخبراء من مستشفى جنوة، تحت إشراف فابيو بينفيناتيو من مركز علوم وتكنولوجيا النانو في ميلانو. كما شارك في تنسيق عملية صناعة الشبكية گِگليامو لانزاني، وشملت باحثين من المعهد العلمي للبحوث والاستشفاء والرعاية الصحية بقيادة گراتسيا بيرتيل. وتمثل الدراسة أحدث ما توصلت إليه بحوث الشبكية الاصطناعية وهي تطور لنموذج انجزه نفس الفريق في عام 2017.
ويمثّل "الجيل الثاني"من شبكية العين الاصطناعية محاكاة بيولوجية، بدقة عالية مع مكون سائل يسهّل تعليق الجسيمات النانوية الپوليمرية الضوئية (التي يبلغ حجمها 350 نانومتر، وبالتالي حوالي 1/100 من قطر الشعرة الواحدة)، لاستبدال المستقبلات الضوئية التالفة. أظهرت نتائج التجارب أنّ تحفيز الجسيمات النانوية بالضوء الطبيعي ساهم في تنشيط الخلايا العصبية في الشبكية بطرق تحاكي عمل المستقبلات الضوئية لدى الأشخاص الأصحاء من ذوي البصر السليم.
مرآة الحياة Mirror Life وتسمى أحيانا الحياة المماثلة Chiral Life أو الحياة التماثلية Enantiomeric Life، هي فرضية لمحاكاة الحياة، التي نعرفها، وخلق عالم بايولوجيّ بديل لا وجود له في الطبيعة. يكرّس العالم چرچ قسما طويلا من هذا الفصل للحديث عنه فيقول، "لقد تعلمنا الدروس الأساسية التالية. (1) إنّه حقا من الممكن أن نخلق أحماضا أمينيّة لعالم المرآة، وكذلك الپروتينات الخاصّة بهذا العالم وفق خصائص معينة يمكن التنبؤ بها (على مقياس أكبر أو أصغر). (2) باستطاعتنا خلق عالم بايولوجي كامل يقوم على مفهوم المرآة، عن طريق بذل المزيد من الجهود لإيجاد مزيد من الأقسام المطلوبة. (3) إنّ هذه الأقسام بالإضافة الى الأحماض الأمينية والهياكل (العظمية)، ستفسح المجال أمامنا لكي نخلق عالما جديدا متكاملا غريبا من المواد الحيوية والعقاقير الطبيّة والكيميائيات المختلطة، ومن يدري ماذا أيضا!"
ما كان د. چرچ متحمّسا جدّا للمحاولات الأولى لوضع تسلسل الجينوم وقراءته. "حين وُضع تسلسل لذلك الجينوم كان مليئا بالمئات من الفجوات. ورغم أنّ المحاولة كانت حدثا علميا تاريخيا، فإنّها كانت في الحقيقة رمزية في غالبيتها، مثل الهبوط على سطح القمر، ولها قيمة قليلة محدودة نسبيّا من النواحي العملية والشخصية والطبية." كان رأيه، "ولكن لو افترضنا وضع تسلسل كامل من الجينومات البشرية السليمة، فإنّ النقطة الأساسية في قراءتها ستكون هي مقارنة هذه الجينومات مع بعضها البعض و(تعدين) الحاجيات البايولوجية من (هذا الكنز)، بمعنى فهم تسلسلات جينية تقوم بمهام محدّدة ومعروفة ونافعة. إنّ اكتشاف مثل هذه التسلسلات سيزيد من قابليتنا على تغيير انفسنا والعالم من حولنا، لأنّنا بشكل اساسي قادرون على استنساخ الجينات المفضّلة ذات العلاقة ووضعها في جيناتنا الخاصة. فنكون بذلك قد حصلنا على القدرات والمهام التي تحملها، ونحن نبتغيها."
وجدت مثل هذه الآراء نقدا و/أو تأييدا من جهات عديدة. طالبت عدة جماعات بوضع قيود على استخدام التقنية المعروفة باسم "كريسپر- كاس9″، التي فتحت آفاقا جديدة في مجال الوراثة الطبية، نظرا لقدرتها على تحوير الجينات بسرعة وفاعلية. مثلا، طالبت هيلي هاكر رئيسة قسم اللاهوت الأخلاقي الكاثوليكي بجامعة لويولا بشيكاگو بفرض حظر دولي مدته عامين على الأبحاث المتعلقة بتعديل الخلايا الجنسية للإنسان، وهي التغييرات التي ستنتقل للنسل الجديد. وأضافت أنّ مثل هذه الممارسات تمثل انتهاكا لحرية الأطفال الذين لم يولدوا بعد، ممن لم تتح لهم الفرصة للموافقة على تعديل نسقهم الجيني.
لكن جون هارِس أستاذ الأخلاقيات الحيوية بجامعة مانچستر ببريطانيا طالب بالانحياز إلى التكنولوجيا الحيوية. وقال هارِس "لدينا جميعا واجب أخلاقي لا مفرّ منه، ألا وهو المضي قدما في البحوث العلمية إلى النقطة التي نصل فيها إلى خيار رشيد." واضاف، "لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، ويبدو لي أنّ اللجوء إلى المنع ليس المسار الصحيح، إذ أنّ الأبحاث ضرورة". تتيح هذه التقنية الحديثة للعلماء تعديل الجينات من خلال "مقص" جيني يضاهي في عمله برنامجا حيويا لمعالجة النصوص، يمكنه رصد التشوهات الجينية واستبدالها. ويقوم العلماء في غضون هذه التقنية بإدخال إنزيمات تلتصق بجين يمكن أن يسبب الأمراض ثم يقوم الإنزيم إمّا باستبداله أو إصلاحه.
يقول مؤيدو هذه التقنية إنّها يمكن أن تسرع من اليوم الذي سيتمكن العلماء فيه من منع الإصابة بالأمراض الوراثية، بينما يشعر معارضوها بالقلق بشأن الآثار المجهولة على الأجيال القادمة، علاوة على ميل الآباء في المستقبل إلى دفع مبالغ مقابل تحسين النسل، مثل مستوى الذكاء لدى الأبناء ورفع القدرات الرياضية. وبدا وجود إجماع عريض خلال الاجتماع على تعديل الخلايا "الجسمية"، وهي التي تختص بالتغييرات في غير الخلايا الجنسية المسؤولة عن التكاثر، وهي بالتالي لا تنتقل إلى النسل الجديد، الأمر الذي لا يمثل خطرا كبيرا. [https://www.aljazeera.net/news/healthmedicine/2015/12/3/]
كانت كلفة اعداد الجينوم الأول الصغير في معهد فنتر 40 مليون دولارا. أخبرنا د. چرچ، أنّه وزملاؤه في مختبره ابتدعوا آلية جديدة. "في السعيّ الى هندسة الجينوم واظهاره للوجود، قمت بمساعدة العاملين معي في مختبري بتطوير تقنية سميناها هندسة الجينوم الآلي متعدد الإرسال MAGE. ... في سياق علم الوراثة الجزيئي، تشير الى مضاعفة عملية الإرسال بإدخال عدة قطع من الحمض النووي الإصطناعي في جينوم معيّن في مواقع متعددة منه في ذات الوقت. إنّ النجاح في عمل ذلك سيجعل من الممكن ادخال ما يصل الى مليون تعديل جيني في الجينوم خلال فترة زمنية معقولة." ثمّ قام الفريق بابتكار تقنية أخرى وصفها د. چرچ كالتالي، "إذا كانت تقنيتنا الأولى MAGE تعني كسر قطع طويلة من الحمض النووي الى اجزاء صغيرة وادخال تعديلات بسيطة في كلّ جزء منه، فإنّ تقنيتنا الثانية CAGE تعني جمع تلك الأجزاء، التي احدثنا فيها التغييرات ووضعها مع بعضها البعض ثانية."

لم تكن هذه ألإنجازات حكرا عل جامعة هارفرد، باعتبار أنّ د. چرچ هو استاذ علم الوراثة فيها، فقد افتتِح في لندن مصنع للحمض النووي تابع لجامعة إمپيريال كولِج. يتخصص المصنع في تجارب لصناعة الحمض النووي، ويعتمد في عمله على الروبوتات. توفر هذه الروبوتات كثيرا من وقت الباحثين وجهدهم لأنّها تجري آلاف التجارب العلمية في علم الأحياء في الوقت نفسه وعلى مدار اليوم، مقابل عشرات من التجارب التي يقوم بها البشر، الذين كانوا يمضون ساعات طويلة في إجراء التجارب المختبرية بااستخدام لأدوات التقليدية.
تكمن أهمية هذه التجارب في البحث عن إمكانية تطوير لقاحات ومضادات للعديد من الأمراض عبر استخدام تكنولوجيا صناعة الحمض النووي. وهي صناعة يمكن أن تدرّ الملايين إذا تمّ اكتشاف أحد تلك العلاجات. وتعمل الجامعة أيضا على استخدام الأحماض النووية المصنعة في تعديل جينات بعض الأغذية المسبّبة للحساسية، مثل الفول السوداني. وقالت صاحبة شركة "آرانيكس" شلو جو، "نعمل على تعديل الجينات المنتجة للپروتينات التي تسبب الحساسية في الفول السوداني، فكلّ ما نقوم به هو تحديد ما نريد استهدافه من [https://www.aljazeera.net/news/healthmedicine/2016/4/8/] الجينات بكلّ بساطة."
في نهاية الفصل تقريبا، يميط د. چرچ اللثام عن ابتكار علمي آخر. "قمنا نحن الثلاثة، شَون دَوگلَس وإيدو بَشلِت وأنا في معهد ويس Wyss Institute لهندسة الإلهام البايولوجي في جامعة هارفرد، باستخدام تلك الطريقة لبناء نانو رَوبوَت. هذا الإبتكار في الأساس اقفاص من الحمض النووي تحتوي على الأجسام المضادة القاتلة للسرطان. يمكن لأقفاص النانو هذه أن تنفتح وتطلق ما فيها من الأجسام المضادة عندما تلامس فقط الخلايا السرطانية." يا له من إنجاز نافع عظيم!
افتتح المؤلفان الفصل الرابع بالحديث عن البكتريا النافعة المستعملة في انتاج الوقود الحيوي. تمكّن فريق من العلماء الأمريكيين من استخراج الوقود الحيوي من خلال بكتيريا أدخلوا تغييرات على صفاتها الوراثية. الاكتشاف الجديد قد يقدم بديلا صديقا للبيئة إلى جانب بدائل خضراء أخرى للوقود الأحفوري. قال علماء إنّهم نجحوا في تغيير الصفات الوراثية لأحد أنواع البكتيريا بشكل شبه تام ممّا جعل هذه البكتيريا تضاعف قدرتها على تحليل الخشب وتحويله للمرحلة السابقة لاستخدامه كوقود حيوي. وحسب باحثي معهد جوينت بايوإنرجي في ولاية كاليفورنيا لأبحاث الوقود الحيوي تحت إشراف جي كِسلِنگ وما ورد في مجلة Proceedings التابعة للأكاديمية الأمريكية للعلوم، فإنّ هذه البكتيريا لم تكن قادرة في شكلها الأصلي على تحليل الخشب بهذا الشكل.
تحتوي البقايا العضوية النباتية مثل الخشب والقش وأوراق الشجر على كميات كبيرة من السكر، الذي يمكن أن يستخلص باستخدام البكتيريا، ولكنّ المشكلة تكمن في ارتفاع تكاليف ذلك وعدم جدواه التجارية لأنّه يحتاج للكثير من الوسائل والطاقة وهو ما جعل الباحثين يلجأون لتعديل بكتيريا ايچرچيا أيكولاي المعروفة في الأبحاث العلمية المتعلقة بتعديل الصفات الوراثية للبكتيريا لاستخدامها في تحليل هذه البقايا العضوية بسرعة كبيرة وبشكل مجد نسبيا. [https://www.dw.com/ar/%D8%AF%D8%A7%D8%B]
قام الباحثون بإدخال العديد من الإنزيمات إلى المجموع الوراثي لهذه البكتيريا، وهي إنزيمات ذات قدرة خاصة على تحليل سكر الخشب والمواد الشبيهة به من النباتات الخشبية. وكانت هذه الإنزيمات تصنع حتى الآن باستخدام تقنيات حيوية لاستخدامها في تحويل عجينة مطبوخة من البقايا النباتية إلى سكر وهو ما يتطلب في الأصل وسائل إنتاج مكلفة والكثير من الطاقة مما يقلل من الجدوى التجارية لهذه الوسائل. أدخل الباحثون إنزيمات أخرى على المجموع الوراثي لهذه البكتريا التي من شأنها تحويل البقايا النباتية إلى المرحلة السابقة للوقود الحيوي. ويرى فريق الباحثين أنّ البكتيريا الجديدة، التي توصلوا إليها بالتعديل الوراثي، تعدّ بمثابة خطوة جوهرية على طريق إنتاج وقود حيوي بتكاليف مناسبة. بيد أنه من غير الممكن حسب العلماء استخدام هذه البكتيريا الجديدة بشكل تقني واسع قبل إدخال المزيد من التعديلات الوراثية عليها لتتكيف مع المزيد من البقايا النباتية والظروف البيئية.
وفي المانيا يعكف العلماء على دراسة نبتة مِسكانتوس التي لا تمثل مصدرا بديلا لوقود السيارات فقط، بل وستستخدم في تطبيقات كثيرة كبناء المنازل وصناعة الأواني. ولأنّ أراضي نباتات التغذية لها أولوية فلا بد أن تكون مساحة الأراضي المخصصة لزرع نباتات الطاقة صغيرة، لذلك يسعى العلماء إلى أن تنمو نباتات الطاقة بشكل سريع وبكفاءة عالية بحيث يتم إنتاج طاقة كثيرة من مساحة زراعية صغيرة. ويعمل بعض الباحثين على ذلك من خلال تحسين ظروف نمو نبتات الطاقة في بيوت زجاجية دافئة باستخدام كومپيوتر للتحكم بدقة في الرطوبة والحرارة والأوكسجين فيها. في حين يعمل بعضهم الآخر على ذلك عن طريق الهندسة الوراثية والجينات من خلال تهجين النباتات جينيا بحيث يحصلون على نباتات ذات صفات وراثية [https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8] أكثر كفاءة وسرعة في النمو.
تُعتبر نبتة مِسكانتوس سريعة النمو بطبيعتها، وتعدّ نبتة واعدة جدّا في مجال إنتاج الطاقة. تمّ استيراد هذه النبتة من الصين، كما ذكر الأستاذ الألماني رالف بوديه، الذي ركّز على دراسة هذا النبات في أبحاثه خلال عشرين عاما. ويوضح بوديه أنّه كان من الصعب في البداية إقناع الفلاحين الألمان بزرع نبتة مِسكانتوس، بل وكانت هناك إشكالية بايولوجية في البداية لزراعة هذه النبتة الصينية في التربة الألمانية. ويضيف قائلا، "عملت في البداية على حلّ مشكلة زراعة النبتة الصينية في التربة الألمانية، وعندما نجحت في ذلك ظهرت مشكلة عدم اقتناع الفلاحين بزراعتها لأنّهم لم يكونوا يعرفون مدى أهميتها. وبعد أن بيّنتُ لهم أنّ هذه النبتة ممتازة جدا في إنتاج الطاقة، اقتنع الفلاحون الألمان بزرعها في حقولهم".
انتقل الحديث بعد ذلك الى بداية تكوّن النفط فأشير الى، "إنّ النظرية السائدة اليوم والتي يتبناها معظم الجيولوجين هي أنّ النفط نشأ من الكائنات الدقيقة." في الحقيقة توجد ثلاث نظريات هي:
النظرية البايولوجية: اقترحت هذه النظرية أنّ الپترول يتكون من بقايا الكائنات الحية التي كانت في العصور القديمة، وخاصة الكائنات البحرية التي تم دفنها وخلطها بالرمال وغيرها من الرواسب. مع مرور الوقت ، تحولوت إلى صخور رسوبية وتعرضت لضغط هائل من الحرارة وعوامل أخرى. وهي غنية بالكاربون والهايدروجين، فتتحوّلت إلى هايدروكاربونات تشكل الپترول والغاز الطبيعي ، والأهم هو نشاط البكتيريا اللاهوائية التي تستخرج الأوكسجين والكبريت والنايتروجين من خلايا الكائنات الحية. هذه النظرية هي الأكثر قبولا على نطاق واسع بين العلماء المعاصرين لعدة أسباب، وهي: أولا،غالبا ما تكون حقول النفط المكتشفة في صخور رسوبية أو بالقرب من الشواطئ. ثانيا، تحتوي الزيوت المستخرجة من الأرض على مركبات عضوية. ثالثا، يتميز الزيت المستخرج بخاصية التمثيل الضوئي، وهذه الخاصية فريدة من نوعها بالنسبة للمواد العضوية. [https://mkaleh.com/%D9%85%D8%A7_]
نظرية المعادن: تقول هذه النظرية إنّ الپترول غير عضوي، وأنّ أصله معدني ويتشكل نتيجة بخار الماء الذي يتعرض لرواسب كاربيدات المعادن الموجودة في باطن الأرض. كاربيد الكالسيوم، عند التفاعل مع الماء، يخلق هايدروكاربون غير مشبع. لكنّ رواسب الكاربيد نادرة وغير موجودة بكميات كافية ووافية لاستخراج الكميات الهائلة من النفط، التي لا تزال موجودة في باطن الأرض.
النظرية الكيميائية: تفترض هذه النظرية أنّه في الزمن القديم ، كان الهايدروجين مقترنا بالكاربون لتكوين هايدروكاربونات، ثم انتشر في الأرض وخُزِن في داخلها. وهذه النظرية تفترض أنّ النفط موجود في جميع أنحاء العالم. وما يتناقض مع ذلك هو منطقة الخليج العربي وحدها، التي تحتوي على أكثر من ثلثي احتياطيات العالم. تم تأكيد لهذا، إذ ليس من المعقول أنّ الكائنات الحية كثيرة للغاية بحيث تغطي مساحة العالم. وهناك العديد من العلماء الذين يعتقدون بهذه النظرية بحيث تمّ إجراء عمليات الحفر لعمق أكثر من خمسة آلاف مترا في روسيا والسويد والولايات المتحدة لتأكيد صحة النظرية، ولكن دون جدوى.
يخبرنا الأستاذ چرچ في نهاية الفصل الرابع أنّه تمّ اكتشاف 10000 نوعا من البكتريا الزرقاء، التي تمّ العثور عليها في غياهب سايبريا المتجمدة واقاصي الصحارى الحارة. عُثر عليها ايضا في ستائر دُش الإستحمام وخزانات المرحاض، في محيطات العالم وفي البيئات الخاصة، مثل الينابيع الساخنة ومناطق الأملاح وخلجان المياه شديدة الملوحة. أضاف قائلا، "يعتبر بعض علماء الأحياء أنّ البكتريا الزرقاء هي انجح مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة على سطح هذا الكوكب. تتوقع شركة جول Joule غير المحدودة أن تكون هذه الكائنات ناجحة بنفس القدر في تحويل ضوء الشمس الى وقود ديزل." ثم يمضي چرچ للقول، "إتضح أنّ هذه البكتريا المهندسة لديها القدرة على أخذ ضوء الشمس وثاني أوكسيد الكاربون والماء قليل الملوحة ثمّ تحوّل هذه المكوّنات الى المكوّنات الجزيئية لزيت الديزل."
تقوم عملية تكوين الوقود الحيوي المايكروبي على استخدام التقنيات الحيوية ذات المستويات العليا من التنمية والتطوير وذلك من أجل إنتاج هذا الوقود الحيوي. ثانيا، تطبق تقنية الوقود الحيوي المايكروبي طرق ذات إنتاجية عالية قائمة على معامل التكرير أو المصافي الحيوية المايكروبية للكائنات الدقيقة الموجودة في بيئات معينة. ثالثا، يمكن استخدام تقنية الوقود الحيوي المايكروبي لإعادة تدوير النفايات الصناعية، بما في ذلك النفايات الغازية مثل ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين وغيرهما، وتقوم أيضا بإنتاج وقود حيوي ذي قيمة عالية من خلال عملية التحول الحيوي. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D]
واذا كانت بحوث چرچ تنصبّ على البكتريا الزرقاء Cyanobacteria ، فهناك باحثون فرنسيون اعتمدوا على بكتيريا تعيش في التربة الزراعية تعرف باسم Streptomyces التي تستخدم فعليا في تصنيع المضادات الحيوية. وقد تساعد البكتيريا والنظرية الجديدة الباحثين على اكتشاف مايكروبات أخرى من شأنها أن تكون مصادر مجهولة للوقود. نشر العلماء بحثهم في صحيفة "رسائل الكيمياء الفيزيائية،" على حدّ قول الباحثة الفرنسية آريان دانيست بيساو.http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/cef4bb41-5d69-437d-8403-3c6cca0c16f3
جاءت بكتيريا Streptomyces في المرتبة الأولى بين المرشحات، لقدرتها على صناعة وتخزين كميات هائلة من الزيوت المعروفة باسم "الزيوت الثلاثية" أو TAG. وهي عبارة عن ملح "الإستر" العضوي المشتق من "الگليسِرول" وثلاثة أحماض دهنية، هي مواد صناعة الديزل الحيوي. ويعلم المصنعون حاليا كيفية إنماء عدد كبير منها، إذ تستخدمها شركات صناعة الدواء في إنتاج مصادر الوقود. حاول فريق بيساو استكشاف آلية تخزينها للزيوت الثلاثية. وفي مسعاهم هذا، استخدموا أداة مختبرية جديدة تجمع ما بين مجهر يعمل بالقوة الذرية ومصدر ليزري معدّل يعمل بالأشعة تحت الحمراء. أتاحت الأداتان للباحثين تحديد كيفية ومكان تخزين البكتيريا لدهون TAGs . كما توصلوا إلى أنّ بعض سلالاتها لا يمكنها تخزين الزيت، بينما البعض الآخر له القدرة على تخزين كميات هائلة منه بطريقة يسهل بها استخلاصه .خلص الباحثون إلى قدرة تقنيتهم على استكشاف مايكروبات أخرى لها القدرة على إنتاج كميات كبيرة من الزيت الحيوي .
يتناول الفصل الخامس من الكتاب حقيقة وجود بلايين البشر على قيد الحياة وعبر الكوكب ويعتبره الدليل على القوة غير العادية للإستجابة المناعية التي تطوّرت لدى الثدييات، على مدى ملايين وآلاف السنين من وجودنا. كما أنّ حقيقة موت الملايين من البشر كلّ عام بسبب الأمراض المعدية، يذكّرنا أنّه رغم فعالية جهاز المناعة وسطوته، فإنّه جهاز مليء بالعيوب. وهذا لوحده سبب كاف لإدخال علم الجينوم المعدّل والإصطناعي في الصورة. ولكن، "من المسلم به أنّ فكرة تغيير جيناتنا ليست قضية سهلة يمكن تقبلها، خاصّة ونحن نعرف أنّ البعض من الناس يخشون تناول الأطعمة من نباتات ومحاصيل وفواكه معدّلة وراثيا. ولا شكّ سيُصابون بالرعب الوجودي من فكرة البشر، الذين تعاد هندستهم وراثيا. غير أنّه إذا أدخلنا التغييرات الجراحية الصغيرة في جينوماتنا لغرض تحصيننا وحمايتنا من الفايروسات المعروفة وغير المعروفة، ستحدث ثورة في عالم الطبّ وستخفف بالتالي من مشاعر المعارضة للفكرة."
في عالمنا العربي هناك مخاوف افصح عنها رئيس قسم الفلسفة في جامعة قسنطينة في الجزائر، حين تحدّث عن ماهية فلسفة البيوطيقا، أو الاخلاق الحياتية، ويعتبر أنّها ترمي إلى جعل التقدم البايوتكنولوجي موّجه فقط لخدمة الانسان وضبطه بضوابط أخلاقية. ويوضح أنّ السؤال الأهم الذي تطرحه البيوطيقا هو، "هل كل ما هو ممكن تقنياً مباح أخلاقياً". ويحذر من أن غياب الشفافية حول الأبحاث الدقيقة التي تجرى "بعيداً عن الأعين" قد يكون تأثيرها "أكبر من قنبلة نووية"، وفق تعبير دحدوح، الذي يرى أنّ هذه الأبحاث من دون ضوابط قد تقود إلى جنس بشري جديد غير "الانسان العاقل". ويدعو إلى مراقبة المراكز البحثية الدقيقة كما تراقب الأسلحة النووية. [https://www.france24.com/ar/20200912]
تحاشيا لمخاوف البشر من اجراء الهندسة الجينومية عليهم، يقترح د. چرچ تعديل جينوم الكائنات التي تسبب لهم الأمراض. وسيكون ذلك عاملا حاسما في تقليل الكلفة وخلاص الناس من المعاناة والألام. لاشكّ أنّ مثل هذه الخطوة ستكون هائلة. الجينوم التركيبي يمكن أن يحسّن صحة الإنسان بشكل جذري، حتى وإنّ تُرِك جينوم الأنسان سليما وقمنا بتغيير جينومات الكائنات الحية الأخرى. فمثلا، وضع علماء أوّل خريطة كاملة للخلايا المناعية للبعوض ووجدوا نوعا جديدا من الخلايا يمكن أن يكون له دور في قدرة البعوض على التصدي للملاريا. وقال الباحثون إنّ النتائج التي نشرت في دورية ساينس يمكن أن تساعد العلماء في اكتشاف طرق جديدة لمنع البعوض من نشر طفيليّ الملاريا إلى البشر وكسر سلسلة الانتقال. تؤثر الملاريا على أكثر من 200 مليون شخصا في أنحاء العالم وقتلت حوالى 405 ألف شخصا عام 2018، معظمهم من الرضع والأطفال دون سن الخامسة. والملاريا مرض ناتج عن طفيليات بلازموديم الموجودة في لدغات إناث بعوض الأنوفيله. [https://aawsat.com/home/article/2474606/]

قال أوليفر بيلكر، خبير العدوى الجزيئية في جامعة إيميا السويدية الذي شارك في قيادة الدراسة، "اكتشفنا نوعا نادرا من الخلايا الجديدة المهمة، أطلقنا عليه اسم مِگاسايت، يمكن أن يكون عاملا في التحضير المناعي ويبدو أنّه يؤدي إلى مزيد من الاستجابات المناعية لطفيليّ بلازموديوم." وأوضح فريق بيلكر في الدراسة أنّ جهاز المناعة للبعوض يتحكم في طريقة نقل الحشرة للطفيليات أو الفيروسات، لكن حتى الآن، لا يعرف العلماء سوى القليل عن أنواع الخلايا، وفق وكالة رويترز.

درس الفريق كلّا من بعوضة الأنوفيله الگامبية الناقلة للملاريا وبعوضة الزاعجة المصرية التي تحمل فيروسات تسبب أمراضا معدية أخرى للبشر مثل حمى الضنك وشيكونگونيا وزيگا .حلل ّالفريق أكثر من 8500 خلية مناعية فردية لمعرفة الجينات التي نشطت في كلّ خلية وتحديد العلامات الجزيئية لكلّ نوع خلية على حدة. قالت ساره تِچمَن، الخبيرة في معهد ويلكوم سانگر البريطاني، والتي شاركت في وضع الدراسة، "يبدو أنّ البعوض يتمتع بمناعة جيدة ضدّ الطفيليات مثل الملاريا، وهي مناعة كافية تحول دون موت البعوض لكنّها لا تكفي للقضاء على الطفيليّ"
تتمثل إحدى مشكلات علاج السرطان في أنّ المواد الكيميائية المستخدمة لقتل الخلايا السرطانية، غالبا ما تقتل أيضا الخلايا السليمة. لدى العلماء اقتراحات ومخططات مختلفة لإيصال المواد العلاجية بشكل انتقائي الى مناطق اورام السرطان، دون غيرها. على سبيل المثال، "إقترح عالم الفيزياء ألِكس زيتل، من جامعة كاليفورنيا، فرع بَركلي، وضع مواد العلاج الكيميائية داخل انابيب ثانوية كاربونية دقيقة، يتم التحكم بها عن طريق الإشعاع وتوجّه الى مناطق الورم الخبيث وتطلق حين تصل هناك ما فيها من المواد العلاجية المضادة للسرطان. يتطلب القيام بمثل هذه الخطوة بنية تحتية كاملة للأجهزة الجديدة وجهدا ليس بسيطا للهندسة من أجل تحقيق هكذا مهمة. لكنّنا على يقين بأنّ الأمر ممكن."
هناك طريقة اخرى لتحقيق نفس الهدف بايولوجيا. "في عام 2006 حدّد جي سي أندِرسُن ومجموعة من علماء الأحياء الجزيئية العاملين في مختلف مؤسسات البحوث في كاليفورنيا، مخططا لهندسة البكتريا الإشريكية القولونية E.Coli وجعلها خلايا تتخصّص في مهاجمة خلايا السرطان وتدميرها." وهذا يعني تكوين كمّيات من نظم توصيل الأدوية البكتيرية، في هذه الحالة. من المفارقات هنا أنّ البكتريا لم تعد سبّب المرض بل الوسيلة لعلاجه.
نشر أندِرسُن وزملاؤه اقتراحاتهم في مجلة علم الأحياء الجزيئي تحت عنوان، "إيقاف غزو السرطان واخضاعه لسيطرة البيئة عن طريق خلايا البكتريا المعدّلة." أشاروا هنا الى أنّه بعد حقن بعض الأنواع البكتيرية في مجرى الدم تنجذب خلايا E.Coli المعدّلة بشكل طبيعي نحو مناطق الأورام الصلبة، بما في ذلك سرطان المثانة والدماغ والثدي. إنّها تفعل ذلك بسبب اضطرابات في تدفق الدم أو غيره من جوانب البيئة المايكروبية Microenvironment بالقرب من الخلايا السرطانية.
يكشف د. چرچ أنّه نتيجة جهوده وجهود زملائه، "تمّ تصنيع أكثر من 33 عقارا من نوع mAb المتوافق مع البشر والمشتق من فئران في مراحل مختلفة من التجارب الميدانية، بما في ذلك العديد من التجارب، التي طوّرها لونبَرگ وشركة Medarex حيث استنبطت علامة تجارية باسم "HuMAB-Mouse” لسلالة الملكية الخاصّة بها من الفئران المتوافقة مع البشر. وبقدر تعلق الأمر بجينات الفأر لتكوين الأجسام المضادّة، التي تمّ تعطيلها واستبدالها بجينات الأجسام المضادة البشرية، أكتسب Mouse HuMAB- القدرة على صنع اجسام مضادّة تكون بشريّة بالكامل." وافقت دائرة فحص الأغدية والأدوية FDA على استخدام العقاقير الطبية القائمة على تجارب Mouse HuMABلصنع 4 عقاقير صالحة للإستعمال البشري لمعاجة مختلف الأمراض، بما في ذلك التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid Arthritis والإلتهاب الذاتي لأمراض المتلازمة Autoinflammatory Syndrome Diseases والصدفية Psoriasis وسرطان الدم المزمنChronic Lymphocytic Leukemia . هذه العقاقير التي صودق عليها عام 2009 لا تمثل حقا سوى غيض من فيض "لمنصة الفئران المعدّلة وراثيا،" حسب قول لونبَرگ الذي اضاف، "يوجد المزيد من العقاقير المثيرة وراء هذا في مراحل تطوّر مختلفة. ونحن مستمرّون في استخدام هذا النظام الأساسي لاكتشاف الأدوية."
يتبنّى د. چرچ وزملاؤه من العلماء فكرة الطبّ الدقيق Precision Medicine. يهدف الطبّ الدقيق إلى إضفاء نوعٍ من الخصوصية على العناية الصحية من خلال وضع قرارات وتحديد علاجات خاصّة لكلّ فرد وبكلّ الوسائل المتاحة. ويشكّل علم الصيدلة الجيني جزء من الطبّ الدقيق. يُعد فحص الجينوم الشخصي تطوّرا علميا حديث العهد إلى حدّ ما في عالم العلاج بالدواء، ولكنّه يشهد توسّعا سريعا. في الوقت الحالي، يرد في نشرات طبيّة أكثر من 200 دواء ومعلومات مرتبطة بالمؤشرات الحيوية الدوائية. وهي بعض المعلومات الجينية القابلة للقياس والتعريف التي يمكن استخدامها لتحديد الدواء الفعّال لكلّ فرد في حاجة للعلاج. [https://aawsat.com/home/article/2506111]
يستخدم العلماء اليوم هذا النوع من المعلومات لتحسين اختيار وتحديد جرعات الأدوية لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الصحية كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة وعدوى فايروس نقص المناعة البشري والسرطان والتهاب المفاصل وارتفاع معدّل الكوليسترول والاكتئاب. جدير بالذكر، أنّه لا تزال علوم "الجينات الصيدلية" في مراحلها الأولى، على الرّغم من أنّها تحمل وعوداً عظيمة وأحرزت تقدّما كبيرا في السنوات الأخيرة. تحتاج هذه العلوم إلى مزيد من التجارب السريرية ليس للعثور على روابط بين الجينات وعواقب العلاج فحسب، بل أيضاً للتأكيد على النتائج الأولية التي أحرزتها، وتوضيح معنى هذه الروابط وترجمتها إلى قواعد إرشادية لوصف الأدوية. ومع ذلك، يشير التقدّم في هذا المجال إلى مستقبل سيصبح فيه علماء "الجينات الصيدلية" جزء لا يتجزّأ من منظومة العناية الصحية ولو للعمل في عدد محدّد من الأدوية والعلاجات.
يخبرنا د. چرچ أنّه وفريقه في المختبر بجامعة هارفرد، يعملون على جعل المواد البكتيرية المهاجمة أكثر أمانا بالنسبة للجسم. هذا مهمّ لأنّ الخلايا البكتيرية يمكن أن تسبّب استجابات التهابية في الجسم. "لكنّنا يمكن أنْ نهندس غلاف الخلية البكتيرية، حتى لا تثير مثل تلك الإستجابة. إنّ وضع عدّاد جديد (وفق تقسيمات الخلية أو التوقيت) في الدوائر التركيبية للخلية، سيضمن أنّ الخلايا المهاجمة لا تتكاثر بشكل مفرط في البيئة الغنية بالتغذية في جسم الإنسان. وبدلا من ذلك يمكننا الحدّ من التكاثر عن طريق هندسة في الخلية، كي تعتمد غذائيا على شيء غير موجود في جسم الإنسان، مثل azido-phenylalanine وعن طريق الحفاظ على مثل هذه المغذيات لتكون موجودة خلال نمو البكتريا، وحتى يتمّ حقنها في جسم المريض." ثم يضيف، "وزيادة في السلامة، تشمل الميزات الإضافية لهندسة الجينومات لتكون غير متوافقة مع الحمض النووي في البكتريا الأخرى، بحيث لا تتدفق المعلومات الجينية من أو الى البيئة، ربّما عن طريق تغيير رمز الترجمة الأساسي للخلية."
لكنّ الأستاذ چرچ يعود في نهاية الفصل ليؤكد أنّه، "من الأفضل لعلم الجينوم الإصطناعي منع حدوث الأمراض في أيّ وقت من الأوقات من خلال تغيير الجينوم البشري وإعادة هندسة أنفسنا مباشرة الى مستوى أعلى من مستويات الصحة والصلابة ومقاومة الأمراض." ولهذا الغرض، يذكّرنا بقصة الفتاة جينا جَسي، التي اصيبت بداء الكلب ونجت منه، بعد أن ترك خللا في جهازها العصبي. قال، "تجربة جينا هذه هي دراسة حالة في قدرة جهاز المناعة البشرية وقيوده ... وٍمن الواضح أنّ هناك مجالا واسعا للتحسين. إذا تمّ استخدام الجينومات الإصطناعية لتعزيز استجابتنا المناعية، سيجعلنا ذلك نمتلك مناعة هندسية عالية مقصودة ضدّ مجموعة واسعة من الأمراض. وسيمثّل هذا تقدّما جوهريا يُضاف الى اجهزة المناعة لدينا أصلا، والتي وُلدت خلال العصر الپاليوسيني." ثمّ يمضي للقول، "قد يتمّ في يوم من الأيام ممارسة أحدث الأساليب التي طُبّقت على جينا جَسي. يبدو الأمر وحين ننظر لأيامها العصيبة في المستشفى، فإنّ البدائل الرائعة التي أتينا عليها في هذا الفصل، جميعا تدعونا أن نأخذ بها ونطبّقها."
يركز الكتاب في الفصل السادس على العصر الجليدي ووجود إنسان نياندرتال الأكبر حجما من البشر المعاصرين وأقوى منهم وتميّز بكبر جمجمته. وعلى الرغم من أنّ إسم "إنسان نياندرتال" أعتُبر لفترة طويلة مرادفا "للوحش الغبي" Dumb Brute، لكنّه "أظهر في الواقع علامات تدلّ على الذكاء العالي بشكل معقول. إستخدم الأدوات الحجرية والخشبية وصنع منها فؤوسا ورماح استخدمها لصيد الحيوانات. زخرف جلد بشرة وجهه للتمويه واستعمل النار واستوطن الكهوف والملاجئ لحماية نفسه من الحيوانات المفترسة والمظاهر الطبيعية. قام باصطياد الحيوانات ولبس جلودها وأكل لحمها. كما قام بدفن موتاه ودفن معهم احيانا زهورا جمعها من الطبيعة حوله. هذه ممارسات تشير الى أنّه امتلك نوعا من الأيديولوجية الفطرية البدائية، أو نوعا من النظم المعقدة."

خريطة توضح توزيع إنسان النياندرتال في الزمن القديم
عاش إنسان نياندرتال في أوروپا وآسيا الغربية ( المساحة الممتدة من إسپانيا وحتى أوزبكستان في فترة تزامنت مع العصر الجليدي)، الذي ساد معظم ارجاء آسيا قبل مائتين وثلاثين الف سنة. كشفت أحدث الدراسات عن وجود هذا الأنسان في فلسطين لتؤكد معاصرة هذا الإنسان للإنسان المعاصر ويعتقد العلماء بأنّ اجسامهم القصيرة والممتلئة والقوية هي من أهم اسباب بقائهم في العصر الجليدي. وبمراجعة أدواتهم المكتشفة معهم عرفوا بأنّهم صيادون ماهرون تغذوا على أكل طرائدهم. ويسجل العلماء بأنهّم كانوا يصطادون في جماعات وفرق ممّا ادى إلى مواجهة مصاعب الصيد والحيوانات المفترسة الأخرى. يسجل لهذا الإنسان مقدرته على الكلام ولكن يلاحظ عليه افتقاره لتركيب الكلمات المعقدة أو تكوين مفاهيم أكثر تعقيدا كالفن وغيره فقد ظلوا بدائيين جدا. کان معدل حجم مخّ إنسان نیاندرتال البالغ، أكبر من معدل حجم مخّ الإنسان الحالي بنسبة 10% تقریبا. لا يُعرف إلى الآن سبب إنقراض هذا النوع من البشر، وهناك فرضیات عدیدة لإنقراضهم لاحقا. [https://www.marefa.org/%D9%86%D9]
جمجمة النيانديرتال مشابهة للجمجمة البشرية، كما أنّ مقاييسها تبقى ضمن المعدل العام للإنسان المعاصر. ولكن هناك مجموعة من المزايا الفريدة لجمجمة النيانديرتال. يبرز من بينها الجبهة المنخفضة، والأهداب العالية هنا، كما تمتاز بفتحات أنف كبيرة. هذا ما يميز جمجمة النيانديرتال إلى جانب الذقن المنحدرة إي أنّها ليست مدببة كما هو حال غالبية الذقون البشرية المعاصرة. وبالنسبة للعضلات فيمكن القول إنّها توازي ضعف العضلات البشرية. أي أنّ بنيته الجسمانية كانت أشبه ببنية الرياضيين.
اعتقد العلماء لزمن طويل، أنّ إنسان نياندرتال كان أحدب، لكنّ الحفريات قد أظهرت أنّ طول هؤلاء الناس نحو 155سنتمترا، وأنّهم كانوا يمشون منتصبي القامة تماما. وكانت لهم عظام ثقيلة، وأطراف مقوسة قليلا، وحواف حواجب كبيرة، وأسنان قوية. وكان المخّ كبيرا مثل إنسان العصر الحاضر، لكنّه يبدو أنّهم كانوا يعتمدون على قوتهم البدنية بدلاً عن الاستخدام الماهر لأيديهم أو الاستخدام المبتكر لأدواتهم.
إلا أنّ عظام الحيوانات التي وجدت مع حفرية الإنسان أظهرت أنّ النياندرتاليين كانوا قناصين مهرة في البيئات شبه القطبية في أوروپا. وكانوا يعيشون في مأوى مؤقت بسيط عندما يتتبعون قطعان الحيوانات، ويعيشون أحيانا في المغارات والكهوف. وتظهر بقايا أحافير النياندرتاليين أنّ بعضاً منهم على الأقل، قد قاموا بدفن موتاهم بعناية كبيرة.
في عام 2000، تمكن العلماء من تحليل الحمض الوراثي لإنسان نياندرتال للمرة الثالثة في محاولة لفك ألغاز تاريخ الإنسان المبكر. كانت نتيجة التحليل هي أنّ إنسان نياندرتال، كما هو الحال مع الإنسان العصري، قد بدأ بأعداد قليلة من الأفراد. ولم يتمكن العلماء من العثور على أيّ دليل على أنّ إنسان نياندرتال قد تزاوج مع الإنسان العصري في أيّة مرحلة سابقة، وهي نظرية كانت دائما موضع جدل بين الخبراء. لقد أُخِذ الحمض الوراثي من بقايا إنسان نياندرتال، عُثر عليها في كهف فينديا في كرواتيا، وهذه هي المرة الثالثة التي يُحلل فيها الحمض النووي الوراثي من بقايا إنسان نياندرتال. التحليل الأول كان لبقايا عثر عليها في كهف فيلهوفر في ألمانيا، [https://www.marefa.org/%D9%86%D9]والثاني لبقيا طفل نياندرتال عثر عليه في كهف مزمياسكايا في شمال القوقاز.
على عكس إنسان نياندرتال، الذي تتكون بقاياه حصريّا من الأسنان والجماجم والعظام الأخرى، فإنّ بقايا الماموث السايبيري، الذي عاصره، جثث لا زالت مدفونة تحت الجليد وهي مغطاة بالصوف، وحتى تحتوي على أنسجة رخوة. "يكاد الماموث يصرخ عاليا من أجل القيام حيّا. بعض العينات المستخرجة من التربة الصقيعية تشبه الحياة لدرجة أنّها تبدو وكأنّها نائمة وليست ميتة أو منقرضة. الدليل على ذلك هو لو تأملت مثلا صغير الماموث ديما، الذي تمّ اكتشافه في منجم للذهب في شمال سايبيريا عام 1977." ثمّ يمضي چرچ للقول، "يمكن البدء بجينوم فيل افريقي أو آسيوي، لا يهمّ. كلا الحيوانين قريبان نسبيّا من الماموث، ثمّ بعد ذلك استخدام تقنية MAGE، حتى يمكن ادخال التعديلات، التي من شأنِها أن تحوّله الى جينوم الماموث. وأخيرا يجب زرع هذا الجينوم في رحم أنثى الفيل."
يمكن أن يكون الماموث الصوفي على وشك العودة إلى الحياة في إطار خطة رائعة لاستنساخ الحيوان المنقرض منذ فترة طويلة. كشف العالم الرائد، جورج چرچ كيف أنّ مشروع الاستنساخ اقترب من إمكانية إنتاج صغير الماموث في المختبر. استخدم فريق من العلماء البارزين في جامعة هارفارد، الحمض النووي المأخوذ من ماموث صوفي عُثر عليه محميا تماما في الجليد بسايبيريا، بعد وفاته قبل 42 ألف عاما. ويمكن إعادة إنعاش الماموث من خلال دمج الجينات المأخوذة مع تلك الموجودة لدى الفيلة. ومن المقرر أن ينشر الفريق أوراقا علمية، توضح بالتفصيل آلية عمل الأسلوب الثوري في ابتكار وغرس أجنة الماموث. [https://arabic.rt.com/technology/938876]
وفي حديثه له مع Sun Online ، قال الأستاذ چرچ، "لقد أحيينا بالفعل عشرات الجينات ونقوم باختبارها في خلايا الأفيال. ونحن نركز على إحياء جينات الماموث وإنتاج ماموث/ فيل هجين".باستخدام تقنية الهندسة الوراثية التي يطلق عليها اسم "CRISPR-Cas9" حيث يقوم العلماء "بقص ولصق" أجزاء من الحمض النووي في خلايا جذعية للأفيال بدقة لم يسبق لها مثيل، ممّا يمهد الطريق أمام استنساخ جنين ماموث صوفي. أوضح چرچ، "أنّه يريد بعد ذلك إنماء ماموث/ فيل هجين داخل رحم مصطنع، بدلا من استخدام أنثى الفيل كأم بديلة. وقدّر أنّ الأمر سيستغرق 22 شهرا على الأقل."
يعتقد چرچ أنّ هذا سيسمح لقطعان الماموث الصوفي "بالتكاثر" حول القطب الشمالي، وفي الوقت نفسه إنقاذ العالم. وبالإضافة إلى الإجراءات الأخرى، فمن المتوقع أن يخلق الماموث الصوفي بيئة قادرة على وقف ذوبان التربة الصقيعية في سايبيريا ومن ثم إطلاق مليارات الأطنان من الغازات الدفيئة. هذا وأطلق على سيناريو يوم القيامة اسم "قنبلة الميثان" ،لأنّه إذا حدث ذلك، فسيؤدي إلى تفاقم تغير المناخ بشكل كبير، ما يؤدي إلى ذوبان الغطاء الجليدي والفيضانات في جميع أنحاء العالم. وهناك دليل واضح على أنّ هذا الأمر قد يحدث بالفعل، ويتمثل في ظهور تلال مثل "الطاعون الجيولوجي"، ينفجر بعضها ويطلق الغاز السام، الذي الذي يدمر الغلاف الجوي. لا يزال هناك الكثير من الميثان موجودا تحت الطبقة الصقيعية دائمة التجمد، التي تختفي بسرعة وتهدد بإطلاق الغاز في أيّة لحظة. كشفت الصور الجوية المذهلة عن الآلاف من الحفر المليئة بالميثان، والتي تهدّد بيئة أقصى شمال روسيا. ومن المفارقات هنا، أنّ الجليد الذائب كشف عن حيوانات الماموث الصوفية، التي تُستخدم الآن في محاولات الاستنساخ. أوضح العلماء كيف أنّ إدخال الماموث/ الفيل الهجين إلى حيّز الوجود، "سيساعد على إعادة ملء هذه الأراضي المجمدة وغلق الأبخرة القاتلة. وستعمل الفيلة على تسطيح الثلوج العازلة ودعم الأشجار في الشتاء .وفي حال نجح علماء جامعة هارفارد في استنساخ الماموث الصوفي، فسيتم نقلها إلى حديقةIce Age safari ، التي يجري تطويرها حاليا من قبل علماء روس."
يركّز الفصل السابع من الكتاب على وضع تسلسل الجينوم البشري وكيف خصّص الكونگرِس مبلغ 3 بلايين دولارا للمعاهد الصحيّة الوطنية للسنوات 15 القادمة، من أجل تلك المهمة. كما صوّت على جعل المعلومات ملكا مشاعا لكافة الإنسانية، قبل أن تدّعي أيّة شركة ملكيتها. الجينوم البشري Human Genome، هو كامل المادة الوراثية المكونة من الحمض النووي DNA والحمض الريبي النووي منزوع الأكسجين، والذي يعرف اختصارا RNA. يحتوي الجينوم البشري على ما بين 20-25 ألف جين gene (المورثات) موجودة في نواة الخلية ومرتبة على هيئة 23 زوجاً من الكروموزومات (أو الصبغيات). يوجد نوعان من الكروموزومات. النوع الأول هو الكروموزومات الجسدية (Somatic) وعددها 22 والنوع الثاني هي الكروموزومات الجنسية (X وY) التي تحدّد الجنس من ذكر أو أنثى. تحمل تلك الجينات (المورثات) جميع الپروتينات اللازمة للحياة في الكائن الحي. وتحدّد هذه الپروتينات، ضمن أشياء أخرى، هيئة الشخص، وطوله ولون عينيه وهكذا، إلى جانب كيف يستقبل جسمه الطعام Metabolize أو يقاوم العدوى، وأحيانا يحدّد حتى [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8] الطريقة التي يتصرف بها. ويختلف حجم الجينوم وعدد الجينات بين الكائنات الحية.
يتكون جزيء DNA في البشر والرئيسيات، من سلسلتين يلتف كلّ منهما حول الآخر بحيث يشبهان السلم الملتوي. تتكون السلسلتان المتوازيتان من جزيئات سكر خماسي والفوسفات، والسلسلتان مرتبطتان عرضيا بواسطة جزيئات تسمى Dafirungs من مواد كيميائية تحتوي على النايتروجين، وتلك الجزيئات حلقية وتسمى القواعد النتروجينية Bases ويرمز إليها اختصارا A وT وC وG. وتكرر هذه القواعد مليارات المرات في جميع أجزاء الجينوم (مجموعة الكروموزومات). يحتوي الجينوم البشري، على سبيل المثال، على 3 مليارات زوجا من هذه القواعد، ويحتوي الجسم البشري على نحو 80 تريليون خلية!
اختصارات الجزيئات (النوكليوتايدات) المذكورة التي توصل بين السلسلة اليمنى من DNA بالسلسلة اليسرى هي: (1) أدينين Adenine وتختصر A و(2) گوانين Guanine وتختصر G، و (3) الثايمين Thymine وتختصر T، و(4) السايتوسين Cytosine وتختصر C. يربط بين السلسلتين دائما جزيئان من النوكليوتايدات، إمّا A - T أو T - A أو G - C أو C - G ، ولا تصلح رابطات أخرى. وميزة تلك الطريقة البارعة هي أنّه إذا تلف أحد الجزيئين المتكاملين فإنّ بديله الآخر يستطيع أن يحلّ محله. وهناك مجموعة من 20 انزيما لربط استبدال النوكليوتايدات التالفة. تتزاوج النوكليوتايدات الجديدة وتتكامل مع الثانية السليمة، أي أنّ DNA يمكن اصلاحه، ليس هذا فقط، وإنّما في استطاعة DNA "مضاعفة" نفسه. لنتخيل أنّنا نشقّ DNA من وسطه طوليا فأصبحت كلّ سلسلة منفصلة عن الأخرى، حينئذ تستطيع كلا السلسلتين بما هو متصل بهما من الجزيئات القاعدية تكوين سلسلة جديدة عليها الجزيئات القاعدية المناسبة، مثل T هنا تكوّن A هناك، وC هنا تكوّن G على السلسلة الجديدة. أي تصبح السلسلة الجديدة "قالبا" يمكن أن يكوّن بنفس المبدأ سلسلة مشابهة تماما للسلسلة الأولى. بمعنى يمكن لكلّ سلسلة مضاعفة نفسها، وبالتالي يمكن DNA مضاعفة نفسه، وهذا "توالد" تنبع منه الحياة.
يُعدّ الترتيب المحدّد للقواعد A وT وC وG في غاية الأهمية، فهذا الترتيب يحدّد جميع أوجه التنوع الحيوي. تكمن في هذا الترتيب الشفرة الوراثية Genetic Code، فكما أنّ ترتيب الحروف التي تتكون منها الكلمات هو الذي يجعلها ذات معنى، فترتيب هذه الجزيئات يحدّد كون الكائن الحي إنسانا أو ينتمي إلى نوع آخر من الأحياء مثل الخميرة أو ذبابة الفاكهة مثلاً، والتي يمتلك كلّ منها المجين الخاص بها، والذي ركزت عليه أبحاث وراثية خاصة عدة. ونظرا لأنّ جميع الكائنات الحية ترتبط بعلاقات مشتركة من خلال التشابه في بعض متواليات DNA، تمكننا الدراسات التي نقوم بها على الكائنات الحية غير البشرية من تحقيق المزيد من الفهم والمعرفة لبايولوجية الإنسان.
فيما بيننا نحن البشر، يختلف DNA من فرد لآخر بنسبة 2.0% فقط، أو 1 من كلّ 50 حرفا، ويضع ذلك في الاعتبار أنّ الخلايا البشرية تحتوي كلّ منها على نسختين من الكروموزومات، واحد من الأب والآخر من الأم. تظل وظيفة الغالبية العظمى (98%) من DNA الموجودة في الجينوم البشري، غير معروفة لدينا حتى الآن، حيث تشكل الجينات نحو 2% منه فقط، وهي الجينات التي تنتج پروتينات وهرمونات. ويبدو أن 98% من سلسلات القواعد الموجودة بين الجينات وبعضها ليست لها وظيفة وتُسمّى بالإنگليزية Trash بمعنى نفايات أو مهملات. لكنّ البحث العلمي الحديث اظهر أنّ لها وظيفة إدارية بالنسبة لتنشيط أو تهدئة عمل الجينات.
كان أوّل كروموزوم Chromosome بشري تمّ فك شفرته بالكامل هو الكروموزوم رقم 22، وقد تمّ ذلك في المملكة المتحدة في كانون الأول من عام 1999، وتحديدا في مقاطعة كَيمبرج. يبلغ طول DNA الموجود في كلّ من خلايانا 1.8 مترا، ولو كدّست حميعها في كتلة لبلغ قطرها 0.0001 سنتيمتر (والتي يمكن أن توضع بسهولة في مساحة بحجم رأس الدبوس). ويقوم الباحثون في مشروع الجينوم البشري بفك شفرة 12.000 حرفا من DNA البشري في الثانية. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8]
يخبرنا د. چرچ بأنّ وزارة الطاقة الأمريكية (DOE) والهيئات الحكومية التابعة لها ظلت مسؤولة، ولمدة تقارب من 50 عاما، عن البحث بعمق في الأخطار المحتملة على صحة الإنسان نتيجة لاستخدام الطاقة وللتقنيات المولدة للطاقة، مع التركيز بصورة خاصة على تأثير الإشعاع الذري على البشر وعلى الكائنات الحية. ثمّ يمضي للقول إنّه من الإنصاف أن نعلم بأنّ أغلب ما نعرفه حاليا عن التأثيرات الصحية الضارة للإشعاع على أجسام البشر، نتج عن الأبحاث التي دعمتها هذه الوكالات الحكومية، ومن بينها الدراسات طويلة المدى التي أجريت على الناجين من القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على اليابان، بالإضافة إلى العديد من الدراسات التجريبية التي أجريت على الحيوانات. "لقد استطاع العلم حتى وقت قريب اكتشاف بعض التغيرات الطفيفة التي تحدث في الحمض النووي (DNA) الذي يحمل شفرة برنامج الوراثة ويوجه الوظائف الحيوية لجسم الإنسان، ويحتاج البحث العلمي الاستمرار في فك ألغاز هذا العدد العظيم من الجينات بغرض معرفة ما يترتب عليها من تغيرات تؤدي إلى المرض، أي معرفة وظيفة كلّ جين، وما يتبع تغيره من تغير في وظيفته فيتسبب المرض."
سيتيح مشروع الجينوم البشري فوائد جمة للبشرية، يمكننا توقع بعضها بينما سنفاجأ بالبعض الآخر. أمّا الفوائد المتوقعة للعلاج بالجينات فهائلة، ويمكن تلخيصها في مجالات عدة منها، تطوير أدوية ومعالجات جديدة، بالإضافة إلى صنع أدوية جديدة. يمكن اعتبار مشروع الجينوم البشري كبداية لحقبة جديدة من الطب الشخصي Personalized Medicine. فالناس يميلون للاستجابة بصورة مختلفة تماما للأدوية التي يصفها لهم الأطباء، حتى 50% من الأشخاص الذين يتناولون دواء معينا سيجدون أنّه إمّا غير مؤثر، أو أنّهم سيتعرضون لتأثيرات جانبية غير مرغوبة. ويعد أسلوب (المحاولة والخطآ) مضيعة مرعبة للوقت والمال، بل إنّه قد يعرّض الحياة ذاتها للخطر. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8]
وبالإضافة لذلك، فنحن جميعا نختلف في قابليتنا للإصابة بالأمراض المختلفة، وقد اتضح أن 99.9% من متتاليات DNA متشابهة في جميع البشر (ولذلك فنحن ننتمي جميعاً للنوع الحي نفسه)، لكن هذا الفرق الذي لا يزيد على 0.1% قد يفسّر استجاباتنا الفردية للأدوية وقابليتنا للإصابة بالأمراض الخطيرة.
يدخل د. چرچ في الإشارة الى تفصيلات مطولة عن المنافسات والخلافات والنجاحات والإخفاقات، التي رسمت صورة الجهود المبذولة في هذا الميدان. يذكرّ أنّه من المفارقات في عام 1992، عندما أصرّ محامو المعاهد الوطنية للصحة على تسجيل براءات اختراع لأجزاء من شفرة المصادر البشرية، التي استخدمها أرِك فَنتَر وفريق تسلسل من جزيئات الحمض الريبي RNA Molecules، حصل هذا على اهتمام سلبي كاف لدرجة أنّ مستثمرا، وهي مؤسسة الإستثمار في الرعاية الصحية خصّصت 70 مليون دولارا لتأسيس مؤسسة غير ربحية هي TIGER أو ما سُمّي (معهد البجوث الجينية) وموسسة ربحية سُمّيت (علوم الجينوم البشري) HGS. الجينات التي يقوم TIGER بوضع تسلسل لها ويسجّل براءة اختراعها، يقدّمها الى HGS لاستخدامها للأغراض التجارية. "سكبت هذه الترتيبات الوقود على النار المشتعلة، واطلق الجمهور جهدا أضافيا سُمّي Merck Gene أو (MGIP)، بالإضافة الى مشروع الجينوم البشري الضخم لكي ينافسا HGS. شمل هذا الجهد التكميلي الشركات، التي لا تعمل متعاونة في العادة، لكنّها في هذه الحالة كانت أقلّ ممانعة للتعاون مع بعضها البعض ضدّ شركة واحدة هي HGS، التي تمتلك من الجينوم البشري أكثر من غيرها." نجح هذا التكتيك الرجعي، نوعمّا. "أثناء الإندفاع الأحمق، الذي أعقب ذلك، فإنّ براءات الأختراع، التي قدّمتها TIGER لم تكن بشكل عام إضافة قوية للإبتعاد بشكل مناسب عن المنتجات"غير القابلة للحماية ببراءة اختراع من الطبيعة. ومع ذلك، فإنّ القوّة الطاغية لتسلسل مستوى جزيئات mRNA ستستمر، خاصّة بمجرّد جعل تسلسل الجيل التالي منه طريقة قابلة لقياس مستوى الحمض النووي الريبي."
بمجرد انتهاء حرب الجينوم، بدأت المتعة الحقيقية. كانت طرق التسلسل البديلة المختلفة تتسرّب لسنوات في ظلّ ما أطلِق عليه "سباق على الجينوم." كان هناك التسلسل الجينومي متعدد الإرسال المخطط The Genomic/Multiplex Sequencing Scheme ، الذي "عملت أنا ووالي على وضعه ونشرنا بحثا عنه عام 1984 بعنوان التسلسل عن طريق التهجين SBH. وهي الطريقة التي اقترحها رَيد دراماناك وزملاؤه عام 1989 وعرضوها عام 1993 تحت إسم PolonyFiSSEQ (اختصارا لمستعمرة البوليميراز الفلورية التسلسل في عام 1999). إنّ طرق تسلسل الجزيء الفردي قد تمّ انجازها في وقت مبكّر من قبل شركة Seq Ltd وشركة Los Alamos." طلب المعهد الوطني لبحوث الجينوم البشري NHGRI مدخلات مشاريع خارطة الطريق للحفاظ على جهود علم الجينوم مستمرّة، لأنّ تسلسل الجينوم البشري يقترب من النهاية، "وأنّ البعض منّا اقترح هدفا تكنولوجيا لاتتجاوز كلفته 1000 دولارا فقط كلفة لوضع وقراءة الجينوم البشري، واليوم نقترب بالفعل من تحقيق هذا الهدف."
ثمّ يستمر د. چرچ الى القول، "في عام 2001 قام جوزَف جَيكوبسُن وأرِك لاندَر ودانيَل وانگ وستيفِن بنكوفِچ وأنا بتأسيس مجلس استشاري علمي لشركة EngeneOS (نظام تشغيل هندسة الجينات)." ذكر موقع شركة EngeneOS أنّ، "منصته التكنولوجية تبدأ بشفرة المصدر لنظام تشغيل الطبيعة المتجسّد في جينوم تسلسل الكائنات الحية المختلفة. تدمج هذه الشركة تلك المعلومات مع تقنيات البايولوجيا الجيئية الحديثة والهندسة وتصميم مبادئ لتطوير انظمة التشغيل الجينومية الهندسية. تتألف هذه الأنظمة من وحدات جهاز مكوّن مدعوم بالنماذج وأدوات التصميم."
بعبارة أخرى، توقعت شركة EngeneOS بناء مكتبة خاصّة بالمكوّنات المعيارية، بما في ذلك الخلايا والپروتينات المهندسة وكذلك أيّة اجهزة هجينة تتكوّن من مواد بايولوجية وغير بايولوجية. ستساهم هذه العناصر المعيارية في تصميم وتصنيع آلات جزيئية حيوية قابلة للبرمجة وذات شكل ووظيفة جديدة. "كان ذلك برنامجا طموحا. إبدأ بنظام تشغيل الطبيعة وأعِد برمجته، وستكون جميع مخرجاتك في اشكال حيّة هندسية جديدة ورائعة."
يفتتح الفصل الثامن بالحديث عن محاولة تعديل وراثي لبكتريا E.Coli الموجودة في الجهاز الهضمي للإنسان، بقصد التحكم بالشهية للطعام ومعالجة مشكلة السمنة في أساسها. "إنّ السمنة واحدة من أكبر المشاكل الصحية في الولايات المتحدة وفي بلدان اخرى حول العالم. تؤثر هذه المشكلة في صحة ثلت السكان البالغين، وهناك توسّع في انتشارها المتزايد حتى بين صغار السنّ. ولغرض الحدّ من هذه المشكلة يلجأ الناس الى خطط وهمية وحقيقة، تشمل تناول حبوب انقاص الوزن واتباع نظام غذائي معيّن وممارسة الرياضة واقتناء دراجات ثابتة وغيرها من أدوات التدريب. كما لجأوا الى اساليب أشدّ قسوة على انفسهم، منها إجراء عمليات شفط الشحوم الزائدة في اجسادهم. لكنّه يبدو أنّ كافة هذه الممارسات لا تؤتي بنائج جيدة، أو على الأقلّ لا تنفع بشكل عام." عمل د. دَيفِد م. دونيل، الأستاذ المساعد في علم الأحياء في السيتادَل، و3 من طلبته وبمساعدة زميلته د. كلوديا روشا الأستاذة في قسم الأحياء في الكلية المذكورة، على اجراء تعديلات على E.Coli لإفراز PYY(3-36)، وهي الپَپتايدات التي تُنتج بشكل طبيعي، والمسؤولة عن تنظيم مسألة الشبع.
السِمْنَة مرض معقد يتضمن وجود زيادة مفرطة في كمية الدهون بالجسم. السمنة ليست مجرد مصدر قلق بشأن المظهر الجمالي. فهي مشكلة طبية تزيد من عوامل خطر الإصابة بأمراض ومشكلات صحية أخرى. وهناك العديد من الأسباب خلف مواجهة بعض الأشخاص لصعوبات في تجنُّب السِمْنَة. تنشأ السِمْنَة عادةً من خلال الجمع بين عدد من العوامل الوراثية مع خيارات البيئة المحيطة والنظام الغذائي الشخصي ونقص التمارين الرياضية. ولكن الأمر الجيد هو أنه حتى الفقدان البسيط في الوزن بإمكانه أن يُحسِّن أو يقي من المشكلات الصحية المرتبطة بالسِمْنَة. ورغم وجود تأثيرات جينية وسلوكية وأيضية وهرمونية على وزن الجسم، فإنّ السمنة تحدث نتيجة تناوُل المزيد من السعرات الحرارية التي تتعدى معدل الحرق بالتمرين والأنشطة اليومية المعتادة. يخزِّن الجسم هذه السعرات الحرارية الزائدة في صورة دهون.
ينصح مستشفى مايوكلِنِك، ذو الشهرة العالمية، الأشخاص المصابين بالسمنة بأنّهم أكثر عرضة لتطوُّر عدد من المشكلات الصحية الخطيرة، والتي تتضمَّن: (1. مرض القلب والسكتات الدماغية) تجعل السمنة الفرد أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، ومستويات الكولِسترول غير الطبيعية، والتي تُعَدُّ عوامل خطورة تتسبَّب في الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية. (2. داء السكري من النوع الثاني) يُمكن أن تُؤثِّر السمنة على طريقة استخدام الجسم للأنسولين للسيطرة على مستويات السكر في الدم. ويَزيد ذلك من مُعدَّل مقاومة الأنسولين والإصابة بالسكري. (3. بعض أنواع السرطان) يُمكن أن تَزيد السمنة من خطر الإصابة بالسرطان في الرحم، وعنق الرحم، وبطانة الرحم، والمبيض، والصدر، والقُولون، وفتحة الشرج، والمَريء، والكبد، والمرارة، والپنكرياس، والكُلى، والپروستات. (4. مشاكل الهضم) تَزيد السمنة من احتمال الإصابة بحرقة فم المعدة، وأمراض المرارة، ومشكلات الكبد. (5. أمراض النساء والمشكلات الجنسية) يُمكن أن تُؤثِّر السمنة على الخصوبة، واضطرابات الدورة عند النساء. السمنة يُمكن أن تُسبِّب ضعف الانتصاب لدى الرجال. (6. انقطاع النفس النومي) الأشخاص المصابون بالسمنة يكونون أكثر عرضة للإصابة بانقطاع النفس النومي، وهو اضطراب خطير ومحتَمَل يتوقَّف خلاله التنفُّس بشكل متكرِّر ويبدأ أثناء النوم. (7.الالتهاب المفصلي العظمي) تَزيد السمنة من الضغط الواقع على المفاصل الحاملة للوزن، بالإضافة إلى زيادة الالتهابات داخل الجسم. قد تُؤدِّي هذه العوامل إلى حدوث مضاعفات مثل الالتهاب المفصلي العظمي. [https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/obesity/symptoms-causes/syc-20375742#]
ينتقل الفصل الثامن الى عرض فكرة أن يقوم معهد ماسَچوسَت للتكنولوجيا MIT بدعوة كليات امريكية اخرى للمساهمة في مشاريع هندسة الأجزاء والأجهزة الوراثية، وإقامة مسابقات بين المشاركين. تمّت هذه الخطوة بتصميم المسابقات على غرار مسابقات الإنسان الآلي Robots بين الطلاب، وهي مناسبات سنوية ناجحة جدّا في جذب الطلاب، لدرجة أنّ ملاعب كرة السلة المغلقة تمتلئ بكاملها وقت تلك المسابقات. قام آندي ورَوثبَرگ ونايت بتشجيع مساهمة معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة بوسطن وجامعة پرِنستُن وجامعة تكسَس في أوستن. قُّدّم لهم جميعا تحدّ من عبارة واحدة هي: (تصميم وبناء آلة ذات حالة محدودة وراثيا، على أن تنتقل من حالة الى اخرى تحت سيطرة البرنامج).
بدأ الطلاب العمل في صيف 2004 واستمروا حتى الخريف، ثمّ اجتمعوا في كّيمبرِج في وقت مبكّر من شهر تشرين الثاني للمنافسة ولمقارنة وتبادل نتائجهم، وهذا بالفعل ما حدث. شرع فريق پرِنستُن في بناء المكافئ البايولوجي للعبة أطفال تُسمّى Simon، وهي اختبار للذاكرة يتطلب من المشاركين فيها تكرار نمط من الإشارات يزداد طولا وتعقيدا في التكرارات المتتالية. لذلك صمّم الطلاب نظاما مكوّنا من 3 خلايا. عندما يكتشف تسلسلا معينا من المدخلات، يستجيب عن طريق اطلاق جزيء الإبلاغ، والذي كان في هذه الحالة الپروتين الأصفر الفلوري YFP.
أمّا فريق معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا فأراد تصميم وبناء سلالة من الخميرة يمكن أن تكشف 3 مستويات مختلفة من الكافين في القهوة. أمّا فريق جامعة بوسطن فقد تعاون مع فريق جامعة هارفرد لتصميم خلايا يمكن حسابها. إختار فريق جامعة تكسس في أوستِن أن يشرع في بناء ما بدا أنّه التطبيق البكتيري الأكثر أناقة على الإطلاق، وهو فيلم لخلية E.Coli من شأنه أن يلتقط ما يصل الى هيئة صورة بايولوجية.
وكما اتضح من المسابقة، لم يتمكّن فريق جامعة پرِنستُن من الحصول على ألية الإبلاغ YFP أن تعمل. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ طلاب معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا شغّلوا مشروعهم بسهولة، فتوهجت الخميرة المُهندسة باللون الأخضر دلالة على نسبة منخفضة من الكافين والأصفر على نسبة متوسطة والأحمر على نسبة عالية من الكافين في القهوة، التي اتوا بها من مقهى الحرم الجامعي. نجحت الخميرة في التعرف على انواع القهوة منزوعة الكافين والقهوة العادية والقهوة المركّزة، الإسپرَسو. نجح الفريق المشترك لجامعتي بوسطن وهارفرد في اعداد وتشغيل العداد البكتيري، ونشر تقريرا عن المشروع .
أمّا نجم المسابقة فقد كان حقا فريق جامعة تكسّس في أوستِن. تمكّن الفريق من خلق جينات المستقبلات الضوئية للإشريكية القولونية على شكل غشاء رقيق من البكتريا الحساسة للضوء، وتمكن من عرض عبارة Hello World على شكل اصباغ مترسبة. كانت هذه العبارة اختبارا قياسيا بسيطا لمبرمجي الكومپيوتر ومزحة منذ كتب برايَن كَنيگَن مذكرة مختبرات شركة بل Bell في عام 1974. تمّ نشر النتيجة التجريبية عام 2005 في مجلة Nature تحت عنوان "علم الأحياء التركيبي: هندسة الإشريكية القولونية لرؤية الضوء." توسّعت هذه المسابقات لتشمل فرق طلبة من كندا وانگلترا وسويسرا. وفي معرض تقييمه لمثل هذه المسابقات، ذكر د. چرچ، "يقوم طلبة المرحلة الجامعية الأولية الآن باشياء، الى حدّ كبير بروح من المزح، كان علماء الأحياء الجزيئية المحترفون يتعرّضون لضغوط شديدة لتحقيقها قبل عشر سنوات فقط."
في مسابقات عام 2007، قام فريق من جامعة كاليفورنيا في بِركلي بهندسة E.Coli لإنتاج بديل للدم يمكن تجميده وتجفيفه وتخزينه ومن ثمّ يمكن إعادة تكوينه وانتاجه بكمّيات أكبر عند الحاجة. في عام 2008 كانت الجائزة الكبرى المصنوعة من الفضة لكأس Biobrick، الذي يحمل شعار iGEM، من نصيب فريق سلوفينيا، الذي فاز أيضا عام 2006. صنع الفريق هذه المرّة لقاحا صناعيا لجرثومة Helicobacter Pylori المسببة لقرحة المعدة. وعلى ذكر المسابقات، فعندنا في العالم العربي مسابقات من صنف آخر، يشرحها تفصيلا بيان وزارة الأوقاف المصرية [https://www.mobtada.com/details/772676]
يخبرنا د. چرچ عن اعلان الحكّام عن الفائزين الستة وعرض الأسماء على الشاشة: جامعة برِستُل، تلتها جامعة كَيمبرِج وبعدها إمپيريَل كولج في لندن، ثمّ جامعة بكين وتلتها جامعة سلوفَينيا واخيرا الجامعة التكنولوجية في مدينة تَلفِت في هولندا. كان من الواضح أنّ سلوفينيا هو الفريق، الذي يجب التغلب عليه، وهو قادم من جامعة ليوبليانا هناك. كان نفس الفريق قد فاز بالجائزة الكبرى في إثنتين من مسابقات iGEM سابقا، في عامي 2006 و2008 حين قدّم مشروعين رائعين في كلتي الحالتين. في عام 2006 كان المشروع عن مخطط للوقاية من إصابة الخلايا البشرية بفايروس نقص المناعة الطبيعية، وفي عام 2008 كان المشروع عن تطوير لقاح اصطناعي ضدّ Helicobacter pylori.. في الأساس، كانت الثورة الصناعية وكأنّها تُبعث من جديد، لكنّها لعبت هذه المرّة على مستوى الجزيئات. وفي سياق القيام بكلّ هذا، قدّم فريق سلوفينيا 150 طوبا حيويا BioBricks جديدا لكي يتمّ ادراجها في سجل بيانات MIT، وفي السجلات المتعلقة بالمسابقات، حسب قوله.

في المقابل، حصلت الجامعة الصينية في هون كونگ على الميدالية الذهبية عن مشروعها"نظام تخزين البيانات الحية." وكذلك فعل فريق فالّنسيا الأسپاني عن مخططه لاستصلاخ مناخ المريخ بسلالات من الخميرة ذات اللون الداكن. وحصل فريق جامعة هارفرد على ميدالية ذهبية ايضا عن مشروعه iGarden، وهدفه تمكين المزارعين ذوي الخلفية العلمية أو بدونها لهندسة نباتاتهم وراثيا "لتخصيصها" وفقا لأذواقهم وتفضيلاتهم الفردية. اجرى اعضاء الفريق استطلاعا للرأي بين الفلاحين فوجدوا أنّ الأكثر شعبية هو طلب التحسين لزيادة القيمة الغذائية للفواكه والخضروات. يمكن القيام بذلك من خلال تعزيز الجينات لأنتاج الليكوپين Lycopene أو بِتا الكاروتين Beta Carotene. لغرض منع النبات المعدّل هندسيّا من الإنتشار الى ما هو ابعد من الحدود المطلوبة، قدّم فريق هارفرد فكرة بناء "سياج" جزيئي حول iGarden. قد يأخذ هذا شكل "الجين الميت" الذي يتمّ تنشيطه حين "يهرب" هذا النبات المُهندَس من المختبر. كانوا يأملون أن تساعد هذه الستراتيجية في تهدئة خواطر بعض الناس من ذوي المواقف السلبية اتجاه الأطعمة المعدّلة وراثيا.

وصلت iGEM الى نقطة تحوّل في نهاية مسابقات عام 2010. لقد أصبحت شائعة جدّا وأضحت المشاركة فيها كبيرة للغاية وربّما غير عملية. لم يعد ممكنا اجراء المنافسات في مكان واحد. لذا تقرر أنّ منافسات عام 2011 سيتم تقسيمها الى 3 اقسام إقليمية، آسيا وأوروپا والأمريكتين، مع مسابقات منفصلة ومنافسات اقليمية تجري داخل كلّ من تلك الأقسام الثلاثة. ثمّ تتقدّم بعدها الفرق الفائزة للبطولة العالمية، التي تجرى في معهد ماسَچوسَت للتكنولوجيا. الفائز بالجائزة الكبرى من iGEM في عام 2011 هو جامعة واشنطن، التي كان مشروع فريقها مزدوجا ويتعلق بهندسة الإشريكية القولونية E. coli لإنتاج وقود الديزل وهندسة الأنزيم ليكون بمقدوره تفكيك مادة الگلوتين Gluten الموجودة في الجهاز الهضمي.

إختتم د. چرچ فصله الثامن بالقول إنّ نمو مسابقات iGEM قد تجاوز آمال المبدعين الأكثر طموحا. ما كان يعني كلّ ذلك، هو أنّه وبشكل متزايد، أظهر بعض من العالم الأكثر إبداعا وأهمية وربّما حتى اقوى العناصر البايولوجية والهياكل والأجهزة، لم تكن تأتي الآن من شركات التكنولوجيا الحيوية أو من شركات الأدوية العملاقة، ولكن من الكليات والجامعات الرفيعة، وحتى طلبة المدارس الثانوية، الذين كانوا يقومون بذلك بشكل اساسي بدافع روح الترويح التربوي المتفدم Advanced Educational Recreation. وهذا اثبات للقوة والجاذبية لإعادة تصميم الحياة.

هذا وفي سابقة اخرى ابتكر باحثون حديثا عنصرا إلكترونيّا أحاديّا يحاكي وظائف الخلية العصبية الدماغية، ثم جمعوا منه 20 معا لإنشاء شبكة قادرة على إجراء حسابات معقدة كالشبكة العصبية. كان رِچَرد ستانلي وِليامز، أستاذ الهندسة الكهربائية والكومپيوتر في جامعة تكسَس A&M، قد بدأ عام 2004 بالبحث عن عنصر إلكتروني أحادي يقوم مقام الترانزستُر، ويسعه أداء معظم وظائف الخلايا العصبية، ويتسنى صنع كومپيوتر قويّ منه يحاكي الدماغ. [https://alarab.co.uk/%D8%AF%D9%88%D8]
وفي عام 2013 شارك في تأليف ورقة بحثية حول الموضوع، وبعد خمسة أعوام توصّل زميله سوهاس كومار، الباحث بمختبرات HB، برفقة زملاء له إلى تركيبة العنصر وبنيته، ثم صنع دائرة إلكترونية من 20 عنصرا يتسنى التحكم في سعتها الكهربائية. شكّل هذا البحث جزء من سباق كبير، فمعلوم أنّ الترانزستُرات في طريقها إلى حدّها الأقصى. فقريبا سنرى ترانزستُر عرضه 20 ذرة فقط، وبعد بلوغ ذلك الحدّ لن يكون للتصغير مجال. ولذلك يتسابق العلماء إلى ابتكار ترانزستُر أفضل، أو طريقة أكفأ للتجميع، أو جهازا يستطيع أداء المهمات التي تتطلب آلافا منه. وجدير بالذكر أنّ جهد هذا الفريق مبني على نظرية عمرها 70 عاما تقريبا، هي نظرية وظائف الخلايا العصبيّة التي طرحها آلَن هوجكِن وأندرو هِكسلي، حسب المصدر أعلاه.
يطالعنا د. چرچ في بداية الفصل التاسع بالقول، إنّ الطب الغربي كعِلم، على عكس الطبّ الشعبي الفولكلوري، بدأ يُنظر اليه مع أبقراط Hippocrates، الذي كان مرتبطا بمدرسة طبّ الأسكلِپيون Asklepieion, في جزيرة كوس اليونانية. وخلافا للإعتقدات السائدة، التي عزت المرض لكيانات أو قوى غامضة، قدّم أبقراط الماديّة والعقلانية والتفسيرات كأسس تجريبية للصحة والمرض، والتي علاوة على ذلك، كان يُنظر لها على أنّها حالات أو ظروف ماديّة. إنّ تاريخ العلوم الطبية اللاحقة هو قصة ربط الصحة والمرض والجسم بأسسها الطبيعية والماديّة. تشمل المعالم الطبية المعروفة وصف فيزاليوس للتشريح البشري Vesalius’s De-script-ion of Human Anatomy، الذي اعقبته نظرية وليم هارفي حول الدورة الدموية Theory of Blood Circulation وتبعتها نظرية پاستور الذكية للغاية حول جراثيم الأمراض of Disease . Pasteur’s Germ Theory. "ولكن رغم اهميّة هذه الإنجازات كافة، فإنّ تلك التطورات جميعا تتضاءل أمام ظهور علم الوراثة الجزيئي Molecular Genetics ، ولا سيّما بعد فتح طريق فكّ شفرة الجينوم البشري the Human Genome Decoding of،" حسب رأي د. چرچ.

يعتقد العالم الرائد أنّه من الناحية المثالية، يجب أن يكون كلّ من يرغب في الحصول على تسلسل الجينوم، ولأسباب تنبؤية أولا وقبل كلّ شيء، أن يكون بمستطاعه فعل ذلك. "بعد كلّ شيء، توجد حقيقة حوالي 2000 من الإرتباطات الجينية المعروفة التي يمكن التنبؤ بها بدرجة عالية ويمكن معالجتها. على الرغم من أنّها قد تكون نادرة، إلّا أنّها مع ذلك قابلة للتنبؤ والمعالجة، وهذه ظروف تتطلب الإقدام على تنفيذ ما يمكن القيام به."

وفي رأيه أنّ السبب الآخر لوضع التسلسل الجيني الجماعي هو انشاء قاعدة بيانات تظهر الإرتباطات بين الأنماط الجينية والأنماط الظاهرية Genotype and Phenotype، بين الجينوم ومجموعة الخصائص التي يمكن ملاحظتها والناتجة عن تفاعل جينوم الشخص مع البيئة التي يعيش فيها. ثمّ يستشهد، (مثل قول علماء الوراثة بأنّ الجينات قد تقوم بحمل البندقية لكنّ البيئة هي التي تضغط على الزناد.) يؤكّد د. چرچ أنّ هناك ارتباطات ليس فقط بين الجينات والأمراض، ولكن بين الجينات والسّمات، التي يمكن ملاحظتها، مثل لون العيون ولون الشعر وملامح الوجه والقدرات المعرفية وعادات الأكل ونمط الحياة والتاريخ الشخصي والتجارب والخيارات المهنية والنظرة العقلية والعديد من الأشياء الأخرى. "ستكون قاعدة البيانات الجينومية بمثابة مجموعة أدوات هائلة لفهم الطرق، التي لا تُعدّ ولا تُحصى لأيّ من الجينات والبيئة التي تتفاعل معها لتشكّل المجموع الكلي للإنسان الفرد وتنوّعاته."

تحوّل الموضوع تدريجيا من علم الجينوم البشري الى علم الجينوم الشخصي. برأي د. چرچ أنّ الطبّ الدقيق يمكن أن يحدّد خصوصية العلاج وفق الجينوم الشخصي يهدف الطبّ الدقيق إلى إضفاء نوعٍ من الخصوصية على العناية الصحية من خلال وضع قرارات وتحديد علاجات خاصّة لكلّ فرد وبكلّ الوسائل المتاحة. ويشكّل علم الصيدلة الجينية جزء من الطبّ الدقيق. يُعدّ فحص الجينوم الشخصي تطوّرا علميا حديث العهد إلى حدّ ما في عالم العلاج بالدواء، ولكنّه يشهد توسّعا سريعا. "في الوقت الحالي، ترد في نشرات أكثر من 200 دواء معلومات مرتبطة بالمؤشرات الحيوية الدوائية، وهي بعض المعلومات الجينية القابلة للقياس والتعريف التي يمكن استخدامها لتحديد الدواء الفعّال لكلّ فرد."
يضيف د. چرچ أنّ العلماء يستخدمون اليوم هذا النوع من المعلومات لتحسين اختيار وتحديد جرعات الأدوية لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات الصحية كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة وعدوى فايروس نقص المناعة البشري والسرطان والتهاب المفاصل وارتفاع معدّل الكولِسترول والاكتئاب.
ومع ذلك لا تزال علوم "الجينات الصيدلية" في مراحلها الأولى على الرّغم من أنّها تحمل وعودا عظيمة، وأحرزت تقدّما كبيرا في السنوات الأخيرة. تحتاج هذه العلوم إلى مزيد من التجارب السريرية، ليس للعثور على روابط بين الجينات وعواقب العلاج فحسب، بل أيضا للتأكيد على النتائج الأولية التي أحرزتها، وتوضيح معنى هذه الروابط وترجمتها إلى قواعد إرشادية لوصف الأدوية. ومع ذلك، يشير التقدّم في هذا المجال إلى مستقبل سيصبح فيه علماء "الجينات الصيدلية" جزء لا يتجزّأ من منظومة العناية الصحية ولو للعمل في عدد محدّد من الأدوية والعلاجات. [https://aawsat.com/home/article/2506111]
يمضي د. چرچ ليستشهد بحالتي علاج الجينوم، وهما حدثان مهمّان بالكاد لاحظهما العالم اثناء وجودهما عام 2007، وتمت تغطيتهما بمقالات حازت على جائزة پوليتزر، حول علاجات الخلايا الجذعية للصغير نِك فولكر ومريض آخر إسمه تِموثي راي براون. كان نِك فولكر طفلا يعيش في مدينة ماديسُن بولاية وِسكونسُن. بدأ يعاني من مشاكل في الجهاز الهضمي قبل عيد ميلاده الثاني. فشل الأطباء في مستشفى الأطفال في مدينة مِلواكي في التوصل الى حلّ نهائي لتشخيص المشكلة، مع أنّه قد أجريت له أكثر من 100 عملية جراحية معوية قبل أن يبلغ سنّ 4 سنوات.
"عادة باستخدام الطب يمكننا السيطرة على مثل هذه المشكلات،" حسب قول د. آلان مايَر، أخصائي امراض الجهاز الهضمي. "ولكن الأمر مع الطفل نِك مختلف، إذ إنّنا لم نقدر فعلا أن نحقق شيئا إطلاقا. استمر المرض في التقدم وازدادت درجة شدّته. كان حدسي أنّ هذه الحالة هي وليدة طفرة جينيّة." إستعان د. ماير بخبيري الجينوم هَوارد جَيكوب وإليزابث وورثي، وكان لديهما تسلسل جينوم الصغير نِك. في غضون 4 أشهر حدّد جّيكوب الجين المسؤول عن حالة نِك، وهي مرض نادر، وأنّ زرع نخاع العظم هو العلاج المفضّل له. تمّ القيام بذلك في شهر تموز باستخدام خلايا جذعية من دم الحبل السري المماثلة لدى طفل متبرع صحيح البنية، فشفيّ الصغير نِك من مرضه.
"إنّ ما فعلناه حقا هو أنّنا استبدلنا جهاز المناعة المعاب للصغير نِك بجهاز مناعي مختلف خالٍ من هذا العيب،" حسب ما أوضح د. ماير. اليوم نِك بخير وهو شهادة على قوة الطبّ الجينومي.
الحالة الثانية هي لشخص إسمه تِموثي راي براون البالغ من العمر 42 عاما والذي كان يعيش في برلين بالمانيا. عانى براون من مرضي اللوكيميا والأيدز. وجدتْ د. جيرو هوتر، إخصائية امراض الدم في مستشفى شارِتيه في برلين، متبرعا بخلايا الدم الجذعية، التي كانت مطابقة لنوع أنسجة براون، ولكن أيضا فيها حذف مزدوج نادر لجين CCR، وهو مستقبِل الخلية المضيفة لفايروس HIV. ونتيجة لعملية الزرع هذه، أصبح براون خاليا من سرطان الدم والأيدز في آن واحد، "وبدون استخدام ادوية مضادة لفايروس نقص المناعة البشرية خلال السنوات الأربع الماضية. لقد كان براون أوّل شخص في العالم يشفى من مرض الأيدز،" حسب شهادة د. چرچ.
من أحدث استعمالات DNA ما نُقِل أخيرا عن دراسة حديثة تقول، إنّ من الممكن استخدام نظام توسيم قائم على الحمض النووي محلّ الرموز الشريطية (بار كود) Bar Code في اللواصق ورموز الاستجابة السريعة المعتمدة في الملابس والمركبات على السواء. ومن شأن هذا النظام المساعدة على التصدّي لعمليات التقليد والتزوير، إذ يصعب على المجرمين أن يرصدوا ويقلّدوا وسما سائلا قائما على تشكيلة من الحمض النووي يوضع على اشياء ذات أهمية خصوصية، مثل بطاقات الاقتراع والأعمال الفنية والوثائق السرّية.
وفي مقال نشر في مجلّة Nature Communication، نوّه باحثون من جامعة واشنطن ومن شركة مايكروسوفت بالتكلفة المنخفضة لنظام توسيم جزيئي يُعرف بـ " پُركوپاين". لم تكن هذه التقنية تثير حماسة كبيرة في السابق، إذ أنّها "تكلّف غاليا وتستغرق عملية إعداد رمز بالحمض النووي وفكّ شيفرته وقتا طويلا،" بحسب ما أوضحت كَيتي دوروشاك، القيّمة الرئيسية على هذه الأبحاث.
غير أنّ "پُركوپاين" يتيح تذليل هذه العراقيل من خلال إعداد قطع من الحمض النووي مسبقا يمكن للمستخدم مزجها عشوائيا لاستحداث وسوم جديدة. ولقراءة الرمز التعريفي، يضاف بعض الماء إليه لترطيب اللاصقة الجزيئية التي يكشف عن محتواها جهاز مسح للحمض النووي أصغر من هاتف ذكي. ولا يمكن رصد هذا النوع من اللواصق باللمس أو بالنظر، بحسب ما أوضح جيف نيفالا، المساهم في هذه الدراسة في بيان صادر عن جامعة واشنطن، "ما يصعّب عملية تزويرها". ويمكن مثلا، بحسب نيفالا اعتماد هذا النظام "لتتبّع بطاقات الاقتراع وتفادي التلاعب بنتائج الانتخابات". وقد تستخدم أيضا هذه التقنية لتوسيم قطع من الصعب رصد مصدرها، "مثل القطن الذي يرشّ بالسائل الحامل لجزيئات الحمض النووي،" وفق ما قالت كَيتي دوروشاك، التي أكّدت، "إنّه أمر مفيد في سلاسل الإمدادات حيث من المهمّ تقفّي أثر المواد الأصلية للحفاظ على قيمة المنتج النهائي". [https://elaph.com/Web/health-science/2020/11/1310022.html]
إختتم العالم الرائد فصله التاسع وتكلم بلغة الواثق المقتدر قائلا، "إنّ العلاج على الأرجح لن يكون عن طريق الأدوية، بل بالأحرى عن طريق إعادة تركيب جينوماتنا."

طالعتنا الأخبار بحدث علمي فائق هو اكتشاف جمجمة إنسان لأسلاف البشر عاش قبل مليوني عاما. وفي نفس الوقت يطالعنا د. چرچ في خانمة كتابه هذا أنّه وزملائه يبغون تحسين قدرات الفرد وخصائصه الحيوية عن طريق تقنيات الجينوم وإعادة تشكيلاته. بعبارة أخرى ينوون تحقيق مفهوم إنسان لمرحلة ما بعد البشر الحاليين Transhumanism.
لقد اكتشف علماء آثار أستراليون جمجمة عمرها مليونا عام لأشباه البشر، لكائن كبير الأسنان ولديه دماغ صغير في كهف قديم بجنوب أفريقيا .وقال باحثون بجامعة لاتروب في ملبُرن، في بيان، إنَ أحفورة "پارانثروپوس روپستوس" النادرة، التي اكتُشفت عام 2018، تلقي ضوء جديدا على تاريخنا التطوري. ويرى الباحثون أنّ تلك العينة "توفر أوّل دليل عالي الدقة للتطور الجزئي داخل الأنواع المبكرة من أشباه البشر،" حسبما نقلت وكالة الأنباء الألمانية. وتُظهر النتائج المنشورة في مجلة Nature, Ecology & Evolution ، كيف أنّ "التغير البيئي قد حدّد من نجا من أسلافنا."

وقال آندي هَيرِس، رئيس قسم الآثار والتاريخ في لاتروب، "مثل كلّ الكائنات الأخرى على الأرض، ولكي ننجح في البقاء، تكيف أسلافنا وتطوروا وفقا للمشاهد الطبيعية والبيئة المحيطة بهم." وأضاف، "نعتقد أنّ هذه التغييرات حدثت في وقت كانت تعاني فيه جنوب أفريقيا من الجفاف، ممّا أدى إلى انقراض عدد من أنواع الثدييات المعاصرة." [https://aawsat.com/home/article/2616966/]

وقالت أنجيلين ليس، المؤلفة الرئيسية المشاركة في البحث، إنّه من المهم معرفة أنّ "پارانثرو پوس روپستوس" ظهر تقريبا في الوقت نفسه الذي ظهر فيه سلفنا المباشر "هومو إريكتوس" (الإنسان المنتصب القامة)، لكنّهما "نوعان مختلفان تماما." وأضافت أنّ، "هومو إريكتوس" بأدمغته الكبيرة نسبيا وأسنانه الصغيرة، و"پارانثروپوس روپستوس" بأسنانه الكبيرة نسبيا وأدمغته الصغيرة، يمثلان تجربتين تطورتين متباينتين."
يعترف د. چرچ بوجود حركة اعتراضات عنيدة لهذه الفكرة، ويسوق لنا مثلا عن اقوال د. فرانسِس فوكوياما، الأستاذ في قسم الدراسات العليا بجامعة جونز هوپكِنز. اقترح إنّ فكرة ما بعد الإنسانية هي واحدة من أخطر المنتجات وأكثرها إثارة للإشمئزاز لأولئك الذين أشار اليهم باسم "الجرافات الجينية" Genetic Bulldozers. (مثل هذه "الجرافات" هم على ما يبدو اشخاص يدفعون اجندتهم لمفهوم ما بعد الإنسانية بكثير من القوة). ثانيا،لا يمكن أن يكون تطبيق الفكرة آمنا تماما. ثالثا، قد يكون التخريب عملا داخليا. استشهد المؤلف بالكتاب المعنون "في السلامة البايولوجية: المبادئ والممارسات،" الذي استعرض فيه الخبيران في السلامة الحيوية، وهما إيان فلِمِنگ وديبرا لونگ هانت، جردا لحوادث المختبرات المنشورة في المجلات العلمية ما بين الأعوام 1970 لغاية 2004، تمّ الإبلاغ عن وجود اعراض عدوى لأكثر من 1448 حالة، أدت الى وفاة 36 شخصا. وفيما يتعلق بإمكانية وجود خبير رفيع المستوى يعمل في مختبر سلامة حيوية مجهّز جيدا قد تنتابه حالة هائجة تسبب الفوضى. يأتي المؤلفان على ذكر بروس آيفِنز، مرتكب جريمة عام 2001 حول هجمات الرسائل المحمّلة بالجمرة الخبيثة Anthrax. لقد عمل آيفِنز في المركز الطبي التابع للجيش الأمريكي USAMRIID وايضا في معهد بحوث الأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي The US Army Medical Research Institute for Infectious Diseases. كانت مهمته حماية الناس من امراض كالجمرة الخبيثة، وليس نشرها.
السؤال الذي يتبادر للذهن هو، ما مكانة جميع الفوائد التي تعد بها البايولوجيا التركيبية ودورها في معالجة وباء الكورونا الذي يعصف في العالم باجمعه منذ ما يقرب من عام؟ هذه البايولوجيا تقوم كما اسلفنا على تحليل الجينوم وصنعه ورسم سلم الحمض النووي DNA والحمض الريبي RNA. وهذه جميعا في قلب المحاولات التجربيية لاعداد اللقاحات المضادة ووقف انتشار هذا الوباء. لقد اشارت محطة تلفزيون سي أنْ أنْ مساء يوم الأحد الموافق 22/11/2020 ، الى أنّ الوباء قد اوقع ما مجموعه 58503510 إصابة و13565632 وفاة حول العالم. وفي الولايات المتحدة وحدها بلغت الإصابات 12207135 والوفيات 256638. ولا تزال هذه الأعداد في تزايد متواصل على مدار الساعة.
أعلنت شركتا فايزر Pfizer الأمريكية وبيونتك BioNTech الألمانية أن لقاحهما المشترك فعال بنسبة 95% للوقاية من كوفيد-19 بالاستناد إلى النتائج الكاملة لتجربة سريرية واسعة النطاق. كما أعلنت شركة مودرنا Moderna الأمريكية ايضا نتائج (فعالية بنسبة 94.5%) للقاح يقوم على التقنية نفسها. وفي كلتا الحالتين أظهر اللقاحان فعاليتهما لتفادي الإصابات الخطيرة بكوفيد-19. وترتكز لقاحات فايزر وبيونتك ومودرنا على تكنولوجيا حديثة تقوم على إدخال تعليمات وراثية إلى الخلايا البشرية لتحفيزها على إنتاج پروتين مطابق لپروتين فايروس كورونا، وإحداث استجابة مناعية ضد هذا الپروتين. ويتكون اللقاح من نسخة صناعية من المادة الوراثية لفايروس كورونا المستجد، تسمى "الحمض النووي الريبوزي" (mRNA) ، لبرمجة خلايا الشخص لإنتاج العديد من نسخ جزء من الفايروس. تطلق هذه النسخ إنذارات في جهاز المناعة، وتحفزه على الهجوم في حالة محاولة الفايروس الحقيقي للغزو.
لذلك فإنّ التعديل الوحيد للمضيف هو تحفيزها لتصنيع الأجسام المضادة والخلايا (المناعية) التائية التي تمنع الإصابة بالفايروس أو تقتل أيّة خلايا مصابة لمنع أو تقليل شدة المرض. هذا ما يحدث إذا أصبت بعدوى فايروسية بشكل طبيعي، لكنّ اللقاح يخرج من المعادلة خطر الإصابة بهذا المرض الخطير. وأكد تقرير [https://www.aljazeera.net/news/healthmedicine/2020/11/19] رويترز أنه لن يقوم لقاح كوفيد-19 المستقبلي بتعديل البشر وراثيا، بمعنى لا تدمج لقاحات الحمض النووي الفايروس في نواة الخلية للمتلقي، ولكن بدلا من ذلك تحقن بجزء من DNA أو RNA الخاص بالفايروس المصطنع في الأنسجة لتحفيز الاستجابة المناعية في الجسم.
روى الكاتب والتر آيزاكسُن تجربته الشخصية في اختبار فعالية اللقاح المعدّ ضد وباء الكورونا فقال، [https://www.washingtonpost.com/opinions/i-took-the-pfizer-covid-19] "كان ذلك في بدايات شهر آب الماضي، وقد سجلت في التجربة السريرية للقاح الذي يعلنون الآن أنّه حقق نتائج واعدة جداً، وهو اللقاح الذي طورته شركة فايزر مع الشركة الألمانية BioNTech. وهو نوع جديد من لقاحات الحمض النووي الريبوزي (RNA) لم يُطرح من قبل. تعمل اللقاحات عن طريق تحفيز الجهاز المناعي للفرد. من الطرق التقليدية للتحصين حقن نسخة ضعيفة جداً من الفايروس الخطير في جسد الشخص السليم، وهي الطريقة التي نقاوم بها الآن الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والجديري المائي. والطريقة الأخرى هي استخدام نسخة أو جزء من الفايروس بعد قتله تماماً."
ثمّ يمضي آيزاكسُن للقول بأنّ نجاح لقاح شركة فايزر يعني أنّ وباء عام 2020 مثل علامة فارقة بدأت فيها اللقاحات الجينية تحلّ مكان اللقاحات التقليدية. بدلاً من حقن جرعات ضئيلة وآمنة من الفايروس نفسه، أصبحت تلك اللقاحات الجديدة تحقن جزء من الترميز الجيني الذي يوجه الخلايا البشرية لإنتاج مكونات الفايروس المستهدف من تلقاء نفسها، ثم تعمل تلك المكونات الآمنة على تحفيز جهاز المناعة البشري. "إنّها معجزة أخرى من ابتكارات التكنولوجيا الحيوية، لتصبح بذلك معرفة الترميز الجيني على نفس قدر أهمية الترميز الرقمي، وسوف تصبح الجزيئات بمثابة الرقاقات الدقيقة الجديدة."
يبرّر بعدها آيزاكسُن دوافعه للمشاركة بالقول، "إنضممت إلى التجربة في مستشفى أوشنر في مسقط رأسي، مدينة نو أورلينز، لسببين. أولاً، لأكون مواطناً صالحاً، وثانياً، لأنّني أعدّ كتاباً عن أداة تعديل جينية اسمها كريسپر CRISPR. (بالمناسبة، تحدثنا عن هذه الأداة تفصيلا في ترجمتنا لكتاب جَيمي متزل عن "إختراق نظرية دارون"- المترجم) البطل الرئيسي لهذا الكتاب هو الحمض النووي الريبوزي، RNA . يستفيد اللقاح الذي طورته شركتا فايزر وBioNTech من معظم الوظائف الأساسية للحمض النووي الريبوزي، خاصّة الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA). فهو الذي يحمل التعليمات الجينية من الحمض النووي (DNA) الموجود داخل نواة الخلية إلى منطقة التصنيع داخل الخلية، حيث يعطي التوجيهات بنوع الپروتين المطلوب إنتاجه. وفي حالة لقاح كوفيد-19، يوجه الحمض النووي الريبوزي الرسول (mRNA) الخلايا لإنتاج نسخة من النتوء الپروتيني الشوكي الموجود على السطح الخارجي لفايروس الكورونا. وبعد ذلك يتمكن هذا النتوء الپروتيني الشوكي من تحفيز جهاز المناعة لإنتاج الأجسام المضادة التي تحمينا من فيروس كورونا الحقيقي.عندما تطوعت، قيل لي إنّ مدة الدراسة قد تطول إلى عامين. وأثار ذلك عدة تساؤلات بداخلي."
إختتم آيزاكسُن مقالته بالقول إنّه توجه بتلك الأسئلة إلى فرانسِس كولِنز، مدير معاهد الصحة الوطنية، التي تمول دراسات اللقاح وتشرف عليها، فكان جوابه، "لقد طرحت سؤالاً يثير الآن نقاشات جادة بين أعضاء مجموعة عمل اللقاحات". وقبل أيام قليلة فقط، نُشر تقرير استشاري حول هذه القضية من إعداد قسم الأخلاقيات الحيوية بمعاهد الصحة الوطنية. وقبل قراءة التقرير، عليّ الاعتراف بأنّ وجود شيء في معاهد الصحة الوطنية إسمه (قسم الأخلاقيات الحيوية) جعلني أشعر بالارتياح والإعجاب."
ما من شكّ أنّ العالم الرائد جورج چرچ يدعم بحماس فكرة المزج بين العلوم والأخلاقيات.

د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك
قرية مونِگيو، ماسَچوست، الولايات المتحدة
25/11/ 2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المقص ألجيني, هيغل, سيزيف, وكَلكَامش!
طلال الربيعي ( 2020 / 11 / 28 - 01:51 )
الاستاذ العزيز د. محمد جياد الأزرق
شكرا على هذا الاستعراض الشامل الذي يعالج أمورا طبية وبيولوجية عديدة بلغة سهلة ومفهومة حتى للقارئ عير المتخصص.
لدي بعض الملاحظات والتساؤلات التي تتداخل فيهما الجوانب الأخلاقية و الفلسفية.
الأخلاقية تتعلق باختراع مقص- جيني يضاهي في عمله برنامجا حيويا لمعالجة النصوص، يمكنه رصد التشوهات ألحينية واستبدالها. ويقوم العلماء في غضون هذه التقنية بإدخال إنزيمات تلتصق بجين يمكن أن يسبب الأمراض ثم يقوم الإنزيم إمّا باستبداله أو إصلاحه-
واختراع المقص ألجيني لتفادي التشوهات الوراثية أمر رائع وان كانت اعتباراته الأخلاقية تستوجب عدم الانجرار بما هو شبيه ل
Eugenics
التي استخدمت من قبل الأطباء النازيين لتحسين الجنس الآري, باعتباره ارقي جنس بشري, لاكتسابه درجة الكمال.
أي انه ينبغي وضع حدود صارمة بين الاعتبارات الطبية الوقائية والعلاجية, من جهة ,و الاعتبارات العنصرية او خلافها الهادفة الى خلق إنسان كامل او إنسان موحد على نمط الإنسان الأوربي,
يتبع


2 - المقص ألجيني, هيغل, سيزيف, وكَلكَامش!
طلال الربيعي ( 2020 / 11 / 28 - 01:56 )
وذلك باستخدام تقنيات مثل الجراحة التجميلية في دول مثل تايلاند وكوريا الجنوبية وغيرهما,
وهي تقنيات حصيلة عقلية كولونيالية ومركزية أوربية
eurocentric
وعلى هذا فهي ممارسة الشخص العنصرية تلقائيا مع نفسه, من جهة اخرى.
والتقنيات المستخدمة لإطالة عمر البشر تثير كثيرا من المشامل الأخلاقية. فمثلا, من يستطيع الاستفادة من مثل هذه ألتقنية ودفع أتمانها سوى أغنياء العالم؟ ولماذا لا توجه الجهود كبديل الى معالجة الفقر ونقص التغذية عالميا وتوفير المياه الصالحة للشرب ومعالجة مشاكل البيئة, وكل هذه تسبب أمراضا للملايين مثل العمى وأمراض تنفسية والإسهال لدى الأطفال وغيرها من الأمراض الوبائية او بسبب ضعف ألتغذية؟
ولا افهم المغزى من إطالة العمر والى أي حد, 100, 150, 1000 عام؟ ونحن نعلم إن حلم البشر بالخلود يداعب خيالها على الدوام كما في ملحة كلكامش او في أسطورة سيزيف الذي عاقبته الآلهة بعذاب أبدي. أليس إطالة عمر الإنسان قد بعني عذابا غير متوقعا للشخص نفسه, أصافة الى كونه مشروع أناني وكأنه
Agism
معكوسة,
يتبع


3 - المقص ألجيني, هيغل, سيزيف, وكَلكَامش!
طلال الربيعي ( 2020 / 11 / 28 - 01:57 )
ويحول دون إعادة تدوير البشر للسماج بأجيال جديدة في القدوم والحياة؟

الجانب الفلسفي: إن تقنيات مثل المقص ألجيني والجراحة التقويمية لمعالجة التشوهات الوراثية تعني لا محالة إن الطبيعة وقوانينها ليست كاملة والتقنيات الجديدة هذه, كما يبدو, توجه ضربة قاصمة الى الله هيغل وسبينوزا وآينشتاين الذي هو صنو للطبيعة وكمالها.
مع وافر المودة والاحترام

اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ