الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر ووزير الخارجية أنطوني بلينكن: كيف نفعل دورا جزائريا من داخل السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2020 / 12 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


تمتلك الجزائر فرصا كثير لتطوير ديناميكية جديدة لسياستها الخارجية من داخل التحولات الجديدة التي سيعرفها العالم بعد تحول السياسة الخارجية الأمريكية عقب انتخاب الرئيس جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بعد عهدة كاملة من العقيدة الترامبية الانعزالية "أمريكا أولا".
سمى الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الدبلوماسي أنطوني بلينكن Antony BLINKEN وهو أحد أعمدة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وللجزائر فرص كثيرة لتوسيع اهتمام الخارجية الأمريكية بالدور الجزائري الجدير بالتقدير في منطقة شمال افريقيا. تكشف زيارة بلينكن للجزائر عام 2016 أنه يقدر المقاربة الكفاية التحررية ضد الكولونيالية ويعتبر موقف الجزائر من القضية الفلسطينية موقفا ثابتا يعكس الانتماء والهوية دون أن يعتبر "معاداة السامية" مسألة مقبولة من قبل مبغضي اليهود. في الحقيقة هذا مربط الفرس فاليهود الصهاينة هم من ينشر الكراهية ضد المسلمين وليس العكس.
تقول الصفحات التعريفية لأنطوني بلينكن صاحب خصلة "شعر الملح والفلفل" أن وزير الخارجية الأمريكي الجديد محب للفرنكفونية وموسيقى الروك والسبب هو أن أمه جوديث بيسار كانت مديرة للمركز الأمريكي في باريس الاي مكث فيها مع والدته لتعلم الفرنسية والموسيقى. يصف روبرت مالي صديق طفولة بلينكن الذي يشغل منصب مدير مركز الأزمات الدولية أن بلينكن لم يغضب أو يتصارع بعصبية مع أحد في يوم من الأيام. غير أنه تأثر بزوج والدته صاوئيل بيسار اليهودي الذي نجا من محرقة هولوكوست "معسكر أوشفيتز وداخاو" بالقرار إلى غابة ألمانية موحشة ليومين قبل أن ينقذه جندي أمريكي ويخفيه داخل قمرة قيادة دبابة أمريكية شكلت رمزا للحرية بالنسبة إليه. هذا الماضي الأليم هو ما جعل بلينكن يحزن لماضي الحقبة الاستعمارية الفرنسية أثناء زيارته للجزائر عام 2016. وصفه باراك أوباما بالدبلوماسي المهذب والمؤهل والذكي القريب من الفلك الفرنكفوني. لقد حضر طوني بلينكن عملية القضاء على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2011 ويريد أن تراقب واشنطن أوضاع حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والجزائر أعطت صورة حضارية إيجابية جدا في حماية المتظاهرين من العنف.
بلينكن "الفرصة الجزائرية": فهل نرسل لطوني بلنكن فرقة روك جزائرية أم رواية جزائرية مكتوبة بالفرنسية أم نساعده على إصلاح السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا خاصة في تقاطع المصالح الجزائرية الأمريكية حول النفط والغاز ومكافحة الإرهاب وفرض السلام في فلسطين وسوريا وليبيا واليمن ومنطقة الساحل الافريقي ومنطقة اكواص؟.
تمتلك الجزائر فرصا كثيرة لكسب دور متفاعل مع السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة في عهد جو بايدن. يمكن يردها في ما يلي:
١ الافتخار بدور الجيش الجزائري في مكافحة الارهاب وضمان الاستقرار في منطقة شمال افريقيا وحماية الحراك الجزائري يجعل الدور الجزائري في دافعية أكبر لأن إدارة بايدن ستعيد محاكاة سياسة الرئيس السابق باراك أوباما حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان السلام والتنمية والاستقرار في منطقة شمال افريقيا. تستطيع الجزائر أن تستفيد من الصفة التي يمتاز بها بلينكن الوسطي البراغماتي المتحرر من عقد التاريخ.
٢ الاتفاق الأمريكي- الجزائري في قطاع النفط والغاز يشكل نقطة زاوية ارتكاز قوية جدا ويمكن أن ينبني عليه اتفاق أقوى خاصة بعد إعادة الاتفاق الأمريكي الإيراني مجددا إلى السكة. فبلينكن رجل أممي يشجع الاتفاقات متعددة الأطراف ما يعني أنه قابل الاستعانة بالوسيط الجزائري تجاه أزمات إيران سوريا ليبيا مالي الصحراء الغربية.. وغيرها من القضايا الحساسة الأخرى.
٣ إصلاح الاتفاق النووي الإيراني JCPOA مجددا بعد انسحاب ترمب يقتضي إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات والتوقف عن العقيدة الترامبية "سياسة الضغط الأقصى" على طهران. فطوني بلينكن أحد أعمدة الاتفاق مع طهران عام 2015 وهو يريد تفعيل الاتفاق مجددا لأطول وأقوى اتفاق في حال امتثال طهران. تستطيع الجزائر أن تقدم نفسها كوسيط سري لعرض فرص المساعيد الحميدة ودعم جهود بلنكن. تسعى إيران لرفع العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترمب للسماح للاقتصاد الإيراني أن يتنفس مجددا بعد فرض خناق طويل لعهدة كاملة. لا يمكن إزالة كل الأضرار التي تسبب فيها الضغط الأمريكي على إيران زمن ترمب لأن طهران تعتبر الأحاديث حول الصواريخ الباليسيتية "نقطة غير قابلة للتفاوض". في كل الحالات يجب على الجزائر أن تتابع تفاصيل هذا الملف بدقة وعرض وساطتها بطريقة مدروسة لا تتسبب لها في تعريض الدور الجزائري إلى التحجيم غير الممكن عمليا.
٤ تريد الجزائر دعم موقف دمشق لإيجاد تسوية سياسية تجلب السلم إلى هذا البلد الذي عانى كثير من التدخلات الاجنبية الخطيرة. لكن طوني بلينكن متشدد حول رفع طهران شعار "الأسد أو احتراق البلد". للجزائر فرصة كبيرة لعرض وساطة تملأ الفراغ الحتمي لأي من أطراف الوساطة بين "فرقاء الاستانة" مع مراعاة احتمالات اندلاع نزاع جديد اسمه "بيان الكيان الكردي السوري" والتي ستعلن عن دولة جديدة على عتبة تركيا تعلن رسميا عن تقسيم الجغرافيا السورية على معياري البناء الاثنوغرافي والنفطي.
٥ الجزائر أكثر اللاعبين الاقليميين الجديرين بالخشية والتقدير في منطقة شمال افريقيا خاصة في الأزمات المعقدة بليبيا ومالي والصحراء الغربية. تابع بلينكن محاولات جون بولتون لحسم أزمة الصحراء الغربية بوقف العبث المغربي الذي يراهن على "تفويت الفرص تلو الأخرى" على السلام والتي "أدت إلى إحباط الجهود وتكريس الجمود" لمنع تقرير المصير في الصحراء الغربية. فالجزائر السلمية في الداخل تحصل على "تثمين السلم على الصعيد المحلي" تدافع بقوة على الخيارات السلمية في ليبيا ومالي وهي صاحبة جهود سرية وعلنية واتفاقات سلام تاريخية تخص الدولتين. أما قضية الصحراء فقد دخلت طورا كوميديا حين اندلعت مواجهة "معبر القرقرات" بين قوات جبهة بوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي والقوات المسلحة المغربية المحتلة في وقت كشف فيه جون بولتون عن تساهل من الكونغرس الأمريكي تجاه الرباط التي تعطل تقرير مصير الشعب الصحراوي بمنع حل النزاع وتراهم على فرض قرار سنوي واحد سنويا من مجلس الأمن للحفاظ على دور قوات مينورصو في تثبيت هدنة وقف إطلاق النار انهارت بكل سهولة بسبب أزمة معبر قرقرات المفتعلة وعديمة الفائدة.
٥ أعاد بايدن الاعتبار للجاليات والمهاجرين في أميركا بل وأعلن عن تجنيس ما يتجاوز عشرة ملايين مهاجر إلى الأراضي الأمريكية وهذه فرصة جزائرية لجمع شتات الجالية الجزائرية والمغتربين الجزائريين في الأراضي الأمريكية لتجميع جهودهم وإنتاج لوبيات ضاغطة للكفاءات والأدمغة ورجال المال والأعمال من أصول جزائرية إضافة إلى تسوية القضايا العالقة للحصول على الجنسية الأمريكية لعدد كبير من أفراد الجالية بأمريكا.
٦ يمكن للخارجية الجزائرية والسفارة الجزائرية بواشنطن الاتصال بروبرت مالي مدير مركز الأزمات الدولية لملفين مهمين الأول للتعاون البحثي ودعم اللوبي الجزائري للجالية الجزائرية بأمريكا. وثانيا الاقتراب من وزير الخارجية طوني بلنكن. يمكن ملء جزء من حيز القرب للتوصل إلى تحقيق نجاحات براغماتية عبر تعاون رسمي وغير رسمي مع وزير الخارجية الجديد طوني بلنكن. يمكن للجزائر تحقيق "خبطات دبلوماسية" لتدعيم الاستقرار الاقليمي في منطقة شمال افريقيا خاصة وأن زيارة وزير الدفاع السابق مارك اسبر قد خلص إلى حقيقة مفادها أن الجزائر بالفعل صاحبة أقوى رؤية ودور في مالي وربما منطقة الساحل الافريقي التي تعاني من تدخلات خاطئة للدورين الفرنسي والمغربي في مالي ومنطقة اكواص.
٧ سيخلق الرجوع الأمريكي لاتفاق إيران واتفاق باريس للمناخ. عضوية مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وعضوية منظمة اليونيسكو بعد الانسحابات المدهشة لإدارة ترمب سابقا. سيشكل فرصة لتلاقي الدبلوماسية الجزائرية مع جهاز وزارة الخارجية الجزائرية مع الدبلوماسية الأمريكية ويمكن أن تشارك الجزائر بقوة في مؤتمر ميونيخ للأمن ومنتجى دافوس الاقتصادي لفهم الرؤية الأمريكية بشكل أفضل واستغلال براغماتية طوني بلينكن لتحقيق مصالح جزائرية أكبر.
٨ يجب على الجزائر أن تدرك أن ضغوط بلينكن على دول الخليج في عدة ملفات أهمها قضية حقوق الإنسان ستخلق فراغا يمكن ملؤه بالدور الجزائري حيث ستعود واشنطن إلى الاتصال مع شركاء ووسطاء قدماء لصالح واشنطن مجددا. هذه الفرصة يتفتح بشكل كبير فرصا قد تبدو غير مرئية بالنسبة للكثير من الجزائريين لكنها موجودة بالفعل.
٩ للجزائر الوجود المطلوب على الصعيد القاري لأنها دولة ناصية قارية. فالانتماء القاري الجزائري مرتبط بالدوائر المغاربية والعربية المتوسطية والافريقية والجزائر بلد ناصية ولا يمكن محاصرة دورها في زاوية إقليمية في منطقة إقليمية تحولت بعض دولها إلى رقعة شطرنج للعبة توازنات إقليمية ودولية تضم ما يتجاوز ١٤ لاعبا أجنبيا في بعض دول الجوار الجزائري.
١٠ يمكن للجزائر أن تخلق فرص تدخل جزائري إيجابي لتحقيق تماسك في صفوف السلطة الوطنية الفلسطينية التي تشهد أسوأ سيناريوهات الانسحاب من التنسيق حول الاتفاقات السياسية والأمنية مع تل أبيب خاصة بعد وفاة كبير المفاوضين صائب عريقات. فالجزائر تستضيف جالية فلسطينية ولاجئين أيضا كما تفعل باستضافة اللاجئين الصحراويين ويمكن لها أن تستخدم نفوذها في الجامعة العربية والاتحاد الافريقي عبر دبلوماسي يها حسان رابحي مساعد الأمين العام للجامعة العربية وجمال بوراس رئيس البرلمان الافريقي واسماعيل شرقي الدبلوماسي الجزائري في أديس أبابا في إطار منتظم الاتحاد الافريقي.
١١ تساعد الميول الفرنكفونية لوزير الخارجية الأمريكي الجديد طوني بلنكن على فتح قنوات اتصال مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد للتفاوض حول اتفاقات اقتصادية وتجارة ومالي وقضائية بين الجزائر وواشنطن. لقد أظهر الاقتصاد الجزائري قدرة على التماسك رغم تسجيل الانكماش على صعيد دولي بسبب انتشار وباء كورونا. فالجزائر تمتلك اكتفاء ذاتيا لكنه غير مستقر ويجب تدعيمه بالمزيد من النمو. والاقتصاد الريعي للنفط والغاز يستقطب الشريك الأمريكي من القطاعين العام والخاص ويمكن تفعيل الورقة النفطية الدور الجزائري في العلاقات الجزائرية الأمريكية بشكل أعمق وأفضل.
١٢ يؤدي الانتشار الجديد للدورين الروسي والصيني في أفريقيا إلى تحفيز الدور الأمريكي للتفكير في طرح مشروع شراكة أمريكي جديد مشابه لمشروع ايزنشتات الأمريكي للشراكة مع دول المغرب العربي. يجب أن يكون الاستثمار الأمريكي الجديد كبيرا وتنافسيا مع الاستثمارات الصينية والروسي لا تقل غنها طموحا لتعكس رؤية القيادة العالمية لواشنطن مجددا وبشكل أكبر وأحسن.
هذه بعض الملاحظات التي أتقدم بها سريعا لتوصيف الدور الجزائري كما يقول زبيغينيو بريزنسكي مع التحذير من السياسة الجماعية متعددة الأطراف مع المجموعات الإقليمية التي تضم الجزائر بما يؤدي إلى معاملتها ضمن إطار جماعي للدور الأمريكي الاقليمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص