الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق ثورة الاستئناف الناطق ب؟/15

عبدالامير الركابي

2020 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


عبدالاميرالركابي
مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، انتهى زمن قطع والعمل على إيقاف او تغييرسيرورة التشكل التاريخي العراقي الحديث المستمر منذ القرن السادس عشر، وهوما كان ساريا منذ حضورالغرب الالغائي الافنائي تحت شعار تعميم نموذجه قسرا، وحيث جرى سحق آخر اشكال الدولة المفبركة 1968/2003 اتفاقا مع سياسة تفتيت، بدل "بناء الأمم وصناعتها"، المبدا الاستعماري الكولونيالي القديم، المتوافق في وقته مع مقتضيات هيمنته، انفتح الباب امام لحظة ابتداء امتحاني لما يعرف بالاستراتيجيه الامريكية، وللعولمه على بوابة ارض الرافدين، على وقع حالة من التناقض العضوي البواعث، بدت علائمه بصيغة ازمة مستمرة بلا قرار، وبلا صيغة قابلة للاستقرار على مستوى شكل الحكم، او مايطلق عليه اعتباطا،"الدولة"، كما على الصعيدالكياني الاجتماعي.
وبهذا يكون قد تكرر اليوم، ومع المتغيرات التي حلت على مركز الهيمنه الغربيه المستجد، وكل ماطرأ على بنيه الراسماليه العالمية/ وانتقالها من المصنعية الى مابعدها، والى الصيغة الراسمالية الملائمه لاشتراطات كيانيه جديده وريثه، مفقسة خارج رحم التاريخ، مدعوم براسمالية مرتحله خارج منشئها، مبنيه على جريمه تاريخيه، هي الأعظم على مستوى التاريخ البشري على الاطلاق، ماتزال تبحث عن كينونة ضائعه، تريد أصلا الهرب من مواجهتها فتقارب رفع ذاتها لمستوى "المقدس"، لها مع ذلك شبه بعيد بالعراق من ناحية وحيدة مفرده، هي خاصية الوجود والسيرورة المحكومة للاليات، قبل، ومن دون نطق ملائم، ومتوافق مع الحقيقة التاريخيه "الوطنية" بغض النظر عن كون احداهما بلا تاريخ، والأخرى هي التاريخ.
بعد كل هذا، عاد و تكرر بدرجة اكثر خطور بمالايقاس، المازق التاريخي البنيوي الذي أصاب الغرب الالي المصنعي الاستعماري، حين وصل الى ارض الرافدين عند بدايات القرن العشرين ليجد نفسه مضطرا لتغيير هيئته، وجوهر ممارسته الاستعمارية بصيغتها الكولونيالية، فاتجه مضطرا لاختيار اول وابكر صيغة من صيغ "الاستعمار الجديد"، عبر عنها بمشروع "الحكومة من اهل البلاد"، واصطناع وفبركة الكيان، وهو ماكان قد وقع عليه واهتدى له، الغرب الاستعماري في حينه، بينما لم يتسن للولايات المتحده اليوم إيجاد الصيغة المناسبة من صيغ الكبح والاحتواء الافنائي الضروري، وسرعان ماتبددت الاحلام والتخيلات حول "الشرق الأوسط الكبير" ـ أي تحويل بغداد من جديد الى عاصمة امبراطورية ـ وان تكن خاضعه ـ ، ومركز إدارة، يمتد نفوذها من حدود الصين والهند، الى المغرب العربي، كما كانت أيام العباسيين ـ ادراج الرياح، بعد ان وضعت أسس بناء اضخم سفارة امريكيه وغير امريكيه في التاريخ، مقرها بغداد، السفير الذي كان سيحل فيها، يكاد يكون الرئيس الأمريكي رقم "2"، بما انه يمثل الحاجز والكتلة الأكبر بوجه الصين وروسيا، ويكون اقرب الى انشاء مجال كياني متزاوج من التكنولوجيا الإسرائيلية، والنفط العربي، بإدارة الولايات المتحدة الامريكيه وحضورها المباشر*.
وكل تلك من قبيل التوهمات التي رافقت صعود الولايات المتحده قمة الانفراد كقوة عظمى وحيدة على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدا باعلان بوش الاب عام 1991 مع انتهاء الحرب الأولى و"عاصفة الصحراء"على العراق، عن "النظام الدولي الجديد"، وصولا الى "الفوضى الخلاقة"، وهي الأخرى من منتجات فترة الاختلال الايهامي التخاريفي المرافق لانتهاء زمن القطبيه، وحلول لحظة الانفراد على الساحة الدوليه، ومااورثته من خطل في المنظور الاستراتيجي والتصوري الأمريكي المختل اصلا، وصولا الى "نهاية التاريخ"، في وقت تعاظمت متاججة، نزعة إعادة صياعة العالم الكامنه في العقل الالغائي الأمريكي للحقيقة الوجودية، والتاريخيه المجتمعية كينونة،لدرجة تلقي الاوامرالمباشرة من "الله"، كما حصل مع بوش الابن، وما اعلنه عن محركات اقدامه على غزو العراق، عدا عن التصريح بانه ذاهب لمقاتلة "ياجوج وماجوج" في بابل(1).
ونحن نتحدث هنا عن الكارثة الحالة على الكرة الأرضية، ابتداء وبالتوافق مع وراثة الولايات المتحدة، الكيانيه المنقطعه عن "التاريخ"، لنهضة الغرب الحديثة، على انقاض الاوربية وليدة السياقات التاريخية التفاعليه، المصابة أصلابحكم طبيعتها الراسمالية، بحمى الجشع ومرض الاختلال البيئي الالي، فالعالم والوجود الكوكبي، مع المركزية الامريكيه ماخوذ بمبدا الطيران الكاريكاتوري فوق التاريخ وخارجه، ذلك لان امريكا موضوعيا غير قابله ولامؤهله لان تعي شيئا من التاريخ السابق عليها، ولاتنتمي له، وهي مركبه بما لاينطوي على اية أسس مقارنه سياقية وراثية، منطوية على الحقائق واللوازم التي حكمت حركة التاريخ، مايجعل من البحث في ارتكازات ونتائج سياساتها، ومايعرف باستراتيجيتها،اعتباطبا، و مخالفا كليا، وغير قابل للاحتساب، وفق المحركات العيانيه الوضعية المتعارف عليها قبلها، بغض النظر عن اضطرارها للتعامل مع الحقائق الوجودية المجتمعية، كما هي ماثلة على مستوى المعموره قبلها.
هذا المشهد بجملته، ومع مايجب اخذه بالاعتبار من حجم لامنطقيته، فتح الباب فعليا وفي العمق عراقيا، نحوتبلور جانب وحيد له صلة بالواقع والتاريخ، تمثل في انبنعاث أسباب واليات "العودة لاستئناف التشكل الوطني التاريخي" المعرض للاضرار الفادح، ومحاولة الإيقاف الافنائي على مدى 82 عاما، تبدا من عام 1921 يوم اقام الإنكليز"حكومتهم من اهل البلاد"،من خارج النصاب المجتمعي الكياني، مع اصطناع نوع من كيانيه مركبة ومفبركه، دعمتهما، وتبثث ركائزها المفهومية البرانيه، ظاهرة ال"وطنيه الايديلوجية" الحزبية الصاعده بعد الثلاثينات.
ولم يكن الجانب الجاري التنويه به بالاصل قد توقف تماما، او كليا، كما كان المستعمرون الغربيون ومجمل بيئتهم الغالبه وقتها، يتوقعون او ياملون، ومع ان اشكال الحضور " المضمر"للتشكل التاريخي المستمر قد تبدلت وقتها، بناء على نوع التحدي الواقع عليها، الاانها ظلت حاضرة، واتجهت الى التاقلم الضروري، والى اقصى مايمكن من اعتماد طبيعتها وخبرتها التاريخيه، بالاخص في مجال"الاستبدال" التاريخي، والاضطرار الى تبني او ملامسه واحتياز فعالية وسائل من طبيعة مخالفة، او مغايرة جوهرا، على حسب مايمكن، وماهو مقارب للاليات التاريخيه، ومايخدم حضورها الفعال، من ذلك عودة ظهور "الازدواج المجتمعي" التاريخي بصيغة ملائمه لاشتراطات الهيمنه الغربيه، مابين "بغداد"، و "المنتفك"ـ وتشكل الدولة السفلى في الثلاثينات بظهور اكبر حزبين، واكثرهما حضورا وفعلا في التاريخ العراقي "الحديث" في الناصرية، عاصمة المنتفك، بدل، وبعد فشل محاولات اقامتهما في العاصمه الرسمية بغداد، تاكيدا لكونها عاصمة الفبركة الكيانيه، وعلى مستوى الدولة.
وتلاحظ هنا من بين الوقائع الدالة على الديناميات الخاصة، ضمن عملية الاستبدال واضحه عبر التفارق الذي وقع، بين اشكال ما جرى استبداله من وسائل "حزبيه" بين الثلاثينات و 14 تموز 1958 يوم انتهى موقع ودور تلك الأحزاب في جانبها المتوافق مع الاليات السفلى التشكلية، ليتحول احدها / البعث/ الى "حزب حاكم مرتكز الى الريع النفطي والنواة القرابية" بعد تحويره الضروري، ونزعه من اصوله التاسيسيه، والثاني الشيوعي، الذي انتهى الى حزب كردي، محركاته وأسباب ديمومته جزئية، منفصلة عن الاليات الاصطراعية الشاملة في الطور الريعي الثاني من شكل الدولة المفبركة 1968/2003 ،الى ان تحول الان الى دكانه مدارة من السفارة الامريكيه بغطاء طائفي، بينما ذهب الحزب الثالث المسمى "الليبرالي"، الى الاختفاء والذوبان ذاتيا، بعد حدث تموز الثوري الكبيرغير الناطق عام 1958(2).
مع عودة ملامح الاستئناف التاريخي المستمر الذي تعود اصوله الى القرن السادس عشر، تصير المسالة الأكثر الحاحا بما لايقاس، لابل المهمه العظمى، من صنف التحدي العقلي الأكبر المقارب لمغامرته الافتتاحية الأولى في ارض الرافدين، وبين النهرين على وجه التعيين، ويصادف ما ننوه به هنا فعليا، افتقاد العالم لمايعرف بالهيمنه النمطية، او الغلبه الفعالة للغرب الذي بدأ بفقدان مثل هذه الخاصية منذ القرن العشرين، وصولا الى غلبة القوة المجرده التي تمارسها الولايات المتحدة، بحسب مامتاح لها، بلا اليات شمولية، بعكس الرائج، من قبيل "العولمه" التي هي نظام مابعد راسماليه كلاسيكيه، يقيم ويؤخذ خطأ حاليا وعلى نطاق واسع، باعتماد وسائل تحليل ماتزال عالقة بالاذهان من طور رسالمالي نموذجي منته.
ليس لدى الغزو الأمريكي للعراق ايه قدرات ذات طبيعية تحويرية، او يمكن ان تشكل نمطا من الهيمنه التي مارسها الاستعمار الإنكليزي بطابعه الكولونيالي، ومايعيشه العراق فعليا هو حالة من استعادة الإيقاع التشكلي الوطني التاريخي بحقبتين : الأولى استعادية، ماتزال تطغى عليها مفاهيم الطور الاستعماري المنقضي الافنائي بمختلف صيغة واشكال تجليه تاريخيا، قبل ان يبدا ومن قلب التمخضات والاصطراع الفعلي المحتدم، الفصل الثاني الافصاحي، الموكول الى الحقيقة والاليات التاريخية المنبعثة، الامر الذي استغرق حتى الان قرابة العقدين من الزمن، تنامت فيه مظاهر الانقلاب التاريخي، السائرة الى مغادرة الزمن الالحاقي الافنائي، وبقايا هيمنتها المستمرة بحكم العادة، وتاخر البديل وغياب ملامحه. وصولا الى انتفاضة 1 تشرين 2019 ، اللحظة الانعطافية، والمحطة التي هي تكرار ثورة 31 حزيران 1920 .
الأولى باعتبارها ثورة بلا نطق، والثانيه الراهنه المتفجرة تحت طائلة وحتمية الافصاح التاريخي الأعظم.
ـ يتبع ـ ملحق
ـ الاستئناف وهزيمة الغزو الأمريكي؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تكررت محاولات غرس الكيان الصهيوني في العالم العربي، بعد فشل الصيغة التوهيمه الأولى، من خلال مشروع "الشرق الأوسط الصغير"، مشروع بيريز،كبديل للشرق الأوسط الكبير، وصولا الى المشروع الايهامي الكاريكاتيري الترامبي الحالي المعروف ب "الاتفاق الابراهيمي" المهزله.
(1) صرح بوش الابن بذلك في مكالمه له مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي رفع سماعة الهاتف عن اذنه مندهشا، وشاكا في اذا كان من يتحدث معه هو رئيس اكبر دولة في العالم بالفعل.
(2) لم يسبق اطلاقا ان لوحظت ظاهرة قتل الثورة المعتبرة "وطنية برجوازية" لحزب الوطنيه البرجوازية المفترض، لدرجة اختفاء هذا من الوجود ذاتيا( بعد محاولة رئيسه الحاقه بالاشتراكيه الثانية الديمقراطية عبثا، وهو ماحاوله الجادرجي في اخريات أيامه من دون نجاح يذكر)، وبالأخص من زاوية دلالتها الواضحه على ان ماكان وقع في 14 تموز 1958 لم يكن باية حال، "ثورة وطنيه برجوازية"، او مما يمكن ان يمت لها باية صلة، بالاخص من ناحية ان العراق لم يكن وقتها موكولا بنيويا لمخططات طبقية من هذا القبيل المنقول ذهنيا بلا اساس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في