الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة الخليجية أشدّ فتكًا لما تبقى من الوحدة العربية

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


طِوالَ العقودِ الماضية، من القرنِ العشرين، كُنّا قد شِهدنا كثيرًا من ألوانِ الصراعِ العربي-العربي، ونكهات كثيرة ومُتعدّدة من الخُصومات عديمة الجدوى بين الدول العربية ذاتها، دون أن يكون هناك أيّة معالمٍ تُشير إلى أنّ الدول الغربية - بصرف النظر عن أهدافها- كانت قد أشعلَت فتيلَ هذه الصراعات والخُصومات، كما أشعلتها الإنسياقية وراء التّضخيمِ الشخصيّ، الذي كانَ يُعاني منهُ بعض من أصبحوا قادةً للعرَب، الطامحينَ بزعاماتٍ تُعزِّز من وجودهم النرجسيّ على حسابِ العروبة و وحدتها، وعلى حسابِ من ضحّوا بدمائهم وأعراضهم من أجلِ ألّا تتشظّى الوحدة العربية وتُصبح دويلات مًتناثرة سهلة المضغِ في أفواه البرغماتيّة السياسية .

لقَد عُرِفَت الخصومات العربيّة في القرنِ العشرين، المُنصرِم، بالخصومات ذات النكهاتِ المُختلِفة، إذ منها ما عُرِف بالخصومة التي أخذَت النكّهة الحزبيّة كمُميّزٍ لها، والتي كانت تضّعف رؤاها كلّما علَت بنادق التخوين في قلبِ السماءِ العربية، وقُذِفت رصاصات الديكتاتوريّة التي كانت تشي بأنَّ لا معالم عروبيّة تطلُّ علينا ؛ إن لَم يتِم التوصّل إلى طبّاخ سياسي واحد يُجيد صُنع هذه النكهة بمهنيةٍ سياسية وبحنكةٍ واقتدار، وللأسف، أنّ هذا ما لم يتِم التوصّل إليه، فخير شاهدٍ على هذه النكهة، هو الصراع الحزبيّ الذي كان مُشتعلًا بين العراق وسوريا، في النّصف الثاني من القرن الماضي، والذي أدّى إلى اختلالٍ كبير في الموازين العربيّة، ليس فقط إقليميًا، بل عالميًا حتى، إذ أنَّ الكثير من تحالفات بعض الدول العربية مع بعض دول العالم التي لها دور بارز في السياسية العالمية، بدأت تتقلّب شيئًا فشيئا بعد هذا الصراع، وبدأ الجسم العربيّ أكثر تفسخًا ممّا مضى، وكأنّهُ أشبه برجُلٍ ضخِم سقطَ من بنايةٍ شاهقة، وفُصِلت أعضاء جسدهِ عن جسده، بينما هو ما زالَ يلفِظ أنفاسه الأخيرة، ومِن المؤكد أنّ هذه الأنفاس لن تُعينهُ على إعادة الأعضاء لهُ .
إنَّ هذه النكهة التي فرضَت نفسها على هذه الخصومة، قد كانت نكهة ذات ضراوة شديدة، جرَّت العروبة لمُستنقعات التنافُس الشخصيّ، دون الإلتفات لا لمصالحِ الشّعوب التي هي -بالطبع- الحاضنة الأُولى للأحزاب، ولا لمصالحِ الأوطان التي من الواجب أن تسعى الأحزاب ومِن خلال برامجها ورؤاها إلى النهوض بها .

لم تكُ هذه النكهة وحدها، هي النكهة التي تُسيطر على الخصومات العربيّة، بل كان هُناك نكهات كثيرة أُخرى، منها خصومة النكهة الجغرافيّة التي ترتَكِز على التقسيمِ الحدوديّ بين الدول العربية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، ما كانَ ببن مصر وليبيا في الثُلث الأخير من القرنِ الماضي، وهذه الخصومة، وعلى الرغم مِن تغيّر اللاعبيينَ بشكلٍ كبير، إلّا أنّ أذرعها ما زالت تتمدَّد جُغرافيًا إلى يومنا هذا .

لكن، هذه الصّراعات والخصومات مُتعدِّدة النكهات، والتي اشتهر بها أبناء العرَب دون سواهم ممّن سكنوا المنطقة، كانت - في الكثير منها- تبتعِد عن التأثير السلبيّ المُطلق الذي تنُسف عنده، كُلّ الحلول التي تولَد من الرّحم العربي وتُدفن في سراديبه كُلّ مساع الصُلح والإصلاح ونبذ كُل ما يساهم بقتلِ الروح العروبيّة، على عكس ما تفعلهُ اليوم الخلافات الخليجية، أو ما يطلق عليها " الأزمة الخليجية"، حيث أنَّ هذه الأزمة قد ساهمت بشكلٍ كبير في إضعاف، ليس فقط آمال الوحدة العربية التي دائمًا ما ترعاها الأنظمة، بل حتى وحدة الشعوب العربية كما لم تكُن في سابق القرون الماضية، إذ أنّ الشعوب كانت دائًما تلعب في ملعب واحد، لا تعرف به التصارع، والأنظمة السياسية العربية في ملعبٍ آخر، مليئ بكُرات الصراع، وكل اللاعبيين فيه يشغلون منصب مركز الهجوم الدائم دون أن يملكوا أيّة مقومات تمكّنهم من هذا الهجوم الذي يحقّق نتائج تصُب في مصالحهم دائمًا .

مِن هُنا، يُمكننا القول، أنَّ الأزمة الخليجيّة التي ولِدت في عام 2017، كانت قَد أصابت العرب جميعهم، دون استثناء، وبترَت كُلّ حلمٍ عربيّ وحدويّ، مع أنّ الدرجة السياسية التي أحكمت سيطرتها على هذه الأزمة، لم تكُن بذاتِ الدرجة التي حكمت سيطرتها على الخلافات والصراعات العربية التي تحدثتُ عنها آنفًا .لكن، وللأسف، ما تقدّمهُ هذه الدول البترولية من دعمٍ اقتصاديّ، وما تشيّدهُ مِن خزائن المال والمنح المشروطة على هذه الدول التي تنهكها أنياب الفقر والحاجة الناتجة عن الفساد وسوء الإدارات للأنظمة السياسية، قد جعلها أكثر مقدرةً على التحكم بالمصائر السياسية لهذه الدول، ومكّنها من أن تقبِضَ على رقاب تلكَ الدول، ولا تُتيح لها التنفس إلّا بما لا يتعارض مع مصالحها، وذلك مِن خلال سيطرتها على رؤوس الحكم في هذه الدول .


إنّ هذه الأزمة لم تكُن مِن ناحية التأثير كما ظنّ البعض، أي أنّ تأثيرها سيقتصر على ثلاثة دول خليجية فقط، لمحاولة هذه الدول التزعّم للخليجِ العربيّ، بل إنّها امتدَت إلى المُحيط العربي أجمع، وأصبحت ذات تأثير على بعض القضايا الإقليمية، مِن خلال بعثرتها للتحالفات الإقليمية عن طريقِ استغلالها للكثيرِ من الأمور المفصليّة في المنطقة، ولعبها على وتر "الإسلام السياسي" و وتَر الصراع العربيّ الخليجيّ مع تُركيا مِن جهة و مع إيران من جهةٍ أُخرى "، هذا فضلًا عن خنقِ التواصل بين الدول العربية ذاتها، وإيقاف أساطيلِ المنح والدّعم الإقتصادي للدول التي تُحاول أن تُعارض ما تفرضه دول الخليجِ عليها ؛ كما فعلَت السعودية وشقيقتها الإمارات مع الأُردن .

الخُلاصة : لا شكَّ لديَّ مِن أنّنا أُمة كُتب عليها أن تبقى في احترابٍ دائم، وأن يستلذّ أبناءها في طعنِ بعضهم بعضا . لكن، هذه الأزمة الخليجية، والتي أعتبرها أخطَر من حربيّ الخليج الماضيتين، على الرّغم من أنّها لم تعرف البُعد العسكري إطلاقًا، قد بدَّدت كُل الأحلام العربية التي كانَ يحلم بها العرَب، إذ أنّها قامت وبترحيبٍ غير مسبوق، بتمريرِ أبرز القضايا التي يواجهها العرب والمسلمون، ألا وهي قضيّة الوجود الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، والسّماح لبني صُهيون ببناء دولتهم التي يكرّسون لها كُلّ ما يملكون مِن طاقاتٍ بشريّة وماديّة، وكأنّها تقول لهُم " باشروا ببناء دولتكم مِن النهرِ إلى البَحر ؛ فلَن يمنعكم أحَد، فكُلّ العرَب تحت إبطنا " ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس