الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن إسقاط الرأسمالية بثورة عالمية، أم يمكن ان تنهار بإفلاس مالي واقتصادي عالمي يتسبب فيه كورونا أو أحد أحفادها مستقبلا؟

عبد الناصر جلاصي
باحث

(Abdennaceur Jelassi)

2020 / 12 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مستقبلا؟
لأول مرة في تاريخ البشرية تنجح منظومة اقتصادية/سياسية/إيديولوجية ان تصبح عالمية، لذلك طالما يكون هناك حديث عن أطروحات حول ضرورة قيام ثورة عالمية في كل أرجاء العالم ضد المنظومة الرأسمالية يشارك فيها كل ضحاياها (وإن اقتصرت اغلب الاطروحات الكلاسيكية على الطبقة العاملة التي لقبها ماركس بحفّار قبر الرأسمالية)... وقد تعرضت هذه المنظومة منذ ظهورها لعشرات الأزمات التي كادت تودي بها لكن نجحت في تجاوزها كل مرة ولعل ابرز ازماتها الازمة الداخلية لسنة 1929 و ازمتين خارجيتين الأولى محاولة الخروج عن منظومتها يمينا بالتجربة النازية التي استعملت العنف والذي اتخذ شكلا انقلابيا بطريقة لم يشهدها التاريخ سابقا والثانية يسارا من خلال الأيدولوجية الماركسية والحرب الباردة طيلة عقود. بين لفح الحرب الساخنة وزمهرير الحرب الباردة تمكنت مرّة أخرى هذه المنظومة من الخروج منتصرة (لا يمكن الجزم ان كان بسبب قوة الرأسمالية أم ضعف المنظومتين التي شيدتهما النازية او الماركسية السوفييتية) ولسان حالها يردد مقولة داروين "البقاء للأصلح" وانها تحكم العالم ب"إنتخاب طبيعي" وبلغ الأمر بالعديد من المفكرين بالحديث عن نهاية للتاريخ بعد أن خلت الساحة من منافسين فبدت للعالم وشعوبه كأنما شدّت بأمراس كتّان إلى صمّ جندل على رأي إمرؤ القيس. يمكن المجازفة باعتبار ان من أكبر نقاط قوة الرأسمالية وأحد أسرار تماسكها التي تميزها عن المنظومات السابقة ان كل شخص على وجه البسيطة بإمكانه أن يصبح غنيا على خلاف المنظومة العبودية ان العبد يظل عبدا والسيد سيدا لابد الابدين بالوراثة وكذلك المرحلة الاقطاعية وان كان بأقل حدة من العبودية لكن القن قن و النبيل نبيل والمسألة متعلقة بالدماء التي تجري في العروق. فمع الرأسمالية والأمثلة أكثر من أن تحصى فتذكر في المقابل لا ذكر لقن أصبح إقطاعيا أو لعبد أصبح سيدا (تضاعف عدد المليارديرات السود في الولايات المتحدة ثلاث مرات خلال العقدين الأخيرين) والتي يغفل عنها العديد بالرغم انها في منطوق الكلام اليومي حول الطموح للاتحاق بطبقة الأغنياء .... يضاف لهذه النقطة نقطة قدرة الرأسمالية على المناورة والتراجع التكتيكي عندما يتطلب الأمر ذلك فلم تتردد في التراجع للخلف مع تطور الفكر اليساري وظهور البيان الشيوعي وما رافقه من انتفاضات عمالية في كل أوروبا توجت بكومونة باريس (أعظم تجربة في تاريخ اليسار) رافق هذا التراجع بتحديد لساعات العمل (من 14 ساعة إلى 10 ثم 8 ساعات) ويوم عطلة أسبوعية وعدم تشغيل الأطفال وزيادة الأجور (تضاعفت الأجور الصافية بين 1870و1900). لاحقا ولتطويق المدّ الشيوعي لم تتردد في التراجع نحو الكينزية وتحميل الدولة لعديد المسؤوليات الاجتماعية ورافقها تنازلات مؤلمة بالنسبة للرأسمالي مثل الضمان الاجتماعي وضمان الشيخوخة والعطلة السنوية وتحمل مسؤولية الصحة والتعليم... وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفرد النيولبرالية التي اطلق صافرة بدايتها ريغن وتاتشر اصبح الحديث عن أزمات الصناديق الاجتماعية ومراجعة سن التقاعد المرتبط عضويا بإرتفاع معدل أمل الحياة عند الولادة والذي بلغ 82 عام في عديد الدول مع توقعات ان يبلغ 92 عام بحلول سنة 2050 مقابل معدلات تتراوح بين ال40 عام و50 عام في الفترة الاقطاعية بفضل القفزات التي حققها العلم والطب الذين يعترفان للرأسمالية -مثلما يعترف ماركس وانجلز في المانيفاستو الشيوعي- بفضل الرأسمالية -فترة لعبها دور تنويري- ودعمها لهما في صراعهما المرير ضدّ تحالف الاقطاع والكنيسة يضاف له انخفاض كبير في نسبة الأمية من 95 بالمائة في أوروبا في القرون الوسطى فترة سيطرة الاقطاع الى أقل من 0.5 بالمائة حاليا. وعديدة هي الإنجازات الي تقدمت بالبشرية وصنعت فارقا بين حياتنا وحياة أسلافنا لا يتسع المجال لذكرها المراد منها ليس تقريظ الرأسمالية بقدر ما هو بحث في سبب تجاوزها لكل ازماتها وسعي كل الفقراء والمعدمين والعمال والمهمشين -أصحب المصلحة الحقيقية في اسقاطها- للانخراط فيها وتسلق درجات سلمها أي اقتناعهم وقبولهم لنمطها في جميع المجالات. لهذه الأسباب الموجزة وعديد الأسباب الأخرى على رأسها أن حفاري قبر الرأسمالية تم تفريق تجمعاتهم في مصانع لا يتجاوز اعداهم بعض المئات مقابل عشرات الالاف في مصانع القرن التاسع عشر ومطلع العشرين يضاف لذلك ان الطبقة العاملة في الدولة المتقدمة قد تمت رشوتها بما تم نهبه من المستعمرات وهي اليوم تناضل من اجل الرفاه لها وحدها ولا وعي لها بمسالة عمالية عالمية في الأطراف هذه الأطراف بدورها تم اصطياد كل طبقتها العاملة في فخ منظومة الاستهلاك والاقتراض البنكي السكني والاستهلاكي اخر همها مسألة التغيير والثورة ( شاركت هذه الفئة في قمع عديد الاحتجاجات المطالبة بالشغل من قبل العاطلين وهم على استعداد للذود عن مصنع مستغلهم في كل لحظة وان تطلب الامر إقامة فرق حراسة تصل الليل بالنهار). يطرب الكثير من اليساريين للكلمة السحرية "الأزمة" و مباشرة يرافقها استعراض عضلات في جملة تردد من جيل لجيل "دورية" "هيكلية" و بعد رشفة قهوة وإخراج غيمة دخان عبر الانف يأتي الجواب الشافي "أزمة هيكلية ذات تمظهرات دورية" وحسم الأمر الذي فيه تستفتيان، مشكل هذه الإجابة الجاهزة والكسولة والتي تأتي حتى من الذين يقومون بالستربتيز المهني عن طريق السير الذاتية المفبركة ومقابلات العمل للالتحاق بموقع في وسائل الإنتاج الرأسمالية ومزيد دعم إستمرارها ويا حبذا لو تكون من الشركات المتعدد الجنسية، والتي تبشر بسقوط الرأسمالية انها تثير الغبار اما الصورة الواضحة وهي ان الرأسمالية منذ ظهرت رافقتها الأزمات واضافة للثنائي الشهير هناك عديد الازمات غير الدورية والذي يجب فهمه ومزيد التركيز عليه ان هذه الأزمة هي آلية أساسية من آليات إشتغال المنظومة الرأسمالية ومحفزه نحو التقدم إذ تبين كل الرسوم البيانية انه ما من أزمة تتبلور بانحدار الا تتلوها قفزة اكبر من نقطة الذروة التي سبقة بداية الانحدار وعموما ما يتم حل هذه المشاكل بحروب كبرى، مرة أخرى نقطة علاقة الرأسمالية بالأزمة ليس تقريظا لها وانما تحذير للشباب المناهض لهذه المنظومة عموما والشباب اليساري خصوصا بالابتعاد عن النبوءات الكاذبة والتي تقود لاحقا للإحباط والقفز للجهة المقابلة وإتيان ممارسات يتعفف الرأسماليون عن القيام بها والتي لم تكسد سوقها لليوم بين من لا يميزون بين الانكماش الاقتصادي والازمة الاقتصادية والتي توفرت أسبابها في عديد المراحل التاريخية دون ان تحقق فانتازم سقوط الرأسمالية بطريقة جبرية. بالتالي الحديث عن ثورة عالمية تسقط الرأسمالية دون تحديد من سيقودها او على الأقل من سيشارك فيها في عصر الاستهلاك فصحيح ان الحلم حاجة إنسانية ضرورية لكنه لم يكن يوما محركا للتاريخ. علم التاريخ يبين ان الثورة كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي ليست أمرا حتميا فمثلا مرت أوروبا من العبودية للإقطاع دون ثورة ومن الاقطاع للرأسمالية بثورة في فرنسا ونصف ثورة في إنجلترا ودون أي ثورة في المانيا. هذا دون ان الثورات التي قامت تاريخيا (أهمها في التاريخ حسب المؤرخ هشام جعيّط العباسية والفرنسية والروسية والإيرانية) أصبحت نتائجها اليوم موضع مسائلة باعتبار نتائجها غير مضمونة فالفرنسية قامت بإيقاف موجة التنوير التي بدأت تشهدها أوروبا ونتجت عنها الإمبراطورية النابليونية اما الروسية فقد نتجت عنها دولة بوليسية مطلقة لكي نعثر لها على شبيه يجب أن نعود أدراجنا في ليل ما قبل التاريخ، والإيرانية فنتجت عنها ثان دولة ثيوقراطية في العالم بعد دويلة الفاتيكان والبقية يعايشها الجميع لليوم. من هنا قد يكون الارباك الذي سببته جائحة كورونا والتي انتشرت واسعا على خلاف اوبئة ما قبل العولمة وما قبل ثورة المواصلات مما قد يتسبب في إفلاس هذه المنظومة وانهيارها وربما تخرج منها منهكة لكن ظهور فيروس اخر اشد فتكا قد ينهيها بإفلاس عالمي وانهيار اقتصادي، قد يظهر كل هذا رجما بالغيب لكن الأرقام التي تسبب وتتسبب بها جائحة كورونا قد تفوق ارقام سنوات من الحروب ولازال في جعبتها ما تقول لكن الأهم هو التفات كل انصار الحرية والعدالة الاجتماعية للتفكير في كيف سيكون بديل هذا الانهيار هل هو الحروب الطاحنة للجميع ضدّ الجميع و الشعبوية والفاشيستية ام مرحلة أكثر تقدما وذات ضوابط اكثر عقلانية وإنسانية تحترم فيها حق الانسان في بيئة سليمة وتنمية مستدامة تكفل حقوق الأجيال القادمة (لو يفكر العالم في الاستهلاك بنفس النسق الأمريكي يتطلب الامر ثلاثة كرات أرضية أخرى لتلبية حاجياته) حياة كريمة بعيدا عن الاستغلال التي تقوده الشركات العابرة للقارات و بعيدا عن تشييئ المرأة وضمان حقها في المساواة مع الرجل وضمان حقوق كل الأقليات اثنية كانت ام جنسية و توزيع متكافئ للعمل وللثروات ... وضعية ستختلف فيها بالضرورة مهام المثقف والمناضل في المركز عن نظيره في الأطراف (في الواقع طالما كانت وظلت مختلفة ) والذي يعنينا ان اليساريين والتقدميين والديمقراطيين بمختلف توجهاتهم مطالبون بمزيد النقد لكل النصوص و على رأسها نقد الفكر الديني و والانعتاق من أسر النصوص والتي لا ينطلق منها الفكر بل من الواقع المتغير دائما والمرور للتفكير في طرق أنجع لكبح جماح هذه المنظومة المتوحشة والتي قد تتجاوز في بعض سماتها الغاب من نافلة القول أن الضواري او السباع في الغابات والبراري عندما تكتفي غذائيا ويمر امامها فريسة لا تفترسها ولا تفترس الا ما يكفي قوتها في المقابل هذه المنظومة لا شيئ يشبع جشعها مما يقود لأغنياء أكثر غنى وفقراء أكثر فقرا. ضرورة التصدي كذلك لادراج الصحة والتعليم والثقافة في قانون القيمة الرأسمالي وان صبح تحت رحمة المضاربين الذين لا وطن ولا قيم لهم الا دفتر شيكاتهم وارصدتهم البنكية وهذا من شأنهم ان يساهم مزيد وعي الإنسانية لضبط هذا الاتجاه التاريخي والذي يستحيل الغائه حاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب