الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق بلا -وطنيه- والاستعمار الافنائي؟/9

عبدالامير الركابي

2020 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عراق بلا "وطنيه"والاستعمارالافنائي؟/9
عبدالاميرالركابي
لم بعرف العراق ذاته، و "وطنيته" التي تطابق كينونته وحقيقته البنيوية والتاريخيه، فلقد كانت ابعد من، وتتجاوز القدرات العقلية المتوفرة ابان الشطر، او اللحظة التي الحت عندها قضية الذاتيه وضرورتها قياسا الى مستوى، والدرجة التي بلغها تشكله الحديث عند نهاية القرن التاسع عشر، وبداية العشرين، وبالذات مع حضور الغرب العسكري المباشر، واحتلاله بغداد عام 1917 بصفتها وبعدما تحولت الى مركز للاحتلالات البرانيه منذ 1258 لحظة انتهاء الدورة الثانيه من تاريخ العراق، ووقوع مركز الإمبراطورية العباسية القرمطية الانتظارية تحت الاحتلال المغولي، ودخول العراق من يومها لحظة الانقطاع التاريخي الحضاري الثانيه، الى حين عودته للتشكل في الدورة الثالثة الحالية، منذ القرن السادس عشر.
ومنذ القرن المذكور، الى العشرين، كانت خاصيات الازدواج المجتمعي وآلياتها هي التي تحكم علاقة العراق الناشيء بالقوى الساعيه لاحتلاله، ماقد جعل احتلالها يأتي اسميا، فكانت هذه تمارس من بغداد والمدن المحصنه، والقلاع، سلطة شكلية، يقابلها تشكل وطني جنوبي هو التعبير عن بدء التشكل البديهي في هذا الموضع من المعمورة، الخاضع بحكم كينونته لقانون "التشكل من الأسفل"، الامر الذي يحتاج الى وقفة ضرورية لتفنيد الفكرة السائدة، والتي اشاعها الغرب زورا، عن المجتمعات المتشكلة تشكلا متماثلا مجتمعيا وجغرافيا بالاطلاق، على وفق ماحصل في الغرب نفسه في العصور الحديثة، مع انهيار الاقطاع هناك، وصعود البرجوازية، الامر الذي يطابق طبيعة الكيانيه الطبقية والاحادية، وهو ما يشذعنه ويخالفه كليا، شكل نمو وتشكل الكيانيه في الموضع الازدواجي التاريخي، الذي يصعد نموا من الأسفل جنوبا، ولايكتمل تشكلا امبراطوريا، الابعد وفي غمرة صراعية، تفرض قيام شكل دولة امبراطورية عليا، متفاعله مع الأسفل، حيث دولة اللادولة غير القابلة للاخضاع، ولا التجسد الارضوي، الامر الذي تكرر في تاريخ العراق لثلاث مرات، الأولى مع انبثاق مجتمعية سومر اقصى الجنوب، قبل ان تكتمل اكديا امبراطورا، وبعده بابليا، وفي الثانيه من الكوفة والبصرة، الى ان ظهرت نواة الدولة الأحادية، واضطرت الى الهرب والاستقلال مشكلة مركزها على النمط البابلي، لكن الأكثر علوا وامتدادا، في بغداد، ليكتمل وقتها البناء الامبراطوري الازدواجي، وتتكرس مقابله عيانا، الاستبداليه الجنويبه القرمطية الإسماعيلية ... الخ، وصولا للانتظارية، غير القابلة للتحقق كيانيا، والبغدادية العباسية المنتقصة العليا، الامر الذي عاد ليتكرر اليوم مع ظهور اتحاد قبائل المنتفك جنوبا، في ارض سومرالتاريخيه.
يلعب دورا أساسيا في توطد الالية المذكورة، تركز عوامل الديناميه المجتمعية وعناصرها البيئية الإنتاجية الأعلى جنوبا، بما يجعل منها اكثر ديناميه وعلوا تكوينيا، ويصوغها في الوقت نفسه بنيويا وكينونة بما يمنع كليا خضوعها لأيه سلطة من خارجها، الامر الذي يكرسه نوع من قانون يتساوي معه، الفناء مع شرط حرية العملية الانتاجيه، ضمن اشتراطات منتجية تقارب الفناء أصلا وابتداء، ولايمكن ان تحتكم لغيرها من خارجها،او مامن شانه التدخل في الاليات المنظمة لحياتها بمنطق كينونه مجتمعية أخرى مخالفة نوعا، هي حتما احادية،ماجعل منها مجتمعية محاربة، السلاح فيها جزء من العملية الانتاجيه وسلامتها، ومن ثم ديمومتها، الامر الذي يمكن ان يلقي اضاءة ساطعة عليه، ماقد قاله الملك فيصل الأول فيما يعتبر "مذكراته"، واصفا حال التوازن بين المجتمع الجنوبي وحكومته (1) الامر الذي يحتم فعل السياقات الإمبراطورية على المستوى الأعلى، ويفسر أسباب ظهور الشكل الامبراطوري في الدولة رافدينيا، ابتداء في ارض سومر مع "سرجون الاكدي"اول امبراطور في التاريخ، 2334/2279 قبل الميلاد، من الزاوية الجنوبيه الرافدينيه القصوى، ليحتل ساحل الشام، والى الشرق عيلام، والاناضول، ويصل الى ليبيا، ومن بعده بابل، ثم بغداد عاصمة العالم في العصور الوسطى.
هكذا يكون البناء الامبراطوري خاصية أساسية بنيوية تكوينه، ناتج عن الاستحالة الأحادية، منه تكتسب ارض الرافدين خصوصيتها البنيوية التاريخيه السارية علىها الى اليوم، برغم الاختلاف النوعي الطاريء على اشتراطات تشكلها الحديث، كونها تترافق مع اضطلاع التشكل الحالي بإزالة وطاة ومخلفات الانقطاع الثاني، ومانجم عنه وتسبب فيه من اختلال مثلتهاحالة "بغداد" وسقوطها التاريخي المدوي قبل تحولها الى معسكر براني، تتناوب عليه السلالات والامبراطوريات والسلطنات، ماقد طبع التشكل التاريخي الحالي بالطابع التحريري، الازدواجي، البنيوي قبل ان يظهر ماعرف لاحقا وفي ظروف هيمنه النموذج الغربي الحديث "حركة تحررعالمية "، هي المعروفة التي انجبت في العراق نفسه طبعة منها، مخالفة للطبعه التحررية المطموسة التشكلية التكوينية التاريخيه لهذا الموضع من المعمورة.
فمايعرف ب "حركة التحرر الوطني" العراقية باحزابها وقواها الحديثة، التي بدات تتبلور كقوى ايديلوجيه "حزبيه" في الثلاثينات من القرن المنصرم، وجدت هنا بصفتها "قوة افناء" للخاصيات وللوجود العراقي التاريخي والحالي، وللتحريريه الأصل السارية منذ القرن السادس عشر، فارض الرافدين / العراق الحالي التي عرفت حقبيتين من تاريخ تشكلها الأسفل الجنوبي الحديث، قبلية، وانتظارية محدثة، انتقلت لتواجه الحقبة الثالثة باعتبارها حقبة "افناء" لواقع وبنيه مجتمعية تاريخيه، متميزه ومختلفة اختلافا كليا، عن أي من بنى المجتمعات التي جرى احتلالها في العصر الحديث من قبل الغرب، والموضع العراقي كان أصلا قد عرف شطرا غير قصير من تشكله، سابق على حضور الغرب، وحتى على تشكل الغرب بصيغة الحديثة الاوربية، ماقد جعل ملتقى الغرب وحضوره في هذه البلاد يتخذ طابع الإلغاء لحد الافناء، لا مجرد الاحتلال المعتاد، الذي لم يكن أصلا ممكنا او متاحا للإنكليزكما كان حال غيرهم ممن سبقوهم، في الوقت الذي اىتكررت اليوم بالصيغه المناسبه، نفس اليات الاستحالة مطبقة على الطاريْ الاستعماري المفهومي الغربي، مع كل مايمتلكه من إمكانات وطاقة، وقدرة استثنائية تجلت بجمله مفاهيم ونماذج الانقلابية الالية البرجوازية الحديثة.
ولايشبه الوضع الجاري الحديث عنه، ذلك الذي مر به العراق ابان الاحتلال التركي العثماني خصوصا، او ماسبقه من اشتراطات احتلاليه متعاقبة لبغداد عاصمة الطور الامبراطوري الثاني المنهارة، حين كانت الممكنات الاحتلالية اضعف وادنى فعالية من الموضع المحتل، وغير قادرة على اخضاعه لاشتراطات نفوذها الذي كان في حال تراجع، وصولا الى عام 1831 عندما اضطر العثمانيون الى إزالة حكم المماليك، والاضلاع مباشرة بالحكم، بعد ان كانوا ينيبون عنهم المماليك1749/1831 كوكلاء، خشيه من العواقب، وماكان متوقعا ان يترتب عليه، وينجم عنه، من احتمالية ثورة جنويبيه "استقلالية"، كانت نذرها والاشكال الدالة عليها واضحه(2) بعد مااقدم عليه اخر الولاة المماليك "داود باشا" من اجهاز على نفوذ المنتفك على ولاية بغداد، بازالته الوالي سعيد، واقامته حكما مرتكزا لجيش بلغ تعداده في ذلك الوقت مائة الف منتسب.
فالعثمانيون لم يكونوا يمتلكون من الوسائل، مايمكنهم من بسط نفوذهم وسيطرتهم على العراق الأسفل، وكانوا منذ اول لحظات وصولهم الى العراق، قد وقعوا تحت فعل القانون التاريخي المتاتي من قوة حضور التشكل المجتمعي الأسفل، الامر الذي لم يكن قد عرفه من قبلهم من السلالات التي ظلت تتعاقب على حكم العراق منذ هولاكو، عندما لم تكن اليات التشكل الوطني قد تبلورت بعد، الامر الذي صادف حصوله مع مجيء العثمانيين للعراق، ماقد جعل من حضورهم مختلفا كليا، مقارنة بمن سبقهم، بحيث يجوز، لابل من الواجب القول بان حالة احتلال العراق بعد هولاكو تنقسم الى مرحلتين، الاولى هي التي لم تكن ابانها الاليات الذاتيه البنيويه قد أصبحت حاضرة وفاعلة، وتستمر من القرن الثالث عشر الى السادس عشر، والثانيه الحديثة التي تبدا بالقرن السادس عشر، وتختلف اختلافا كليا عن التي سبقتها، والتي تعود الى حقبة الانقطاع التاريخي الكلية.
ومايسمى او يعرف بالاحتلال العثماني هو الاخر ينبغي تقسيمه الى طورين، الأول يستمر الى 1931 مع حملة علي رضا وانتهاء حكم المماليك ( يطلق عليها اسم الاحتلال الثالث)، كان طابعه الأهم، الانابة والتوكيل، ثم مابعد التاريخ المذكور، واتخذ طابع التاثر بالغرب و"وتنظيماته"، ويتوافق مع محاولة السلطنه العثمانيه الاخذ باساليب التحديث الغربي في الإدارة، كاجراء متأخر حاول العثمانيون عن طريقة تدارك احتماليه انهيار دولتهم، بعد شعورهم باستحالة مواجهة الانقلابيه الغربيه في المجالات المختلفة، الامر الذي لم يكن متاحا مجاراته، رغم التبني الشكلي لبعض مناحيه، بالاخص إداريا، وفي ميدان إلتعامل مع البلدان المحتله، ومع ماقد حاول العثمانيون البدء به، ممايعرف ب"الإصلاحات" وإدخال بعض ماله صلة ب "التقدم" والحداثة، وبعض منجزاتها، في المواصلات، ومناحي الإدارة والحياة المدنيه، الا ان ماقد جرى ارساؤه وقتها، كان يفتقربالاحرى للاليات الدافعه، والانقلابية الطبقية الالية المصنعيه كما الحال في اوربا العصر الحديث، فكان ماجرى اتباعه هنا، بطيئا واوليا، طابعه الأساس محاولة الالتحاق بالغرب من دون أسبابه البنيويه ومحركاته.
هذا الوضع انقلب كليا وتماما، ليتخذ طابعا افنائيا على المستوى البنيوي، مع غروب وانقضاء زمن العثمانيين، وحلول الاحتلال الإنكليزي ونموذج الغرب محله، بالذات منذ عام 1914 عام نزول الحملة البريطانيه في الفاو جنوبا(1) لأول مره في تاريخ ارض الرافدين.
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقول الملك فيصل الأول: "وكل ذلك يضطرني الى القول بان الحكومة اضعف من الشعب بكثير. ولو كانت البلاد خاليه من السلاح، لهان الامر، لكنه يوجد في المملكة مايزيد عن المائة الف بندقية، يقابلها 15 الف حكومية، ولايوجد في بلد من بلاد الله حالة حكومة وشعب كهذه" وهذه حالة انتفاء شرط احتكار السلاح كخاصية تعرف " الدولة". يراجع عبدالرزاق الحسني/ تاريخ الوزارات العراقية / الجزء الثالث ص 325.
(2) تذكر هنا كحدث بارز الثورة الثلاثية التي حررت العراق من حكم المماليك من بغداد الى الفاو واندلعت عام 1787 عدا العشرات من الانتفاضات والتمردات المسلحه التي لم تهدأ على مدى الفترة من القرن السادس عشر.
(3) لم يعرف العراق اطلاقا، وهو البقعة المعرضه على مدى تاريخها للغزو، أي غزو جاء من الجنوب ( يأتي الغزو عادة من الشمال والشرق والغرب، حيث الصحارى والجبال الجرداء، نحو ارض الخصب الاستثنائي "ارض السواد") وهو ماحصل للمرة الأولى مع الإنكليز أولا، والامريكيين لاحقا اليوم، مايعد بحد ذاته إشارة انقلابية دالة ترقى لمستوى الاستثنائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة