الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاسوس جوناثان بولارد: يهود اميركا وازدواجية الولاء

عصمت منصور

2020 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


جوناثان بولارد: يهود أمريكا وازدواجية الولاء!

يروي الصحفي باراك ربيد واحدة من القصص ألتي تلخص بإيجاز مكثف طبيعة العلاقة المعقدة بين إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة وقضية الجاسوس اليهودي الأمريكي جوناثان بولارد، ومحاولات المزاوجة في الخطاب والسلوك بين كونه بطلا في عين جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، وبين التنصل منه ومن أفعاله أمام الإدارات الأمريكية في ذات الوقت.
يستذكر ربيد في تغريدة له على تويتر بالتزامن مع صدور قرار بانتهاء فترة صلاحية القيود التي فرضتها المحكمة على بولارد، أن نتنياهو وبعد أن أنهى أحد لقاءاته المطولة مع باراك اوباما في البيت الأبيض في العام 2015، عاد واتصل بأحد مستشاري الرئيس اوباما بعد نصف ساعة فقط، وطلب منه أن يبلغ الرئيس الأمريكي طلبا خاصا باسم حكومة إسرائيل بالإفراج عن جوناثان بولارد، ليتمكن بعدها من الخروج إلى الإعلام والتباهي أمام الصحفيين الإسرائيليين انه عاد وكرر طلب حكومة إسرائيل بالإفراج عن بولارد.
إن قضية تجسس واعتقال جوناثان بولارد تشكل واحدة من القضايا التي وضعت سؤال ولاء يهود الولايات المتحدة، الذين يبلغ عددهم اكثر من 5.5 مليون يهودي، ويشغلون مواقع هامة في رأس هرم الدولة ومؤسساتها المختلفة المدنية والأمنية، على المحك، وشكل الوصمة الأكثر احراجا لهم، لدرجة دفعت جاي رود رمان رئيس صندوق رو درمان الذي يدأب على تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى القول عند صدور قرار المحكمة بالأفراج عن بولارد في العام 2015، أن طي هذه الصفحة يعتبر من "أسعد اللحظات" لأنه ينهي الخوف والإحراج الأكبر للمنظمات اليهودية، وأن "يهود الولايات المتحدة تخلصوا من شوكة في حلقهم" وان بإمكانهم الآن تنفس الصعداء.
بولارد: قصة جاسوس
خدم جوناثان بولارد لمدة ست سنوات فقط (79-85) في قسم الإستخبارات التابع للأسطول الأمريكي في واشنطن، بعد أن رفض طلبه الذي تقدم به قبلها بعامين للعمل في الCIA بسبب(شكوك في أمانته)، استطاع خلالها أن يصبح لمدة عام ونصف الجاسوس الأكثر اثارة للجدل في الولايات المتحدة، وذلك ليس بسبب خطورة المعلومات التي نقلها بشكل سري الى دولة اخرى تعتبر الحليف الأقرب للولايات المتحدة وهي إسرائيل، بل بسبب كونه أمريكيا يهوديا تنازعه الانتماء بين بلده الأصلي الذي ينتمي اليه والدولة التي يرتبط بها روحيا وأيديولوجيا، وباعتباره نموذجا مصغرا يعكس العلاقة المركبة بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولد بولارد في العام 1954 في تكساس، وتلقى ثقافة في الأوساط اليهودية وداخل العائلة عززت من ارتباطه بدولة إسرائيل التي زارها وهو في السادسة عشرة من عمره، وانخرط في حركات الشبيبة كما انه تلقى قسطا من تعليمه في معهد فايتسمان.
أهمية هذه الصلة المبكرة بين بولارد وإسرائيل، سيتضح لاحقا أنها كانت أحد الحوافز التي حركته للقيام بما أقدم عليه من تجسس لصالح إسرائيل، حيث قام من موقع دوره كمحلل للمعلومات في الاستخبارات البحرية الامريكية، وهو الدور الذي منحه فرصة الاطلاع على معلومات غاية في السرية والحساسية وتحديدا حول الشرق الأوسط والدول المعادية لإسرائيل بتحفيزه على التجسس ونقل هذه المعلومات لمشغليه في القسم الخاص الذي تم تأسيسه في شقة تابعة لوزارة الدفاع.
تم تجنيد بولارد للعمل لصالح اسرائيل في العام 1984 من قبل الطيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي أفيام سيلع، وهو إحدى الشخصيات التي نسجت حولها هالة من البطولة بسبب مشاركته في قصف المفاعل النووي العراقي في العام 1979، وقد تم اختياره لتحريك عواطف بولارد واثارة انطباعه وجذبه للعمل لصالح الشعب اليهودي في مواجهة الأخطار التي تتهدده من الدول المحيطه به والتي تكن له العداء.
قدم بولارد خلال فترة تجنيده عشرات آلاف الوثائق السرية وشديدة الأهمية بالنسبة لإسرائيل حول تسليح دول الجوار ومنظوماتها العسكرية وتحركات جيوشها، والأهم من ذلك ووفق ما كلف به بولارد، كل المعلومات المتعلقة بالأسلحة غير التقليدية (كيماوية وبيولوجية) لدى الدول العربية والاسلامية مثل العراق واباكستان، ومنظومات الصواريخ الأرض أرض، وأرض جو والطيران السوفيتي لدى الجيوش العربية، وفوق ذلك طلب منه أن يقدم إنذارا مبكرا في حال الاشتباه بقرب وقوع حرب.
لاقى جهد بولارد تقديرا عاليا من أعلى المستويات الأمنية والسياسية في إسرائيل، حيث كان رئيس الوزراء شمعون بيرس على اطلاع بالمهمة التي يقوم بها بولارد، وقد قدرت الخسائر التي تسبب بها بولارد للولايات المتحدة بمليارات الدولارات بسبب تغيير شيفرات الاتصال التي نقلها بولارد لأجهزة الأمن الاسرائيلية والتي مكنتها من رصد كل الرسائل المشفرة والترددات الالكترونية لوكالة NSA الاستخباراتية المتخصصة في رصد ومراقبة الاتصالات في العالم.
الضرر الأساسي الذي تسبب فيه بولارد لا يكمن في نقل المعلومات الى دولة (صديقة) فقط بل إن جزءا من هذه المعلومات تسرب الى دولة ثالثة (الاتحاد السوفيتي) وهناك اعتقاد ان إسرائيل باعت هذه المعلومات أو قايضتها مقابل المساعدة في تسهيل هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي وفق التقرير المطول الذي نشره موقع ميدا نقلا عن تحقيق للصحفي سيمار هيرش في مجلة نيويورك.
هناك أكثر من نظرية حول كيفية اكتشاف أمر بولارد تقول إحداها إن وصول معلومات حساسة للاتحاد السوفيتي سواء عبر جهات تعمل لصالحه في إسرائيل أو من خلال المقايضة، كان وفق هيرش احد الأسباب التي دفعت الاستخبارات الأمريكية للشك في وجود جاسوس داخل منظومتها الأمنية، وبدأ البحث، بينما تقول أخرى أن قصف مقر منظمة التحرير في تونس والذي استند الى معلومات سرية تملكها الولايات المتحدة كان هو السبب، ولكن في كل الأحوال، وصلت مهمة بولارد إلى نهايتها، حيث وجد نفسه وحيدا خارج السفارة الإسرائيلية التي حاول الاحتماء بها إلا أنها أقفلت أبوابها أمامه وطلب منه ضباط الأمن فيها بمغادرتها فورا ليتم اعتقاله أمامها مباشرة في 21 نوفيمبر 1985.


جاسوس جشع أم عقائدي؟
خلفية جوناثان بولارد اليهودية، وميوله الصهيونية وذاكرة أجداده في الهروب من جرائم النازية، كما الطريقة التي اختارت إسرائيل أن تجنده فيها من خلال اختيار شخصيات تجسد معنى البطولة وإنقاذ إسرائيل من خطر (الإبادة) التي تتهددها اذا ما امتلكت دولة عربية سلاحا غير تقليدي، عوامل توحي أن بولارد تجند لأسباب أيديولوجية عقائدية بهدف إنقاذ إسرائيل، وانه أقدم على تضحية ومخاطرة عظيمة من واقع شعوره بدور رسولي، وهي صورة كرسها الإعلام وشدد عليها خلال فترة محاكمة بولارد.
إلا أن الحقائق الجافة وما كشفت عنه التحقيقات تظهر صورة مغايرة تماما، تنسف هذه الرواية، حيث تبين انه كان يتقاضى راتبا شهريا بقيمة 1500 دولار تم رفعها الى 2500 دولار من قبل إسرائيل، وأنه باع معلومات لاستراليا ودولة اخرى، كما ان رونالد اوليف رئيس قسم التحقيق مع بولارد والذي نشر كتابا في العام 2006 ادعى ان بولارد وقبل ان يجند للتجسس لصالح إسرائيل كشف أسرارا أمريكية لجنوب إفريقيا وحاول أن يعرض خدماته على باكستان، وهو ما تؤكده ضابطة الFBI ليديا جوتشورك والتي حققت هي الأخرى مع بولارد حيث قالت انه عرض خدماته على دولة اخرى صديقة للولايات المتحدة وأن الدافع الأساسي الذي حركه هو حب المال والمغامرة، وهو الرأي الذي يتبناه الكثير من المحللين الاسرائيليين.
العودة إلى إسرائيل وسؤال الولاء
إلى جانب الترحاب وردود الفعل المرحبة التي أطلقها قادة إسرائيل بعد قرار المحكمة رفع القيود عن بولارد وإعلانه نيته القدوم إلى إسرائيل، أثار هذا الأمر الجدل مجددا حول أثر هذا الأمر على العلاقات الامريكية الإسرائيلية وتحديدا على يهود الولايات المتحدة.
في العام 2015 وعندما أطلق سراح بولارد اعتبر الكثير من المعلقين وكتاب الرأي الإسرائيليين أن هذا التحرير انما هو تحرير ليهود الولايات المتحدة من عبء قضية بولارد التي ألقت ظلا ثقيلا على سؤال ولائهم للولايات المتحدة ودعمهم لاسرائيل، وقد وصفها موقع ميدا بأنها القضية التي تعكر صفو العلاقات بين البلدين، كما وصفت معاريف الخبر بأنه اللحظة" التي تنفس فيها يهود الولايات المتحدة الصعداء" وان هذا "الإحراج يشكل الخوف الأكبر بالنسبة لهم" بل إن جاي رودرمان وهو رئيس صندوق رودرمان لتعزيز العلاقة ما بين البلدين، ذهب أبعد من ذلك ووصفه بأنه "شوكة في حلق الأمريكان".
القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيلية اليكيم روبنشتاين، والذي الى جانب كونه قاضيا معروفا وشغل موقع نائب رئيس المحكمة العليا، كان الرجل الثاني في السفارة الإسرائيلية في واشنطن عندما حاول بولارد ان يحتمي بها، اعتبر ان تجنيد بولارد خطأ، وانه من الأشياء" التي لا يجب القيام بها" واصفا اياه بأنه " وصمة عار وبقعة سوداء حول ولاء اليهود في الولايات المتحدة" داعيا الى عدم التضامن معه والمبالغة في استقباله لأن هذا سيثير سؤال "إزدواجية الولاء لديهم".
ذات الدعوة اطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود اولمرت الذي قال في مقابلة مع القناة 12 ان نتنياهو سيستغل استقبال بولارد كما فعل مع شاليط، محذرا من ان هذا "سيمس يهود الولايات المتحدة" علما أن إسرائيل ليست " مدينه له بشيء".
صحيفة معاريف قالت ان ولاء يهود امريكا اصبح مشروطا وان كل مسؤول يهودي يشغل موقعا حساسا يدرك بفضل بولارد ان ولاءه مشروط، بينما اعتبر موقع واي نت ان مرور ثلاثة عقود لم تكن كافية لنسيان قضية بولارد وأن يهود الولايات المتحدة يستصعبون التعافي من حالة الحرج التي سببتها واصفة إياه بالأخ غير الشقيق والشاذ.
إن عودة بولارد الى اسرائيل ستحمل معها الكثير من الأسئلة حول ولاء اليهود وعلاقتهم بدولة اسرائيل، خاصة في ظل الاستخدام الانتهازي الذي قد يقدم عليه نتنياهو والاحتفاء من قبل أقطاب اليمين، وكل هذا في ظل فترة يتوقع ان تشهد فيها العلاقة بين إدارة بايدن المنتخبة حديثا وحكومة نتنياهو حالة من الشد والتوتر، وهو ما سيعمق الهوة ويعقد العلاقة بشكل أكبر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة