الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خندق الانتفاضة هو الضمانة الأساسية لصون الحريات

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2020 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


اختيار الكاظمي لرئاسة الوزراء لم يأتِ اعتباطا أو صدفة، بل وفق خطة مدروسة بعناية من قبل قوى الأحزاب الإسلامية والقومية الحاكمة و بالتنسيق والتشاور والاتفاق مع القوى الإقليمية والدولية.
جاءت عملية الاختيار، بعد فشل مرشحين اثنين قبل الكاظمي، كونهما لم يحظيا بقبول الأطراف المذكورة، وهنا بيت القصيد، فالسؤال المطروح هو لماذا الكاظمي اذاً؟ الرجل كان مسؤولا مخابراتيا رفيع المستوى وعلى علم تام بخفايا وخبايا الأمور، وكل ما يتعلق بالعراق وأوضاعه، داخلية كانت أم خارجية، ذلك بحكم وظيفته، لذا انيطت به هذه المهمة و عُهد اليه المنصب كي ينفذ ما عجز عنه اسلافه، وهو اخماد الانتفاضة وافشالها، تلك الانتفاضة التي زعزعت كيان هذه السلطة واطاحت بسلفه عادل عبد المهدي، وكانت على وشك الإطاحة بهذا الكيان الطائفي القومي ككل، بعد ان قدمت نموذجا رائعا للتآلف والتكاتف ورص الصفوف بين مختلف شرائح المجتمع وأطيافه وفي مقدمتهم الشابات والشباب وذلك عن طريق كسر حاجز الخوف والتردد لدى الملايين من المحرومين ، وبمشاركة الطبقة العاملة خصوصا العمال الاجراء وأصحاب العمالة الهشة ، وبعد ان لعبت المرأة فيها دورا أساسيا جنبا الى جنب مع الرجل في زيادة توهجها وبعد أن دفنت الطائفية والأفكار القومية ، ثم اسقطت "القداسة" عن المراجع الدينية التي لعبت دوراً حاسماً في تأسيس نظام المحاصصة الطائفية، وبالتالي فقدان "الهيبة الروحية" لوجوه دينية استثمرت ما ورثته من آبائها من مكانة بين الأتباع لتثبيت سلطاتها، وكسب ثروات خيالية.
لقد تحولت الانتفاضة الى رقم صعب في المعادلة السياسية العراقية وتمكنت منذ البداية من رسم آفاق لمرحلة جديدة في العراق، لذا فان مخاطر انتصار الانتفاضة لم تقتصر على الطغمة الحاكمة في العراق فحسب، بل امتدت لتشمل دول المنطقة كذلك مما كان سيعرض، دون أدنى شك، مصالح الدول الإقليمية والامبريالية العالمية في المنطقة الى مخاطر جدية.
نعم مهمة الكاظمي الأولى هي افشال الانتفاضة، بداية بوعود تغري بعض المنتفضين، ثم بعد ذلك، بكل الوسائل المتاحة المتعارف عليها والتي مورست بكل وحشية من قبل اسلافه، خصوصا حكومة عادل عبد المهدي، ونسفها من الداخل وتمزيق صفوفها مستفيدة من نوع من الشرذمة والتشتت اللتان رافقتا الانتفاضة منذ يومها الأول .
بعد ايام من تولي الكاظمي لمنصبه، بدأت وعوده تنهال على المنتفضين وقامت وسائل الاعلام الرسمية وغير الرسمية تطبل لمجيئه باعتباره "المنقذ" ولكن لمن؟ للسلطة البرجوازية الاسلامية و القومية الحاكمة، و بدأ اتباعه يتجولون في ساحات الانتفاضة لإقناع بعض المترددين داخل الانتفاضة بتصديق وعوده وكان في مقدمة هؤلاء الدعاة عدنان درجال ، وزير الشباب والرياضة الحالي.
الا ان عمق الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتفاقمها المستمر والمضطرد، بالإضافة الى الازمات الإقليمية والدولية التي أثرت وتؤثر على الساحة السياسية في العراق، ناهيك عن دور الميليشيات المنفلتة العقال التي كانت ولازالت تعيث في الأرض فسادا باستمرار ، وحتى أصبحت تضع العصي في دواليب هذا "المنقذ “نفسه ، كل هذه العوامل دفعت بالكاظمي الى الإسراع في تنفيذ السياسة التي جاء من أجلها والتي تتمثل في فرض التراجع على الانتفاضة بكل الوسائل ، فكان احتلال ساحة التحرير في بغداد، المعقل الرئيسي للانتفاضة من قبل القوات الأمنية، والتي أثرت بدورها على مجمل الساحات الأخرى في بقية المحافظات.

بدأت القوى الرجعية تتنفس الصعداء من جديد وتمارس هوايتها في فرض اسلوبها وقوانينها الرجعية المستوحاة من الشريعة الإسلامية بالقوة على المجتمع، بعد أن كانت قد أجبرت على التراجع من قبل المنتفضين ومنذ الأيام الأولى لانطلاق الانتفاضة ، أولى ظواهر هذه السياسة الرجعية جاءت في محاولة البرلمان سن قانون مثير للجدل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والذي أطلق عليه قانون تكميم الافواه وخنق الحريات ، تلتها وضع العبوات الناسفة في محلات بيع المشروبات الروحية وهدم بعضها و إعادة محاولة اغلاق دور السينما ومحاربة المسرح و غلق أكاديميات الفنون الجميلة وغيرها من المنابر الثقافية والمعرفية التي يراها الفكر الظلامي، وسائل لا تخدم سياساته الرجعية القرون وسطية ، ثم ما لبث أن شاهد المواطنون عبر وسائل الاعلام مقطعا مصورا حول اقتحام عناصر من ميليشيات جديدة تدعى "ربع الله" لأحدى مراكز المساج في بغداد والاعتداء على العاملين فيه، بالأخص النساء منهم، والقيام بتكسير الممتلكات وسط أجواء من الهلع والذعر" وأمام مرأي ومسمع القوات الحكومية . وأخيرا وليس آخرا جاءت الاحداث الدامية والجريمة المروعة التي ارتكبتها مليشيا مقتدى الصدر ضد المنتفضين العزل في ساحة الحبوبي في الناصرية خلال استعداداتهم للتحضير لتخليد ذكرى الشباب الذين ضحوا بحياتهم في مجزرة الزيتون العام الماضي.

كل هذه الممارسات لم تكن لتجرأ هذه القوى الرجعية على القيام بها لولا التراجع المؤقت الذي فُرض على الانتفاضة. ان هذه الوقائع تثبت، دون أدنى شك، بان إحدى الضمانات الاساسية لصون الحريات في العراق هو ذلك الخندق، أي خندق الانتفاضة، الذي يولد الرعب في قلوب جميع القوى الرجعية، فبقدر توهج وصمود هذا الخندق تتراجع القوى الرجعية والعكس صحيح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -