الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات المتشابكة بين الدول النفطية والفساد (2)

آزاد أحمد علي

2020 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الفساد ملازم للإنتاج النفطي
من بين أكثر الدول فسادا هي تلك التي تمتلك احتياطات نفطية وانتاجا نفطيا وفيرا، ويبدو أن مجموعة من العوامل تتضافر لتوطين الفساد في تلك البلدان والمناطق النفطية، منها على سبيل المثال دور شركات النفط والجهات المسوقة له، التي تتطلب مصلحتها التجارية والمالية بأن لا تكون عملية الانتاج والتسويق شفافة من جهة، وان لا يكون الحكم شرعيا ومنبثقا من ارادة سكان تلك الدول من جهة أخرى، لأن الجماهير ستطالب الحكومات المنتخبة بالكشف عن الحسابات، وبالتالي سيكون من حق المجتمع التدقيق التام في كل جوانب عمليات الانتاج والتسويق، وبالتالي تتراجع فرص الاستفادة وتضيق هوامش الاحتيال والاستغلال. فشركات النفط تفضل منذ تأسيسها قبل عشرات السنين التعامل مع الشخصيات أو العوائل الحاكمة فقط، وذلك لتسهيل عمليات الاستكشاف والتسويق والاستثمار.
هكذا كانت البدايات في التعامل مع ظاهرة النفط مطلع القرن العشرين في أغلب المناطق التي اكتشف فيها. واستمرت هذه المعادلات المرتبطة بعوالم النفط والغاز وتأثيرها على أنظمة الحكم، لا بل ساهم اكتشاف النفط خاصة بعد تبلور الخرائط النفطية وكذلك خرائط الاحتياطي من الغاز في صياغة وتثبيت الخرائط السياسية الجديدة. مهما يكن بات الحديث يدور كثيرا في السنوات الأخيرة حول العلاقة الوثيقة والمتشابكة بين وفرة النفط والفساد السياسي.
فما هي أكثر الدول النفطية فسادا وليس أقلها؟ حيث يبدو أن من أكثر هذه الدول النفطية فسادا هي تلك التي يمتزج في نظام حكمها ما هو توتاليتاري بما هو قبلي أو عائلي، أو ما هو ايديولجي قوموي بما هو سلطوي دكتاتوري، وقد تحققت وتراكمت هذه الصفات مجتمعة - وكعينة للتذكير والاستدلال فقط - في بلد صغير يقع في غرب أفريقيا. بلد يتكون من رقعة ضيقة على الساحل الغربي للقارة الأفريقية بالإضافة إلى خمس جزر تقع داخل المحيط الأطلسي، حيث يبلغ مساحة غينيا الاستوائية حوالي (28) ثمانية وعشرون الف كيلومتر مربع. إذ تظل نموذج دراساتنا، ودويلتنا المرشحة لاستلام قيادة قافلة الفساد النفطي صغيرة بالمقياسين الجغرافي و الديمغرافي أيضا، فعدد سكانها لا يتجاوز مليون وأربعمائة ألف نسمة. في حين أن انتاجها النفطي قارب مائة وخمسون ألف برميل يوميا، وعلى الرغم من قلة هذا الانتاج بالمقارنة مع باقي الدول المنتجة للنفط، الا أنه دخل كبير للرئيس الحاكم، نظرا لحرمان الشعب من الواردات النفطية وقلة عدد السكان في الوقت نفسه.
الملفت والمثير للجدل أن الشركات الأمريكية باتت تهتم بهذا البلد الصغير والمستعمرة الاسبانية سابقا، حتى باتت غينيا الاستوائية رابع أكبر دولة مستقطبة للاستثمار الأمريكي في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. والسبب وراء الشهرة التي اكتسبتها غينيا الاستوائية هو اكتشاف البترول فيها منتصف التسعينيات القرن الماضي. استمر الاكتشاف والانتاج حتى زاد إنتاج البترول أكثر من عشرة أضعاف منذ عام 1996، ويتوقع أن يستمر الانتاج النفطي في التزايد. مع ذلك لم يصدف أن ورد ذكر هذا البلد كدولة لا تحترم حقوق الانسان أو لا يطبق نظامها السياسي أبسط مستويات الديمقراطية على الرغم من وجود برلمان شكلي. اذ يحكم غينيا الاستوائية الرئيس ( تيودور اوبيانغ نغيما مباسوغو) منذ عام (1979)، وكان قد استلم السلطة أثر انقلاب دموي. كما أن هذا الرئيس بات يعد من أقدم الرؤساء حاليا في أفريقيا والعالم، فهذا الدكتاتور النفطي يصرف جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة لعائلته، بينما يعيش نصف مليون مواطن على دولار واحد للفرد في اليوم، إلى جانب ذلك فالخدمات شبه معدومة. لأن مياه الصرف الصحي تسيل في شوارع العاصمة مالابو، كما لا يوجد نقل جماعي عام، وتعاني البلاد من نقص شديد في مياه الشرب والكهرباء.
باختصار يتصف نظام الحكم في غينيا الاستوائية بالقوة والسيطرة علي مقاليد الحكم دون رقيب أو منازع، فالبلد غير ديمقراطي واستبدادي بامتياز. اضافة لذلك احتل المرتبة الأولى في العالم من حيث تفاقم الفساد، بحسب تصنيف منظمة الشفافية العالمية. فعلى سبيل المثال وكأحد آخر المؤشرات على فساد الحكم في دويلة غينيا الاستوائية، انفجرت منذ أكثر من سنة قضية مصادرة مجموعة من السيارات الفخمة العائدة لإبن الرئيس المسمى (تيودوران أوبيانغ ) والذي يتم اعداده كالعادة لحكم البلاد من بعد والده الرئيس الذي قارب الثمانين من عمره، قضى منها (41) احدى واربعون عاما في الرئاسة.
فبعد سلسلة من الاجراءات القضائية وعدة قضايا فساد مشابهة - حيث تتشابه ملفات الفساد لأبناء الرؤساء في أغلب الدول - عرضت في سويسرا ضمن مزاد علني (25) سيارة فخمة يملكها تيودور نجل رئيس غينيا الاستوائية المذكور، فقد كان القضاء في جنيف قد صادرها في إطار تحقيق حول غسل أموال، وذلك للبيع في مزاد علني في سويسرا، هذا وتقدر القيمة الإجمالية لهذه السيارات بأكثر من (17) سبعة عشر مليون دولار. علما أن أغلى هذه السيارة هي سيارة لامبورغيني فينينو رودستر بيضاء، صنعت يدويا في بريطانيا، وتقدر قيمتها بحوالي (6) ستة ملايين دولار.
لا شك أن ملفات الفساد متشابهة وخاصة لرؤساء البلدان الديكتاتورية والنفطية منها على وجه الخصوص، فهذه عينة لملف صغير لفساد نظام الحكم في أصغر بلد أفريقي وكذلك أصغر بلد نفطي في العالم، بناء وقياسا عليه فما هي حجم وطبيعة ملفات الفساد التي تختبئ ملافاتها في الأدراج منذ عشرات السنين لحكام البلدان النفطية، نعيد التكرار بأنه وعلى الرغم من تشابه ملفات الفساد للحكام المعاصرين بطريقة عجيبة، لكن الأهم من هذا الفساد نفسه، هو صعوبة معرفة حدود ودرجة تواطؤهم مع البلدان الرأسمالية (الديمقراطية) وشركاتها المنتجة والمسوقة للنفط على الصعيدين الاقتصادي والسياسي معا؟!
الاجابة على هذا السؤال قد تقربنا من معرفة حقيقة وأبعاد الأوهام المرتبطة بتأسيس نظم ديمقراطية متكاملة وفاعلة في البلدان الناشئة خارج الدول الاورو أمريكية بشكل عام، النفطية ونصف النفطية منها بشكل خاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي