الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب وفق جدليّة البحر والسماء

معاذ جمايعي

2020 / 11 / 29
الادب والفن


لم يكن الطقس ربيعا ولا صيفا، عندما ذهبنا إلى الشاطئ، بل كان شتاء يغشاه السحاب من فوقه وتؤثثه بعض قطرات المطر. كنت سعيدا برفقتها بشكل لا يوصف. نزلنا من السيارة، تقدّمنا رويدا رويدا، وفجأة تركت يدي واتجهت بخطوات مسرعة لتقف على حافة البحر.
أمّا أنا، توقفت في مكاني، بعيدا عنها أمتارا، أرمقها بنظرات وقد امتزج جمالها بجمال البحر. كانت واقفة مثل الطفلة الصغيرة، شغوفة وحالمة بغد أفضل وأجمل. البحر متّسع، وللبحر أسرار. قلبها متّسع، ولقلبها أسرار. شعرها يداعب كتفيها وساقيها تداعب الرمال في شموخ أمام أمواج البحر الهادئ.
لا أخفيكم سرا، بل حقيقة أعيشها بتكرار، كلّما أزور البحر برفقتها شتاء إلا ويهدئ ويستكين. ربّما لم ترحمها الحياة القاسية، لكنّ البحر كان بها رحيما. يعطي البحّار سمكا، ويعطي حبيبتي أملا. أملا بأن الحياة مهما قست وتعنّتت، تضل تحمل في طيّاتها طعم الحنان، لأن الحياة أم، والطبيعة أم، وحبيبتي أم، والأمّ عطاء كبير من المودّة والعاطفة.
تطلّعت إلى السماء، فوجدت السحب رسمت وجهها بكل دقّة وإتقان. هل هو خيالي الجامح الذي رسمها؟ أم رسالة ربّانية بأن حبيبتي مهما عرفت من ألم فهي في عناية الإله؟
فعلا كان وجهها في السماء، وأنا على بعد أمتار، أرمقها بنظرات حيرة وأردد في داخلي: لا تحزني يا غاليتي ولا تقرّي عينا، الأرض تفترش لك ورودا، والسماء ترسم وجهك، والبحر يصغي إليك تناجينه مناجاة العابد لربه... أطلقي العنان للحبّ وستجدينني دائما خلفك، سندا، دون هوادة. أحبي الحياة، ودفء العيش وكل ما هو جميل، بالحبّ تصعدين إلى السماء، وتمشين فوق الماء، وتصلين إلى أبعد الحدود. براءتك، طيبتك، عنفوانك، يضيفون طعما للحياة عندي ويزيدونني استبطانا للوجود. فعلا لا طعم للحياة دونك.
بحثت عن القليل من الشجاعة لأتقدم وأقف إلى جانبها في محاولة لمشاركتها أكثر فلسفة التعبير عن العواطف وما يجول بخلدي وإياها. لكنّ ساقي ثقلت، بل أردت ترك مساحة زمنيّة لها، لتفضي للبحر بما يجول بخاطرها.
فجأة همست إلى البحر في خجل قائلة: أنا أعلم يا بحر أنه يحبني بجنون، تارة حبيبة وطورا صديقة. دائما يبحث عني، في زوايا البيت، في زحمة الشارع، في الطريق، ويرسم وجهي في السماء، أحبه كثيرا لدرجة أني أهديته حياتي، غير أنّي لا أعرف كيف أصل لتحقيق معادلة الحبّ معه بالكثافة الوجدانية التي يبادرني بها، لكنّي أعده أمامك يا بحر، أن أفني بقيّة عمري في حبّه، الحبّ اجتهاد يا عزيزي البحر، وتضحية وخوض للغمار والصعاب، لا يعني دائما الجرح والألم، بل هو مسايرة للواقع، ومدارات للأيام بكلّ جزئياتها وتفاصيلها، وعيش كل ما هو جميل بما هو جميل.
أما عنّي، فقد نظرت إلى السماء وقلت: هل تعلمي يا سماء أنّ من يحبّ امرأة حقاّ، يعني أن يستمر في العيش بقية عمره بقلب متصوف، لا يتنفّس إلا عشقها، ويصبح أخرس وأصم، لا يستمع إلا لنبضات قلبه التي تخفق لرؤيتها، ويلعب دور الملك والفارس وقائد الجيوش الذي يقود العاشقين لفتح القلاع والحصون في كافة أرجاء العالم، مبشرا بميلاد زمن جديد، زمن العيش الأزلي. فالحبّ نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده.
هكذا، كنا نتبادل الوئام كل على طبيعته وتلقائيته. تبوح هي للبحر، وأبوح أنا للسماء، أحيانا في صمت، وأحيانا أخرى جهرا.
إلتفتت إليّ قائلة: -أكبر فيك صفة السند، دائما أجدك تقف خلف ظهري، إذ لا معنى للمرأة إن لم يسندها رجل، ولكن ليس أيّ رجل.
-فعلا ليس أيّ رجل، من أجل ذلك أقسمت على نفسي أن أكون سندك، إذ ليست لي ثقة في الرّجال، ولا أعتقد أنّ غيري قادر على حمايتك وإسعادك.
-الحياة لعبة مشتركة، وأنت تجيد لعب دورك بشكل جيّد، هنيئا لك بمرافقتي، فلا أحد قد تمكّن من إقناعي بضرورة مشاركته اللعبة إلا أنت.
-الذي يفوز أخيرا، يجمع الغنائم الكثيرة، وحبّك أنبل غنيمة جمعتها في حياتي. ولا يدخل الحب إلا من كان شجاعا وحليما، الحب للشجعان يا غاليتي.
-يبدو أنها بدأت تمطر، لنعد للمنزل.
-فعلا إنها تمطر منذ أن وصلنا، والوقت قد تأخر، لنعد للمنزل ونكمل الحوار على أنغام موسيقى هادئة.
-ماذا تقترح لنا كأغنية نسمعها يا عزيزي؟
- Caruso.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى