الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوركسترا وطني بقيادة المايسترو عبد الفتاح السيسي

فاطمة ناعوت

2020 / 12 / 9
حقوق الانسان



هل بوسعنا، نحن المصريين، أن نُكوّن فريق أوركسترا مصريًّا قُوامه تسعون مليون عازف؟ فتكون أنت عازف تشيللو، وأنا عازفة هارب، وابن خالتك عازف بيانو، وابنة خالتي عازفة ڤيولين، وجاري العجوز عازف كونترباص، وجارتي الشابة عازفة ماريمبا، وصديقة طفولتي عازفة فلوت؟ على أن تتراوح عيوننا جميعًا بين نوتة السيمفونية التي نعزفها وهي: (صالح مصر)، وبين المايسترو قائد الأوركسترا وهو: (قائد مصر)؟ اسمعوا معي ما يلي:
(فريقي الموسيقيّ الضخم الذي ترونه الآن، مُكوّنٌ من رجال ونساء جاءوا من بلادٍ كثيرة مختلفة من أنحاء العالم. لهذا فإنهم شديدو الاختلاف. أعراقٌ وألوانٌ مختلفة، عقائدُ ومعتقداتٌ ومذاهبُ عديدة، أفكارٌ وأيديولوجيات وتوجّهاتٌ وثقافاتٌ متباينة. ولكننا، هذا الجمع المتنافرُ، سنتوحّد بعد برهةٍ في معزوفة واحدة، كأننا نحمل روحًا واحدة، وصوتًا واحدًا، وعينًا واحدة تقرأ نوتةً واحدة، وتتبعُ عصا واحدة في يد مايسترو واحد. نعيشُ معًا، ونعملُ معًا، في سلام وتناغم ومحبة حقيقية لا تعرفُ الشِّقاقَ ولا الشتاتَ ولا التناحر. لأن نجاحَ كل فردٍ فينا، هو نجاحٌ لنا جميعًا، وفشلُ أي عضو منّا، هو إخفاقٌ محقّقٌ للمعزوفة التي نعزفُها، وبالتالي: فشلٌ لنا جميعًا دون استثناء. طاقم الأوركسترا أُناسٌ يعيشون معًا، ويعملون معًا في سلام وهارمونية، دون تناحر ولا نزاعات.)
هذا ملخّصُ الكلمة البليغة التي ألقاها ملك الڤالس والمؤلف الموسيقيّ الهولندي الشهير أندريه ريو، في قاعة راديو سيتي ميوزيك بنيويورك قبل أن يبدأ الأوركسترا في عزف عدة مقطوعات موسيقية بديعة، امتدت ساعات طوالا مرّت علينا كلحظة خاطفة؛ لأن الجمالَ الفريد، كما تعلمون، يمرُّ مرور السحاب.
أما الملك ريوو، André Rieu، فمن مواليد 1949. بدأ عزف الڤيولين ودراسته في الكونسرڤتوار الملكي البلچيكي من عمر الخامسة. ثم تعلّم على يد كبار الموسيقيين حتى تخرّج من معهد الموسيقى الملكي في بروكسيل. أسّس ريو أوركسترا "يوهان شتراوس" عام 1987، وقدّم الكونشرتو الأول بعدها بعام، بـعدد 12 موسيقيًّا فقط. في عام 2008 اتسع الأوركسترا ليضمَّ 43 عضوًا ثابتًا، وبدأ يؤدي عروضه باستضافة موسيقيين ومغنين ذائعي الصيت على أكبر مسارح ودور الأوپرا في العالم. واشتهر الأوركسترا بتقديم الأعمال الكلاسيكية الكبرى على نحو غير تقليدي مع شيء من الرعونة في الأداء الموسيقي، إضافة إلى "كسر الحائط الرابع"، بتعبير بريخت، عن طريق التفاعل مع الجمهور ومداعبتهم بالنكات والقفشات والحيل الكوميدية أحيانًا. يضم الأوركسترا الآن ما بين ثمانين إلى مائة وخمسين عازفًا وعازفةً. تلك العازفات اشتهرن بارتداء فساتين ڤيكتورية فاتنة تنجح في نقلنا إلى عالم الكلاسيكيات التي نُنصتُ إليها في شغف؛ لأن تلك الموسيقى لا تخاطب الأذن والعقل، بقدر ما تتسلل مباشرةً إلى الروح؛ فتعيد ترتيب أوتارها المتنافرة لتضبطها و"تدوزنها" على نغمة الجمال النقيّ؛ فيصفو الإنسان ويشفُّ ويكاد يحلّق في علياء السموات.
أكتبُ عنه اليوم ليس لأنني من المفتونين بالڤالس، وأضعه دُرّةً فوق تاج الموسيقى، التي أعتبرها بدورها دُرّة فوق تاج الفنون الستة، كما صنّفها الإغريقُ، أو السبعة إذا ما أضفنا السينما. ولا لأنني لا يمرُّ يوم دون أن أكافئ نفسي بقطعة ڤالس لتشايكوڤسكي أو شتراوس أو شوبان. ولا حتى لأنني أدركتُ عبقرية عبد الوهاب حينما سخّر الڤالس الغربي في نغم شرقيّ عميق. بل أكتبُ عنه اليومَ لأنني، فيما أتأمل حال الشتات التي وصلنا إليها اليوم، تذكّرتُ تلك الخطبة القصيرة التي استمعتُ إليها قبل أعوام، فترجمتُها للعربية، بتصرّف، لكي نتأمل عمق فلسفتها.
هل بوسعنا أن نستلهم تلك الفلسفة الذكية العميقة في رحلة بنائنا مصر؟ هل من سبيل لأن نعتبر أنفسنا، نحن المصريين، أعضاءَ في أوركسترا ضخم قوامه الشعب المصري بأسره بكافة طوائفه، يقوده مايسترو وطنيٌّ عظيم اسمه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ينهض بمصرَ في خطًى واسعة وعلى نحو علمي مدروس أدهش العالمَ بأسره؟ هل من العسير أن ننتظم معًا كمصريين، على اختلاف عقائدنا وانتمائاتنا الفكرية، في كونشرتو متناغم واحد يعزف معزوفة (صالح مصر) دون نشاز ولا عِوَج ولا إهمال ولا فساد؟ هل من العسير أن نبني مصرَ معًا دون تخوين أو تكفير أو تنمّر أو تسفيه جهد أو غلاظة قلب؟ أليس بوسع الشعب الذي بنى الهرم وشقّ القناة وشيّد السدَّ وأشعل ثورة يونيو وطرد الإخوان الخونة، أن يعزف هذا الكونشرتو الجميل؟ تُرى ماذا نسميه؟ كسّارة البندق؟ الدانوب الأزرق؟ كليوباترا؟ لا، دعونا نطلق عليه: "فالس الزهور في حديقة مصر". مصرُ العظيمةُ تستحق. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يعزفُ معزوفة الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس


.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد




.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني


.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»




.. Students in the USA are protesting in support of Palestinia