الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية الصمت اليابانية

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2020 / 11 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تعد رواية الصمت ( silence) من روائع الفن الروائي في القرن العشرين. فقد كتبها الأديب الياباني شوساكو أندو (shusaku Endo) عام 1966 وترجمت إلى الانكليزية عام 1969. يعتبر بعض النقاد بأنها رواية دينية، وأنا أراها تاريخية بامتياز. فهي تحط على مرحلة مرت بها اليابان إبان مرحلة التبشير التي نشطت بها في القرن السادس عشر. وهي ترصد تلك المرحلة بكل تشنجاتها. وبما أن الكاتب مسيحي فقد جسد هذه الآلآم في روايته. فقد عقب أحد الباحثين في الدين المسيحي وليم كافاناغ بقوله بأن الرواية قد مثلت أكبر إشكالية أخلاقية حيث رأى أن الإله التزم "الصمت والمراقبة في عذابات المسحيين وهنا يعيد التاريخ نفسه في العذاب الأول الذي ناله المسيح في صلبه". حازت الرواية على الكثير من الجوائز وحولت إلى فيلم أمريكي في عام 2016. راى فيها المسيحيين اليابانين جزء من تاريخهم الذي نال أجدادهم الكثير من العذاب من أجل العقيدة. بينما رأى اليساريين اليابانين أنفسهم فيها، لأنهم عانوا من السلطات أيضاً.
كما هو معروف، فإن حركة التبشير الكاثوليكية أرتبطت بحركة الإستعمار الغربي وبدأت أوروبا البحث عن أسواق وثروات في أنحاء العالم. وكانت اليابان واحدة منهم، فقد كون بابا الفيتكان جمعية باسم (جيسوتس) بغية التبشير عام 1540. يدخلون البلاد كتجار أو سياح كي لايثيروا الشبهة حول نشاطاتهم، ثم يبدؤون بجمع الأتباع بالسر. أما العنوان فقد أتى على مستويين، الأول له منحى ديني وهو ذلك الصمت الذي يظل الإله المسيحي صامت جراء هذه الآلآم التي يتعرض لها الأتباع، والثاني هو ورد على لسان أحدهم حيث يقول: الصمت تعبير عن مكنونات النفس وهو أفضل الحلول في الأزمات.
تبدأ الرواية بذهاب الشخصية الأساسية الراهب سباستيو رودرغيس (رود) وزميله فرانسيسكو غارب.، إلى اليابان ليبحثوا عن راهب سابق اسمه (فريريا) كان قد أرتد عن المسيحية وأصبح بوذياً بسبب التعذيب. تكونت نصف الرواية من مذكرات للراهب رود فيما النصف الآخر كتب عن طريق رسائل أو سرد بضمير الغائب.
وصل بطل الرواية رود مع زميله إلى اليابان عام 1639 ليجدوا أن المسحيين قد لجؤوا إلى التخفي والعبادة في السر. ورغم ذلك، كان يقع البعض بيد الشرطة فيأمرون المسيحي أن يعلن إدانته للمسيحية وأن يدوس على أيقونة المسيح بقدمه، وحين يعصي الأمر، تبدأ رحلة العذاب حتى الموت، فيعلق الشخص فوق حفرة مقلوب وتجرح رقبته ثم ينزف حتى الموت ببطء. وفي الملاحقات المستمرة، يقع رود وزميله في الأسر ويتأمل رود مليا ليرى أحيانا لاطائل من الإستمرار وليس هناك مايفتخر به بهذه الشهادة في سبيل العقيدة. فقد سبقه رهبان قبله تعرضوا للتعذيب فمنهم من مات ومنهم من أرتد عن المسيحية مثل الراهب فريريا. هو الآن يراقب ويرى كيف يعذب اتباعه بوحشية وهو عاجز أن يساعد هؤلاء كما كان المسيح عاجز عن إنقاذ نفسه من الصلب. كلمة منه تقف كل هذا العذاب، بأن يرتد ويدعس على أيقونة المسيح. هنا يدور في داخله مشاعر جمة منها أنه أناني لسبب رضاه بتعذيب هؤلاء ويعرف بأنه يستطيع أن ينجيهم من ذلك بمجرد كلمة. وفي حيرته هذه يسمع صوت المسيح بداخله يقول له: لابأس عليك أن تدعس على الصليب فقد عشت مع الكثير الذين دعسوا من قبلك وشهدت قبلكم عذاب الصلب وعرفت رجال عانوا من أجل حمل الصليب. ثم يتكلم معه أحد الشرطة ويشرح له بأن هزيمتهم محققة لامحال.
الشخصية المهمة الأخرى هي المغترب الياباني (كاتشمبرو أو كاتشو)، فهو الذي أدخل الراهبين إلى اليابان وعرفهم على الأتباع، وهو الذي باعهم فيما بعد للسلطات بحفنة من الفضة. وهنا تكمن الرمزية في الرواية. فهو يهوذا الأسخريوطي من أتباع المسيح الذي باعه للرومان بحفنة من الذهب. هذه الشخصية المترددة في الرواية مثلت الإنسان الذي لايستطيع أن يتخذ موقفاً واضحاً. فبعد أن يرتد عن المسيحية، يطلب الراهب رود كي يسامحه ويغفر له، ثم يعود ويرتد مرة أخرى. يعلم رود الراهب أن زميله مات تحت التعذيب ثم يعرف أن فريريا الراهب الذي كانوا يبحثون عنه حي وقد ترك المسيحية وهو يعيش حياته في المجتمع الياباني . أخيراً، يترك المسيحية ويغير أسمه (أكادا) ويعيش كمواطن ياباني.
نوفمبر -27 -2020








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. رقصة تحيل أربعة عسكريين إلى التحقيق • فرانس 24


.. -افعل ما يحلو لك أيام الجمعة-.. لماذا حولت هذه الشركة أسبوع




.. طفلة صمّاء تتمكن من السمع بعد علاج جيني يجرّب لأول مرة


.. القسام: استهداف ناقلة جند ومبنى تحصن فيه جنود عند مسجد الدعو




.. حزب الله: مقاتلونا استهدفوا آليات إسرائيلية لدى وصولها لموقع