الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قالت اليمامة

البتول المحجوب

2006 / 7 / 15
الادب والفن


المقبرة موحشة ذاك الصباح، شعرت ببرودة التربة، تمشي حافية بين القبور..تنظر بحسرة
تقرأ أسماء كتبت من زمان على قبور منسية وأخرى حديثة الكتابة، تترحم بصوت خافت ،تتابع سيرها نحو قبره، يرقد بهدوء بعد أن كان ممتلئا بالحياة.. تتذكر بسمته المشرقة، طيبوبته، أنفته،حبه الكبير،صدره العريض وهو يضم رأسها الصغير إليه ،يربت عليه،لتطمئن نفسها،تتذكر حضنه الدافئ مؤلم رحيلك.. تتمتم البقاء لله، تتساقط دموع على خدها منسابة، تمسك إناء الماء ترش على زهرة برية نبتت على القبر عّلها تنمو، تجلس أصابعها تتشابك فوق ركبتيها تحدثه قائلة:اسمع "م"أصبحت تتقن لهجتنا أم الصغيرة"ل"تظن أنك في سفر طويل، تسأل عنك بإلحاح..تبتسم بسمتك المعهودة ، أمر أخر؟ لكنه محزن ،عمتي الطيبة رحلت لاتحمل معها إلا زاد التقوى..الوطن..؟لازال مدفونا في رمال الصحراء ..العالم..؟ لاتسأل دما ودمارا..، لاتسأل عن شيء، زمن الهزيمة والخذلان هذا ...الأمطار..؟ الحمد لله تهاطلت بغزارة، الحرث..؟ لا، لم نحرث هذه السنة أصرت الأم أن تمنح الأرض إكراما لمثوى صاحبها....تصمت لحظة ثم تتابع حديثها:
غرفتك أرتبها كل يوم، أشم رائحة عطرك في أرجائها..مذياعك لازال على الموجة التي كنت تنام على سماعها..جرائدك، كتبك، نظارتك الطبية، علبة سجائرك تنقصها سيجارتك الأخيرة، أنام أحيانا في غرفتك بحثا عنك...تصمت،ترفع رأسها عن ركبتيها ،تبلع ريقها تشعر بغصة وهي
تتذكر بيتا للخنساء:
فيا لهفي عليه،ولهف نفسي أيصبح في الضريح وفيه يمسي.
تحس بروحه الجميلة مابك..؟المرارة والغصة تخنق صوتك الطفو لي.. ماالذي حدث..؟
الغصة كبرت من يوم الجمعة الحزين، اليوم العاصف بعيد أنت لم تشاهد كيف انتزعوه منا.؟ أشعر أن الزمن يسخر مني..؟لم أبكه بعد ..؟ولم أعزى فيه..؟ يريدونني أن أصالح، من أصالح..؟يعتذرون بكلمات عن اختطافه فجر الجمعة العاصف..؟ببساطة يلقون في وجهي بخبر بسيط :
قبره وجد منسيا في" قلعة جحيم مكونة". بعد أن لفظ أنفاسه في غياهب الظلام..كيف بالله عرفوا قبره..؟لا أصدق أنا أعي كيف وري جثمانه الثرى تحت جنح الظلام خوفا..القتلة جبناء يتسللون تحت غطاء الظلام ..ألم يطمسوا معالم قبره ليلتها دون ترك أثر لأقدامهم القذرة..؟ تراودني رغبة في الذهاب لقلاع الجحيم المرعبة أحمل بعضا من تربة مدينة الوجع،مدينة الألم والحب ،مدينة عشقها رغم الجراح وأورثني عشقها، مدينة بكته بحرقة وألم، مدينة تفتقده شوارعها البسيطة ،مدينة توشحت سوادا على انتزاعه من حضنها ذات فجر ضبابي القسمات ، سآخذ بعضا من ماء أبار "طنطان" العذب،ماء طالما روى ظمأه..أتعرفا انه لفظ أنفاسه دون جرعة ماء في لحظته الأخيرة..؟تبا لهم يطلب جرعة ماء ولا يجدها..؟ الحرقة في القلب عليه تزداد اشتعالا،الدمعة أقسمت لن تقبّل الخد الشاحب حتى ترى جلاديه يعانون معاناته،البسمة المشرقة غابت عن الشفاه،سنين العمر احترقت بحثا عن حقيقة اغتيلت في مهدها..تأكد لن أسامح،لن أصالح، لن أغفر حرماني منه،لن أغفر كيف أرغموني أن أكبر قبل الأوان،وأرغموه أن يقول وداعا ذاك الفجر الضبابي وهو يكره الوداع ،لم يتركوا لذاكرة طفلة صغيرة غير صورة يدين مكبلتين وعينين بنيتين تحجب عصابة بريقهما أمام أعين بريئة ..لن أسامح أبدا و لن أصالح...بل أقول لهم ماقالت اليمامة يوما:"أريد أبــــــــي حيــــــــــــا"

البتول المحجوب- طنطان-المغرب
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل