الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم يكتفي بملامستها بل كانت لصيقة حذائه ...

مروان صباح

2020 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


/ تابعت ببالغ الاهتمام أغلب التعليقات الكونية حول وفاة دييغو ارماندو مارادونا 1960م-2020م ، إستوقفتني تلك التغريدات والبوستات التى كتبت على وجه الخصوص من جيل لم يشهد المعجزات الكروية التى صنعها في الملاعب عندما كان يقرأ خصمه أو خصومه بطريقة خاصة ، لم يسبق لأحد أن قرائها على هذا النحو ، بل بصراحة أوضح ، أثناء وجوده في الملعب ، يتحول جميع من في الملعب إلى متفرجين وبالتالي ، يفقدون الفعل تماماً في حضور الفاعل ، وهذا ايضاً جعله وبالرغم من الأزمات التى تعرض لها أو مرحلة اعتزاله المبكر ، أن يخرج من هذه الدنيا من باب الكِبار ، وقد تكون مقولة علي بن ابي طالب لعمر بن الخطاب ، لقد أتعبت من سيأتي بعدك ، تصلح مع أمثال مارادونا ، لأن بالفعل من الصعب لشخص غيره ، أن يخيط كرة القدم بحذائه .

بدايةً ، شخصياً أسجل إعتراف أولي ، إن خبرتي في أرض الملاعب لابأس بها ، لكنها ليست كافية في خباباً تلك المجماعات الكبيرة التى تدار بها سياسات الأندية والتى يكثر بها الغلط حول المنافع أو الكسب غير مشروع والفساد ، لكن من فينا لا يذكر تلك الواقعة الكروية التى ابتكرها ذات يوم مارادونا عندما تجاوز حارس مرمى ريال مدريد اجوستين الشهير ، والذي عُرف الأخير برصانته بين العمودين وقدرته الفائقة على مواجهة المهاجم والتصدي للكرات البعيدة أو القريبة ، لقد تجاوزه بتجاوز فريد ومن ثم وقف ينتظر المدافع خوان خوسيه ، لكي يقول للعالم ، سأسجل هدفي بعد مراوغة الدفاع ، ولكي لا أترك للمحليين الرياضيين أن يقولون ، بأنه استفرد بالحارس ، بل كيف للمرء نسيان تلك الرفسة التاريخية التى رفسها في مبارايات كأس العالم التى تسببت بطرده ، أو ايضاً رقصته في روسيا عندما تأهلت الأرجنتين أو هدفه الخرافي مع إنجلترا عندما راوغ نصف المنتخب وسجل الهدف ، أعتبر آنذاك وحتى الآن أفضل الأهداف التى دخلت شباك المرمى ، وهذا فتح باب ثقيل عليه ، منذ تلك اللحظة تحركت نزعة الانتقام لدى اللاعبين ، التى حولته إلى هدف للضربات العنيفة وعكست الإصابات سلباً على نفسيته ، بل كانت الدافع في وراء انتقاله من إسبانيا إلى إيطالي ليلتحق مع نادي نابولي ، ولأن مارادونا حقق ما لا يحققه غيره ، أخذت إدارة نابولي قرار تاريخي هو الأول من نوعه ، لقد حذفت رقم عشرة (10) من قمصان فريقها ، تقديراً على ما قدمه لكرة القدم ، بل كل من لعب معهم وفي مقدمتهم نادي برشلونة ، عضوا لاحقاً على أصابهم ندماً كونهم تخلوا عنه ، وبالفعل مع نادي نابولي ظهرت موهبته وبات لا يكترث إلى هم النجومية بل تحول العالم محتار بماذا يصنفه ، يركضون وراءه وهو كالصاروخ يخترق السماء ، وهذا جعل من الجماهير نابولي أو المنتخب الأرجنتيني أو البشرية جمعاء ، تتسامح وتتناسى سريعاً لإخفاقاته مع المخدرات أو السمنة أو الغرسطة ، ولأن ايضاً كرة القدم هي كرة القدم ، كما أشار الشاعر درويش عن أمه ، أمي هي أمي التى تربينا عليها منذ الطفولة ، أمام الشاشات أو في الحواري ، الخاطفة والمتفردة والقادرة على صنع الجنون الفردي والجماعي معاً ، مُنقطة النظير ، متجاوزة الحدود ، عابرة الهويات ، فهي جنون كوني ، وهذا شهده المراقب في كل مرة يعود ببطولة على المستوى الأندية أو العالم ، تتقاطر الجماهير إلى الشوارع والميادين الكبرى ، احتفالاً بالنصر الذي حققه دون التوقف أو مراجعة إخفاقاته ، فالعفو معه دائماً جائزً وممكنً ، لكن في المجال السياسي أو العسكري غير ممكن ، لهذا كان من الصعب لسياسي أو عسكري أو اقتصادي أو فنان أن ينافسه ، ابداً .

بالتأكيد ، لكي يصل إلى ذلك الموقع الكوني الذي حظيى به ، كان لابد لكرة القدم أن تكون شيء هستيري له ، وهذا دونته سجلات دفاتر الأرجنتين ، عندما أُستبعد أول مرة من نهائيات كأس العالم عام 1978م ، لصغر سنه أياماتها ، بكى مارادونا بكاءً شديداً ، كالأطفال ، لهذا لم يكن اعتزاله أو تركه لأضواء الكاميرات وجلجلة المدرجات أمر عادي ، يمكن التنازل عنهما بهذه سهولة ، ولأن شخصيته مركبة ، بدأ على الفور كما تبدأ أي شخصية أخرى ،تطرح تساؤل على ذاتها ، كيف يمكن البقاء ، ولهذا كما اثار الصخب في الملاعب ، بدأ بطرح آراءه السياسة ومواقفه التى تدلل انحيازه للمربع الشيوعي اللاتيني ، ضد مخطط وعملية النمس الشهيرة( الامريكية ) ، أو من خلال مقاومته للإدمان في كوبا التى جميعها جعلته حاضر بين العدسات والسجالات الصحافيين ، فكرة القدم بالنسبة لأمريكا اللاتينية تعتبر من الأشياء المقدسة التى سهلت له اولاً التعرف على الرئيس الكوبي كاسترو وثانياً ، تحول مارادونا إلى مذهب اعتناقي من قبل مجموعات منتشرة ، بل انتشرت الكنائس التى تتبع مذهبه ، ولأن ايضاً كاسترو امتاز بعلاقته مع العديد من المبدعين ، لم تقتصر علاقته على مارادونا . بل قبل ذلك ، كانت نشأت بينه وبين الكاتب الأمريكي ارنست هيمينجواي علاقة دافئة وصلت لدرجة الثقة العميقة ، فارنست بات لا يحلو له النشر الكتاب قبل أن يمرره لكاسترو ، ايضاً هذا حصل مع الكاتب غابرييل ماركيز ، بعد عدة مقالات كتبها عن كوبا وأبدى إعجابه بالنموذج الشيوعي الكوبي ، ومن ثم طالب بضرورة نشر التجربة الكوبية في كافة أراضي امريكا اللاتينية ، بدأ يلفت الكاتب انتباه كاسترو ، على الرغم أن الحركة الثقافية التى سميت بالرومانسية كانت قد بدأت تبتعد عن كوبا بسبب اعتقال كاسترو للشاعر هييرتو باديلا عام 1968م ، وبالتالي كل من أنسجم مع كاسترو لاحقاً ، أتفق مع ديكتاتوريته ، وهذا ظهر بشكل فاضح عندما صفع مارادونا أحد الصحفين على وجهه أمام الناس ، بل في تاريخ حكم كاسترو لكوبا ، لم يتحمل أي معارض حقيقي حتى رفيقه الأقرب أرنيستو تشي شكل فرار منه ، مثله كمثل أي زعيم أخر في العالم الثالث ، لهذا وجد في مارادونا بالابن المطيع ، الذي عزز مجده ، كما ووصفه الابن عند مماته بالاب الثاني ، ووفاته كانت ضربة تنس في الصدر .

لا ينفع فقط أن يكون المبدع مبدعاً ، أو لديه القدرة على مراوغة نصف الملعب أو قدرته على التشقلب كما كان دييغو قصير القامة ( 165 م) ، يصنع بعد كل هدف يحققه في شباك الآخر ، وهذا هو الفارق بين الديكتاتور الاب العارف والديكتاتور الصديق الجاهل ، لقد صادق اسكوبار الكولومبي مارادونا ، فكانت النتيجة رميه في وحل الكوكائين ، وتبنى كاسترو الكوبي الأرجنتيني مارادونا ، فنشله جسدياً من سموم الكوكائين ، لكن أخفق في إعادة تكوينه بنيوياً كما فعل اسكوبار بتدميره .

إذن ، من باطن الجوهري الفكري الذي يدعوننا له العقل ، نقول ، هؤلاء الذين يغرقون بالمخدرات ، بالإضافة لإصابتهم بالإدمان ، يصابون بالأعراض الاشتباك الذواتي ( التوحد ) فهو صحيح يُبدع في مجال ، لكنه يفشل في تكرار الإبداع في أماكن أخرى ، لأنه حبيس الأولى ، تماماً كالذي يخفق في ادارة عائلته أو إقامة علاقة متوازنة ، ندية ، مع الآخر ، باستثناء علاقته مع الضعيف التى تختصر على قمعها أو علاقته بالقوي التى تسلبه الندية ، وهذا في المحصلة ، لا يبطل حقيقة ختامية ، لقد أبدع في الملاعب وأسعد الناس قاطبةً ، وتعاطى المخدرات بأنواعها وبشتى الوسائل سواء بالشم أو الحقن أو التدخين ، ونجهل تماماً إذ وصلت الأمور إلى تعاطيها كتحاميل ، وربما المدهش أكثر ، وبالرغم من معرفة الجميع لإدمانه وتعاطيه المخدرات ، ولكي تتحول الفضيحة بجلاجل بعد ما كانت الفضيحة على المستوى الناس العاديين ، كانوا الرؤساء والمشاهير يتدافعون بالجلوس معه من أجل إلتقاط صورة . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. مفاجآت الجولة الثانية!


.. غداة الانتخابات التشريعية.. رئيس الوزراء الفرنسي أتال يقدم ا




.. رغم إصراره.. اجتماع لكبار الديمقراطيين لبحث مستقبل بايدن


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - أبو عبيدة: عززنا القدرات الدفاعية




.. رئيس الوزراء الفرنسي أتال يعلن تقديم استقالته لرئيس الجمهوري