الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طيارة ورقية

عبدالزهرة حسن حسب

2020 / 12 / 12
الادب والفن


رغم ان نجوى البنت الوحيدة لامها لكنها غير مدللة عند عائلتها. العائلة اصلأ لا تمتلك من المال ما تنفقه على دلال ابنائها. وحال صويحب (هكذا يسموه اهل القرية، واسمه الحقيقي صاحب) ليس بأفضل حال منها فهو يعيش ذليلا بين أسرته.
تجاوزت نجوى وصويحب مرحلة الطفولة بين حسرة في القلب ودموع جارية على الخدين، ودخلا مرحلة الصبا، المرحلة التي يبدأ فيها الاهتمام بالجنس الاخر. لماذا لم يستأجر والدكَ عاملا بدلا عنك؟ . ماذا تقولين ؟ أستأجر عاملا ينقل الطابوق الذي سأبني منه غرفة أنام فيها أنا وأخوتي؟ يا للعار، في كلامك استهانة لقدرتي في العمل. دفع عربته وأبتعد عنها .
كان صويحب يدفع عربة ذات عجلتين صغيرتين في ارض غير مستوية، تكثر فيها الحجارة والحفر الصغيرة. مما جعل دفع العربة امرا صعبا على صويحب فأخذ العرق يتصبب من جميع أعضاء جسده وهذا ما دفع نجوى لطرح سؤالها عليه الذي اعتبر فيه مسٌ لكرامته. بعدما أفرغ حمولة العربة، جلس تحت نخلة الگنطار ليتفيأ بظلها، أستعاد الحديث بينهما وقال: ما أقبح ما فعلت! لماذا لم أسمح لها ان تقول ما تريد؟، واضح انها تريد اطالة الحديث بيننا لو وفرت لها الفرصة ربما تبيح بشيء ما، ان لم يكن بلسانها فبعينيها الجميلتين. أنَّب نفسه وقال : اخرس يا صاحب نجوى جارة لك .
في اليوم الثاني التقته في نفس المكان والزمان وقالت: جئت هذا اليوم لاعتذر لك لان كلامي بالامس سببَ ازعاجاً لك.
بالعكس انا الذي اعتذر لكِ لأني لم اسمح لك بالاستمرار في الحديث.
تتابعت اللقاءات بينهما بفعل الصدفة او وجود السبب المبرر للقاء. وذات يوم سألها هل تأتين غدا؟ قالت اذا توفر السبب المبرر للمجيء، رد عليها وقال: من الان فصاعدا لقاءاتنا لا تحتاج اسبابا مبررة لها، علينا ان نكون صادقين مع بعضنا. كل منا يشعر بحاجة الى رؤية الاخر كحاجته للأكل والشرب. ابتسمت وقالت سآتي غدا ان شاء الله.
استمرت لقاءاتهما في بستان أهل نجوى الكثيف بأشجار النخيل. مدة اللقاء لا تزيد على عشر دقائق لكنها كافية لإرواء العطش للقاء. ومن الطبيعي ان تنمو بذرة الحب في قلبيهما فيشع ذلك الحب نورا من وجهيهما ويبعث في سلوكهما نشاطا شبابيا لافتا للانتباه. فأدرك اهل القرية ان نجوى تحب صويحب وصويحب يحب نجوى. وصل الخبر الى اهليهما. اهل نجوى يتحلون بالواقعية فأخبروا أهل صويحب إنهم لا يمانعون من زواج نجوى من صويحب. لكن اهل صويحب رفضوا العرض. فما كان من اهل نجوى إلا حبسها في الكوخ الذي تسكنه مع والديها لا تخرج منه إلا للحاجة او إنجاز عمل للعائلة مع مجموعة من نساء العائلة. أما أهل صويحب فقد حددوا له مسارات حياته اليومية واتخذوا الحيطة بأن لا تتقاطع مع مسارات نجوى المحتملة، وهددوه في حالة المخالفة سيلقى عقابا لا قدرة له على تحمله.
مرت ثلاث شهور ولم يرَ كل منهما الاخر، ولو من بعيد وأصبحت رؤية كل منهما الاخر الحلم الذي يعيشا من اجله.
في المتوسطة احب صويحب فن الرسم وشجعه مدرس التربية الفنية بقوله لديك موهبة احرص على تطويرها. دفعه حب الرسم ليكون مبدعا وقادرا على رسم صورة اي شخص يراه لمرة او مرتين والصورة تقترب من ملامح الشخص نفسه.
سَمَت شخصيته في القضاء كفنان موهوب لكن ذلك لم يسعده ولم ينسيه التفكير في نجوى التي ظلت تشغله ساعات النهار كلها باحثا عن طريقة تمكنه رؤيتها ولو من بعيد. بعد تفكير دام طويلا اهتدى الى فكرة وباشر في تنفيذها.
أخذ ورقة ورسم نجوى وسط الحوش في ليلة دامسة الظلام وغزيرة المطر ورسم نفسه وسط الحوش وبالظروف نفسها. وجعل المسافة بين الصورتين عشرين مترا لا يفصل بينهما الا سياج من القصب واطئ. والى جانب الصورتين رسم صورتين اخرتين بنفس القياسات والظروف الجوية ولكن بوجهين واضحين المعالم.
وسأل نفسه هل تفهم ماذا أريد منها في هذه الصورة أنا أعرفها ذكية ولا بد أن تفهم ما أريد أن تفعله. ولكن كيف أستطيع إرسال هذه الصورة إليها والعيون تتربص بي أينما اتجهت، أخيرا اهتدى الى فكرة لطيفة. حول الصورة الى طيارة ورقية وربطها بخيط وأخذ يلعب بها كأي صبي . ولما إرتفعت الى السماء أرخى لها الخيط لتدخل حوش نجوى ثم اسقطها أمام باب الكوخ الذي تسكنه وقطع خيطها .
من حسن حظها عثرت على الطيارة قبل غيرها. أمسكت الطيارة ولاحظت الصورتين وقالت: ماذا يريد مني فعله وبعد لحظات إبتسمت ووضعت الورقة في جيبها.
في اليوم الثاني تجمعت غيوم رمادية وحجبت ضوء الشمس الايلة الى الزوال وسقط المطر كشلال من أعلى جبل وعندما ساد الظلام خرجت نجوى من كوخها ووقفت وسط الحوش في المكان الذي حددته لها الصورة، وفعل مثلها صويحب. كل منهما لم ير الاخر ولا يعرف ماذا يفعل في تلك اللحظة. لكن كل منهما ينتظر البرق الذي سينير السماء والأرض، وما هي الا لحظات وحدث البرق فابتسم كل منهما للآخر ورفع يده مرحبا به.
قالت نجوى الحمد لله لقد تحقق الحلم الذي عشت من اجله .
حقا إنها كانت لحظات جميلة رغم قسوة البرد وغزارة المطر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس