الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصومة بين حرية التعبير وثقافة التلقي

سارة فؤاد شرارة
كاتبة وصحفية

(Sara Fouad Sharara)

2020 / 12 / 4
الصحافة والاعلام


ضحالة الجمهور في استقبال العمل الفني
وقلة ثقافة التلقي كمؤشر عام لا يليق بجمهور الحضارات، المصري محب الفن والثقافة والفكر على مر العصور، ذلك ما لاح في الأونة الأخيرة في شكل هجمات متتالية وقصص مزعجة تحاصر أهل الرأي والتعبير ، حتى أن تلك الهجمات صدرت عن بعض الشخصيات الفاعلة في المجتمع المصري _تلك الشخصيات ذاتها والتي تشكل النخبة المؤثرة إن لم أقل السلطة أحياناً إن جاز التعبير _موجهة ضد حرية التعبير وحرية النقل وأهداف التثقيف، وضد كل ما أصبحنا نردد صداه دون جدوى  من أهمية الإبداع والتعبير والثقافة والفنون والصحافة إلخ بسبب التكميم المفرط بطرق مباشرة أو غير مباشرة.. ، حيث يقلنا ذلك إلى" حادث سقارة " كمثال صارخ الوضوح وأزمة د. خالد العناني وزير السياحة والآثار في مواجهة الصحفيين ، وإثارة علامات الإستفهام والتي تستحق الإيضاح عقب تعليقاته الغير مفهومة ، والناقدة لعمل الصحفيين بكلمات جارحة تضمنت حكماً شاملاً رآه البعض عشوائياً أما البعض الآخر من الصحفيين فقد توقف مطالباً بالتفاسير والتحليل والتحقق من حديث الوزير المبطن مثل مقولته " أنا صارف عليكم ثلاثة أرباع جنيه " تناثرت تلك الكلمات من فمه أثناء آداء كوادر الصحفيين لمهمة مقدسة وجليلة من صميم الأهداف الصحفية، ألا وهي نقل حدث الكشف الأثري الهام بحيادية ومهنية ، وتوجيه الرأي العام وإتاحة المجال للتعبير وهو الدور الرقابي الأشمل للعوام ، فالصحافة بلا شك تعد العين الرقيبة البناءة لجمهور يتطلع إلى الحدث مباشرة وهو يجلس ويحلل عن بعد ، كل تلك الضربات المتلاحقة في جسد التعبير والتعبير يعد مفردة شاملة الأركان من رصد ونقل وإبداء الرأي ونشر فضاءات الفنون، وصولاً إلى التثقيف والسينما والبحث والنشر ، كل تلك العجائب والحوادث الساخرة من إهانة أو اعتقالات والتي صارت ترفل على الهواء يومياً أمام الشارع والبيت المصري وتصفع أصحاب الرؤى ومبدعي الفنون و صانعي الرأي ، باتت تنعكس وتشير إلى خطورة التغير الذي اجتاح مجتمعاتنا ! فإن التلقي يعد ثقافة ومهارة وعلم بحد ذاته ! والنقد له أهله الذين يتحرون لأجله المبادىء و الدراسات والأصول الأكاديمية للعقلية النقدية، فمن جانب آخر لا يصلح الجميع لإعتلاء مكانة الناقد الفني أو الإجتماعي.. ولكي تستعد لإشهار النقد إلى كيان ما أو عمل فني أو اجتماعي ، فعليك بالتمهل والتدبر ودراسة الإيجابيات وإعلانها أولاً، ومن ثم مناقشة السلبيات بوضوح و بأهداف بناءة لتمكين العصف الذهني ، والإستنباط العلمي والأدلة، كقاعدة بسيطة وأولية تخص أصول النقد و أسس التحضر عموماً، يحدث مثلاً هذا الزمان أن تجد قارئاً لكتاب أو قصيدة، يمزج بطفولة مزجاً مضحكاً بين موضوع القصيدة ورغبات الشاعر وأسرار حياته. فيجزم بأن الشاعر يسلمه عمره ومفاتيح بيته على طبق من فضة أو يتوهم أنه عرف خبايا الشعراء وميولهم وبرامجهم اليومية من خلال ما شعر به في قصيدة !  مثلما حدث مؤخراً مع واقعة نقد الفنان" بيومي فؤاد" لبعض الشعراء الجدد والذي كان هجومياً بشراسة وتجريح ، دون أن يفكر أثناء نقده في الإستعانة بمعالجات الحياد ليتمكن من وصف هؤلاء الشعراء كما يجب ، وكانوا شعراء مجددين لسيمياء الصورة المجازية في الشعر. حيث حرروا إسقاطاتهم الفنية ليولد المجاز متعدد الأوجه أو لتتلون الإستعارة والكناية.. فالقتل ليس قتلا وإنما قد يشير إلى الحياة في عالم القصيدة! وكما ترمي تلك القصيدة فإن الفضاء الإحتمالي كالألغاز ويشبه لعبة المتاهات السحرية ، وكل المعاني تتشكل وتتلاعب بالفرضيات! ومن التجديف أيضاً أن تتجلى ظاهرة المشاهد لدور مجرم في فيلم، والذي قد يتصور أو يجزم بأن ذلك الممثل تجري في دمه هرمونات الإجرام والمذابح ويبدأ الجمهور في إشهار العداء الفعلي للممثل على هذا الأساس وتبدأ التعليقات الهدامة على السوشيال ميديا! برغم أنه ربما قد أدى دوره ببراعة ! .. فقد قررنا قبل الإمتنان له ولاختياره دوراً مؤثراً إلى هذا الحد، أن نعلن انفعالاتنا ونسقطها عليه. بتشهير بربري يميل إلى الجدية السادية ولا أبالغ إن قلت يصل إلى التهديد أحياناً! مثلما يحدث لمشاهير المبدعين، ما قد يمزق حياة الفنان إرباً ، وأسرد في ذلك الإطار ما حدث للروائية المغربية "نعيمة البزاز" منذ أشهر، فقد دفعتها ملاحقات الترهيب والضغط والأحكام والتهديد إلى انتحار مأساوي وحزين ، ولا يدرك الأغلبية أن هذا الهجوم العصابي قد يسبب للفنان_ مع ذلك_ شيئاً من الغبطة. لأن الفنان الحر في الواقع قد يضحي بأي شيء فداء حرية التعبير. ربما يجازف بروح ودم وبشخصية حقيقية، هي شخصيته التي يظهر بها أمام نفسه في المرآة وأقاربه وذويه ليعكس أقنعة المجتمع ، ويصل إلى هدفه ويؤدي دوره بلا هواده. تتلاشى شخصيته الحقيقية ليتجلى العمل الفني.. يموت الفنان الحقيقي عن طيب خاطر وتضحية فعلية.. ليبقى العمل الفني إلى الأبد إلى الرصد والنقل والتعبير. وإلى الخلود! هذا ما خُلق لأجلِه، وما يفعله ببساطة !
قديما كانت تعرض برامج التحليل السينمائي المتعددة على شاشة التلفزيون المصري وبرامج مشكلات الجمهور الحقيقية بعرضها للتمثيل والبحث وحتى برامج التحليل الغنائي، كل ذلك كان يسمو بالثقافة والذائقة الفنية لدى المتلقي، ويؤسس له دور المُشاركِ في التحليل، والناقد المتفاعل في ملاحظة أركان فنية خالصة، مثل الإسقاطات والرموز وحركة الضوء والموسيقى التصويرية ومستويات الصوت وما يرمز إليه كل ذلك.. فماذا لو  سقطت اللغة الرمزية من أصول المشاهدة والاستنباط لمدارك العمل المطروح؟! بالطبع بسقوط الرمز وبفقد القدرة على ترجمته والتفكير فيه والتفاعل معه واحترام عملية نشره _ كما كان يحلو لنا كعادة من عادات الإستمتاع والمعايشة قديماً_بحدوث ما سبق قد يسقط التحضر الإنساني والإرتقاء من قواميس التفاعل الإنساني على الأقل ، فالفن والتعبير لغة إنسانية قبل أي شيء آخر . وقديماً كانت لدينا أدبيات أصيلة لدى متابعة فيلم أو رواية ولدى قراءة مقال شيق ، كانت لدينا مبادىء المسرح الحي في كل شيء ! أن تحدث حالة من الإمتثال للإحتمالات والتلذذ بالأفكار على حريتها بعزل الذات وعقائدها، كانت هناك آداب المشاهدة والتلقي والصمت برقي شديد! كان الإحتفاء والتحليل وإتيكيت التلقي من الجمهور والنقاد أثناء العرض المرئي أو السرد المكتوب والذي يعول على البحث عن عمق ما ،ولكن بفقد مهارات الإدراك والإستقبال لكل أنواع حرية التعبير ومزجها _من باب التدليس_ بعقيدة ما أو بتوجهات سياسية لتكميمها أو بحياة الكاتب للعمل ذاته أو بالأحكام الأخلاقية السائدة والنسبية ،أو بوسم كيان التعبير الصحفي والعمل الإبداعي بأخطاء فردية تخص البعض وليس الكل كما يحدث ، حين يسود تراشق الأحكام العشوائية هكذا دون النظر إلى القضية التي ترمي إليها عملية التعبير المطروحة بدوافعها و أدواتها ، تحت ظل غياب وعي التلقي الجمعي سوف تعلو نسبة الضحالة ويتفوق التسطيح لأذواق العامة. ويكثر الأخذ بالمعاني بصورتها الأولية ويضيع المعنى الأعمق ، وتُنسى الرسائل المبطنة المدهشة ويُهدر الأثر الأهم كنتيجة حتمية ، فالجمهور في النهاية هو من يخلق بنفسه القراءات العديدة لأي عمل إبداعي، مما يؤدي إلى خلق ثقافة اختلاف مسالمة وصحية ، ولا يحق لفرد أو لمجموعة تحت شعار معين احتكار الحكم على ذلك العمل بمنظور شخصي  بدوافع فردية أو بأحكام مُشدَّدة ، نعم، إذا افتقرنا إلى الحس الجمعي الفني وإلى وعي التلقي لحرية الرأي، سيفقد أي عمل بالتأكيد الكثير من سماته الأصيلة.. فالجزء الأهم من جماليات التعبير عموماً، والرواية كمثال واضح، هو مدى التفاعل معها وكيفية التلقي لها ، لذا أفكر..
كم من عمل رائع ضاع برعونة تقدير مُتفقٍ عليها، بسبب خلفية ثقافية ضعيفة أو مرجعية رائجة في مجتمع ما ،
كم من أثر هام، تبدد عن غباء وجهل وتجهيل!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و