الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من العذاب إلى الخلود

زهير إسماعيل عبدالواحد

2020 / 12 / 1
الادب والفن


غسـان كنفـــاني
من العذاب الى الخلود
ليس المهم أن نستشهد بل المهم أن نصنع باستشهادنا أسطورة في الحياة للأجيال اللاحقه بنا ، لاقتطاف ثمرة الاستشهاد و تحويلها لصالح الشعب والوطن والقضية .
( فالشهادة ليست طريق الفناء و النهاية ، بل هي طريق البقاء والاستمرار و الخلود)
وفق هذا المبدأ عمـــل المناضل العربي الفلســطيني و الكاتب المبدع غسان كنفــاني ، حيث استشهد غسان كنفاني فــي الثامن من شهــر يوليو عام 1972 ، على أرض بيـــروت التـــي أصحب قطعة من لحمــه ودمه ، وبالتحديد على أرض منطقة الحازمية فـــي صباح يوم حار، علــى صعيد الطقس والوضع السياسي .
تطرق الأديب ( حليم بركات) الى ذلك قائلاً : ( غسان ) حلم جميل في ليل عربي حار . يمر الزمان ويظل يتوهج ، يفعل فـــي النفوس ، يوحي ، يشع ، يضيء الزوايا المعتمة فـــي الحياة العربية . يحول الليل الى صباح ، فهو بداية دائمــة .
غسان ظاهــــرة نادرة جــداً . يجمع بين طاقات متعددة ، تتــلاحم وتعمل بـانســجام فــي خــدمة قضية هـــي من أعدل القضــايا و أنبلها على الإطلاق ، أنهــــا قضية تحــــرير الانســـان ، وتحـــريره فـــي فلسطين ، هو تحـــرير الانسان فـــي كل مكان وكــل زمان .
أقبـــل غسان بكل طاقاته ودفعة واحـــدة وبـــأسلوب هادر ، فكـــان ومــا يزال كالنبض والبرق و الرعــد والمـــطر فوق صحـــراء حياتنا.... الرمل يتحــول الى تراب ، والتراب يكتسي بالعشب والزهر ... تطور غسان منذ طفولته في القضية الفلسطينية ، ونضج بفعل نيرانها ، كــل كلمة كتبها كانت توحي لها ومن أجلهـــا .
وكمــــا الشروق يعــني بداية الغروب ، كذلك الغـــروب يعـــني بداية الشروق .
لأنه صنع استشهاده ، سيظل يوحي ويشــع ويفجر ينـــابيع الخلق فـــي حياتنا .وسر عظمتـــه أنه رفض الخضوع واختار الموت طريقاً الى الشمس . ولـــد غسان كنفـــاني فــي مدينة عكا بفلسطين عام 1936 ، فــي تلك السنة العربية التــي شهدت أطول اضراب عربي في التاريخ ضد المستعمر البريطاني وحلفائه الصهاينة . ولـــد من عائلة متوسطة ، وانتقل مع أبـــويه الى يافا ، حيث تلقى دراسته الابتدائية فـــي مدرسة تابعة لإرسالية فرنســـية ، وقبـــل أن يكمـــل عامـــه الثاني عشر ، قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة المدن الفلســـطينية وارتكبت فيهـــا المذابـــح التـــي تقشعر لهـــا الأبدان ، والتــــي تؤكد أن العنصـــرية والاجرام يسري مع الدم فـــي عروق بني صهيون وحلفائه الكبـــار والصغار . فاضطر غسان الى النزوح مع عائلته المكونة من أبــويه وجده وسبعة أشقاء الى جنوب لبنان ، حيث أقاموا هناك فترة قصيرة من الزمن قبـــل أن تنتقل العائلة الى دمشق . فـــي بداية الخمسينات التحق غسان كنفــاني بحـــركة (القوميين العــرب) المنــاهضة لــلإستعمار والاحتلال . وفـــي عام 1953 كتب قصته الأولى وكان اسمها (أنقذتني الصدفة) و أرسلها الى برنامج أسبوعي كانت تبثه اذاعة دمشق تحت اسم (ركن الــطلبة) . وبـــالفعل أذيعت القصــة مساء 24 تشرين الثاني ـ نوفمبر عام 1953 .
ثــم نشر قصته الثـــانية فــي جريــدة (الرأي) عام 1953 بعنــــوان ( شمس جديدة ) التـــي تدور أحداثها حول طفل صغير من غزة . وفــي العام 1956 سافر غسان الى الكويت ليعمل مدرساً للرسم والرياضية فـــي مدارسها الرسمية . وكان في هذه الأثناء يعمـــل في الصحافة ، كمـــا بدأ انتاجه الأدبي فــي الفترة نفسها بالنضوج . وهنــاك ومن خلال مشاهدتـه للصحراء ، ولأبناء شعبه ، وللعلاقات السائدة ، يختزن فــي ذهنه مئات الصور والفواجع الانسانية ، ليستفيد منها بعــد سنوات فـــي روايته الشهيرة (رجال فــي الشمس)والتــي كتبها عام 1963 .
انتقل كنفاني الى بيروت عام 1960 ، حيث عمل محرراََ أدبياََ لجـــريدة (الحــرية). الاسبوعية ، ثم أصبح عام 1963 رئيســـاَ لتحـــرير جريــدة (المحرر).
كمــــا عمـــل فــي جريدة (الأنوار) تحت اسم (فارس فارس) ، وكـــذلك في مجـــلة (الحوادث) حتى عام 1969 ، والتي نشـــر فيها رواية شهيرة بعنــــوان (من قتل ليلى الحايك؟) و (عائد الى حيفا) . ثم أسس مجلة (الهـــدف) الاسبوعية الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده.
يمـثل غســان كنفــاني نموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائــي والقاص والناقد . فكان مبدعاً فــي كتاباته كمـــا كان في حياته ونضاله واستشهاده. وقــد نال سنة 1966 جائزة (أصدقاء الكتاب في لبنان ) لأفضل رواية عن روايته (مــاتبقى لكم).
كمـــا نال جائزة منظمة الصحافيين العالمــية عام 1974 ، ونال جائزة (اللوتس) التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا عام 1975 . وفــي صبـــاح الثامن من يوليو عام 1972 ، وبعـــد دقائق معدودة على خروج غســان كنفاني من منزله فــي الحازمية كعادته الى مركز عمله فــي مجلة (الهدف)وبرفقه (لميس حسين نجم) (ابنة أخته) ، دوى انفجـــار كبـــير اهتــزت له منطقة الحازمية ، وسمع فــي مختلف أنحاء بيروت العاصمة. وتطاير على أثرها غســان كنفاني كمـــا تتطاير الشظايا فــي الفضاء.
استشهد غســـان على أيدي عملاء (اسرائيل) عنــدما زرعوا عبوة ناسفة فــي سيارته الخاصة من نوع (اوبل) ، وهـــي عبارة عن قنبلة بلاستيكية ومعهــا خمسة كليو غرامات من الديناميت انفجـــرت بدورها لتفجر السيارة ومن فيها.
وفـــي هذا الاطار تقول زوجته و رفيقة نضـاله السيدة (آني) : بعـــد دقيقتين من مغادرة غســـان ولميس ، سمعنا انفجاراً رهيباً وتحطمت كــل نوافذ البيت...
نزلت الســـلم راكضة لكي أجـــد البقايا المحترقة لسيارته...وجــدنا لميس على بعد بضعة أمــتار ولم نجد غسان ناديت عليه وثم اكتشفت ساقه اليسرى. وقفت بلا حراك، في حين أخذ فائز(ابنه) يدق رأسه بالحائط، وليلى ابنتنا تصرخ بابا بابا لقد قتلوك ومن الجدير ذكره هنا ، أن المحققين وجدوا الى جانب السيارة المنسوفة ورقة تقول (مع تحيات سفارة اسرائيل- كوبنهاغن) . هذه الورقة لهـــا معــــناها المحدد. وهـــي تكشف عن جانب هام من جوانب نضاله السياسي...فمـــاذا تعني هذه الرسالة الغامضة؟ من المعروف أن غســـان كنفاني كان متزوجاً من فتاة دانماركية اسمهـــا (آني) .
هذه الفتاة كان لها دور كبير في حياة غسان ونضاله السياسي ونشاطه الثــوري . وقـــد اعتمـــد عليها غســــان في توثيق صلاته بكثير من الأوساط الأوروبية...بل اعتمـــد على مساعدتها له في الحصول على كثير من الوثائق المتصلة بواقع العرب في الأرض المحتلة ، هؤلاء الذين كانوا يبلغون أكثر من نصف مليون عربي داخل فلسطين المحتلة قبـــل عام 1967 ، والذين أصبحوا أكثر من مليون ونصف مليون مواطن بعد أن وقعت الضفة الغربية لنهر الأردن تحت سيــــطرة الاحتلال الصهيوني. لذلك فإن هـــذه الورقة التي عثر عليها المحققون بمكان الانفجار تعني اشارة واضحة للدور الذي لعبــه غسان من خلال هذه الزوجة المثقفة الوفـيـــة لزوجهـــــا، ولشعب فلسطين العــربي. وتجدر الاشارة الى أن غسان التقى مـــع (آني)لأول مـــــرة وهي تقوم بزيارة لبعض الدول العربية لإعداد دراسة عن (اللاجئين الفلسطينيين). وقد تعرفت على غسان باعتباره كاتباً فلسطينياً يمكن أن يساعدها في إعداد البحث وتقصي الحقائق... وانتهت هذه المعرفة الى الزواج.
لقـــد أبدت الصحف الصهيــونية ، في الواقع ، اهتمــاماً كبيراً باستشهاد غســـان كنفاني في اليوم الأول لصدورها بعــد الاغتيال. وركز (زئيف شيف) في مقال كتبه في جريدة هآرتس بتاريخ9-7-1972، على علاقة غســـان كنفـــاني بجماعة اليابانيين ، أعضاء الجيش الأحمر الياباني ، الذين قاموا بعملية مطار الـلد،وهم (اوكاموتو)و(اوكاديــرا)و(ياسودا)، حيث استشهد الأخيران ولم يبق سوى (اوكاموتو) الذي اعتقل وعذب حتى قارب الموت ، ولم يطلق سراحه الا منذ فترة قصيـــرة على أثر عملية تبادل لـلأسرى، وجاء الى منطقة البقاع اللبناني. وأضاف (زئيف شيف) قائلاً: بحسب جميع الدلائل كان لكنفاني علاقة مباشرة بعملية تخطيط المذبحة في مطار اللد . وأن المسلحين سيفهمون موت كنفاني على أنه انتقام لمجزرة (اللد) ووصف (زئيف شيف) كنفاني بأنه (الرجل الثالث في المنظمة بعد جورج حبش والدكتور وديع حداد) وأضاف: (بينما كانت هناك حراسة مشــددة على حبش وحداد كان كنفاني مكشوفاً أكثر بسبب مهمته كناطق باسم الجبهة،وكرئيس تحرير لمجلتها (الهدف). ويعتبر مراقبون عسكريون وخبراء بشؤون الفسطينيين مقتل كنفاني أنه ضربة قاسية). وقد أوفدت جريدة هآرتس مراسلها (يهودا آرئيل) الى عكا ونشرت معلومات عن غسان وعن عائلته قبل النزوح.
كمـــا كتبت (دافار) بنفس التأريخ مقالاً أظهرت فيه تشفياً بقتل غسان كنفاني وقالت:(إن مـــوت غسان كنفاني هو ثمرة نشاطه في حياته . إن التحريض على الارهاب وتبريــره هو جزء لا يتجزأ من تدبيره وتنفيذه ولجميع الذين يمارسونه المصير نفسه . إن أولئك الذين يساعدون الارهاب،نهايتهم دفع الثمن بــالعملة نفسها التي جعلوها هم أنفسهم متداولة إن هذا الأمر لا ينطبق فقط على المسلحين من القاعدة الذين يفقدون حياتهم وإنما على الذين يرسلونهم أيضاً والذين يظهرون بمظهر السياسيين والكتاب؟؟)
وكانت معاريف (9/7/1972) قد نشرت بعد العملية الفدائية في مطار اللد مقالاً عن علاقة الجبهة الشعبية بالجيش الأحمر الياباني ونشرت مع المقال صورة ظهرفيها غسان وكتب تحتها (ثوري ياباني) انضم الى الجبهة في لبنان بصحبة غسان كنفاني من زعماء (المخربين) والحقيقة أنه اذا عدنا الى ماكتبه فإننا ندرك بعمق أنه كان على مستوى الخطورة ولو لم يكن كذلك لما اغتيل كان شعاره (الحقيقة للجماهير) لم يخف على رأسه مرة واحدة كما فعل الكثيرون في ايامه ولو خاف على رأسه مرة لمـــا اغتيل أليس هو القائل (نحن الجيل الذي يمهد لجيل الثورة؟) نعم إنه مع الشهداء ،يمثلون جسر العبور من المنفى الى فلسطين انهم جسر الحرية الذي جبل بدم الكرامة والتضحية والشرف والفداء .
والثورة وقودها رجال ( رجال لا حطب...) ومرحى بأمثال هؤلاء الرجال الذين يعرفون كيف يزقمون حب القضية الى أبنائها وأصحابها أولاً وقبـــل كل شيء لكي تدخل بعدئذ كل بيوت الدنيا من الباب الواسع ولكن ، ( الأشخاص يزولون ، والقيادات تتغير وتبقى القضية أكبر من القيادات والأشخاص).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حليم بركات : عالم اجتماع و أستاذ جامعي و روائي سوري
مجلة (الهدف) (الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين).
بيروت- العدد 165.تاريخ 19آب-أغسطس1972.
مجلة (الآداب)(اللبنانية) بيروت. آب - أغسطس 1972 (مقال بقلم رجاء النقاش )
هاني الخير ( يحدثونك عن أنفسهم) الجزء الثالث . دمشق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا