الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
التشريح الوظيفي للبعبع الإرهابي
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2020 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي
فريق دار الأكاديمية: ما هو برأيك سبب الهوس والهوى المنقطع النظير في وسائل الإعلام الغربية والعربية، وفي كل تفاصيل وتلاوين الخطاب السياسي في العالمين الغربي والعربي، بكل ما هو مرتبط كثيراً أو قليلاً بمصطلح «الإرهاب» حتى كاد ذلك أن يصبح ملح كل الطبخات الإعلامية والسياسية على المستوى الكوني؟
مصعب عزاوي: عماد البيان المجتمعي سياسياً في العالم الغربي متمحور حول نموذج من الديموقراطيات الشكلية التزويقية التي تقتضي التحرك سياسياً وفق قواعد محددة لا بد أن تفضي إلى احتفاظ الفئات المهيمنة على الثروة والسلطة في تلك المجتمعات، وتوطيد إحكام سيطرتها شبه المطلقة على كل مفاتيح حركية تلك المجتمعات. ومن ضمن تلك القواعد الالتزام بعدم انحراف اللعبة الديموقراطية عن وجهتها التي تحدد ملامحها العامة و تفاصيلها الشركات الكبرى العابرة للقارات صاحبة الحل والعقد في المجتمعات الغربية، والتي تنتقي بشكل مباشر أو غيره شخصيات من يمثل مصالحها في لج اللعبة الديموقراطية التمثيلية الشكلية في العالم الغربي سواء من خلال تمويل مثلث الرؤوس لأعضاء البرلمانات وغيرهم من الممثلين المنتخبين، ومراكز الأبحاث الخلبية التي في جوهرها أبواق للبروباغندا المسؤولة عن ترويج السياسات المنسجمة مع مصالح تلك الشركات العابرة للقارات، و مجموعات الضغط التي تعضد ممثلي تلك الشركات في الجسد السياسي للمجتمع، و في بعض الأحيان تقوم بوظيفة عقاب كل من قد تسول له نفسه من أولئك السياسيين المصنعين الانزياح عما هو مرسوم له من دور وظيفي يشترط منه العمل الدؤوب لتحقيق مصالح أولياء أمره والحفاظ على دوامها.
ولكن هناك عقبة موضوعية سرمدية في ذلك السياق التوصيفي الأخير تكمن فيما يعتبره أولئك الساسة المصطفون وأسيادهم «القطعان الشاردة من البشر» الذين كان تمتعهم بحق التصويت «ثغرة وعقبة كأداء» في تحقيق السيطرة المطلقة التي تنشدها الفئات المهيمنة على المجتمعات طوال عمر البشرية. ولما كانت تلك الفئات الشعبية دائماً على اختلاف في وعيها الفطري بمصالحها مع ذلك المراد لها السير في سياقه، من قبيل معارضتها للحروب الإمبريالية التي تخوضها حكوماتها هنا وهناك باسمها، مثل معارضتها شبه المطلقة لغزو العراق في العام 2003، ورفضها لسعار المجمعات الصناعية العسكرية التقانية وشركاتها العابرة للقارات والنظم والحكومات السائرة في ركابها لتأجيج سباقات التسلح و العسكرة على المستوى الكوني، وخاصة ذلك المتعلق منها بالأسلحة النووية وغيرها من أسلحة التدمير الشامل التي قد يعني التفكير باستخدامها استبطاناً للصورة التي سوف تنتهي الحياة البشرية بها. وغير ذلك كثير من الأمثلة التي تفصح عن ذلك التناقض شبه المطلق بين الشعوب المقهورة وحكامها من ممثلي الفئات المهيمنة في مجتمعاتها. وإذا كانت الحال ذلك فلا بد من ترياق يصلح نشوز تلك المعادلة. ولا أنجح فعلياً من إشهار غول «الإرهاب» القادم ليأكل الزرع والضرع في الغرب، وهو الذي سوف يقتضي وفق البنى العضوية الأصيلة العميقة في آلية عمل وعي الحيوان العاقل الإنساني في ضرورة «الحفاظ على النوع»، وتأجيل كل ما يبتعد «من الناحية النظرية» عن ذلك الهدف «البيولوجي التطوري المحض»، و هو ما يقتضي استسلاماً مطلقاً لإرادة ذلك «القائد المخلص» الذي دونه سوف تطال «صواريخ التنك» العراقية كل العواصم الغربية، و «السكاكين الصدئة» لأولئك المقهورين المهمشين عقلياً ومعنوياً وروحياً من المتطرفين الإسلاميين الذي صنَّعتهم «مجاهدين محترفين» نفس الآلة العسكرية الأمنية الغربية، قبل أن تنتهي حاجتها بهم وتلفظهم «فضلات لا طائل منها» لينقلبوا عليها بعد أن تركتهم «عاطلين عن العمل لا مشغل لهم».
وذلك التخويف من الإرهاب هو الوتر الذي تفنن كل الساسة في الغرب باللعب عليه لتمرير المخططات المراد منهم تحقيقها بحسب تعليمات أولياء أمرهم ومُصَنِّعيهم كشخصيات سياسية ذات وزن نوعي في مجتمعاتها.
وهناك سبب آخر مرتبط ومتفرع من سياق التخويف وصناعة الرهاب الجمعي لضمان الانصياع الاجتماعي، متعلق بالوزن النوعي المحض الذي تلعبه شركات صناعة السلاح في الطيف الذي تتشكل منه هياكل المجمعات الصناعية العسكرية التقانية وشركاتها العابرة للقارات مالكة مفاتيح الحل و العقد على المستوى الكوني. وتلك الشركات تعتاش فعلياً على أموال دافعي الضرائب في العالم الغربي، ومثالها المشخص الميزانية المهولة التي تتراوح ما بين 1.8% و 3.6% من الناتج القومي الكلي في كل اقتصادات المجتمعات الغربية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي يقدر بعشرات تريليونات الدولارات لشراء وتكديس أسلحة وتقانات حربية من تلك الشركات العابرة للقارات نفسها، وهو ما تعترض عليه الشعوب الغربية دائماً و تطالب بضرورة إنفاق تلك الموارد المالية الهائلة لأجل تحسين مستوى حيواتها و الخدمات و البنى التحتية المتهالكة في مجتمعاتها. وهنا يطل «البعبع الإرهابي» بكونه ضرورة إخراجية لا بد منها لأجل «ترويض الشعوب الحرونة» بشكل ملائم يجعلها قابلة «بحظها العاثر في حياتها الدنيا البائسة» والتي لا بد من الاستسلام و القبول بكل شروطها، التي هي في أسوء الأحوال أفضل من «الموت الزؤام بين أنياب ومخالب البعبع الإرهابي»، وهو ما يستتبع القبول والتسليم بإنفاق حكوماتها دون سؤال أو حساب على شراء «أسلحة وتقانات حربية» ينتهي معظمها مكدساً ومنتهي الصلاحية في المخازن والمستودعات، وهو ما يتطلب الإنفاق عليه لاحقاً لإتلافه، علَّ ذلك في كليته يحميهم من «الشر الإرهابي المستطير المتربص دائماً في كل زاوية ووراء كل باب».
وفي ما يتعلق بدور وسائل الإعلام في صياغة وتوطيد ذلك النموذج الهوسي السعاري في تخويف الشعوب الغربية من «الغول الإرهابي الرابض وراء الأكمة»، فهو مرتبط عضوياً بكون المؤسسات الإعلامية التي تستطيع عدها على أصابع اليدين من قبيل وكالة رويترز، وأسوشيتد برس، وفرانس برس، وهيئة الإذاعة البريطانية، والصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز، وفايننشال تايمز، وول ستريت جورنال، وواشنطن بوست، والمسيطرة بشكل شبه مطلق على مقادير وآليات صناعة وتحديد ما هو جدير بأن يكون خبراً لتغطيته إعلامياً، هي مؤسسات تمثل استطالات فعلية للمجمعات الصناعية العسكرية التقانية للشركات العابرة للقارات المسيطرة في الغرب، سواء من خلال سيطرة تلك الأخيرة بشكل مباشر على ملكية هذه المؤسسة الإعلامية الكبرى أو تلك، مثل ملكية جيف بيزوس مالك شركة أمازون لصحيفة واشنطن بوست، أو من خلال وسائل غير مباشرة تتخذ أشكالاً متعددة تقود في نهاية المطاف إلى مآل وحيد هو سيطرة شبه مطلقة، لا تكاد تختلف إلا في مظهرها الخارجي عن ذلك النموذج الفظ الذي اتبعته وتتبعه الأنظمة الشمولية التي تنتقدها دائماً وسائل الإعلام الغربية، أهم نماذجها الارتهان المطلق و الاتفاق الضمني وغير المعلن بين كل العاملين في المؤسسات الإعلامية الغربية، لعدم الاصطدام أو الاقتراب سلبياً بأي شكل يمس مصالح المعلنين التجاريين في وسائل الإعلام التي يعملون بها. وذلك النموذج من التعاقد الضمني شرط لازم لتشغيل واحتمالية ديمومة وجود ذلك الصحفي أو ذاك في مؤسسته الإعلامية، التي تستطيع في حال عدم انصياعه لتبعات ذاك الاشتراط المضمر إيجاد ألف سبب وسبب لتبرير صرفه من وظيفته أو نقله إلى موقع وظيفي مهين لا يليق بصحفي، فيضطر إلى تقديم استقالته لاحقاً.
وبشكل أكثر تدقيقاً فإن كل أولئك المعلنين التجاريين السالفي الذكر منخرطون بأشكال متفاوتة الالتصاق بمصالح المجمعات الصناعية العسكرية التقانية وشركاتها العابرة للقارات في بلدانها، والتي تتمحور حول المراكمة اللامحدودة للثروة باستغلال مطلق لكل الموارد الطبيعية والبشرية في المجتمع دون المساهمة بأي شكل في خدمة ذلك المجتمع، وذلك عبر بهلوانيات تقليل أعبائها الضريبية إلى حد يقارب الصفر في معظم الاقتصادات الغربية؛ مثالها النموذجي عدم دفع الشركات الأكثر ثراءً على المستوى الكوني من قبيل آبل و أمازون و فيسبوك و غوغل أي ضرائب دخل تذكر في الدول التي تستثمر فيها، و هو ما يترك عبء الحفاظ على الشبكة الهشة من بنيان المجتمعات الغربية كمؤسسات وخدمات على الفئات المستضعفة في تلك المجتمعات، والتي تزداد فقراً بشكل مضطرد على المستوى الكوني.
وبالإضافة إلى دور الإعلام الغربي كوكيل وناطق رسمي باسم مصالح ائتلاف المجمعات الصناعية العسكرية في الغرب وممثليه في الإدارات السياسية، فهو مسؤول بشكل مباشر عن عملية التهميش الفكري للمواطن بحرف نظره عن أي ما قد يومي له بالتفكر بالأسباب الحقيقية لمعاناته اليومية للبقاء على قيد الحياة، وشيطنة كل أولئك «المارقين» الذين يعتقدون بضرورة العمل الجمعي والتعاضد للدفاع عن مصالحهم وعب عيوشية مجتمعهم الذي يحتضر، مخالفين المقولة القدسية في الغرب لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر التي مفادها بأنه «لا وجود لشيء اسمه مجتمع، و أن الوجود الحقيقي فقط هو للأفراد الأحرار»، وهو ما يعني بإسقاطه على الواقع المعاش أن الإنسان يجب أن ينظر إلى نفسه على أنه كائن بيولوجي متوحش يعيش في غابة البقاء فيها للأصلح والأقوى والأكثر فتكاً ودهاءً وخبثاً. وذلك الدور الوظيفي الأخير ينتج عنه عقب تكراره للمتلقي في العالم الغربي على طريقة التنويم المغناطيسي، أو غسيل الدماغ، أفق لا يترك للمتلقي له إلا خيار القبول به للحفاظ على سلامة عقله من الانحدار إلى تهلكه الجنون، فيصبح صدام حسين مسؤولاً عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجيش العراق المحاصر الجريح رابع أقوى جيش في العالم، و«صواريخه الصدئة» أسلحة عابرة للقارات موجهة إلى لندن وواشنطن.
وعلى المستوى العربي، فإن عدوى السعار الإعلامي الهوسي بكل ما قد يقترب قليلاً أو كثيراً من نسق «صناعة الإرهاب» تمثل في الواقع استعارة إخراجية لا بد منها لتورية الواجب الوظيفي للغالبية المطلقة من وسائل الإعلام العربية المسيطر عليها بشكل كلي من قبل الفئات الاستبدادية المسيطرة على المجتمعات العربية وطغمها الحاكمة والمافيات الأمنية النهبوية المتفرعة عنها، و المتمثل بتبرير تبديد الثروات العربية وتحويل كل الفوائض التي راكمها العرب اقتصادياً والتي كان لا بد من استخدامها لأجل تمويل عملية التنمية التي طال انتظارها في المجتمعات العربية إلى شركات صناعة السلاح وما يرتبط بها من تقانات ينتجها ائتلاف المجمعات الصناعية العسكرية التقانية في الغرب.
وأحد أبرز الأمثلة التي تفصح عن ذلك السياق الأخير البائس يكمن في تراجيديات الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الأولى، والثانية، وحرب اليمن بعيد الربيع العربي الذي تم تحويله إلى خريف رمادي بأيادي الطغاة العرب، وتواطؤ قد يرقى إلى سبق الإصرار والترصد من قبل سادة أولئك الأخيرين وأولياء نعمتهم والحفاظ على أنظمتهم من الفناء في الغرب.
وهناك سبب آخر مهم في الاهتمام المنقطع النظير للخطاب السياسي الاستبدادي العربي وتعلقه الطفولي على الطريقة الفرويدية بقدسية خطاب «مكافحة الإرهاب»، إذ يقدم ذلك الأخير مظلة فضفاضة ضبابية تصلح لأن تكون لبوساً ومسوغاً لقمع الحريات، وتهشيم كل أشكال المعارضة والرأي الآخر في المجتمع، والإخفاء القسري لمئات الآلاف من المعارضين، إذ أن كلهم «إرهابيون حلال إفناؤهم من الحياة الدنيا» بقوة التهمة التي تبز كل دفاع قد يثبت بطلانها، فهم «بشر لا قيمة لهم»، وهو ما يعني بأنه لن يتم الحديث عنهم في أي وسيلة من وسائل الإعلام الغربية المتسيدة، فهل يعقل أن يدافع الإعلام الغربي «الحر» عن أولئك «القتلة المجرمين» الذين «لا دية لهم» في قاموس «مكافحة الإرهاب الكوني».
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر