الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يعني أن لا تكون بارزانياً وأوجلانياً في كردستان سوريا؟

جوان ديبو

2020 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الغاية من طرح السؤال أعلاه ليست المقارنة بين البارزانية والأوجلانية في حضورهما وإرثهما وتجلياتهما وتأثيراتهما على الحياة الفكرية والسياسية والحزبية في كردستان سوريا. كما أن المرامي ليست من أجل النيل من التيارين والمحورين في هذا الجزء الذي بقدر ما كان يعاني التهميش والنسيان حتى 2011، بقدر ما بات حضوره الآن محسوساً على الأصعدة الكردستانية والإقليمية والدولية. وإنما الهدف هو محاولة تسليط بعض الضوء على ظاهرة التبعية الفكرية والسياسية والحزبية المزمنة والمكلفة لمعظم الأحزاب الكردية في سوريا، وخاصة الرئيسية منها، للمحاور الكردستانية، أي محور الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل ومحور حزب العمال الكردستاني في قنديل، وبشكل أقل وهجة محور الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية. كذلك السعي نحو محاولة الإجابة على السؤال القديم – الجديد ألا وهو: تاريخياً، هل كان يمكن للكورد في سوريا الظهور والتبلور والاستمرارية سياسياً بمعزل عن الرعاية غير المجانية من قبل الأشقاء الكبار، خاصة في كردستان العراق بحكم التقادم، وفيما بعد من قبل ب ك ك في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي؟ بمعنى آخر، هل هذه التبعية الطاغية والفيَّاضة طوعية أم قسرية تفرضها ضرورات الجغرافية السياسية والعاطفة القومية ومشاعر الانتماء المشترك والشعور بالنقص والضعف والدونية وتأثير المال السياسي وغيرها من المؤثرات والجواذب. أم هي مزيج من التبعية الطوعية والقسرية معاً؟. للشروع في محاولة الإحاطة بما تيسر من جوانب هذا التساؤل المبهم والملتبس، لا مناص من وضع الاستفسار ومشروع الإجابة معاً في سياقهما التاريخي لعل وعسى ان نلمس بعض ما نصبو اليه من إضاءات وإيضاحات.

قبل الشروع في محاولة الإجابة عن بعض جوانب وحيثيات هذا السؤال الشائك، أود التنويه هنا الى وجوب وضع التمييز بين ضرورة وجود ونسج العلاقات من قبل مختلف المجسمات السياسية في كردستان سوريا مع بقية الأقطاب الكردستانية في مختلف أجزاء كردستان من ناحية أولى، وبين انتقاد وفضح وشجب التبعية الفكرية والسياسية والحزبية التي تجسدها معظم الأحزاب الرئيسية في كردستان سوريا، وكأنها أو هي بالفعل فروع للأحزاب الكردستانية الرئيسية من ناحية ثانية.

ولد أول حزب جماهيري في كردستان سوريا سنة 1957 وسُمّي بالحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، تشبهاً وتيمناً باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق الذي أسسه الزعيم الراحل مصطفى البارزاني سنة 1946. التسمية هنا تعكس الكثير بالمعنى الإيجابي للكلمة وخاصة في بدايات المسيرة النضالية من حيث نقاوة وصفاء الشعور القومي المتنامي لدى كورد سوريا وتأثرهم بحدك في كردستان العراق وزعيمه مصطفى البارزاني. لكن هذا المنحى الإيجابي بدأ بالخفوت التدريجي مع جنوح قيادة حدك – العراق الى التعامل مع كورد سوريا وفق منطق الاستعلاء والشقيق الأكبر والأكثر قوة ودراية ومقدرة من حيث العلاقات والإمكانيات، وجميع هذه المزايا تعتبر المحددات الجوهرية في عالم السياسة والواجب توافرها عند اللاعب السياسي الفعال. ومما شجع قيادة حدك – العراق على المضي قدما في هذا النهج والسلوك في التعاطي مع كورد سوريا هو استنجاد القيادات الكردية في سوريا بقيادة الثورة الكردية في كردستان العراق بخصوص كل شاردة وواردة كانت تواجههم. حتى أن كردستان العراق أصبح مسرحا لحل الخلافات بين أعضاء قيادة حدك – سوريا الذي ابتلي بداء الانشقاقات والانشطارات منذ ذلك الوقت والى أيامنا هذه حتى انشطر الحزب الأم مع مرور الزمن الى عشرات الأحزاب والتيارات المتنافرة.

اللافت للنظر، واستنادا الى شهادات البعض من الرعيل الثاني الذين عاصروا وناضلوا مع الرعيل الأول، أن معظم المؤسسين في حدك – سوريا، لم تكن لديهم نزعة الولاء والتبعية المطلقة لقيادة حدك – العراق، وأنهم كانوا يميلون الى ضرورة الحفاظ على استقلالية القرار السياسي لكورد سوريا مع ضرورة نسج العلاقات الندية مع الاشقاء الكردستانيين، وخاصة في كردستان العراق. لكن هذه النزعة تلاشت مع إقصاء وإقالة المؤسس البارز أوصمان صبري. حتى أنه وأيضا وفقا لبعض الشهادات من المناضلين القدامى فإن العلاقات الشخصية بين الراحلين مصطفى البارزاني وأوصمان صبري لم تكن على ما يرام لرفض الأخير تقديم صكوك الولاء غير المشروط لقائد الثورة الكردية. حتى أن البعض يشير الى أن إقالة وعزل أوصمان صبري لاحقاً من قبل بعض المتنفذين في قيادة حزبه في ذلك الوقت كان بإيعاز وتشجيع من قيادة حدك – العراق.

مع تزايد وتيرة الانشقاقات في صفوف الأحزاب الكردية في سوريا ابتداء من العقد السابع من القرن المنصرم، كان كردستان العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني وزعمائه من العائلة البارزانية، مواد ساخنة للاستقطاب والتعبئة، سواء من قبل الموالين (البارزانيين) الكثر أو المعارضين والمستقلين القلائل. حتى ان معظمهم كانوا وما زالوا يتبارون على المركز الأول في إثبات الولاء للبارزانية (سميت فيما بعد من قبل بعض ساسة الكورد في سوريا بالبارزانيزم) كإحدى مصادر الشرعية المزعومة من قبل الشريحة الحزبية السائدة. خاصة مع دراية تلك الشريحة الحزبية والسياسية في كردستان سوريا بأن الأغلبية الساحقة من الجماهير الكردية كانوا متعاطفين الى ابعد الحدود مع الثورة الكردية في كردستان العراق بقيادة مصطفى البارزاني ومن ثم نجله مسعود البارزاني ابتداء من 1979 وحتى الآن.

دخل حزب العمال الكردستاني على خط تقسيم كعكة النفوذ في كردستان سوريا ابتداء من العقد الثامن من القرن الفائت تزامناً مع استقرار زعيمه عبدالله اوجلان في سوريا والبقاع اللبناني المحتل آنذاك من قبل سوريا. بدأ ب ك ك باستمالة بعض الأحزاب الكردية في سوريا التي كانت مصنفة ضمن اليسار الماركسي وذلك في مواجهة البارزانية المتمددة باضطراد بين عامة الناس والأحزاب على حد سواء. هنا يمكن الحديث عن المحطة الأكثر إيلاما وتعقيدا في موضوعة التبعية الحزبية والسياسية والفكرية التي انتهجت من قبل الكورد في سوريا، أو التي فُرضت عليهم، نحو أشقاءهم الكبار في جنوب وشمال كردستان، أي عندما اصبحت الأوجلانية أو الآپوچية خصماً غير ودود للبارزانية في غربي كردستان الذي بات مقسماً افقياً وعمودياً بسبب صراع الأخوة الكبار على النفوذ. هؤلاء الأخوة الذين لم تكن قضية الشعب الكردي في سوريا بالنسبة لهم سوى ورقة يستفيدون منها في صراعاتهم البينية ويستخدمونها في مساوماتهم ومقايضاتهم مع نظام الأسد الأب. حتى وصل الأمر بعبدالله اوجلان شخصياً وادبيات ب ك ك الى الإنكار التاريخي لوجود كردستان سوريا. كما بدأ الحزب بتجنيد المئات من الشباب الكورد في سوريا وإرسالهم للقتال ضد الجيش التركي في شمال كردستان، وذلك بالتنسيق مع الاستخبارات السورية التي شجعت تلك الظاهرة بشكل لافت وملحوظ. بالتزامن مع استشهاد عدد كبير من الشباب الكورد في سوريا المنضوي ضمن ب ك ك في القتال ضد الجيش التركي، اصبح الحزب يستحوذ على قاعدة جماهيرية واسعة في كردستان سوريا، خاصة ان العداء للدولة والجيش في تركيا كان وما زال جزء من الذاكرة والتراث والثقافة الجمعية الكردية في سوريا.

بعد مغادرة (طرد) عبدالله أوجلان سوريا في أواخر 1998على أثر التهديدات التركية بشن حرب ضد سوريا اذا لم يقم النظام السوري بتسليم أوجلان (آپو) الى تركيا، كان رصيد ب ك ك بين الكورد في سوريا قد تنامى حتى ان ب ك ك بات خصماً حقيقياً للبارزانية. في سنة 2003 تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، وجميع المؤسسين والأعضاء كانوا يعملون في السابق ضمن ب ك ك، وبذلك اعتبر ب ي د فرع ب ك ك في غرب كردستان. مع ظهور ب ي د تم الحفاظ على الإرث والتركة الآپوچية في غرب كردستان من الاندثار والضياع.
منذ 2011 دخل الصراع بين التيارين، البارزانية والآبوجية، في كردستان سوريا مرحلة اكثر حدية واحتداماً. لكن ب ي د ونتيجة للعلاقات المتميزة بين النظام الأسدي وقيادة ب ك ك في قنديل استطاع الاستئثار بقيادة غرب كردستان على أساس إبرام صفقة شبه سرية مع النظام السوري قضت بتسليم المناطق الكردية في سوريا الى ب ي د مقابل تحييد تلك المناطق عن الصراع الدامي في أغلب المناطق الاخرى في سوريا بين النظام والمعارضة الإسلامية المدعومة من تركيا. التيار الأوجلاني في كردستان سوريا والمتمثل في ب ي د كان الأوفر حظا في قيادة المنطقة الكردية في سوريا سياسيا وعسكريا بسبب التماسك التنظيمي والايديولوجي المشبع بفكر اوجلان مقابل تشتت التيار التقليدي الموالي للبارزانية.

لكن بالرغم من تشرذم وعدم ديناميكية الأحزاب الكردية التقليدية الموالية للبارزانية إلا انها سارعت من جهودها في تشكيل إطار سياسي جامع برعاية رئيس اقليم كردستان آنذاك مسعود بارزاني تحت مسمى المجلس الوطني الكردي في أربيل سنة 2011 المؤلف من معظم الاحزاب الموالية للبارزانية مع أحزاب اخرى اكثر استقلالية. لكن ذلك لم يفي بالغرض تماما، لذلك تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا سنة 2014 من الاتحاد السياسي الذي ظهر في أواخر 2012 من توحيد اربعة أحزاب. في هذه اللحظات المفصلية اكتسى طابع الصراع بين الأوجلانيين والبارزانيين في كردستان سوريا طابعاً محدَّثاً بالمعنى السلبي الكامل للكلمة لمصاحبته بالعنف اللفظي الإعلامي المتبادل بين الطرفين والعنف الجسدي من جانب ب ي د (السلطة الوليدة) ضد خصومه البارزانيين سواء بالاعتقال او حتى بالتصفية المباشرة. بطبيعة الحال، كان البارزانيون سيعمدون الى انتهاج نفس السلوك وربما أكثر ضد خصومهم الأوجلانيين أذا كانت السلطة بأيديهم.

اشتداد وتيرة وطبيعة الصراع بين التيارين كان وما زال بسبب السلطة والنفوذ. قبل 2011 كان الصراع والتنافس نظرياً وافتراضياً، لكن بعد 2011 أدخلت مزايا زمغريات السلطة والنفوذ الصراع الى دائرة أكثر انغلاقا وسوداوية. بموازاة اشتداد وازدياد الصراع بين البارزانيين والاوجلانيين في كردستان سوريا، احتدم الصراع الإعلامي والسياسي ايضا بين المراكز اربيل وقنديل حول جملة من القضايا من ضمنها غربي كردستان. وهكذا أصبحت البارزانية والاوجلانية قوية وراسخة في كردستان سوريا وربما اكثر مما هي كذلك في عقر دارهما، اي في جنوب وشمال كردستان.
إن غربي كردستان وإن كان معزولاً من حيث الحدود الدولية عن جنوبي وشمالي كردستان إلا انه كان وما زال تابعاً لهما روحياً ووجدانياً وسياسياً وتنظيمياً وفكرياً. كردستان سوريا لم تنتج شخصيات كاريزمية كاملة كان من الممكن ان تصبح بمثابة مرجعيات سياسية وفكرية وروحية على غرار ما حصل في جنوبي وشمالي وشرقي كردستان. ربما كان من الممكن ان يلعب أمثال أوصمان صبري ونورالدين ظاظا والشيخ معشوق الخزنوي مثل هذا الدور، إلا أنه تم تهميش وعزل وتصفية تلك الشخصيات بأشكال مختلفة ومن قبل جهات مختلفة. كردستان إيران، على سبيل المثال، لديه تاريخياً ما يكفي من القادة الكاريزميين لكي يبقوا بمثابة الإشعاع الفكري والسياسي والنضالي للأجيال اللاحقة، وبالتالي لكي يبقى القرار السياسي فيه مستقلاً نسبياً وبعيداً عن مؤثرات المراكز الكردستانية في اربيل وقنديل والسليمانية.

ما يتم تداوله هذه الأيام بين الفينة والأخرى على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوبانى يسعى الى الانفكاك النظري والعملي عن قيادة ب ك ك في قنديل بطلب وضغط امريكي هو مسعى راق ونبيل وجماهيري عارم تفرضه متطلبات الحاضر والمستقبل، لكنه غير مؤكد وغير واضح المعالم والملامح ومحفوف بالمخاطر لأن صقور قنديل في غرب كردستان لن يستسلموا بالسهولة التي يتمناها ويتصورها البعض.

استنادا الى ما سبق، فإن ظاهرة التبعية الفكرية وما يستتبعها من تبعات وتبعيات سياسية وحزبية عمياء ومطلقة هي متجذرة وقديمة في الفكر والتفكير السياسي الكردي في سوريا قِدَمْ ممارسة العمل الحزبي والسياسي ذاته في كردستان سوريا. بعبارة أخرى، هذه الظاهرة ليست حديثة النشوء لكي يتم المطالبة باستئصالها بجرة قلم او بصرخة صادقة هنا وهناك، وإنما هي موغلة في القدم ومرتبطة بالإرهاصات الأولى للوعي القومي والثقافي والسياسي لدى الكورد في سوريا. وهذه النزعة تتجدد وتنمو باستمرار بفعل مؤثرات المال السياسي الذي بات يتدفق بغزارة من حدك- اربيل على اتباعه في قامشلو، وعلى العكس من ذلك، من اتباع ب ك ك في قامشلو على قنديل.

على هذا الأساس، إذا لم تكن بشكل من الأشكال بارزانياً او أوجلانيا (آپوچياً) في كردستان سوريا، معنى ذلك انك تمارس الهرطقة والهذيان والهلوسة وستصنف بسهولة كطوباوي وسريالي في عالم السياسة الغارق في الواقعية والمصبوب من البراغماتية. والأكثر إيلاماً من كل هذا وذاك أنه لن يكون لك محل من الإعراب، وفي أفضل الأحوال ستكون أداة نكرة غير مرئية وافتراضية وستعيش في أعلى قمم الاغتراب وأنت في قلب موطنك. كيف لا ومبتكري مصطلحي بارزانيزم و أوجلانيزم، كانوا بلا فخر، من كورد سوريا على قاعدة كاثوليكي أكثر من البابا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟