الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطرٌ مصريةٌ صرفٌ.

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2020 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


(1) لاشك أن مِصْرَ كانت خلال السنواتِ من 1805 الى 1952 أقربُ نسبياً للحداثةِ. ولكن هذا القربَ لا يجب أن يمنعنا من رؤيةِ علاماتِ وهنٍ فى الإرادةِ السياسيةِ خلال عقود عمر "مصر محمد عليّ". فبينما تألقت الإرادة السياسية فى عهد إسماعيل (من 1863 الى 1879) فهى لم تكن على نفس المستوى بعده. وضروري أن نُذكِر بما فعله إسماعيل عندما رفض شيخ الأزهر قرار إسماعيل بإلغاء الرق (العبودية). فإسماعيل القوي لم يتردد فى عزل شيخ الأزهر ومعه بعض من رجال الأزهر الذين وقفوا مع شيخهم ضد قرار إلغاء الرق. أما توفيق الذى حكم من 1879 الى 1892 ونجله عباس حلمي الثاني الذى حكم من 1892 الى 1914 ، فقد كانا بدرجةٍ ما "إسلاميين-عثمانيين الهوى". ففى عهديهما وجد جمال الأفغاني ومحمد عبده و محمد رشيد رضا الذى سيقود لاحقاً لتكوين جماعة الإخوان فى 1928. وهذا هو التيار الذى أفرز مصطفي كامل والحزب الوطني (العثماني الهوي) فى مواجهة "حزب الأمة" العلماني الصرف الذى أسسه أحمد لطفي السيد. والحزبان (الوطني والأمة) تأسسا فى ذات السنة (1907). ويجب أن نتذكر إعتبار فاروقه قد بلغ سن الرشد بالحساب الهجري ورغبته فى أن يتلو قسم ولايته العرش فى الأزهر وهو ما رفضه مصطفى النحاس وتصاعد النغمة الإسلامية على يد عددٍ من رجال القصر طيلة عهد فاروق. وكل هذه السقطات لا تماثل ما حدث بعد 23 يوليو 1952 وأخطرها تحويل المؤسسة الأزهرية لحجمها الحالي ثم جاء فى 1970 "الرئيس المسلم لدولةٍ إسلامية" ! وأثناء سنوات عهده تعملق الإسلام السياسي بدعم سعودي-أمريكي كبير. (2) إذا أحصينا الأمور التى تحتاج للإصلاحِ والتطويرِ ومواكبةِ مستوياتِ العصرِ فى مِصْرَ اليوم بعد عقودٍ من سوءِ الإدارةِ والإنشغالِ بأمورٍ خارج حدودِ الوطن ، فسوف نكتب عشرات المواضيع. وقد قمتُ بهذا مراراً. وهذه المواضيع العديدة من نوعين : نوع أُسميه مواضيع الهارد-وير Hardware Subjects ، ومواضيع السوفت-وير Software Subjects. أما الأولى فتشمل إزالة العشوائيات وإسكان المقيمين فيها بمنازل عصرية تليق بكرامة الإنسان ، وتشمل المدن الجديدة والطرق والجسور وسائر مجالات البنية التحية ومحطات وشبكات الكهرباء وغيرها. وهى كلها مواضيع فى غاية الأهمية. أما مواضيع أو مجالات سوفت-وير مصرَ فهى التعليم والخطاب الديني والثقافة والفنون والإعلام والتى يجب أن تخدم كلها أن مصرَ دولة تتوخى أن تكون عصرية ومدنية وهو ما يعنى دولة يتخلى مواطنوها بقيم الإنسانية الحديثة مثل التعددية والغيرية Otherness (قبول الآخر) والتعايش المشترك وحقوق المرأة كإنسان كامل المواطنة والعقل النقدي والتعليم العصري ... إلخ. ولاشك عندي أن ثورة 30 يونية 2013 أنقذت مِصْرَ من مصير حالك السواد. وأن دولة-3 يوليو 2013 أعادت الأمل بأن تلحق مصر بمسيرة التقدم الإنساني. ولكن نظرة فوقية (ماكرو) لما حدث على أرضِ الواقع خلال سبع سنوات ونصف بعد 3 يوليو 2013 تؤكد أن ما تحقق ولايزال يتحقق فى مجالاتِ هارد-وير مصرَ أكثر وأفضل مما تحقق فى مجالات سوفت-وير مصرَ. وكاتب هذه الكلمات يعلمُ جيداً أن تطوير وتحديث مواضيع سوفت-وير مصرَ أصعبُ بكثيرٍ من تطوير وتحديث مواضيع هارد-وير مصرَ. فالحجر والجماد لا يُقاوم التطوير والتحديث كما يفعل بعضُ البشر ! ولكن الواجب يُملي عليّ أن أقول أن عدم تطوير وتحديث مجالات سوفت-وير مصرَ سيضر بما تحقق فى مجالات تطوير وتحديث هارد-وير مصرَ. ولننظر لإساءات من كانوا بالأمس يعيشون فى العشوائيات لمنازلهم ومناطقهم التى إنتقلوا لها ، فإذا بهم يحاولون تشويهها تشويها (إن لم يُمنع) قادر على جعلها مثل العشوائيات خلال سنوات قليلة. (3) "المزاجُ السلفي" الذى أصبح شائعاً فى المجتمعِ المصري والذى لا ينحسر بل يتفاقم وبسرعةٍ هو خطرٌ كبيرٌ على الدولةِ المدنيةِ التى يحلم بها البعضُ. وهو مزاجٌ رجعي وظلامي مضاد للعقلِ والتفكيرِ العلمي والحرياتِ. وهو يقيناً فى غير صالحِ المرأة والمختلف دينياً. وإذا كانت دولةُ الإخوان فى مِصْرَ قد وضع لها حداً بذراعِ الدولةِ القويةِ ، فإن المزاجَ السلفي المتصاعد لا يمكن حسره بنفسِ الطريقة. وإنما يستلزم الأمرُ بعد توفر الإرادة السياسية عمل منسق بين مؤسساتِ التعليمِ والإعلامِ والثقافةِ والخطابِ الديني. وكلها شبه غائبٍ فى مِصْرَ اليوم بل وبعضها يخدم موجةَ المزاجِ السلفي المتنامية. (4) حقيقة بسيطة تعرفها أنت يامن تقرأ كلماتي هذه ويعرفها كل إنسان ، ومع ذلك تتصرف ويتصرفون بطرق تخالف التداعيات الحتمية لهذه الحقيقة : فأنت يهودي إشكنازي أو يهودي سفاردي أو يهودي قرَّاء أو مسيحي أرثوذوكسي أو مسيحي كاثوليكي أو مسيحي بروتستانتي أو مسلم سني أو مسلم شيعي أو مسلم من طائفة الخوارج أو بهائي أو درزي أو بوذي أو أي شيءٍ آخر ، لأن هذه كانت ديانة والديك. فلم تتصرف ليس فقط وكأنك "إخترت" بل وكأنك "إخترت الأفضل" ؟؟!! وهل تعرف أن سلوكك هذا أيّ تصرفك وكأنك إخترت يضحكني أكثر مما يضحكني إسماعيل يس فى مستشفي المجانين !!! (5) ثلاثةُ مواضيع أَوليتُها إهتماماً كبيراً وقرأتُ الكثيرَ من الدراساتِ والوثائقِ عنها. الموضوعُ الأول هو تأسيس دولةِ پاكستان فى وقتٍ متزامنٍ مع إستقلال الهند (1947). والموضوع الثاني هو التوافق الإخواني/السعودي/الأمريكي خلال خمسينياتِ وستينياتِ وسبعينياتِ القرنِ الماضي. والموضوعُ الثالث والأخير هو دور عددٍ من أجهزةِ المخابراتِ الغربيةِ الكبرى وراء عمليةِ وصولِ الخميني لحكمِ إيران وهو ممثل ذروةِ الأصوليةِ الإسلاميةِ الشيعيةِ. وسأنشرُ قريباً ما كتبتُه مؤخراً عن هذه المواضيعِ الثلاثةِ التى يجمعها خيطٌ فى غايةِ الخطورةِ وأعني إستعمال بعض كبرياتِ أجهزةِ المخابراتِ الغربيةِ للإسلامِ السياسي (السني والشيعي) لخدمةِ عددٍ من أهدافِها الإستراتيچية. (6) فى تسعينياتِ القرنِ الماضي كنت أزورُ سوريا 4 مراتٍ سنوياً لحضورِ إجتماعاتِ شركةِ الفرات للبترول. وكنت أُقيمُ فى فندق الشام فى دمشق. وقد وقعتُ فى حبِ سوريا من أولِ زيارةٍ. وكان إحساسي دائماً أنني فى بلدي. وكانت معرفتي بالتاريخِ المشترك لمصرَ وسوريا من أهمِ أسبابِ خصوصيةِ مشاعري تجاه سوريا وتجاه السوريين. وبقدر ما حاولتُ إكتشاف دمشق ، فقد فعلتُ نفسَ الشيء خارجها (حلب ، حمص ، حماة ، اللاذقية ، تدمر). وبقدر حبي لسوريا وشعبِها وتاريخِها وثقافتِها ، بقدر ما آلمتني المذبحةُ التى إجتاحت سوريا بهدفِ تقسيمِها منذ أقل قليلاً من عشرِ سنوات. ولا أزعم أو أدّعي أنني كان لي أي دورٍ ، ولكن الحقيقةَ أنني كنت واحداً من كثيرين طلب الرئيسُ پوتين الإستماع لوجهةِ نظرهم سنة 2012 بخصوص ما كان يحدث فى سوريا. وإتفقت وجهةُ نظري مع وجهاتِ نظر نحو 25 من المشهودِ لهم بعمقِ المعرفةِ بالإسلامِ السياسي. فقد أكد له كل من إستمع لهم بأن إجهاضَ مشروعِ تقسيمِ سوريا هو أمرٌ حتميٌ. فتقسيم سوريا كان يستهدف تسليم ثلاثة أرباع سوريا والسوريين للإخوان. ورغم الدمار الذى حل بسوريا ورغم أنهار الدمِ التى سالت على أرضِ سوريا ، فإن إفشالَ مؤامرةِ تقسيمِ سوريا يبقي كإنجازٍ بالغِ القيمةِ و الأهمية. (7) من روايتك Farceland (مهازلستان) : جلسنا اليوم مع فيلسوف مهازلستان الذى لم ينتظر أسئلةً من أحدِنا وإنما إنطلقَ ممطراً الإعلاميين المهازلستانيين بحجارةِ نقدِه ! وأخذ بعضُنا يدون كلماتِ الأستاذ : عجيبٌ و غريبٌ و مريبٌ أمر معظمِ الإعلاميين فى بلدِنا. فخلال العقودِ الثلاثةِ لمن كان واحداً من أجهلِ حكامِ العالمِ ، كان معظمُ الإعلاميين كالكلابِ التى أخصاها صاحبُها ! وخلال سنةِ حكمِ الموكوس "كرسي" ، تألق أداءُ إعلاميّ مهازلستان. وبعد سقوطِ حكمِ ممثلي الشيطان عاد إعلاميو مهازلستان لعهدِهم : خصاء مطلق ! وقد تفوقت أجهزةُ الدولةِ العميقةِ فى مهازلستان فى ترويضُ القرودِ ! فنصفُ إعلامي مهازلستان الحاليين تم إقصاءهم عن الساحةِ الإعلاميةِ وإبقاءهم كرباتِ البيوتِ فى منازلِهم. ثم تعيدهم الدولةُ العميقة للشاشاتِ ، فيكونوا مروّضين كقردِ الشارعِ الذى يُنفذ على الفورِ طلبات (بل وإشارات) سيدِه !!! (8) من روايتي "مهازلستان". تحدث اليوم فيلسوف مهازلستان فقال : كان لجارٍ لي مشكلة كان يراها عويصة. وهى التناقض الكلي بين إبنيه. فإلنه الأكبر لم يكن مشغولاً بغير حبه للقراءة وللفنون ، وكان المال يأتي متأخراً فى قائمة أولوياته و إهتماماته ... أما إبنه الأصغر فكأنه لا يفكر ولا يهتم إلّا بالمال وإكتنازه ... ومنذ صغرهما ، أطلق عليهما (من باب السخرية) إسمي إبني آدم أول البشرِ كما جاء بالأساطير ... فكان يتدخل لإيقاف حواراتهما المحتدمة بصيحة بأحد الإسمين : هابيل ، الذى يعشق الكتب والفن .... أو قابيل : الذى له معبود واحد هو المال ... وختم فيلسوف مهازلستان كلامه قائلاً : المال من أولويات كل إنسان. ولكن المجتمع الصحي هو من يكون بشخصيات معظم أبناءه و بناته توازناً بين الإهتمام بالمال وإهتمامات أخرى. وهكذا كانت حال مجتمعنا منذ خمس و ست عقود. وصدقوني : أن الإنسان الذى يكون المال همه الأساس وأهم أولياته هو إنسان تعربد فى حياته هذه الوحوش : القلق ، الخوف ، الجشع ، عدم الرضاء ، ثم الذل أمام من يظن أن بأيديهم مفاتيح الخزائن !!! (9) يوم 11 نوڤمبر 1918 هو تاريخ إعلان إنتهاء الحرب العالمية الأولى (1918/1914). وبعد 48 ساعة فقط أي يوم 13 نوڤمبر 1918 ذهب ثلاثة من كبار الشخصيات المصرية لمقابلة المندوب السامي البريطاني (ممثل الإحتلال البريطاني)... بصفتهم موفدين (ومن هنا ولد إسم "الوفد المصري") من الشعب المصري لمطالبة بريطانيا بإحتلالها لمصرَ التى قدمت الكثير للجانب البريطاني أثناء الحرب. أما المصريون الثلاثة فهم سعد باشا زغلول و عليّ باشا شعراوي و عبدالعزيز بك فهمي. وأما المندوب السامي البريطاني فكان سير وينجيت فى يوم 11 نوڤمبر 1918 إعلان إنتهاء الحرب العالمية الأولى (1918/1914). وبعد 48 ساعة فقط أي يوم 13 نوڤمبر 1918 ذهب ثلاثة من كبار الشخصيات المصرية لمقابلة المندوب السامي البريطاني (ممثل الإحتلال البريطاني)... بصفتهم موفدين (ومن هنا ولد إسم "الوفد المصري") من الشعب المصري لمطالبة بريطانيا بإحتلالها لمصرَ التى قدمت الكثير للجانب البريطاني أثناء الحرب. ويصح أن نقول أن فى هذا اليوم ولد "الوفد المصري" ، والأهم وجدت بذرة ما حدث يوم 9 مارس 1919 أي إشتعال ثورة 1919. وحتى 1952 ، كان هذا اليوم (13 نوڤمبر) عيداً وطنياً مصرياً بل أهم الأعياد الوطنية بإسم "عيد الجهاد". (10) أَلقيتُ منذ بضعِ سنوات فى الجامعةِ التى درستُ بها منذ أربعين سنة ( Geneva University) محاضرةً أمام ثلاثين من أساتذةِ العلومِ الإجتماعيةِ والإنسانيةِ. وفى هذه المحاضرةِ قدمتُ العديد من الأدلةِ التى تؤكد أن الديموقراطيات الغربية بها خلل سيجعل المستقبلَ للأحزابِ اليسارية. وأن هذا سيوفر لأعداءِ الديموقراطية والأنساقِ القيميةِ للحضارة الغربية شروطَ الوصولِ لسدةِ حكمِ الغرب والقضاء (ثقافياً وقيمياً) عليه. وما الإنقسام الحاد الحالي فى المجتمعِ الأمريكي إلاَّ أحد تجلياتِ هذه الظاهرةِ الفتَّاكة. (11) نشأتُ على حبِ الأرمن واليونانيين. ومنذ طفولتي ، كنت أتعاملُ فى مصر الجديدة مع كثيرين من الطائفتين. ورغم إعجابي بمهاراتِ الإثنين ، فقد كنت أتعجبُ من تفوقِ الأرمن فى الحديث باللغة العربية. فأصدقائي ومعارفي الأرمن لا يمكن معرفة أنهم من الأرمن من لهجتهم ونطقهم للغة المصريين. أما أصدقائي ومعارفي من اليونانيين المصريين فكانت لهم طريقتهم المختلفة فى الحديث بالعربية : فى النطق وفى تكوين الجمل. وكان حرف الحاء هو مشكلتهم الكبري ! فهذا الحيوان "خمار" وليس "حماراً". وفى يومٍ دعاني بطريرك الأرمن الأرثوذوكس (فى مِصْرَ) للغداء معه فى كنيستهم بشارع رمسيس بالقاهرة. وهو إنسان واسع الثقافة والمعرفة والعلم بأمورٍ عديدة منها اللغات. ومنه عرفت سر الإختلاف بين قدرة الأرمن و اليونانيين على نطق عددٍ من الحروف. فبينما يبلغ عدد حروف اللغة اليونانية 24 حرفاً ، فإن حروف اللغة الأرمنية يبلغ عددها 39 حرفاً. وهو ما يجعل الإنساني الأرمني قادراً على نطق أي حرفٍ عربي على خلاف الإنسان اليوناني الذى لا يسمح له رصيده من الصوتيات أن يفعل نفس الشيء. وأختم بدعابة ، ففى أواخر ستينيات القرن الماضي كان صديق أرمني يقول (مداعباً) لصديق مشترك من اليونانيين المصريين : ممكن تقول إحم ... إحم !!؟؟. (12) أَتاحت لي ظروفُ حياتي أن أَعرفُ مئات المشاهير. بعضهم من مشاهيرِ بلادِهم ، والبعض من مشاهيرِ العالمِ. وبدايةً أسجلُ أن معدلَ الأخلاقِ الأفضل والطبائعِ الأجمل بين غير المشهورين أكثر منها عند المشاهيرِ. والسببُ بعد عقود من الخبرة هو أن معدلَ الأنا عند "معظم" المشاهير يكون أعلى بكثيرٍ. فإذا عدنا للمشاهيرِ ، فأجزم (عن تجربةٍ) أن قرابة ثلثهم صاروا من المشاهير بفعلِ قانون الصدفةِ ، وثلثهم بفعلِ قوانين لا علاقة لها بالمواهبِ والقدراتِ وإنما بأدواتِ عالم السياسة. ويبقي ثلثُ المشاهير وربما أقل هم الذين توجت الشهرةُ تميزهم. وكنت ولاأزال عديمَ الإعجابِ بمن صاروا من المشاهيرِ بفعلِ "السلطةِ" و "الثروةِ". وكان ولايزال إعجابي كبيراً بعددٍ قليلٍ من المشاهيرِ الناجحين والمتألقين بفعلِ قدراتٍ ومواهبٍ وملكاتٍ ليس من بينها السلطة و الثروة. وهم على الأكثر 10% من مشاهير العالم ، و 1% من مشاهيرِ مجتمعنا (المصري). ولا أعرف هل هى نعمة أم نقمة أَنني عندما أتعاملُ مع شخصٍ مشهورٍ بفعلِ السلطةِ والمنصبِ والثروةُ والعائلةِ فإنني (أظنني) أكون قادراً على رؤيتِه وقد تجرد من العواملِ الخارجية التى صاغت شهرته. ودائماً ما أتذكر عمق إحباطي عندما إلتقيتُ على غداءٍ بالسفارةِ البريطانيةِ بالقاهرةِ بالأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا. فعندما جردته عيناي من تجليات العظمة المصنوعة وجدتُ شخصاً فى غاية الضعف والحضور المعدوم. وعندما وضع أصبعَه داخل الكأسِ الذى كان بيدِه ليقلب الثلج ، كانت تلك الحركةُ (مع عشراتِ الأمورِ الأخرى) من دلالاتِ إهتزازِ شخصيته. ومن الإستثناءات القوية من بعضِ ما ذكرتُ ڤيلاديمير پوتين. فحجمه بدون المنصب كبير جداً. وإذا حاولتُ أن أتذكر من هو نقيض پوتين بين من عرفتُ أي من هو الذى سيكون بدون منصبه "صفراً كبيراً" ، فسأجدُ أمام عيني صور العشرات وفى مقدمتهم أمير قطر السابق حمد بن خليفة. (13) ما الذى تسبب فى ظاهرةِ أن معظمَ المصريين الذين يتحدثون للناسِ من خلال التلڤزيون و الإذاعةِ لا يجيدون لغتهم الأم ، سواء من ناحيةِ قواعدِ اللغةِ عندما "يظنون" أنهم يتحدثون بالفصحى ، أو من ناحيةِ "الصوتيات" ، سواء كانوا يتحدثون بالفصحى أو بالعامية ؟ وأنا هنا أتحدثُ عمن يُفترض أنهم متعلمون ومثقفون. حتى الإملاء ، فإن معظم هؤلاء لا يتقنونه. فكيف يكون المصري من المثقفين وهو يكتب : المصريه و العربيه و الأوروپيه و الدوليه ، عوضاً عن : المصرية والعربية و الأوروپية و الدولية ؟! ... مسخرة Farce. (14) طه حسين هو عندي أعظمُ مثقفي مِصْرَ خلال القرنِ العشرين. بسببِ مواقفِه ودورِه التنويري قبل أن يكون بسببِ كتاباته. فهو كمؤلفٍ أبدع أحياناً وكان بعيداً عن الروعةٍ فى أحايين أخرى. فهو كمترجمٍ لأرسطو و سوفوكليس و ڤولتير وراسين كان عظيماً جداً. وهو فى "الفتنة الكبرى" و "مستقبل الثقافة فى مصر" الأروع. ولكنه فى "الشيخان" و "الوعد الحق" و "مرآة الإسلام" كاتبٌ متوسط. أما "طه حسين التنويري" ، فقد كان "الأول" بين كل مثقفي وأدباء ومفكري مِصْرَ الحديثة بلا منازع. (15) كنتُ محظوظاً جداً خلال السنواتِ العشرِ من منتصفِ 1986 وحتى منتصف 1996 ، عندما أَتاحت لي ظروفُ العملِ أن أزور النمسا كثيراً (لعدةِ مراتٍ سنوياً). فقد كانت عضويتي بمجلسِ إدارةِ واحدةٍ من أكبر شركات النمسا تحتم عليّ حضور إجتماعاتٍ ربع سنوية فى ڤيينا. وكما نقول بالعاميةِ المصريةِ فقد جاء ذلك لي "على الطبطاب" ! فلو لم يكن فى النمسا غير دار أوپرا ڤيينا و مدينة Salzburg - مدينة الطفل-المعجزة Wolfgang Amadeus Mozart ، لكان ذلك كافياً لإغرائي بزيارة النمسا كلما وجد ما يُبرر ذلك ! ورغم أن أدولف هتلر نمساوي ، ورغم أنه (هتلر) مثل كثيرين كانوا ينظرون لألمانيا والنمسا ككيانٍ واحدٍ من كثيرٍ من (وليس من كل) الجوانبِ ، ورغم أن اللغةَ الألمانية هى لغةُ شعبِ النمسا ، فقد كنتُ دائماً ألمسُ فوارقاً كبيرةً بينهما خاصة فى التعاملِ مع الأجانبُ. وخلال نفس الفترةِ ، كنت كثيرَ الزيارات لألمانيا. وهناك لاحظتُ أيضاً فوارقاً كبيرة بين ألمان منطقة باڤاريا وباقي الألمان. وكنت ولا أزال أُرجعُ هذه الفوارق للثقافةِ الدينية. فالنمساويون و ألمان باڤاريا كاثوليك. أما معظم الألمان بإستثناء الباڤاريين فهم پروتيستنت. وبدون تعميم ، فپروتستنت أوروبا هم الأكثر عملاً ، أما الكاثوليك فهم الأكثر إستمتاعاً بالحياة ومباهجها. وتكفي مقارنة شعوب پروتستنت مثل ألمانيا و الدانمارك والسويد والنرويج ، بشعوبٍ كاثوليك مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال. وتقف فى الوسط بلدٌ مثل هولندا وهى نصف پروتستنت ونصف كاثوليك. (16) طُلِبَ مني تلخيص الخطوط العامة لما أؤمنُ به ، فقلتُ : (1) فأنا مع الدولةِ العصريةِ المدنيةِ العلمانيةِ بشكلٍ مطلقٍ. (2) وأنا مع ضرورةِ أن تكون كلُ القوانين وضعيةً. (3) وأنا مع المساواةِ المطلقةِ بين المرأةِ والرجلِ وبين المسلمِ والمسيحي ، ومع إحترامِ حقَ أي إنسانٍ أن يُؤْمِن (أو لا يؤمن) بأيةِ عقيدةٍ. (4) وأنا مع الدولةِ فى حمايةِ مِصْرَ والمصريين من كلِ الأفكارِ الأصوليةِ/الراديكاليةِ وفى مقدمتِها سلة أفكارِ الإخوانِ والسلفيين والجهاديين. (5) وأنا مع تطويرِ وتحديثِ التعليمِ وضمِ كلِ مدارسِ وكلياتِ الأزهرِ لوزارتي التعليمِ والتعليم العالي ، بإستثناءِ كلياتِ الدراساتِ الإسلاميةِ. (6) وأنا مع العملِ الجادِ والدؤوبِ والمنهجي الذى يستهدف تأصيلَ فكرةِ أن "مِصْرَ مصريةٌ". (7) وأنا مع ما قامتَ به مصرُ منذ أكثرِ من أربعين سنة من إنهاءِ الصراعِ بينها وبين إسرائيل. وبالتالي ، فأنا مع الخطوةِ التى قامت بها الإماراتُ والبحرين والسودان مؤخراً وأعني إقامة علاقاتٍ طبيعيةٍ مع إسرائيل. (8) وأنا ضد ما يقوم به بعضُ المهاجرين المسلمين فى أوروبا من مناطحةٍ (تصل لحد العنفِ والإرهابِ) لثقافةِ أوروبا وأنساقِها القيميةِ. وعليه ، فأنا لا أكتفي بتأييدِ موقفِ الرئيس الفرنسي ماكرون منذ أيامٍ لحمايةِ ثقافةِ وقيم فرنسا من أعمالِ بعض المهاجرين المسلمين لها ، بل وأُكررُ أن موقفَ الدولةِ الفرنسية هذا قد تأخر كثيراً ... وأُكررُ أيضاً أن على كلِ دولِ الإتحادِ الأوروپي وبريطانيا أن يفعلوا ما فعلته وما تنوي فعله فرنسا فى هذا المجالِ. (9) وأنا أؤمنُ أن بعالمِنا المعاصرِ حضارةً واحدةً هى الحضارة الإنسانية التى كانت آخر محطاتِ رقيها هى أوروبا. وبمحاذاةِ الحضارةِ الإنسانيةِ الواحدةِ توجد ثقافاتٌ عديدةٌ. (10) أنا أؤمنُ بأن مِصْرَ قد أُنقذت بما يشبه المعجزة من مصيرِ العراقِ وسوريا واليمنِ و ليبيا الذى لا توجد كلمة لوصفِه إلاَّ "دمار". وكذلك من "الضياعِ" الذى أخذَ الإخوانُ تونسَ له خلال السنواتِ التسعِ الأخيرةِ. وأنا أؤمن بأن الكثيرَ قد أُنجِزَ فى مِصْرَ منذ منتصفِ 2014. ولكنني أيضاً أعتقدُ أن ما تم على مستوى تطويرِ المدنِ والطرقِ والبنيةِ التحيةِ وإزالةِ عار العشوائياتِ لم يقابله تطويرٌ مماثلٌ فى مجالٍ شديدِ الأهميةِ طالب به رئيسُ مِصْرَ منذ ستِ سنوات ونصف وأعني "تجديد الخطاب الديني" الذى تمترست قوى ظلاميةٌ بهدفِ منعِ حدوثِه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص