الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارمينيا الصغيرة تقطع الطريق على مشروع -تركيا الكبرى الاسلاموية-

جورج حداد

2020 / 12 / 5
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*


ان التاريخ "الرسمي" العربي ـ الاسلامي ينطلق من فكرة ان قيام الامبراطورية التركية العثمانية هو امتداد او استمرار لظهور الاسلام والحركة الاسلامية التاريخية.
ولكن اي بحث تاريخي علمي وموضوعي يدفعنا الى تصحيح هذا المفهوم، ويجعلنا نضع ايدينا على الحقائق التاريخية التالية:
ـ1ـ ان الغرب الاستعماري (ذا الوجه "المسيحي الغربي": الكاثوليكي (الفاتيكاني) والبروتستانتي) كان يشجع ويدعم الاقطاع العسكري الهمجي التركي (الذي يمثل الاساس الاجتماعي لنشوء الامبراطورية العثمانية) الذي قام، بالتعاون مع "ذيله التاريخي": الاقطاع العشائري الكردي، بسحق المسيحيين الشرقيين: الارمن والاشوريين والسريان والكلدان والعرب واليونانيين والبلغاريين والصربيين والالبان القدماء وغيرهم، وابادتهم وطردهم و"اسلمتهم" وتتريكهم والاستيلاء على اراضيهم.
ـ2ـ ان الدول "المسيحية الغربية" وعلى رأسها الفاتيكان شجعت ودعمت، سرا وعلنا، قيام العثمانيين بغزو القسطنطينية والاستيلاء عليها في 1453، لمنع روسيا من الوصول الى البحر الابيض المتوسط، عن طريق الاتحاد بين روسيا وبيزنطية قبل سقوط الاخيرة في براثن العثمانيين.
ـ3ـ ان دول اوروبا الغربية كانت تتمتع بسلطات استثنائية في الامبراطورية العثمانية، وهي التي كانت تدير شؤونها وتتحكم بها واقعيا، بفعل "الامتيازات الاجنبية" التي منحها سلاطين بني عثمان للسفارات والشركات الاوروبية وللمتمولين اليهود.
ـ4ـ كانت الطغمة المالية اليهودية العالمية والدول الاستعمارية الغربية تستحلب الامبراطورية العثمانية عن طريق السيطرة على التجارة، ومنح القروض المشروطة ذات الفوائد العالية، للسلاطين والباشوات، مما جعل الامبراطورية اشبه ببقرة حلوب وجامع ضرائب لمصلحة الارستقراطية اليهودية والاوروبية.
ـ5ـ كلما كانت تقوم اي حركة استقلالية او تحررية ضمن اراضي الامبراطورية العثمانية، كانت الدول الاوروبية تدعم السلطة العثمانية ضد تلك الحركات. وقد ظهر ذلك بشكل فاضح في ثلاثة احداث تاريخية هي:
ــ الموقف الاوروبي من حركة الامير فخرالدين المعني الثاني (1590 - 1635م) الذي امتدت امارتهه اللبنانية المستقلة من حلب الى فلسطين. فتواطأت اوروبا الاستعمارية مع السلطنة العثمانية لإفشاله واسره واعدامه خنقا مع اولاده في الاستانة.
ــ الموقف من حركة محمد علي باشا المصري (1805 ـ 1849) الذي حينما وصلت جيوشه الى الاناضول وكانت على وشك دخول الاستانة طوقت الاساطيل الاوروبية مصر واجبرته على الانسحاب.
ــ في 1848 قامت في جبل لبنان انتفاضة الفلاحين المسيحيين ضد الاقطاع. ورفعت الانتفاضة شعار "الجمهورية اللبنانية" لاول مرة في تاريخ الشرق. فارتعبت السلطنة العثمانية والدول الاستعمارية الاوروبية من هذه الانتفاضة، وتواطأت فيما بينها ومع الاقطاع الدرزي والمسيحي في لبنان لوأد الانتفاضة، في المذبحة الطائفية ضد المسيحيين في جبل لبنان وفي دمشق سنة 1860. وقد حمى الامير عبدالقادر الجزائري المسيحيين الدمشقيين من الابادة الكاملة. وحينما كان الدخان يتصاعد من بيوت الفلاحين المسيحيين المحروقة في جبل لبنان، كانت السفن الحربية الاوروبية تتنزه قرب السواحل اللبنانية، وكان القنصل الفرنسي يدخن النرجيلة مع الباشا والي بيروت التركي. ويُذكر ان احد رجال الدين المسيحيين (وكان مرتبطا بالقنصل الفرنسي ومن الذين كانوا يحرّضون ويحضّرون للفتنة) قال لاهالي بلدة دير القمر المسيحيين الذين رفضوا حمل السلاح ضد الدروز: "اذا لم يذبحكم الدروز فسنذبحكم نحن" (راجع كتاب "ثورة وفتنة في جبل لبنان" للمؤرخ اللبناني النهضوي يوسف ابرهيم يزبك). وتقول بعض المرويات الشفهية بين المسيحيين اللبنانيين ان رجال عصابات الاقطاع الدرزي دخلوا سلما الى بلدة دير القمر. ومع ذلك جمعوا عددا كبيرا من رجالها، وادخلوهم فردا فردا وذبحوهم في كرخانة الحرير في البلدة.
ـ6ـ في كل الحروب التي خاضتها روسيا ضد الامبراطورية العثمانية، وقرنا بعد قرن، كانت الدول الاستعمارية الاوروبية تتدخل دوما لحماية العثمانيين من الهزيمة والسقوط. وكان الجنرالات والضباط اليهود والاوروبيون الغربيون يتخذون اسماء اسلامية ويتطوعون لقيادة الجيوش العثمانية في الحروب ضد روسيا، وفي المجازر ضد المسيحيين الشرقيين.
ويمكن للباحث التاريخي الموضوعي ان يستنتج من كل ذلك:
ـ أ ـ ان الامبراطورية العثمانية كانت في الواقع "حملة صليبية تاسعة" (بأعلام وأدوات وخطابات وفتاوى اسلامية) ضد شعوب الشرق العربي والمسيحيين الشرقيين وروسيا، اي نوعا من "وكيل اسلامي ـ عثماني" للدول الاستعمارية الغربية والطغمة المالية اليهودية العالمية، في استعمار ونهب الشرق العربي، وفي اضطهاد وابادة المسيحيين الشرقيين، وفي الحروب المتواصلة ضد روسيا.
ـ ب ـ ان الامبراطورية العثمانية لم تكن لتقوم اصلا، بدون السياسة الاستعمارية للدول الاوروبية واليهودية العالمية، ولظلت مجرد امارة لقبيلة طورانية متوحشة، تتصارع مع القبائل المتوحشة الاخرى.
ـ ج ـ ان العمل لبعث "العثمانية الجديدة" ومشروع "تركيا الكبرى الاسلاموية"، الذي تقوده الاردوغانية في الزمن الحاضر، انما يستند الى "التجربة التاريخية الناجحة"، وهو "استمرار" و"تكرار"، لقيام الامبراطورية العثمانية الكلاسيكية، في علاقة وثيقة مع الدول الاستعمارية الغربية واليهودية العالمية، مع فارق وحيد هو انه بدلا من اوروبا الاستعمارية تحل الان محلها الامبريالية الاميركية.
وخلال مئات السنين من التاريخ الاسود لوجود الامبراطورية العثمانية، نشأت شريحة او طبقة اجتماعية ذات مظهر ديني "اسلامي" ترتبط عضويا، سرا وعلنا تبعا للظروف السياسية، بالدول الاستعمارية الغربية واليهودية العالمية. وبعد انهيار الامبراطورية العثمانية لا تزال هذه الطبقة تجد استمرارها في انظمة الحكم الموالية للغرب، وفي الاحزاب والتيارات الطائفية الاسلامية "الشعبية" المرتبطة بتلك الانظمة في البلدان العربية والاسلامية عامة وفي تركيا خاصة.
ولكن التيارات "الشعبية" الطائفية الاسلامية المرتبطة بشكل مباشر او غير مباشر بستراتيجية الدول الاستعمارية الغربية واليهودية العالمية هي على تعارض تام مع التوجه الرئيسي العام للجماهير الشعبية العربية والاسلامية، المعادي للاستعمار والامبريالية واليهودية العالمية والصهيونية، وهو التوجه الذي تمتد جذوره الى زمن مواجهة الغزوات الاستعمارية المتمثلة بالحروب الصليبية. ولا حاجة للتأكيد ان هذا التيار الاسلامي الشعبي التحرري كان على الدوام عرضة لاشد اشكال القمع والاضطهاد، منذ ايام السلاجقة وغيرهم من الطورانيين، والايوبيين الاكراد، والحثالات البشرية من المماليك، والمتوحشين العثمانيين، وصولا الى انظمة الحكم العربية والاسلامية العميلة في زمننا الراهن.
وبعد انتصار الثورة الشعبية الاسلامية في ايران ارتفعت موجة تيار الاسلام السياسي في جميع البلدان العربية والاسلامية، بما في ذلك في تركيا "العلمانية". واطلق بعض المحللين على تلك الموجة تسمية ضبابية هي "الصحوة الاسلامية!".
وفي البداية كان هناك تداخل وضياع للحدود بين الجناح الشعبي التحرري والجناح الرجعي ـ السلفي ـ التكفيري (المرتبط بالانظمة العربية والاسلامية العميلة، وبالمخابرات الاميركية والغربية والاسرائيلية) داخل تيار الاسلام السياسي وما سمي بـ"الصحوة الاسلامية!".
وبنتيجة جدلية المعركة التاريخية ضد الامبريالية واسرائيل والصهيونية، كان من المحتم ان يقع الفرز الحاد بين الجناحين التحرري، والتكفيري العميل، في تيار الاسلام السياسي. وعلى خلفية هذا الفرز ظهر:
ـــ محور المقاومة بقيادة ايران الثورة من جهة؛
ـــ والمحور التركي ـ السعودي ـ الداعشي، من جهة ثانية.
وقد اضطلعت تركيا الاردوغانية بدور مركزي في مشروع الخلافة الداعشية في العراق وسوريا، الذي جند فيه عشرات الوف المقاتلين الاسلامويين التكفيريين الاجانب، وكانت تركيا قاعدة انطلاقه الرئيسية. ولكن هذا المشروع فشل فشلا ذريعا، بفعل صمود محور المقاومة المعادية للامبريالية والصهيونية، والدعم الروسي الفعال لمحور المقاومة.
وعلى خلفية هذا الوضع نشأ في تركيا تيار "العثمانية الجديدة" الذي تقوده الاردوغانية، والذي هو مزيج من الايديولوجية الاسلاموية التكفيرية (التي تجتذب الاسلامويين التكفيريين الاتراك والعرب والاجانب) والشوفينية التوسعية التركية (التي تجتذب المتعصبين القوميين الاتراك "العلمانيين").
وتدعو "العثمانية التركية الجديدة"، بلسان رجب طيب اردوغان نفسه، الى "استعادة العثمانيين لاراضي اجدادهم"، التي تشمل البلدان العربية وقبرص واليونان والبلقان والقوقاز والجمهوريات الناطقة بالتركية في اسيا الوسطى.
وتطرح "العثمانية الجديدة" مشروع اقامة "تركيا الكبرى الاسلاموية" (الذي يضم تركيا الحالية، والاراضيب العربية "العثمانية السابقة"، والقوقاز الاسلامي، والجمهوريات الاسلامية في اسيا الوسطى)، كبديل لمشروع "الخلافة الداعشية" الفاشل.
ويحظى مشروع "تركيا الكبرى الاسلاموية" بالدعم الكامل من قبل الامبريالية الاميركية واليهودية العالمية، باعتبار انه يمكن ان يشكل قوة صدام كبرى ضد محور المقاومة بقيادة ايران الثورية، من جهة، وضد روسيا ومعها الصين، من جهة اخرى.
وتعمل الامبريالية الاميركية على ايجاد هامش تباعد ظاهري بينها وبين الدولة التركية، لاضفاء طابع "استقلالي!" على مشروع "تركيا الكبرى الاسلاموية"، من اجل زيادة فرص نجاحه.
واذا ألقينا نظرة على الخريطة نجد ان ارمينيا (وجيب ناغورني كاراباغ الارمني الصغير الممتد داخل الاراضي الاذربيجانية) تقع في وسط المساحة بين تركيا، من جهة، والقوقاز الاسلامي (الشيشان وداغستان وتتارستان وقبردينو ـ بلقاريا)، من جهة ثانية، واذربيجان ومن ورائها جمهوريات اسيا الوسطى الاسلامية والناطقة بالتركية، من جهة ثالثة.
اي ان ارمينيا الصغيرة والضعيفة تقطع التواصل الجغرافي بين الدولة التركية وبين اذربيجان (الناطقة بالتركية) ومن ورائها اسيا الوسطى، وبينها وبين القوقاز (الاسلامي). اي انها تقطع الطريق على التحقيق العملاني لمشروع "تركيا الكبرى" و"العثمانية الجديدة الاسلاموية".
ومن منظور تاريخي معين، فإن مذابح الابادة التركية ضد الشعب الارمني المظلوم، في العقد الاخير من القرن التاسع عشر، ثم في الحرب العالمية الاولى وحتى سنة 1922، كانت تهدف الى التخلص التام من الارمن، وتحقيق التواصل الجغرافي بين السلطنة العثمانية (ثم الجمهورية التركية) وبين اذربيجان. ولكن هذا المشروع فشل في حينه، نتيجة اندلاع الثورة الاشتراكية الروسية الكبرى في 1917، وتأسيس الاتحاد السوفياتي، وانضمام ارمينيا واذربيجان معا الى الاتحاد السوفياتي.
والان يريد نظام اردوغان (مستندا الى ضعف ارمينيا والوضع المأزوم لروسيا التي تواجه حملة اميركية ـ غربية شرسة) استكمال مهمة تطهير الارض الارمنية من الارمن، التي بدأها "السلطان الاحمر" عبدالحميد، واكملتها من بعده عصابة "تركيا الفتاة" الماسونية ـ اليهودية، ولكنهما لم يستطيعا الوصول بها الى "النهاية". وهو ما يتنطح له الان نظام اردوغان.
وهذا هو السبب الرئيسي والجوهري لقيام تركيا الاردوغانية بتشجيع اذربيجان ودعمها بمختلف الاشكال (بما في ذلك ارسال الوف الارهابيين الداعشيين من مختلف الجنسيات من سوريا، للقتال ضد الارمن المظلومين وذبحهم وطردهم من بيوتهم) لشن الحرب الاخيرة ضد سكان ناغورني كاراباغ وارمينيا.
ولكن التدخل السياسي الروسي الحازم قطع الطريق على تحقيق مشروع "تركيا الكبرى الاسلاموية" في القوقاز، كما سبق وقطع الطريق على تحقيق مشروع "الخلافة الداعشية" في الشرق العربي. وقد قبل الطرفان، اذربيجان وارمينيا (وبغير رضا تركيا الاردوغانية طبعا) وقف اطلاق النار الذي اعلن في 9 تشرين الثاني 2020، وهو يقضي بنشر قوات روسية لحفط السلام على امتداد خط الجبهة بين اذربيجان وبين جيب ناغورني كاراباغ وارمينيا. والجدير ذكره ان هذه القوات الروسية ليست "قوات مراقبة" بل "قوات ردع"، اي انها مخولة بالرد على اي خرق لوقف اطلاق النار من كلا الطرفين المتخاصمين.
وهذا يعني الحؤول دون احتمال قيام الشوفينيين الارمن الموالين للغرب بالاصطياد في الماء العكر بالتعدي على المواطنين الاذربيجانيين في جيب ناخيتشيفان داخل الاراضي الارمنية، او تخريب انابيب الغاز والنفط الاذربيجانية التي تمر قرب الحدود الارمنية من اذربيجان الى جورجيا ومنها الى تركيا للتصدير الى اوروبا.
ويعني في الوقت نفسه وقف استكمال "العملية التاريخية" لابادة الشعب الارمني وتطهير الارض الارمنية من الارمن، اي قطع الطريق على مشروع اقامة "تركيا الكبرى الاسلاموية" الذي تدعمه اميركا، كما كانت تدعم مشروع اقامة "دولة الخلافة الداعشية".
وقد اضطرت تركيا الاردوغانية للقبول على مضض بالاتفاق الروسي ـ الاذربيجاني ـ الارمني لوقف اطلاق النار ونشر قوات حفظ السلام الردعية الروسية، لانها ـ اي تركيا، ومن ورائها اميركاـ تخشيان المواجهة مع روسيا.
اما حكومة الهام علييف الاذربيجانية فقد وقعت على الاتفاق، لان الاكثرية الساحقة من الشعب الاذربيجاني لا تؤيد الصراع المسلح مع الشعب الارمني، في سبيل الاتحاد مع تركيا، وهي تدرك ان ما تنعم به اذربيجان من تقدم حضاري وازدهار اقتصادي انما تحقق بفضل التعاون والمساعدة الاخوية من قبل الشعب والدولة الروسيين، وان احتمال العداء مع روسيا سيقود اذربيجان حتما للعودة الى مرحلة الانحطاط الحضاري على النمط العثماني، والتحول الى شبه مستعمرة اميركية ـ يهودية ـ تركية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م