الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلفيات حرب الدولة بالوكالة ضد جهاز تفتيش الشغل بالمغرب

عبد الله لفناتسة

2020 / 12 / 11
الحركة العمالية والنقابية


مرة أخرى يضطر مفتشو الشغل لإعلان الإضراب كآخر وسيلة لإسماع صوتهم وتبليغ مطالبهم للحكومة والاحتجاج على غياب حوار جدي داخل وزارة الشغل التي تدعي رعاية الحوار الاجتماعي بين مكونات عالم الشغل بالمغرب.
وباستثناء النقابة المقربة من حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له وزير الشغل، فإن كل الهيئات النقابية الأخرى متضامنة في هذه المعركة الجديدة في إطار هيئة التنسيق المكونة من خمس نقابات قطاعية (الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين والفدرالية الديمقراطية للشغل والجمعية المغربية لمفتشي الشغل).
فما هي خلفيات الهجوم الرأسمالي الذي يتعرض له جهاز تفتيش الشغل على يد الباطرونا المارقة مدعومة بالدولة المخزنية منذ عقدين من الزمن؟
معلوم أن المغرب، كتلميذ نجيب لمنظمة التجارة العالمية والخاضع لتوجيهات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، انخرط منذ نهاية التسعينات في مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر. وهي الاتفاقيات التي التزم بمقتضاها باتخاذ الإجراءات الملائمة لتسهيل حركة الرساميل، وإزالة كافة "العقبات" التي قد تعترضها سواء كانت قانونية أو إدارية أو قضائية... ومن ضمن الإجراءات المتخذة نذكر على سبيل المثال: سن مدونة التجارة (1996) ومدونة الشغل (2004) التي كرست "المرونة" في عالم الشغل، فضلا عن المشروع الحالي لقانون الإضراب ...
أكثر من ذلك، فإن تلهف المغرب لجلب الاستثمارات الخارجية من جهة، وتحقيق تنافسية المقاولات المحلية من جهة ثانية، كان يقتضي تخفيض كلفة الإنتاج عن طريق تقليص شروط العمل إلى حدودها الدنيا. وهذا لن يتأتى طبعا دون محاربة العمل النقابي والحيلولة دون قيام قضاء اجتماعي نزيه ومستقل وإضعاف جهاز تفتيش الشغل لجعله عاجزا عن مراقبة تطبيق قانون الشغل بالمقاولات الخاصة.
وهكذا تعرض جهاز تفتيش الشغل في العقدين الأخيرين لمؤامرة متعددة الأبعاد تتمثل على الخصوص في:
 تقليص عدد مفتشي الشغل بشكل مقصود عبر فرملة التوظيف وعدم تعويض المغادرين بسبب التقاعد وغيره. وعلى سبيل المثال، ما بين 2013 و2017 لم يتجاوز عدد التوظيفات 30، فيما 116 موظفا غادروا مناصبهم لبلوغهم سن التقاعد. فالعدد الحالي لمفتشي الشغل الفعليين (حوالي 300) لايسمح بتغطية كل الوحدات الإنتاجية والتي يقدر عددها بنصف مليون. لذا فإن جهاز تفتيش الشغل بالمغرب يسير إلى الانقراض في ظل الاستنزاف الحالي لموارده البشرية.
 خصاص في التجهيزات، بما فيها المكتبية واللوجستيكية الضرورية. وكذا نقص في التكوين المتخصص وشبه غياب للتكوين المستمر وضعف التحفيزات المادية وهزالة التعويض عن النقل... مما يتناقض مع المعايير الدولية وخصوصا منها الاتفاقية 81 لمنظمة العمل الدولية.
 إبعاد مفتشي الشغل عن دورهم الرئيسي المتمثل في مراقبة تطبيق قانون الشغل بالمقاولات، وإشغالهم بمهام مكتبية من قبيل رفع التقارير اليومية والأسبوعية... وتعبئة المطبوعات الإدارية، وإغراقهم على الخصوص في ما يسمى بالمصالحة والتي تحولت إلى جلسات لاستجداء المشغلين والضغط على العمال للقبول بأقل من حقوقهم القانونية.
 استعمال العنف ضد مفتشي الشغل أثناء قيامهم بواجبهم. وقد تكررت في السنين الأخيرة حالات الاعتداء عليهم من طرف عصابات الباطرونا أثناء زيارة المعامل والضيعات و"المناطق الحرة".
 الطعن في مصداقية محاضر المخالفات التي ينجزها مفتشو الشغل طبقا للمادة 539 من مدونة الشغل ضد المشغلين، وترهيب من يجرؤ على تحريرها عن طريق استنطاق العديد منهم في مراكز الشرطة. وحتى لما تصل هذه المحاضر لرؤساء المحاكم يكون مصير أغلبها التجميد والإهمال.
وقد نجحت هذه الحملة في خلق مناخ من الرعب وسط مفتشي الشغل الذين أصبحوا شبه مقتنعين بغياب أية حماية لهم من عدوانية الباطرونا وتواطؤ القضاء الطبقي ضدهم، خصوصا بعد صدور حكم بالسجن 10 سنوات نافذة سنة 2004 على زميلهم زين العابدين قاشة، على إثر تحريره لمحضر مخالفة ضد أحد المشغلين الذي قام بطرد تعسفي للعمال بمراكش. وقد كان لهذا الحكم أثر وخيم على عملية المراقبة حيث توقف أغلب مفتشي الشغل عن تحرير المحاضر في حق المشغلين المارقين. هذا علما بأن القيمة القانونية لمحاضر المخالفات لازالت رمزية ولا تشكل رادعا حقيقيا لهذه الباطرونا المارقة. بل إن الغرامات المنصوص عليها في مدونة الشغل هزيلة وتحفز المشغلين أكثر على انتهاك القانون، لما يمثله ذلك من ربح إضافي مضمون.
إنه نفس الوضع الذي كان سائدا في منتصف القرن 19 بأوروبا، حيث صرح أحد مفتشي الشغل الإنجليز آنذاك بأن الرأسماليين الجشعين "حين يرون ضآلة الغرامة وتكاليف الدعوى التي اضطر إلى تحملها أرباب العمل الذين أدانهم القضاء، فإنهم يجدون كفة الربح هي الراجحة لو ضبطوا بالجرم" (ماركس/ رأس المال).
الخلاصة أن كل هذه الإجراءات الحكومية المذكورة أعلاه، من تقليص في أعداد مفتشي الشغل وتجريدهم من وسائل العمل ومن الحماية القانونية، ليست إجراءات تقنية بقدر ماهي اختيارات سياسية واعية تهدف في نهاية المطاف إلى تكبيل مفتشي الشغل وإزالة أحد "العوائق" أمام الباطرونا في سعيها لتوسيع الاستغلال الرأسمالي للطبقة العاملة. ومن هنا ضرورة توفير أوسع دعم، نقابي وسياسي ديمقراطي على الخصوص، لمعركة مفتشي الشغل الذين يتعرضون، فضلا عن التضييق الحكومي، لحملة تضليلية من لدن الباطرونا وأبواقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب معهد العلوم السياسية في باريس يعتصمون داخل المعهد تضامن


.. استقالة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية احتجاجا على استمرار




.. فرنسا: طلاب يغلقون مداخل جامعة سيانس بو بباريس دعما للفلسطين


.. فرنسا: طلاب يغلقون مداخل جامعة سيانس بو في باريس دعما للفلسط




.. 8 شهداء من العاملين ضمن فرق تأمين المساعدات إثر غارة إسرائيل