الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الحديثة

فارس تركي محمود

2020 / 12 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن الدولة الحديثة وكما ذكرنا سابقاً لم تدخل مرحلة ألولادة ولم تبدأ في الظهور إلا مع بداية عصر النهضة ولم يكن ظهورها مفاجئاً أو طارئاً أو مرتجلاً أو صدفة ً بل هو عملية معقدة وبطيئة وطويلة احتاجت إلى آلاف السنين لكي تتم جميع مراحلها وتتكامل حلقاتها وتبلغ تفاعلاتها أقصى مدياتها . فالمجتمعات البشرية عند خط الشروع أي عند بداياتها الأولى كانت كلها مجتمعات بدائية ومتسمة بسمات المجتمع البدائي ، وكلها منتجة للدولة القديمة إلا أن البيئات والظروف الجغرافية التي نشأت وتطورت فيها هذه المجتمعات كانت مختلفة ومتباينة وفي بعض الأحيان متناقضة فمن غابات واراضي خضراء منبسطة إلى مناطق جبلية وتضاريس صعبة إلى بوادي وصحاري ، إن هذا الاختلاف والتباين في الظروف الجغرافية كان له دور حاسم وجوهري – وأيضاً وفقاً لفلسفة الربح والخسارة - في تعزيز وتقوية تلك السمات في بعض المجتمعات ، وإضعافها وتقليص تأثيرها بالتدريج وإحلال سمات جديدة ومختلفة محلها في مجتمعات أخرى . بمعنى أن المجتمع الذي وجد نفسه يعيش في ظروف جغرافية تنسجم وتتناغم مع تلك السمات وتجعل منها سمات مربحة لم يكن أمامه أي خيار إلا أن يتمسك ويتشبث بها مما أدى إلى تجذر هذه السمات في ذلك المجتمع ، وأدى كذلك إلى القضاء على أية إمكانية لاستبدالها أو التقليل من هيمنتها ورسوخها . بينما المجتمع الذي عاش في ظروف جغرافية لا تنسجم بل وتتصادم مع تلك السمات وتجعل منها سمات تسبب الخسارة لم يكن أمامه أي خيار سوى أن يحاول التخلص منها واستبدالها بسمات وصفات أخرى تتلاءم وتنسجم مع بيئته الجغرافية .
ولا يجب أن نفهم من هذا الكلام أن هناك نوعين من المجتمعات فحسب مجتمع تنسجم ظروفه الجغرافية مع سمات المجتمع البدائي ومجتمع آخر تتصادم ، بل هناك الكثير من المجتمعات المتنوعة والمختلفة والمتدرجة في مدى تطابق او تصادم ظروفها الجغرافية مع تلك السمات فهناك من يتطابق بنسبة مئة بالمئة وهناك من يتصادم بالنسبة ذاتها وهناك من هو بنسبة 25% ،أو 35 % ، أو 50 % ، أو 60 % ، أو 75 % تطابقاً أو تصادما ً. وهذه النسب هي التي ستحدد سرعة وقوة تمكين أو استبعاد سمات المجتمع البدائي ، فكلما ارتفعت نسبة الانسجام وانخفضت نسبة التصادم كلما أدى ذلك إلى مزيد من السيطرة والتمكين لتلك السمات حتى إذا ما بلغ الانسجام نسبة المئة بالمئة والتصادم نسبة الصفر بالمئة أو ما يقاربها أصبحت السيطرة تامة ومطلقة ولم يعد هناك من سبيل لمقاومة تلك لسمات وأي محاولة لاستبدالها تصبح محاولة عقيمة ولا طائل منها ، وكلما قلَّت نسبة الانسجام وارتفعت نسبة التصادم كلما ضعف وتراجع تأثير تلك السمات حتى إذا ما بلغ الانسجام نسبة الصفر بالمئة والتصادم نسبة المئة بالمئة أو ما يقاربها تصبح عملية القضاء على تلك السمات واستبدالها بسمات أخرى مسألة حتمية ومسألة وقت ليس أكثر . وعندما تكون تلك النسب بين بين تكون سيطرة واستحواذ سمات المجتمع البدائي هي الأخرى بين بين . إن وجود علاقة تناغم وانسجام بين سمات المجتمع البدائي وبين الظروف الجغرافية سيؤدي إلى العديد من التداعيات والنتائج أهمها تعزيز سيطرة تلك السمات وإنتاج الدولة القديمة ، ووجود علاقة تصادم سيؤدي أيضاً إلى العديد من النتائج أهمها إضعاف تلك السمات واستبدالها بسمات أخرى ستؤدي بدورها إلى إنتاج الدولة الحديثة . إذاً فإن الدولة الحديثة هي إحدى نتائج التصادم شبه التام بين سمات المجتمع البدائي وبين ظروفه الجغرافية ، فما هي هذه الدولة الحديثة وما هي سماتها وصفاتها وما هي مراحل تشكِّلها وتكوينها وكيف وأين ومتى ظهرت ؟ وقبل أن نتكلم عن الدولة الحديثة لا بد أن نتطرق إلى الظروف الجغرافية ودورها في تحديد صفات وسمات وسلوكيات وأفكار الجنس البشري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش