الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رضوان الكاشف …… ساحر السينما وشاعرها

إبراهيم محمد حمزة

2006 / 7 / 17
الادب والفن



"أريدكم ..نعم .أريدكم جميعا .. سترحلون معى إلى هناك وراء ألف جبل وألف نهر ونهر وبحر ..إلى بلاد يفصلها عن نجعكم شموس وأقمار لا تعد ولاتحصى أوطان لا ترونها فى شواشى نخلاتكم العاليات ……….
وأنتن يا من تعتلين أسطح الدور ، يا ملح الأرض ..يا صانعات الخير والشر والسكون والقلاقل ستلبسن الحرير بعد أن كنتن تتشممن خيوطه من الحكايات المتوارثة .. فلتزغردقلوبكن ……

** عـلـى جثتـى :
المقطع السابق ليس قصيدة شعرية بديعة من شعرنا الحديث ، إنما هى مقطع منحوار فى بداية فيلم " عرق البلح " معجزة رضوان الكاشف السينمائية ، والتى تمت بمعجزة أكبر حين وجد من يقدر على إنتاجه سينمائيا –رغم ما به من إبداع وشفافية وشاعرية – بل تجمعت عليه ثلاث جهات إنتاجية ، هربت جهة وصمدت اثنتان ، أما الجهات فكانت التليفزيون المصرى وشركةمصر العالمية ومجموعة أوربية ، والأخيرة هى التى هربت مما جعل ماريان خورى – المنتجة – تتحمل عبء إنتاجه بل وتنفق بسخاء إلى الفيلم الذى أعطاها بتعبيرها مكسبا فنيا بلا حدود " .
وقبلها كان أحد أصدقاء رضوان قد نبهه إلى ضرورة تغيير مشاهده ، فرد رضوان بوضوح وتحد : " على جثتى ".
**فى حضن البدايات :
رضوان الكاشف صعيدى ، رغم أنه مولود بحى شعبى قاهرى فى 6أغسطس 1952م ، لكنه كان يقضى الصيف كله فى قريته " كوم اشقاو " بسوهاج حتى عهد الشباب الأول ، ثم استقر تماما فى حى منيل الروضة بالقاهرة ، وحصل على ليسانس آداب قسم فلسفة ،بعدما قدم عدة أبحاث ودراسات فى الفلسفة الصوفية عند " ابن عربى " و" ابن الفارض " والفارابى …وقد أفاده هذا التكوين الثقافى الجاد المتماسك فى إمداده ببعد روحى فى أعماله ، وفى تكوين رؤية خاصة به ، تشكلت من زاد لا ينضب من الأفكار التى ظلت تتصارع فى رأسه وتتناطح ، حتى قرر أن يتجه بإرادته الحرة إلى التعبير عن رأيه الخاص فقبض عليه فى ما سمى بـ "انتفاضة الحرامية " كما أطلق عليها السادات واعتقل وحكم عليه بالفعل حتى هرب ، ثم قبض عليه عام 1981م وأفرج عنه بعد قليل … وكان حتى هذا الحين قد أخرج كتابين هامين أولهما عن " عبد الله النديم وثانيهما هو " قضية تجديد الفكر عند زكى نجيب محمود "…
ووسط هذا الزحام والزخم الحياتى والفكرى كان التحول إلى دراسة السينما …. مقدمات لا تؤدى مطلقا إلى نتائجها المنتظرة ،غير أن الطالب المتفوق رضوان الكاشف قد كشف عن موهبته فى معهد السينما ، وحصل على البكالوريوس سنة 1984م وكان أول دفعته وبدأت المسيرة بفيلم " الجنوبية " .
** الجنوبية .. قصيدة سينمائية :
" الجنوبية " فيلم التخرج الذى تُـوّج به رضوان رائدا مبكرا لدفعته ،والفيلم 16مم روائى قصير ملون، أما قيمة الفيلم فتكمن فى اللغة السينمائية الساحرة التى تعامل بها رضوان ، غير عابىءباضطرارات وتنازلات لسوق ، فقد تعامل مع أدواته الإبداعية بحرية تامة ،بداية من السيناريو _ والسيناريو كما يرى مصطفى محرم _ أصعب مرحلة فى أى عمل سينمائى ،بل بتعبير محرم " إن مرحلة الشقاء عهى مرحلة إبداع السيناريو نفسه "… ثم بعد ذلك التصوير والآداءوكافة العوامل المساعدة ، فقد أفلت " الكاشف من غولين قاتلين : الرقابة والسوق .
هذه العوامل جعلت من "الجنوبية ” – الذى لم نسعد برؤيته ولا نملك إلا دعوة المسئولين عن السينما فى مصر إلى إنقاذه من التفتت ومعالجته فنيا ، جعلت منه تحفة فنية راقية بشهادة أصدقاء رضوان أنه " أكثر أفلامه تعبيرا عن رؤيته الفنية للسينما " وهو ما جعل وزارة الثقافة تمنحه جائزة العمل الأول عام 1988م .
وبعد عامين من هذه الجائزة يخرج لنا رضوان فيلما تسجيليا عمبق المغزى هو " الحياة اليومية لبائع متجول " ومدته 27دقيقة .
ليه يا بنفسج :
فى بداية استعداد رضوان لكتابة " ليه يا بنفسج " بالاشتراك مع سامى السيوى ، كان يضع فى مكتبه سيناريو فيلمه البديع " عرق البلح " لكن المنتجين أشادوا بعبقريته واعتذروا عن إنتاجه ، فقرر العملفى " ليه يا بنفسج "معتمدا فى البداية على رواية باهيا للكاتب البرازيلى " جورج آمادو " حيث كان الكاشف مذهولا من تيار الواقعية السحرية فى أدب أمريكا اللاتينية
لكنه بعد فترة اكتشف أن الأدب المصرى فى الستينات قد عبر عن المهمشين بطريقة من يعبر عن الداخل ، فشعر بمدى قربهم من البقات التى لا يعبر عنها أحد ولا يهتم بها أحد مطلقا ، فلا تعليم ولا تربية ولا رعاية ولا عمل …..
ولذلك أخرج الكاشف فيلما قريبا من الطبقات الفقيرةوهوذاته يقول : لو اقتربنا من هؤلاء لوجدنامدى إنسانية هذه الطبقات الفقيرة "
وقدخرج الفيلم والجوائزتلاحقه ، جائزة لجنة الحكيم بمهرجان القاهرة الدولى 1992م جائزة أحسن فيلم بمهرجان باريس ، جائزةأحسن فيلم وأحسن إخراج وأحسن سيناريو بمهرجان المركزالكاثوليكى ، ورغم هذه النجاحات يطل على ولائه لعشقه للسينما التسجيلية ،فيخرج لنا فيلما تسجيليا طويلا 95دقيقة ، بعنوان "الورشة " ويمضى وقت طويل ، حتى يخرج لنا صدمة فنية رائعة اسمها " عرق البلح " .
حتــى لو اشتغل فلاح :
"فى مقدمة السيناريو المطبوع لفيلم " عرق البلح "الذى طبعته وزارة الثقافة ، آفاق السينما
يتحدثالفنان خالد جويلى عن دعابته لرضوان حين استمع لسيناريو " عرق البلح " قائلا له : "هذا السيناريو مهما كنت تحبه لن تجد له منتجا أبدا ولو وجدته ستكون محظوظا لو احتفظ بـ75% من الأصل دون تشويه " .
فيرد رضوان ردا موجزا : " على جثتى "
وأجمل ما فى سيناريو " عرق البلح " أنه لا يقدم رأيا ولا حلولا بقدر ما يقدم أسئلة حيرى يشارك بها المتلقى حيرته ، من خلال قضية الهجرة التى ولدت شعورا لدى جيلكامل بأن الوطن قدأبدل ،وبات يعادى ذاكرته ويخوض معركة هائلة ومدمرة معا "
حيث صور الفيلم قدوم الغرباءوقهرهم لرجال أحد النجوع ،وإجبارهم على الرحيل معهم للعمل خارج الوطن ، ويستجيب الرجال للقهر المادىولمعنوى ويرحلون جميعاسوى شابيرفض كلية مساعيهم، ومن خلال هذا الصغير " أحمد "الذى قام بدوره محمد نجاتى، تعيش الواحة وتستمر الحياة فيها برعاية الجد الصامت " حمدى أحمد " والجدة "زيد الخير " ورغم محاولات النساء جره لعالمهن الغامض الساحر الحسى ، فإن حب سلمى " شريهان " لأحمد تمنعه من السقوط
وتبأ رسائل الأهل تصل لتفيض ذلا وانكسارا ويعود بعضهم ليجد آثار أحمد فى بيته فى بناء فرن أو بياض حائط أو حكاية لطفل ، هنا تبدأ الألسنة تخرج من عقالها : " واد بالغ وسط قبيلة من النسوان .. إعقل إنت " ويقرر الجميع " حكاية ولازم تخلص " .


** محــاولات للفهم :
وهذا الفيلم الذى لم يصمد فى دور العرض المصرية أكثر من أسبوع ، عرض تجاريا فى دول أوربا ، بل ظل ستة أشهر كاملة فى دور العرض بباريس ، ثم دخل مهرجان القاهرة حاملا ذهبيتين ، من مهرجانين بفرنسا والمغرب ، مما جعل ناقدا كبيرا بقيمة الدكتور عبد المنعم تليمة يقول بأن الفيلم يشكل سينما شابة جديدة تبشر بإدخال مصر حقا إلى السينما العالمية " .
وحينما عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة اضطر المنظمون إلى تكثيف الأمن للحد من زحام المشاهدين ……
ثم يعود الكاشف منتجا ومؤلفا ومخرجا فى " نظرية البهجة " الســـاحر ليقدم فيلماذات مستويات فنية وفكرية وفلسفية يعود به لجمهور " ليه يا بنفسج " مقدما المتعة والفكر مضفرين فى سلسلة من الجمال الفنى العذب ..
ورغم عمل رضوان مساعد مخرج فى أكثر من عشرين فيلمامع داوود عبد السيد وشاهين والميهى ؛ ورغم أعماله فى السينما التسجيلية ؛فقد ظل هاويا ، يصنع سينما ترضيه هو ويردد دائما : لن أقوم بأشياء لا أحبها ، حتى لو اضطرنى ذلك إلى الذهاب للصعيد والمكوث بين الأقارب لزراعة الأرض "
………………..
يا ترى هل كانت صدفة أن يولد رضوان الكاشف فى عام الثورة ويموت فى ذكرى النكسة ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??