الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الشرق والغرب

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2020 / 12 / 1
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


في الغرب والشرق
عندما تخرجت من الثانوية، أخذت أبحث عن بلد أجنبي لدراسة الهندسة. فكنت أراسل الجامعات دون كلل أو ملل. في إحدى المرات ذهبت إلى البريد وكان معي زميل يبتغي الدراسة مثلي، حملنا كل رسالته ودخلنا بناء البريد الواقع في السوق. وكان صديقي تنمو على ملامحه سمات الرعونة. في الكوة، كانت تجلس فتاة في مقتبل العمروقد زيّنت نفسها كأنها في عرس، فأرتبك صديقي وهو يمد يده بالرسالة، أما هي فلم تكترث لنظراته، وبعد أن زانت الرسالة قالت له: ليرة فقط ، فنظر حوله وكأنها تخاطب شبحاً، وسأل فيما إذا كان الكلام له. وأتضحت رعونته، وظلت هي صامته تنتظر، فاستدرك صديقي الأرعن محاولاً أن يمد بالحديث : هل تريدينها صحيحة أما فراطة. فقالت له لا تكن تافهأ وأحمقاً. وعندما خرجنا من المبنى، كان غاضباً فقال هذه الفتاة متكبرة وبشعة وجربوعة. ومنذ قليل كان يعتقد أنها فتنة ربانية.
نحن الشرقيون بشكل عام والعرب بشكل خاص نتعامل مع الغرب بهذه الطريقة. كالمثل القائل ( اللي مايطول العنب يقول عنه حامض). ورد مشهد مشابه في رواية لكاتبة سورية روزا ياسين حسن في إحدى رواياتها (أبنوس) في السفارة الأمريكية عندما رفض القنصل منح شاب ملتح فيزا إلى امريكا. ثارت ثارته وأخذ يشتم القنصل وأمريكا.
هكذا تعاملنا مع الغرب (والغرب يحتوي في مضمونه هنا أمريكا أيضاً) نحبه ونعشقه ولو اتيح لنا لغادر ثلاث ارباع السكان إلى أمريكا، لكنه في الوقت نفسه هو بالنسبة لنا غرب كافر، قليل حياء، أباحي، إستعماري، مشرك، ماسوني، صهيوني. وهذه النظرة بدأت منذ مطلع القرن الماضي عندما خرجت تركيا وتركتنا نواجه مصيرنا بأيدينا. أو بالأحرى تركتنا يد الأحتلال العثماني لتتسلمنا يد فرنسا وبريطانيا وترسم لنا مستقبل أقبح من حاضرنا ذاك.
ولعل رواية يحى حقى (قنديل أم هاشم) قد جسدت أيضاً جانباً من جوانب طرائق تعاملنا مع هذه العالم وكيف يتعامل الغرب معها. وإسماعيل بطل الرواية مثّل الغرب هنا بسبب ثقافته وشهادته من أوروبا. وهنا يريد يحيى حقى أن يقول الشرق شرق والغرب غرب، أو العقل للغرب والخرافة لنا. وعندما حطم الشاب قنديل المسجد، انفض عنه الناس وربما ظنوا أنه كافر زنديق لأنه تعدى على شيء مقدس. والنهاية تقول في الرواية أنه يجب علينا أن نوافق بين الخرافة وبين العقل. هذا المزيج يبدو ساخراً وغير معقول لأن الأثنان لايجتمعان، فلكل مساره وناسه. لكن هذا هو الشرق، كل هذا العلم والتقدم في الطب يلجأ البعض إلى كاسات الهواء التي من الممكن أن تخرب الكلية وتسبب اخفاقها.
في هذا العالم، هناك مجتمعات تستفيد من أقسى التجارب في حياتها وتتعلم من أسوءها. هناك اليابان التي نهضت بعد الاحتلال الأمريكي وتدمير مدينتين هوروشيما وناكزاكي أو حتى كوريا، فقد أستفادت من الأستعمار الفرنسي والأمريكي وأصبحت من الدول المنتجة لأحدث تقنيات العصر. ولاننسى الصين، فقد فعل فيها الاحتلال الياباني الأفاعيل. فكان عندما يدخل بلده أوقرية صينية ويتخفى العسكر الصينيون بين السكان كي لا يعرفهم المحتل، فكانت القوات اليابانية تبيد كل من في القرية عن بكرة أبيهم كي تتأكد من القضاء على الجنود الصينيون المتخفين, رغم كل هذا تنهض الشعوب دون الشعور في حالة من المظلومية والكسل ولوم الآخر ودون عقدة البارنويا التي ابتلينا بها.
ديسمبر 1. 2020



c








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع