الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلاد ..... قراءة في ذاكرة الحرب

محمد مطير

2006 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


( ربما سأستيقظ يوما فلا اجدني في أحضانك .. احبك يا فيض رغبتي الخرقاء )
عقيل علي

حين غادر الرجل الغريب المدينة خلسة .. كاد يتعثر بالحواجز المزروعة هنا وهناك …
المدينة رسمت لعنة مستديمة في وجوه الناس . أناس يدورون في دائرة القلق القاتم …
لم يكونوا يوما جزءا من تلك السياسات التي جلبت لهم كل هذا الخراب …،
كانوا مطية يركبها السلطان ….
حينئذ توقف برهة ليرمي دمعة نزلت بطيئة كأيام العوز إلى الصبية ذوي الملابس المتسخة الذين ما برحوا يلوحون له بأياديهم ..
- إلى أين تمضي …
التفت الرجل الغريب بصعوبة وتمتم :
ألا ترى الخراب يزحف ..
يزحف إلى كل حارة , شارع … إلى كل بيت ..
واجهش بالبكاء …….
أشتهيك أيتها المدينة العارية …
أشتهيك أيتها المدينة الآثمة …
كرع بعض رشفات من زجاجة الخمر التي ما فارقته .. ثم مضى يترنح في الشوارع المتكئة على الهواء ,…
أصوات الطائرات تتعالى … والبلاد ترتجف ….
ظل يسير بتثاقل مميت حتى نهاية الشارع المحاذي لمدينة العاب مهجورة باتت أشبه بامرأة عجوز غلبتها سنوات عجاف من عمر بددته هكذا دون جدوى….
فأجاب الظل:
” الخراب سيتبعك ..
مادمت قد خربت حياتك
في هذا الركن الصغير من العالم …
فحياتك خراب أينما حللت ”
- لم تكن المدينة التي خربت حياته كهذه يا صديقي….. !
ا لا ترى الشوارع تسير على ذاكرة معطوبة .. ثم مضى يحث الخطى للخروج من المدينة فهي على وشك السقوط وقد يدخلها الأمريكان في أي لحظة ولايدري ماذا سيفعلون ..
لابد أن يقطع الشارع المؤدي إلى جسر الناصرية مشيا ….
ذلك الجسر الذي لم يتعافى ألا قبل شهور قليلة بعد أن خربته الطائرات ..
الطائرات ذاتها ….
لازالت صور الضحايا عالقة في ذهن الرجل .. .. يومها قدمت قرابين للفوضى …
طوابير من الضحايا …..
تطايروا في الهواء … وغرقوا في نهر أخذ نذوره المؤجلة دفعة واحدة .. .
كم كان ثمن الحرية وقتها …
كم كان ثمن الأفكار الهشة أمام هذا الكم الهائل من الموتى ..
ما معنى الموت في زمن رديء لا يشبهه شئ .
- حين التقيتها في المرة الأخيرة كانت لديها رغبة جامحة للبكاء …
البكاء المر على ضحايا كطوابير تنتظر السلخ لبلاد هشمتها الحروب ..…
تبكي بأحضاني بمرارة تعيد طفولتها التي صادرتها الحروب .
وأنا المح حيرتها …
بين الفينة والأخرى كانت عيني تذهب بعيدا .. ..
العصفور بجانبها ،
كان قلبه يرتجف …
يرتجف …
…….

بادرتني : هل أطلقه … ليحلق بعيدا ، نحو ارض اكثر أمانا …
لكني كنت أخشى أن تمزقه الطائرات …. !!
صافرات الإنذار تنقض على مساحات البياض المتبقية للصفو …
لم أكن وقتها أنتظر لحظات القنوط تلك فالموت لا يتسع للتنظيرات الكبيرة والمدينة الآن مشروع كبير للقتل وعلي أن افر بجلدي قبل أن تفتك بي دموعها التي ما برحت تتساقط كالرصاص المخبول الذي بدأنا نسمع أصواته في كل اتجاه. هاهي الطائرات مرة أخرى …
- أن قسوة الحياة التي تحتضنها هذه المدينة تجعلك تفكر كثيرا في جدوى البقاء في هذه المدينة المربكة .
المار ينز يبحث عن عدو موهوم .. !!
……..؟؟ ؟ !!
… الخطوات المتثاقلة للرجل تشير إلى رغبته للتزود برائحتها وهي تحترق .. .
لم يكن يعرف أن الحرب ستبدأ هكذا بهذه الطريقة الفاضحة ..
لا تترك مسافة ألا للهلع الآسر ..
لم يكن أمام الرجل الغريب ألا مسافة ليست طويلة ليجتاز السواتر ويغور في بساتين النخيل الممتدة كالملل على النهر بعد أن يعبر الجسر السريع النائم على ضفتيه ..
أشلاء العصافير المحترقة على امتداد الشارع المحاذي للنسيان ….
ريش العصافير المقتولة يغطي الإسفلت …
يأخذ مساحة مشاكسة طويلة …
العصافير التي تحلق عاليا … …!
أخفقت في تلمس أشلاءه بين العصافير الميتة ….
الريش يغطي الإسفلت …
العصافير تحلق عاليا …
الطائرات أيضا ….
ال…
ع..
ص..
ا…
ف ..
ي ..
ر ….
الظل بدأ يتلاشى شيئا فشيئا … ثم توارى .. …
توارى هناك في القصف الكثيف وأصوات الطائرات التي بدأت تغير بشراسة حيوان مفترس على جثة هامدة …
الرجل الغريب الذي غادر المدينة خلسة غرق هو الآخر في بساتين النخيل الشاخصة كخيول مستعدة للهرب . وغطت المدينة في حريق الطائرات المجنونة … تتمزق كجسد طفل غض
لا يقوى على الصراخ .

- من قصيدة ” المدينة ” ل كافافي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو