الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرجوازية والعلمانية...؟

مصطفى حقي

2006 / 7 / 16
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


لاشك أن العلمانية عند الشعوب المتحضرة هي أرقى ما توصلت إليه البشرية بعد أن دفعت الثمن عبر قرون من الثورات المحلية والحروب الجانبية وحربين عالمتين وأرواح ملايين من البشر ..والسمة الأساسية للعلمانية فصل الدين عن الدولة وليس محاربتها كما يفسرها البعض ، والعلمانية تتبنى الديمقراطية بمفهومها الحديث وتحمي الفرد من التسلط الديني والعرقي والقومي والطائفي وعدالة توزيع الثروة القومية مركزة على المواطنة كعنصر أساسي للانتماء إلى الدولة
والسؤال الآن ماهي أسس توزع الثروة القومية بعدالة وبعيدة عن الاستغلال ومن الذي يسير اقتصاد الدولة في النظام العلماني ...؟
في روسيا استطاع الحزب الشيوعي وهو علماني كأي حزب سياسي آخر فالأحزاب السياسية (لايمكن إلا أن تكون علمانية في حدود إيديولوجيتها وضمن كوادرها.. إلا انها لاتشكل النقاء العلماني ، فغير الحزبيين سيكونون خارج السرب أو بداخله ولكن بلون مغاير ؟ ) في النظام الشيوعي تولت الدولة باحتكار رأس المال واستغلاله لصالح الدولة ( برجوازية الدولة ) وان شعار المعمل للعامل والأرض للفلاح وبالتطبيق على أرض الواقع لم يكن دقيقاً لأن السلطة هي التي كانت شريكاً بل بالحقيقة هي المالكة لكل شيء والملكية الحقيقية كانت للشعارات فقط التي يرددها العمال في المناسبات وغيرها وهو في الحقيقة لايملك سوى أجره الذي يناسب تكاليف المعيشة ولا يزيد عليها وملكية دراجة عادية كانت شيئاً مترفاً ، واهملت الصفة الإنسانية عن العامل وصنّف كرقم فقط أو قطعة من آلة تدور وبذلك مات الإبداع الفكري ..
في الأنظمة الرأسمالية العلمانية من يملك رأس المال ويستثمره هي الطبقة البرجوازية والمتميزة بالتخطيط الذكي والسريع للمشاريع الاستثمارية بقصد الربح أولاً ولكن المنافسة الحرًة بينهم حسّنت نوعية الإنتاج وقدرته على المنافسة وعالمية المنتج في الأسواق العالمية ( لاحظ الفرق من حيث الجودة مابين المنتج الياباني والألماني ومابين المنتج الصيني ، وبرغم رخص ثمن المنتج الصيني ولكن لايمكنه منافسة المنتج الياباني والألماني من حيث الجودة ومدّة الاستعمال ومزايا تقنية أخرى والأنظمة الغربية وضعت البرجوازية تحت رقابة قانونية صارمة في تحركاتها المالية وفرضت على أرباحها الضرائب التصاعدية حتى تصل إلى حد تسعين في المئة من الأرباح مما يحد من تضخم رأسمالها واستفادة الدولة والمجتمع من النشاط الزائد للبرجوازية في تنمية الدخل القومي وانعكاسه على الوطن والمواطن كالضمان الصحي والتضامن الاجتماعي ضد البطالة ..
ماذا استفادت الطبقة العمالية في النظام البرجوازي العلماني ...؟
لاشك ان المساهم الأول في عملية الانتاج هي الطبقة العاملة ، ولما كانت البرجوازية تتسم بالذكاء ، ولحماية مصالحها بعد أن مرّت بتجارب تاريخية مريرة مع مشاكل العمال وثوراتهم وإضراباتهم .. اقتنصت وبدهاء أسس المباديء الاشتراكية لحقوق العمال وقدمتها لهم على طبق من ذهب ، من تحسين ظروف العمل والأجر المناسب والضمان الصحي والاجتماعي والإجازات السنوية واجازات الأمومة المأجورة وإضافة إلى ذلك فهناك نقابات عمالية فاعلة ونشطة تعمل على دعم العمال في مطالبهم وزيادة رفاهيتهم وعدم هيمنة البرجوازية وأجهزة الدولة عليهم والانتقاص من حقوقهم فبعكس عمال الدول التي تتدعي أنها علمانية فنجد أن الدولة والتجار وأرباب المصانع وكل مالك لفعالية اقتصادية يستثمر جهود العمال بأدنى الأجور وبظروف عمل قاسية ودون رعاية صحية أو إجازات سنوية أو إجازات أمومة مأجورة وفي حال إعطائها لهم تنتقص منها الكثير وتعمل على تسريحهم تعسفياً وحتى القضاء لايقف مع العمال بشكل فعال لطول أمد المحاكمات وزيادة تكاليف الدعوى ودور النقابات التي تهيمن عليها الدولة ضعيف جداً بل أحيانا بحكم المعدوم ولاضمان اجتماعي ضد البطالة
ومما تقدم أرى أن البرجوازية العلمانية قد قدّمت الكثير في أوروبا من ازدهار اقتصادي وتقدم علمي وتكنولوجي وعمراني في جو من الحرية والديمقراطية واحترام الإنسان في حيزٍ رحبٍ من المواطنة الحقيقية للوطن فقط ولاشيء آخر ودعه يعمل ودعه يمر وما لقيصر لقيصر وما للرب للرب .. ولم تكن البرجوازية شراً بل خيراً على المجتمع ككل ونال العمال حقوقاً لم يكن يحلمون بها وفي عز ازدهار الاشتراكية في الدول الشيوعية .. وعسى أن يتحقق الحلم العربي البعيد المنال بتطبيق العلمانية في بلادنا كعلمانية حقيقية بعد أن يتخلى عن ثقافة الأنا وعدم الاعتراف بالآخر وتكفير الغير مع ملاحظة أن الثقافة ليست تحصيل مطالعات الكتب والشهادات الدراسية العالية ، حيث أثبت الواقع أن الأحداث الجسيمة وتجارب الشعوب ذو تأثير مباشر ومؤثر في تحولات أيديولوجية ونبذ للغيبيات بعد معاناتهم ومعايشتهم للواقع الذي نسف الكثير من المفاهيم الروحانية وتحبيذهم للمادية العلمية فالشعوب الأوربية لو لم تمر بقرون من الحروب والثورات وحربين كونيتين ودفعت بملايين الضحايا لما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن وان شعوبها لم تتثقف جميعها بالكتاب فقط ، والعالم العربي والإسلامي لم تمر عليه مامرّ على الشعوب الغربية وهل يمكن لهذه الشعوب الاستفادة من تجارب الغير وليدير الاقتصاد البرجوازيون العرب تحت رقابة ووصاية القانون والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني ولينقذوا المجتمع العربي من لصوصية وسرقات رأسماليي السلطة وشركاء الحكومات المستبدة باسم الحرية والديمقراطية ..
وبالنتيجة فإن البرجوازية تتمتع بدهاء ومكر تاجر ، فإذا لم تكن الحكوما ت والقوانين في موقع الراصد من لفه ودورانه على التشريعات والاحتيال عليها ، فإن المعادلة ستتبدل وتفقد العلمانية مزيتها الحضارية لتشكل طبقة ثرية على حساب رفاهية الوطن والمواطن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة أمريكية-سعودية مقابل التطبيع مع إسرائيل؟| الأخبار


.. هل علقت واشنطن إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل وماذا يحدث -خلف




.. محمد عبد الواحد: نتنياهو يصر على المقاربات العسكرية.. ولكن ل


.. ما هي رمزية وصول الشعلة الأولمبية للأراضي الفرنسية عبر بوابة




.. إدارة بايدن تعلق إرسال شحنة أسلحة لتل أبيب والجيش الإسرائيلي