الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الشط واهله ..تدوين جمالي لانسان المكان

ناهضة ستار

2020 / 11 / 29
الادب والفن


(عن الشط وأهله) ..للشاعر العراقي معن غالب سباح
تدوين جمالي لإنسان المكان
شاعرة وناقدة/العراق
تأتي نصوص المكان بوصفها احدى النصيّات الحديثة التي شغلت مكانة ذات قيمة وتأثير ووضوح هوية في المشهد الادبي شعره ونثره ...
ولان المكان هوية ومجموعة سرود وشخصيات و شرايين ذاكرة تمتد في نسيج كينونة دائمة التشكّل والامتداد والتغير بفعل الزمن ومتغيرات قوانين العيش والناس والاحداث ،كان حتما ان يتمثل عالم الابداع الشعري هذه الثيمة عبر ممارسات فنية وجمالية ومضمونية تختلف بحسب وجهة النظر التي يتبناها كل شاعر ،فمنهم من يلتقط مشهد الامكنة بوجودها الانثروبولوجي او الجغرافي البيئي او البشري او الثقافي او النفسي العلائقي، وقد يكون بكلها معا عبر حركية زمكانية –بشرية تصور مشهدية مكانية وجودية لا يمكن- بحال- فصل مكوّن عن غيره ضمن هذه الحركية التفاعلية في مجتمع المكان المقصود ..
المكان خبرات و ذاكرات و حكايا فيها الواقع والايهام يتبادلان الادوار و التقمص ..والذاكرة دراما احداث و شخوص ومرويات ووجوه لم يبق من رونقها غير موقف وحكاية و طعم وجودي يكثف ثيمة الحياة كلها فيه ..فلا يكتمل المشهد من دون احد منها ،وما يقدمه الشعر من ترجمة لغوية لصورة المكان واهله هو اعادة احياء وقراءة للحاضر قبل ان يكون قراءة واستذكارا لصورة الماضي,,
من هنا ، نعاين نصوص الشاعر العراقي المعاصر(معن غالب سباح) المعنونة بـ (عن الشط واهله) التي ينشرها تباعا في موقعه الرسمي في (فيسبوك)و قدّم فيها اكثر من جلسة في فضاءات الثقافة العراقية ،وهي مجموعة نصوص وصل عددها الى (50) قصيدة .
تمركزت ثيمتها المركزية و ثرياها الموضوعية في (مدينته الشامية)قضاء يتوسط محافظتين النجف والديوانية،وهي تدوين جمالي لإنسان المكان ..فنجد عناية لافتة بأبطال واقعيين بسطاء مثل :
(الغريد كاظم الفتلاوي/ وعشاق الشامية العظماء/رواد مقهى علوان عبيد/اصدقاء الماء الصابئة/عمال المسطر/اهل التجنيد/سوق التجار في الشامية/الخياطون/ صانع العقال /ساسون اليهودي/حميد الاعمى الذي يشتغل بالعطارة والاعشاب والاسمدة/السيد صاحب الذي يمثل دور الحسين في تشابيه عاشوراء/صانع المسحاة والربد الاداتان المهمتان في زراعة العنبر / الخطاطون/ حكيم الطب العربي/ الخرسان/يهود الشامية/ اللصوص الشرفاء الذين لا يسرقون بيتا يكون الوالد فيه مسافرا ...وغيرهم ) من ابطال واقعيين يمثلون التاريخ الافقي البشري للمدينة وليس تاريخ السلطات الذي اعتادته مناهج التاليف التاريخي في كتبه ومصنفاته التي توثق للسلاطين والامراء والحروب.. وهو في جميع شعوب الارض .
التاريخ هنا –شعريا- ارشفة وتوثيق لهاجس الفرد و نبض الكارزمات الشعبية المحلية النابضة بالمعنى حفرت وجودها الانساني والاخلاقي والقيمي الخاص في ذاكرة الناس والمكان والزمن , وبين الذاكرة والمكان والانسان منظومة علائق متشابكة يحتويها جسد القصيدة بنسيج جمالي اختار الشاعر له شكل (قصيدة النثر)اداة مطواع لهذا النبض تتحرى تفاصيل الذاكرة و منمنماتها و زخارفها بحرية و عفوية و مساحة للتناصات و التدوينات.
ثمة مفاتيح نحاور بها ثيمة الانسان والمكان في نصوص الشط واهله ، منها :
1- ماذا تقدم لنا هذه النصية (الانسانـ - مكانية)على الصعيد الشعري والجمالي والثقافي التدويني؟
2- هل بالامكان ان تتجاوز هذه النصوص المقتصرة على مدينة عراقية صغيرة ،قشرةَ التسجيل الواقعي للانسان ومكانه وصولا الى تشكيل رؤية للعالم؟
3- ما الابعاد الممكنة لإنسان المكان في هذه النصوص الخمسين؟
4- ما علاقة انسان المكان والتعبير الجمالي عن تفاصيله بـ الاشتغال الرمزي ونقد الواقع عير متبنيات رؤية (مافوق – خطابية) ؟
5- اعادة المركزية لهوامش انسانية ، حين يقدم النص (الهوامش) بوصفها(متونا و مركزيات) على التضاد مع منطق الواقع القامع حين يهمش بعض النماذج البشرية لاسباب خلقية او اثنية او اومهنية او غير ذلك ..ويقد كشفا لدلالة مغايرة فيصبح النص خالقا لحالة توازن وتعديل مسار ضد المجتمع واحكامه القامعة ..
عندئذ يكون (الشعري/الجمالي الخاص) بديلا ثقافيا عن (الواقعي التاريخي المعتاد والعام)...
6- هل تقدم لنا هذه النصية فهما افقيا للاجناس الادبية ؟ بحيث تتحاور الاجناس الادبية في نص واحد بين الشعر والسرد و المسرح و التشكيل ..
وثمة اسئلة اخرى يمكن لذائقة استثنائية ان تجري حفرياتها في خطاب (مابعد كولينيالي) للكشف عن مستويات من الفهم والتفاعل بين النص واقعا ،و النص جمالا تعبيريا مغايرا.
تمنحنا هذه النصية التاريخية /الجمالية/ الشعرية للمكان وانسانه قيمة واضاءة لعالم لو لم يسجله الشاعر لذهب واندثر مع اخر تلافيف ذاكرة تحمله من الاحياء وحكاوي الجدات في ليالي الشتاء ..
من هنا ، تمكن الشعر من الامساك باللحظة التاريخية ومنح المكان قيمة شعرية، واعادة انتاج ما عرفه عن المكان واهله، و ما استوحاه منه عبر سيناريو شعري و دراما شعرية تلتقي وتتحاور فيها تخوم الخيال مع الواقع في جدل يتوالد لا يخلو من ايهام وتعدد قراءات و موقف منحاز للمكان واهله من لدن الشاعر ..
ويمكن في خلال ذلك كشف ابعاد كثيرة لإنسان المكان في النصوص الخمسين ومنها :
ابعاد اجتماعية وسياسية
وابعاد ثقافية انثروبولوجية
و غيرها من ابعاد عميقة التاثير والدلالة في ذات المتلقي بفضل ذكاء الالتقاط عند الشاعر حين يخلق ذلك الايهام اللذيذ في ان مايتحدث عنه من اناس وامكنة هي ذاتها التي تُستثار في ذهنية المتلقي فيستحضر من مكنوناته شبيهاتها الحبيبات الى وعيه ووجوده وذاكرته ..وهذا ملمح امتاعي جميل يؤسسه الشعر لجانب من التلقي .
وللمكان (دراما) خاصة به ،لايحضر المكان الا و دراما الشخوص والاحداث والتفاصيل الصغيرة تحضر لزاما على مسرح النص ..فيتخلق ذلك (المُحْتَرف)التفاعلي بينهما من خلال سكب الضوء على التفاصيل الدقيقة الصغيرة والملامح والتغضنات و الاشارات و اللواعج الكامنة .
كما للمكان بُعد (تشكيلي) فني ، فالشعر يرسم انا صورة ناطقة باللغة والتعبيرات والاساليب والبلاغة ،بينما التشكيل فن يحاكي الشعر لكن بالالوان والضوء وهندسة فضاء اللوحة و ممكنات التجسيد ..
ولعل في فحص هذه الابعاد تتكشف لنا فلسفة نفسية لا تخلو من (نقد) شديد للواقع الان واشارات رمزية دالة الى الزمن المعاصر ..
وكأنه يخاطب الحاضر من خلال الماضي ...
لان الحاضر افتقد او -اوشك- روعة القيم السالفة – كما يرى الشاعر- و بياض الحيوات التي تبدت في جنبات السرد حين عرض النماذج الانسانية في النصوص الخمسين.
ان ارشفة انسان المكان تمنح المتلقي معجما من المفردات والالفاظ واللغات واللهجات والاستعمالات اللغوية ذات النكهة البيئية المخصوصة و اسماء المهن و الشخوص و الديانات .. يتحدث بلسانهم مرة و اخرى راويا عليما يقود السرد بطلاقة تعبيرية محببة رائقة , فضلا عن الامثال الشعبية و الاغاني و الاهازيج و غيرها من نصيات شفاهية ..
من امثلة ذلك :
1- اما انت ايها الهزار /فلك/ النخيل/ والاشجار وقلوب المحبين
يارب الآيويييييلي / آآآيويييييييلي
الحنجرة بيت الشجن . ( من نص الغرّيد)
2- العشاق الشاميون /شعراء/ فنانون/ بسطاء/ تحبهم الشوارع/ التي تقابل ابواب الحبيبات/حيث الزمن المتوقف . ( من نص عشاق الشامية)
3- اصدقاء الماء /غالب شيلان الصابئي
(بشميهون ادهي ربي)
(وعين الماء الجاري)
(تذكار ابو الهريس ) (من نص اصدقاء الماء)
4- التصويتات التي ذكرها الشاعر عن (الخرسان) و لكنتهم الخاصة حين ينادي الاخرس على قاسم فيقول (قاتم) و غير ذلك من توثيق للتفاصيل.
نترك للقارئ تذوقه الخاص عند قراءة النصوص ، ولعل في الكم الذي تحمله هذه النصوص من صدق و عفوية من اجلى ملامح الكتابة في فن قد ذاب في ذائقة المبدع و ذهنه و ذاكرته و هويته، و هذا من مميزات الكتابة الناجحة في المكان واهله ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا