الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رابعاً : العقلية البدائية

فارس تركي محمود

2020 / 12 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن العقلية البدائية هي تلك العقلية السطحية الساذجة الهشة المتميزة بقدرتها الهائلة على الحفظ وتقبل وتلقي وتصدير التلقين والوعظ ، العاجزة عجزاً شبه تام عن تبني وإتباع المنهج العقلي النقدي التحليلي التجريبي ، الكارهة كرهاً فطرياً للتساؤل والاستقصاء والاستفسار وقانون السبب والنتيجة ، غير القادرة على استخدام أدوات الاستفهام مثل لماذا وكيف وأين ومتى ، البعيدة جداً عن النسبية أو التفكير النسبي والمغرمة بالأحادية والأحكام المطلقة والثنائيات الاخلاقية كالخير والشر والحق والباطل والنور والظلام ونحن وهم وأنا والآخر ، المستعدة دائما لتصديق الخرافات والأساطير والخزعبلات واختلاقها والترويج لها ، العقلية التي تعتبر افكارها ورؤاها ومعتقداتها هي الحق المطلق ، وكل من أو ما يخالفها هو الباطل المطلق ، العقلية التي تنسب كل شيء وكل حدث وكل تطور وكل ما كان وما هو كائن وما سيكون إلى سبب ما ورائي غامض لا يمكن رصده أو فحصه والتأكد من صحته كالسحر والشعوذة والتدخل الإلهي وما تفعله الأرواح الشريرة أو الطيبة والقوى المتربصة والمخططات الخارجية ونظرية المؤامرة التي يحوكها الآخر دائماً .
إن سيطرة العقلية البدائية على غالبية أفراد المجتمع البدائي وتحكمها بهم أمرٌ طبيعي فعندما يكون المجتمع بدائياً فمن الطبيعي أن تكون من أهم سماته الخضوع لأنماط التفكير البدائية ، فالعقلية البشرية في بدايتها كانت - ككل شيءٍ في بدايته – عقلية بدائية هشة سطحية ساذجة ولم تكن قد تطورت ونضجت بعد ، أو أصبحت عقلية علمية ناقدة ، فلا يمكن للبشرية في عهودها المبكرة أن تتمتع بعقلية ناضجة أو أن تتبنى نمطاً علمياً في التفكير وفي التعامل مع كل القضايا والأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والناس والبيئة والمجتمع والظواهر المناخية والجوية ، فمثل هذا النمط لم يظهر بقوة إلا في المائتي سنة الأخيرة من عمر البشرية . وعلى الرغم من أن درجة سيطرة العقلية البدائية كانت تتفاوت وتختلف من مجتمعٍ لآخر إلا أن المجتمعات البشرية كلها وبدون استثناء كانت خاضعة لها بشكل او بآخر لفترة زمنية طويلة استمرت لآلاف السنين ، ولم تتمكن بعض المجتمعات من التخلص منها إلا مع بداية عصر النهضة ، بينما بقيت مجتمعات أخرى ترزح تحت سلطانها وسطوتها إلى وقتنا الحاضر .
إن هذه السمة التي سيطرت على المجتمع البدائي انتقلت إلى الدولة القديمة وأصبحت أكثر سيطرة وسطوة بعد أن تعاظمت الحاجة إليها نظراً لدورها المهم في إقامة وتأسيس الدولة ودعمها وتقويتها وتعزيز سلطانها ومد نفوذها ، والسيطرة على المجتمع وضمان أمنه واستقراره وتوجيهه وتقويم سلوكه ولجم نزوات وطموحات وأهواء أفراده ، وتمكين السلطة السياسية والدينية من تشديد قبضتها على كل مجالات الحياة وتفاصيلها . مما خلق مناخاً ملائماً لمزيد من السطوة والهيمنة ومزيد من التغول والتجذر للعقلية البدائية التي أصبحت من السمات المربحة للمجتمع البدائي والدولة القديمة ولم يعد بالإمكان الاستغناء عنها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب