الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دونالد ترامب سقط!

منذر علي

2020 / 12 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قَدِمَ إلى الرئاسة من التجارة والمضاربات العقارية، وشكَّلَ جائحة سياسية قاتلة، وكان انفعاليًا وانقساميًا ، ومتهورًا ، و مقامرًا جشعًا، ومتحيزًا لطبقة الأغنياء، وحاقدًا على الفقراء، وخاصة ذوي البشرة السوداء والمسلمين، ومُبغضًا للنساء، Misogynistic، وكارهًا للأجانب ، Xenophobic ، ومحتالًا وقاتلًا ، ووجهًا عنصريًا فاشيًا قبيحًا للرأسمالية، سقط في الانتخابات الرئاسية، سقط ترامب ، الرئيس الأسوأ في التاريخ من قمة أعظم حضارة في التاريخ ، بفعل الديمقراطية الليبرالية ، وصعد إلى موقع الرئاسة، بدلًا منه، السيِّد جو بايدن، القادم إلى الرئاسة من السياسة، وهو الأكثر مهارة في خدمة مصالح الطبقة الرأسمالية، والأقل قبحًا، على الصعيد السياسي و "الأخلاقي"، من سلفه العنصري، المضارب والمشاغب.
السيد ترامب يتمرغ الآن عاريًا، حزينًا وكسيرًا في مزبلة التاريخ، ولكن الرأسمالية ما برحت صامدة، تكتم الأنفاس، وستظل صامدة وصادمة، كعادتها، تبدع على الصعيد التكنولوجي وترفع من أرباح الأغنياء، ولكنها، ويا للمفارقة، تفقر الأغلبية، وتعيق تقدم البشرية صوب العدالة والحرية والسلام على الصعيد الأمريكي والعالمي، ويمكنها أنْ تضغط على الرئيس الأمريكي الجديد لتقليص نفوذ قوى اليسار في الحزب الديمقراطي، على طريقة كير ستارمر، رئيس العمال البريطاني. كما يمكن للرأسمالية أنْ تنجب ترامبًا جديدًا في العقود القادمة لا يقل قبحًا عن سابقه الساقط.
***
لقد ترتب على سياسية ترامب اليمينية المتطرفة خلال الفترة المنصرمة، وخلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة استقطابًا حادًا بين اليسار واليمين الأمريكيين. وهذا الاستقطاب الحاد كان لابد وأنْ يفضيَ إلى مزيدٍ من الصراعات ذات البعد الطبقي والعرقي والثقافي على صعيد المجتمع الأمريكي، سواء بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، أو على صعيد كل حزب بمفرده.
ولئن كانت المواجهات بين الأطراف المتنافرة تعبر عن نفسها حتى الآن من خلال التهديدات السياسية والمناوشات الإعلامية والاتهامات بالتزوير والمقاضاة القانونية، إلا أنَّ الأوضاع تبدو خطرة ومفتوحة على كثير من الاحتمالات، بما في ذلك المواجهات غير القانونية والعنف. إذ قد ينتج عن مجموع هذه العوامل المتشابكة الكثير من الاضطرابات، وخاصة بين القوى المناهضة للفاشية والعنصرية، المقاومة للرأسمالية، Antifa، وبين الجماعات العنصرية والفاشية التي تسعي إلى تعزيز مكانة وهيمنة ما يسمى بالعنصر الأبيض، تحت ذرائع أيدلوجية فاشية، تنطلق من إيمان عميق، ولكنه زائف، مفاده “تفوق الجنس الأبيض" White supremacy، على غيره من الاجناس البشرية. وتلقى هذه الفكرة الأخيرة، الشوهاء، رواجًا كبيرًا في كثير من الدول الأوربية، وهي تغذي بقوة النزعات العنصرية، وبشكل خاص الخوف من الإسلام، Islamophobia، في هذه الدول ضد المهاجرين المسلمين والعرب والمواطنين الأوربيين من أصول شرق أوسطية.
***
على الصعيد الداخلي، تكشف المؤشرات السياسية أنَّ الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، سيعمد إلى رأب الصدع وتحقيق السلم الأهلي من خلال التخفيف من النتوءات الجارحة للنظام الرأسمالي، وخاصة على صعيد العلاقات العرقية بين المكونات السكانية للولايات المتحدة، وسيسعى لتحسين الأوضاع الصحية، والضمان الاجتماعي، وضبط سياسة الأجور، والضرائب، ومعالجة القضايا الأخرى الملحة، المتصلة بالطاقة والبيئة، والصناعات الانشائية الثقيلة بغرض التقليل من البطالة المتزايدة التي أعقبت جائحة كورونا. هل سينجح الرئيس الجديد في انجاز كل هذه المهمات؟ هذا سؤال متروك للمستقبل.
وعلى الصعيد الخارجي، تكشف المؤشرات السياسية أيضًا أنَّ الرئيس الجديد، جو بايدن، سيسعى إلى تعزيز علاقات الولايات المتحدة بالدول المركزية في أمريكا اللاتينية، مثل البرازيل والمكسيك والأرجنتين وكولمبيا، كما سيقيم علاقات أقل عدوانية تجاه دول أمريكا اللاتينية الأخرى ذات الميول اليسارية، مثل كوبا وفينزويلا وبوليفيا، جريًا على سياسة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، ولكن دون التفريط بمصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة الحيوية التي تعتبرها الحديقة الخلفية لها.
***
ومن جانب آخر سيعمل الرئيس الأمريكي الجديد على تصليب التحالف الاستخباراتي، المعرف باسم العيون الخمس FVEY"" التي تشمل، بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية، الدول الأنجلوسكسونية الأخرى، مثل كندا ونيوزيلاندا وأستراليا وبريطانيا، وسينتهج سياسية متوائمة مع التوجهات الأوربية، بجناحيها الغربي والشرقي، فيما يخص التعاون الاقتصادي والعسكري، وبشكل خاص تجاه السياسات المتصلة بقضايا المناخ. ومن المرجح أنْ يكون الرئيس الجديد أقل تشددًا مع إيران، وأكثر برجماتية مع كوريا الشمالية.
وعلى الرغم من أنَّ سقوط دونالد ترامب كان بمثابة فاجعة كبرى لدول الخليج العربية النفطية، إلاَّ أنَّ الرئيس الأمريكي سيحافظ على علاقات جيِّدة مع هذه الدول، وستحرص هذه الدول، بدورها، على الانكماش، كالطفل المذعور، في الحضن الأمريكي، وخاصة في ظل تنامي خلافاتها مع إيران. كما سيسعى الرئيس الأمريكي الجديد إلى تعزيز علاقاته مع دول شمال أفريقيا، وبشكل خاص مع مصر، باعتبارها الدولة المحورية في المنطقة، وسيعمل على استيعاب العراق، وسيستمر في تشجيع الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل، وسيواصل دعمه لدولة الاحتلال الصهيونية على حساب القضية الفلسطينية، ولكنه سيعود إلى الموقف الأمريكي التقليدي، الخاص بمشروع الدولتين. كما سيبقي الرئيس الأمريكي الجديد على علاقاته بالأكراد، ولكنه سيعمل على تعزيز علاقات الولايات المتحدة بتركيا وتقوية حلف شمال الأطلسي، الناتو، NATO، لقطع الطريق على التمدد الروسي المتنامي. وسيبقي الرئيس الأمريكي على الموقف العدائي تجاه حزب الله وسوريا، ولكنه سيكون أكثر مرونة من سلفه. وفيما يخص اليمن ربما يعيد بايدن، مع بعض التعديلات الطفيفة، أحياء مبادة جون كيري تجاه الحرب في اليمن، الهادفة إلى وقف الحرب، وتحقيق السلام، الذي طال أمد انتظاره، على قاعدة توافقية برجماتية، تُراعى من خلالها مصالح الأطراف المختلفة والقوى الإقليمية في المنطقة.
***
من جانب آخر سيحافظ الرئيس الأمريكي الجديد على جوهر السياسية الإمبريالية التوسعية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم. وفي هذا الإطار سيعمل الرئيس الأمريكي الجديد على تعزيز علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مفصلية، مثل الهند وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان وتيلاند وفيتنام، من أجل محاصرة الصين، كما سيعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية مع أوكرانيا ودول البلطيق وجورجيا، وأفغانستان، بغية محاصرة روسيا، وسيتخذ التنافس الأمريكي الصيني والروسي أبعادًا جديدة، ولكن من المرجح أنْ يعملَ الرئيس الجديد على عقلنة السياسية الأمريكية، وينتهج نهجًا أقل تهورًا وخطورة، مما كان عليه الحال في عهد الرئيس دونالد ترامب.
***
وبالنظر إلى السياسية الأمريكية الجديدة، ولمكانة الولايات المتحدة الفريدة في العالم، ولميول الرئيس الجديد، الأقل تهورًا، ولكن الأكثر خبرةً ومكرًا، ستبرز أمام الشعوب المتطلعة للسلام والحرية والعدالة والتقدم، معطيات مختلفة، وأسئلة أخرى أكثر تشابكًا وتعقيدًا، تتصل بكيفية التعامل مع الأوضاع السياسية الجديدة. وفي هذا السياق هل سيكون في مقدور القوى السياسية اليمنية أنْ تعيَ دورها الوطني، وتدرك الابعاد الجديدة للسياسات الدولية المرتقبة، وتعمل على التحرر من التبعية للقوى الإقليمية، وتعيد ترتيب أولوياتها المحلية، وتوضيب ملفاتها الخاصة، وطبيعة علاقاتها مع محيطها الإقليمي على أسس وطنية، تمكنها، في المحصلة الأخيرة، من صيانة مصالح الشعب اليمني واستعادة سيادة الوطن، والتعاطي العقلاني مع الأوضاع السياسية الدولية الجديدة؟ اشك في ذلك، فالاتباع الذين ضلوا الطريق واختاروا العبودية للقوى الاقليمية، سيظلون اتباعًا، وبالتالي ستُنحَّى رغباتهم جانبًا، وستُفرض عليهم حلولًا إقليمية ودولية، ترضي أسيادهم.
وعلى ذات المنوال الكئيب فأنَّ جُل الأنظمة العربية ستسير بوتيرة متسارعة صوب التطبيع والتبعية للقوى الصهيونية والامبريالية، توطئة للقفز نحو الهاوية، ولكن، على الرغم من هذه اللوحة السوداء، سيكون للشعوب العربية، على المدى البعيد، خياراتها المختلفة عن خيارات الحكام المُتلفة.
كما سيكون على القوى التقدمية وأنصار الحرية والسلام على الصعيدين الأمريكي والعالمي أنْ تعزز التضامن فيما بينها، بكل الوسائل المتاحة. وفي هذا السياق من المحتمل، كما ترى نخبة من المفكرين والفلاسفة اليسارين النابهين، أمثال يانيس فاروفاكيس، Yanis Varoufakis، وسلافوي جيجيك، Slovy Zeck، وآلان باديو، Alain Badiou، وغيرهم، الشروع بالعمل من أجل خلق جبهة عالمية للعدالة والحرية والسلام وصيانة البيئة وتحقيق التقدم المتناغم على الصعيد الدولي. على أنْ تكون جبهة إنسانية واسعة، ترفض الانتقام، ولكنها تحتفظ بالبعد الطبقي، بمضمونه الإنساني العميق، الذي يُعلي من قيمة العدالة إنسانية، ويتجاوز العصبيات العرقية والدينية والثقافية والجغرافية. وسيكون على هذه الجبهة الأممية، كما يرى بعض المفكرين، أنْ تستفيدَ من الترابط الوثيق بين شعوب العالم المعاصر، وبشكل خاص الاستفادة من العولمة التكنولوجية، من أجل إقامة عولمة إنسانية عادلة. كما سيكون على هذه الجبهة، في ظل هذا المناخ السياسي والعلمي الجديد، أنْ تنسق مواقفها السياسية والفكرية ونشاطاتها الإعلامية والكفاحية المختلفة، وتبذل المزيد من الجهود من أجل إنقاذ البشرية من الاحتباس الحراري، ومن الجوائح والمجاعة، والحروب، وايقاف سباق التسلح، والحد من النزعات العنصرية، ووقف الهيمنة الإمبريالية، والتمهيد لاجتثاث الرأسمالية بشكل نهائي، وبناء المجتمع الإنساني المأمول، القائم على الحرية والعدل والسلام والأخوة البشرية على صعيد العالمي. الأوضاع، كما ترون، مُربكة ومُقلقة، امريكيًا وعالميًا، ولكن ثمة روح جديدة تستيقظ، نورٌ يتخلل العتمة، فلنتمسك بالأمل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا