الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الإرهاب وجدلية التفاوت التلفيقي
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
2020 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية
حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي
فريق دار الأكاديمية: هل ترى بأن هناك تلاوين مختلفة في الشكل والنوع والوظيفة للإرهاب كمفهوم في حيواتنا السياسية اليومية على المستوى العربي أو العالمي أو الاثنين معاً؟
مصعب قاسم عزاوي: الإرهاب بالمعنى العمومي هو استخدام الترويع والقهر والعنف وسيلة لتحقيق هدف إيدلوجي أو سياسي أو اجتماعي أو غيره مرتبط بمصلحة فئة على حساب أخرى. وهو بذلك المعنى مفهوم شامل غير قابل للتفاوت باستعادة من النحويين العرب، إذا لا يمكن أن تقول «فلان أكثر موتاً من فلان» بعد رحيل كليهما من الحياة الدنيا، أو أن ذلك الفعل «أكثر إرهاباً من ذاك»، فالإرهاب واحد وإن اختلف في تمظهره العياني المشخص.
ولكن واقع الحال، وخاصة في الحقل الإيدلوجي وذلك الإعلامي المرتبط به كأداة «للدعاية السوداء-البروباغندا»، فهناك أنواع وأشكال وألوان ودرجات من الإرهاب. فهناك إرهاب منسي ساقط عبر ثقوب الذاكرة المثقوبة لنظم الهيمنة، كمثل ذلك الإرهاب الوحشي الذي قام به النازيون «هادفين إلى تطهير القارة الأوربية من الغجر» الذين يسمون في أوربا شعوب الروما و السندي أو ما يعرفون بالغجر الأوربيين والتي ذهب ضحيتها أكثر من نصف مليون إنسان، وهي حقيقة منسية قد لا تجد ذكراً لها في القاموس السياسي الفكري الغربي، على الرغم من أن جريمة موازية لها في وحشيتها وبربريتها، مشخصة بالإبادة الجماعية ليهود القارة الأوربية بطريقة لا تختلف في جوهرها عن تلك التي جرت بحق الغجر الأوروبيين، صارت نموذجاً نمطياً ووصفياً للإرهاب، قد لا يخلو خطاب سياسي أو إعلامي غربي من رثائه والتباكي حزناً وكمداً على تراجيديته، و دون أن تجد أثراً ولو مجهرياً يشير إلى نفس التراجيديا التي كان ضحيتها مئات الآلاف من غجر أوروبا، فهم وفق الشروط الراهنة لموازين المصالح والقوى، يقعون في دائرة الضحايا من «البشر الذين لا قيمة لهم» والذين يستحق نسيان الإرهاب الواقع بحقهم جملة وتفصيلاً.
وهناك نموذج من الإرهاب المنقلب إلى دفاع مشروع عن النفس وعن مفاهيم هرائية أخرى مثل «الحرية الغربية» التي تغنى بالحديث عنها جورج بوش الابن إبان خطابه التبريري لحملته البربرية لتهشيم أفغانستان وشعبها برمته، أو الخطاب الصهيوني المتكرر لتسويغ «انتقامه المشروع» بتذرية بقايا حطام المجتمع الهشيم في غزة المحاصرة بآلتها الحربية الما بعد حداثية رداً على فعل أهوج غير ذي قيمة فعلية، على نهج «صواريخ التنك التي لا تهش ولا تنش» و التي قد لا يصرح أحد بالمسؤولية عن إطلاقها من غزة، هذا إن كانت حقيقية ولم تكن قصة مختلفة على طريقة الأفلام الهوليودية، و دون أن يتفكر أي ناطق مفوض بلسان حال الخطاب الغربي المهمين سياسياً أو إعلامياً بالتفكر مواربة أو تلميحاً بأن ذلك النموذج الوحشي من العقاب الجماعي لمجتمع بأكمله هو إرهاب وصفي بالمعنى اللغوي وحسب كل الشرائع والقوانين المحلية والدولية.
فالإرهاب هو إرهاب عندما يقوم به إنسان مقهور مظلوم غارق في وعيه الاكتئابي العميق، والذي يحول منظاره لفهم العالم إلى نفق مظلم لا مخرج منه إلا بالنكوص إلى أكثر الغرائز بدائية في صيرورة تطور الإنسان كحيوان اجتماعي عاقل، ألا وهي غريزة «العنف والتدمير»، بعد أن لم يطق احتمال كل أشكال العسف والإذلال ونزع الإنسانية عنه، ولم يعد قادراً على التفكر إلا بأي كيفية حاذقة أو خرقاء للرد على ما حاق به عمقاً وسطحاً، وكأنه قطة أليفة حشرتها في الزاوية، وأشبعتها ركلاً وضرباً وتجويعاً وتخويفاً فلم يتبق لها من خيار سوى إشهار أنيابها وإعمالها في جلدك جزاء ما قمت بها تجاهها ظلماً وعسفاً.
و حسب قاموس أسس توطيد هيمنة الأقوياء الأثرياء على المستضعفين المفقرين الذي يمثل الكتاب المقدس لوسائل الإعلام المتسيد فالإرهاب هو «دفاع مشروع عن النفس» و«انتقام لا بد منه» عندما يقوم به الأقوياء المهيمنون على مصادر السلطة والثروة والقوة على المستوى الكوني، أو أي من وكلائهم المحليون القائمون بدور «المفوضين السامين» المخولين بإدارة مصالح سادتهم وأولياء أمرهم، باستخدام «طائراتهم وصواريخهم الدفاعية المشروعة» التي لا بد أن تدافع عن أرض الأقوياء على أرض المستضعفين من خلال تهشيمها و تحويلها إلى حطام مجتمعي عميم، بينما كل ما لا يقع في تلك الدائرة التصنيفية لأي من تلك «الأهداف الاستراتيجية السرمدية» التي لا يستقيم التقاؤها مع أي اعتبارات أخلاقية أو قانونية سوى ما يمكن الاتكاء عليه لتبرير كل الوسائل و المطايا الواجبة الركوب لإدراك تلك الغايات «السامية» هو «إرهاب ظلامي بربري» لا بد أن يستدعي الرد عليه بكل أشكال الويل و الثبور و عظائم الأمور .
فريق دار الأكاديمية: قد يرى البعض بأن خطابك هو تبرير للإرهاب، فكيف ترد على ذلك؟
مصعب قاسم عزاوي: من الناحية المبدئية الثابتة التي لا تتغاير أبداً، فكل أشكال الإرهاب والعنف والإذلال والحض من إنسانية الإنسان مدانة بكل ما تستطيع اللغة استنباطه من مفردات لذلك.
ولا تعتبر المطالبة بتسمية الأشياء بمسمياتها وكشف ستار «الدعاية السوداء» عنها تبريراً للإرهاب بأي شكل كان. فلا يمكن أن يكون «إرهاب الأقوياء دفاعاً مشروعاً عن النفس» و«إرهاب الضعفاء المقهورين إرهاباً زلالاً».
ولا يستقيم أيضاً توصيف التفسير المتعقل لأسباب ظاهرة الإرهاب بأنه «تبرير له»، بنفس الشكل الذي لا يستقيم إدانة الطبيب الذي يشير لمريضه بالأسباب التي قد تسبب أو تفاقم مرضاً يعاني ما، بأنه يريد لمريضه أن يكون ضحية لذلك لعقابيل ذلك المرض أو العرض المرضي الذي يعاني منه.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر