الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الضمير عند بيير بايل.

محسن وحي

2020 / 11 / 28
حقوق الانسان


يعتبر الفيلسوف الفرنسي" بيير بايل" أحد الفلاسفة الأوائل في العصر الحديث الذين دافعوا عن فضيلة التسامح وعن حرية الضمير، من خلال دفاعه عن التسامح الكلي، فهو يرى أنه ليس هناك حل وسط بين التسامح والتعصب؛ بمعنى أنه إما أن يكون هناك تسامح شامل لجميع المذاهب والأديان، أو لا يكون. أما نصف التسامح؛ أي التسامح مع بعض الجماعات وحرمان الجماعات الأخرى منه، فهو ليس خيارا، وليس من التسامح في شيء. هكذا يجب التسامح مع الجميع سواء كانوا يهود أو مسيحيين أو مسلمين أو وثنيين أو ملحدين، فالجميع يستحق التسامح. وفي هذه النقطة بالذات يتجاوز بيير بايل تصور جون لوك للتسامح، بحيث أن لوك لم يكن من منظري التسامح مع الملحدين ومع الجماعات الدينية التي تعلن ولاءها لحاكم آخر غير حاكم الدولة، في حين أن بايل كان يدعوا إلى التسامح حتى مع الملحدين الذين لا يؤمنون بأي إله.
ألف بيير بايل مجموعة من الكتب التي دافع فيها عن قيمة التسامح مثل كتاب "ما تعنيه فرنساالكاثوليكية المتعصبة في عهد لويس الكبير"، وكتاب "تفسير فلسفي لهذه العبارة المنسوبة إلى يسوعالمسيح: إجبرهم على الدخول!". في هذا الكتاب ينتقد بشكل كبير التعصب الأعمى للكاثوليك ورفض التعددية المذهبية والعقائدية في المملكة الفرنسية، وإجبار الناس كلهم على اعتناق مذهب واحد غصبا عنهم( هشام صالح، 2013، ص 5). لديه كتاب آخر تحت عنوان "مرافعة من أجل الدفاع عن حقوق الضمير التائه" . كل هذه الكتب التي ألفها بيير بايل كان يهدف من خلالها إلى الحد من التعصب الديني الذي كان منتشرا في أروبا بشكل عام، وفرنسا بشكل خاص.
تكمن قوة بيير بايل في إعادة قراءته للنصوص الدينية المسيحية على ضوء المبادئ العقلانية والأخلاقية بدون الخروج عن المقاصد الكبرى للدين المسيحي. يؤكد بايل أن الدين المسيحي في جوهره لا يدعوا إلى اضطهاد الآخرين بدعوى إدخالهم إلى الإيمان الحق، وكل تأويل لهذه النصوص بأنها تبيح الاضطهاد هو نتيجة لسوء الفهم والتعصب. هذا التأويل الخاطئ للنص الديني نجده عند القديس أوغسطين بقوله "هناك اضطهاد جائر يمارسه الأشرار ضد الكنيسة، وهناك اضطهاد عادل تمارسه الكنيسة ضد الأشرار" . النص الذي يستند عليه أوغسطين من أجل تبرير قوله هذا موجود في إنجيل لوقا وهو "اخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي". خصص بايل كتابا كاملا مؤلفا من أربعة أجزاء للرد على هذا التأويل الخاطئ للنص الديني، إذ يؤكد من خلاله أن ما يتعارض مع العقل هو أمر زائف بدون شك؛ لأن إجبار المرء على التصرف خلافا لما يمليه عليه ضميره هو أمر يتناقض مع النور الطبيعي في الإنسان؛ وبالتالي فهو أمر خاطئ مثل خطأ ذلك التفسير الحرفي للنص.
أورد بايل مجموعة من البراهين والحجج التي أراد من خلالها بيان أن الاضطهاد والتعصب التي تمارسه المذاهب المسيحية على بعضها البعض ليس من الدين المسيحي في شيء؛ بمعنى أنه نتيجة للتأويلات الخاطئة للنص المقدس، ولابد من القيام بإعادة تأويل هذا النص وفق المقاصد الكبرى التي يدعوا إليها الدين المسيحي، مثل قيمة المحبة والتسامح. هذا العمل الذي قام به بايل في مجموعة من المؤلفات يذكرنا بالتأويل الذي قامت به المعتزلة للنص القرآني-على الرغم من اختلاف السياق التاريخي والإشكالية التي سادت في هذا العصر الإسلامي وهي إشكالية خلق القران- فكلاهما يهدفان إلى فهم جديد للنص الديني بما يوافق مبادئ العقل، فلا يمكن أن يمنح الله للإنسان العقل ويشرع أحكام مخالفة له. ترى المعتزلة أن العقل يستطيع إدراك الحق والخير والشر بدون الاستعانة بالوحي، إذ أن ما يحسنه العقل هو الخير، وما يقبحه هو الشر.
إن راهنية فلسفة بيير بايل تتجلى في دفاعه عن حرية الضمير؛ أي حرية اعتناق الإنسان للدين الذي يمليه عليه ضميره، بل أكثر من ذلك، إن حرية الضمير، وفق هذا السياق، تعني حرية الخروج من الدين، مادام أن الإنسان لم يقتنع بالدين الذي كان يعتنقه. في هذا المضمار تصبح حرية الضمير الأساس الذي يجب أن تقوم عليه تشريعات الدولة، ولا يجب على هذه الأخيرة أن تفرض دين معين على الأفراد، كما فعل لويس الرابع عشرة في فرنسا، فليس من اختصاص الحاكم فرض الدين بالقوة داخل المجتمع، وإنما اختصاصه يكمن في حفظ السلم والنظام وممتلكات الأفراد، وعندما يفعل العكس فإنه يقوم بتقويض أساس التسامح، والذي يؤدي بدوره إلى تقويض أساس المجتمع، فالتسامح يحول دون عدم استقرار المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية