الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برقية عاجلة إلى مغاربة تندوف

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2020 / 12 / 1
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


مرت عدة أيام منذ إعلان جبهة البوليساريو, الخروج من إتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع المغرب سنة 1991م , فدخلت كل الأطراف المعنية و التي لها مصالحها الجيوسياسية و الجيواستراتجية في اللعبة السياسية ,التي هي فاتحة عهد لتنفيذ مخططات لتصفية الوحدة العربية و تمزيق النسيج المغاربي, و ليس إنهاء مخلفات الإستعمار الجغرافية . فمن المتجاوز الحديث عن إستعمار مغربي للصحراء لأسانيد تاريخية و أثنولوجية تؤصل للتاريخ و المصير المشتركين .
ملف الصحراء غدا ذو أهمية كبيرة لجميع الأطراف, و نظرا لحساسيته المفرطة ارتأينا الحديث حوله بلغة رصينة لا تمس جوهر الأطروحات المعروضة , رغم أن رأينا في المسألة يتوسط النظرية الثورية اليسارية للتندوفيين, و الموقف المغربي المحافظ الذي يتمسك بأطروحة الحكم الذاتي كحل سياسي نهائي للقضية ,التي تحمل في طياتها تعقيدات جمة و تستبطن إشكالات متعددة الجوانب ,تحول دون بسط رؤية واضحة لمستقبل العلاقات الأخوية بين المغرب و الجزائر و مغاربة تندوف كمكون بشري مغاربي .
من الواضح أن توافد عشرات من الصحراويين و الإعتصام عند معبر الكركرات تزامنا مع نهاية المدة المحددة لبعثة المينورسو؛ و التي تم تجديدها لسنة إضافية , كانت ترمي بالأساس إلى لفت أنظار المنتظم الدولي, و التأكيد على وجود قضية اَنية يتعين إيجاد تسوية أممية لها في الأفق القريب , نظرا للظروف المعيشية الصعبة في المخيمات ,حيث ظل التندوفيون مشدودين إلى أرضية الثورة و النضال رافضين الحياة وسط المجال الحضري داخل الجزائر , فهم يعتبرون أن الخيمة و الصحراء رمزان لديمومة الثورة فكريا و ميدانيا . الاَلة الإعلامية المغربية اعتبرت أن إبعاد العشرات من الصحراويين المدنيين – مع الأخد بعين الإعتبار وجود عناصر متخفية من المخابرات – عدد منهم من النساء , هو انتصار عسكري ميداني على جبهة البوليساريو و هذا إدعاء غلط , لأن الجيش المغربي لم يواجه البوليساريو من مسافة صفر , و
إنما ظلت الحرب تقتصر على بعض عمليات القصف المحدودة و بعض المناورات بما يشبه تدريبا مشتركا أو استعراضا عسكريا أو محاكاة للحرب , بهدف استنفار وحدات الجيش و الرفع من جاهزيتها و إختبار و إصلاح العتاد العسكري .
الإعلام المغربي تناول الموضوع بصورة تنم على أن الأوضاع تحت السيطرة , حيث قام عدد من أمناء الأحزاب السياسية بمعية رئيس الحكومة و فعاليات صحراوية بزيارة ميدانية إلى معبر الكركرات , و هي خطوة مهمة لإستتباب الأمن النفسي الداخلي و الحفاظ على قيمة العملة المغربية و الاقتصاد الوطني في معدلاته الحالية . إن ما يجب أن يدركه التندوفيون أن الرباط تعاملت بمنتهى اللباقة و الإحترام مع إستفزازات الطرف الثاني , الذي أراد إدخال الصحراويين في حرب غير متكافئة خدمة لأجندات خارجية تبتغي الوصول إلى المحيط الأطلسي أو تهديد السلم و الأمن المغاربي و فتح المجال أمام الجماعات الإرهابية عطفا على تجارة السلاح و المخدرات و التجارة بالبشر , و هذا ما يظهر من خلال البلاغات العسكرية المتوالية الصادرة عن الأمانة العامة للجبهة الشعبية و الإعلام الجزائري كما يجسده الصحفي السعيد بن سديرة الذي يبالغ في حدة الأحداث الواقعة كما لو أنه يريدها حربا شاملة و هو الذي ينأى بنفسه و يستمتع في المملكة البريطانية . و حتى لا يقع أحد في فهم غير سياقي ينسف البنية الفكرية المؤطرة للموضوع , فنحن لا ندافع عن أطروحة بعينها كما لا نستهدف شخصا أو كيانا بنفسه , فمن المنطقي أن يوجد أشخاص ذاتيون و معنويون يدافعون عن أطروحات معينة إما بدافع وطني أو مهني أو توظيفي , و هذا مفهوم في المرجعيات التنظيمية في جميع الدول .
فالموقف الجزائري يبدو أنه مع تصعيد الأحداث على الأقل إعلاميا , لأننا شاهدنا غيابا تاما للدبلوماسية الجزائرية لتخفيض منسوب التوتر بإستثناء بعض الخرجات الهامشية , في المقابل كانت تحركات الرباط تنحو في اتجاه تفعيل كل السبل السياسية ,و هذا ما تجلى من خلال زيارة الملك المغربي إلى نواكشوط و اتصالاته مع الأمين العام للأمم المتحدة و القادة و الدبوماسيين الغربيين . في الجانب الاَخر لاحظنا أن البريتوريانية في الجزائر و الغيفارية في تندوف كانتا تؤججان الأحداث و تحاولان التسريع من وتيرتها , في الوقت الذي يغيب فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن المشهد العام و تضارب الأخبار حول مرضه أو عجزه عن أداء واجباته, حيث تعدت مدة غيابه أزيد من 45 يوم و هي المدة المحددة لإعلان شغور منصب الرئيس حسب المادة 94 من الدستور الجزائري . كما تشهد البلاد احتجاجات داخلية و صراعا على السلطة و النفوذ , ينضاف لذلك التهديد الإقليمي الذي تمثله الجماعات المسلحة التي تنتشر في ليبيا و جنوب الصحراء .
إن الحرب هي إختيار و ليس قرار , لأن الإختيارات كثيرة و متاحة , في حين أن القرار هو انتقاء للحل الأخير الذي يدور في فلك المتعدد و الممكن , و لا يمكن اعتبار الأشخاص أو الجهات التي تطرح قرارا الحرب سوى جهات عميلة و طابورا خامسا أو أشخاصا عسكريين لا يملكون الثقافة السياسية الكافية لتدبير الأوضاع .
فمن الناحية العسكرية لا تستطيع البوليساريو خوض حرب نظامية ضد المغرب للفرق الكبير في عدد الجنود و العتاد , و تبعا لذلك ستخوض حرب عصابات بمدلولاتها و عناصرها و بنيتها الخاصة, ما يعني حربا طويلة الأمد , لكن البوليساريو ستدعم من قبل جنرالات الجزائر و الدعم الروسي الذي سيختلف شكله حسب الظروف الجيوسياسية و الجيواستراتجية . فأي دعم أميركي مباشر و ميداني للمغرب على أرض المعركة سيقابل بتدخل عسكري روسي و بالتالي بروز قندهار مغاربية جديدة , كما هي ماَلات صراع النفوذ بين موسكو و واشنطن دائما .
صحيح أن هناك مؤامرات تحاك ضد الجزائر في الخفاء , و المغرب ليس استثناءا من ذلك كما سبق أن تطرق لذلك الكاتب و الصحفي عبد الباري عطوان كرجل صادق و محايد سبق أن حصل على جائزة التواصل الثقافي شمال- جنوب سنة 2003 و التي أسسها البروفيسور المهدي المنجرة رحمه الله , فالمسألة ترتبط بترتيب الأدوار فقط . فالرهان اليوم على وحدة الشعوب العربية عبر إقامة جسور التواصل و الحوار و تبني لغة التفاهم و النقاش بعيدا عن الغوغائية و التحامل . فلا مناص من تحكيم الفكرانية و العقلانية لدراسة الحاضر بتراكماته السياسية و العسكرية و الاقتصادية , حتى ندرك أن الصدفة منعدمة و كل الأمور مدبرة سلفا . بعد أيام قليلة إذن من تفعيل لغة الحرب الإعلامية بين المغرب و البوليساريو سارعت دول خليجية و عربية إلى فتح قنصليات لها بمدينة العيون جنوب المغرب , في غياب أي جالية لها في تلك المناطق و ذلك محاباة للرباط . قد يبدو الأمر دعما مباشرا للمغرب في قضيته , لكن التحليل العقلاني يفرض منهجية مركبة لا تقبل الرد أو السرد البسيط المألوف و المبتذل . فأبو ظبي كانت و ربما مازالت على خلاف مع الرباط ,و كان الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإماراتية يقسم خريطة المغرب , كما أن الدول التي هبَّت إلى فتح تمثيلياتها الدبلوماسية في العيون هي أطراف رئيسية في صفقة القرن . إن الأمر يتعلق بحسابات سياسية و نؤكد على أن الحل الأممي يخضع للبرغماتية و الميكافيلية و المصلحة المحضة .
و تأسيسا عليه فإنه لا يجب وضع كل القرارت الوطنية و الدولية و العروض الإعلامية و الخرجات الشعبوية في محل الثقة المطلقة , تجنبا للسقوط في المعكوس التاجي و اللإستدلال بالقياس أو تأثير ووزل , لأنها تحمل مضامين تضليلية و نفعية للجهة المصدرة لها . إنها حرب سيميانتيكية و إعلامية وجب التمترس منها و القيام بحملة مضادة ,حفاظا على وحدة الشعوب المغاربية , إلا أن المظاهرات الأخيرة في باريس و التي عرفت اصطداما بين بعض الصحراويين و المغاربة دليل على اللامعيارية و نتيجة للتحريض الإعلامي المتواصل ضد الطرف الثاني . فكثير من الخرجات التي قام بها أفراد من كلا الجانبين هي تشبيح و استرزاق و بلطجة لأنها بعيدة عن الصواب السياسي . نعم , نحترم مواقف الأشخاص المثقفين و المفكرين الذين يدافعون عن وجهة نظرهم و ينصارون أطروحتهم , أما الأشخاص الذين يريدون إثارة الفتنة و النعرات و يهددون بالأسلحة فلا يعدو الأمر كونهم قطيعا من المهجَّنين الذين يجهلون تبعات الحرب الشاملة و المباشرة . فالتهديد شيئ و الحرب شيئ اَخر لا يصمد فيها إلا المحصنون ضد الدعاية و المتمكنون من التحكم في التأثير الإنفعالي .
يمكن أن نجلي بعض ملامح مستقبل القضية الصحرواية, حيث نعتبر مقترح الحكم الذاتي الداخلي رافعة مهمة للتسوية السياسية , خصوصا ان المغرب اعتمد الجهوية الموسعة و التنظيم اللامركزي , و بالتالي فالصحراويون يملكون اليوم الفرصة للإندماج في وطنهم الأصلي وفق نظام لا مركزي يملكون فيه استقلالية و صلاحيات واسعة .
لقد حاولنا الحديث عن الموضوع بحيادية و حذر تجنبا لفهم غير سياقي , فنحن نعرف أن سكان تندوف مغاربة وضعتهم الظروف بين أيدي غير اَمنة , لكن بالمقابل لا ننكر أخطاء المقاربة الأمنية التي نهجها المغرب, و التي أحدثت شرخا نفسيا في علاقة الصحراويين ببلدهم المغرب , كما حدث مع الريف , و هي أخطاء ترتكب في زمن الشبكة و الأنترنيت و التواصل اللحظي الأفقي , و هذا ما يجب أن ينتبه له المغرب .
بناء عليه فالجزائر مطالبة اليوم بالقيام بما يضمن استتباب الأمن ,لمواجهة تحديات المرحلة الاَنية التي تتسم بالتاَمر و التواطئ و الجريمة المنظمة و الإرهاب . أما المغرب فيجب أن يعمل في أسرع وقت و قبل شهر أكتوبر من سنة 2021 م , على إخراج مضامين الحكم الذاتي لتوضيح تفاصيله و نقاطه ,في كتاب يكون المرجع الفكري و الركيزة العلمية و الأرضية لأي نقاش و دياليكيتية . كما ننصح الرباط بإخراج و وضع رؤية استراتجية لمستقبل الشعب الصحرواي في ظل نظام الحكم الذاتي , حتى نملك الاَلية الملموسة لإقناع الصحراويين بقبول النظام اللامركزي .
إننا ندعو سكان تندوف إلى مراجعة موقفهم الشمولي و الأحادي الشوفيني و تجاوز منطق الحرب التي ليس لها محل في علاقة مغاربة الشمال و الداخل مع مغاربة الجنوب . إذن فالحل السياسي لقضية الصحراء ممكن فقط يجب أن تبذل المينورسو المجهود الأكبر في ذلك , و أن يتم القفز على أطروحات و مواقف الأفراد الذين يستغلون ديمومة الصراع لكسب الأموال الطائلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص