الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روائع المقال : هوستون بيترسون ترجمة: يونس شاهين- السادس عشر : مقال وترجمة -هرمان مليفل

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2020 / 12 / 15
الادب والفن


كتب هرمان ملفيل حين كان عمره تسعا وعشرين سنة فى فبراير 1849 من بوسطن الى صديق له فى نيو يورك يقول " لقد سمعت امريسون يحاضر منذ جئت الى هنا ، وليقولوا ما شاءو ، ولكنه رجل عظيم .

وبعد عشرة ايام كتب يقول ، " لقد القيت نظرة ذات مرة على كتاب له فى مكتبة بتنام – وكان هذا هو كل ما اعرفه عنه ، حتى سمعته يحاضر .


لقد كان مليفل الشاب مشغولا بالحياة والكتابة الى الحد الذى لم يترك له وقتا للقراءة
كان هرمان مليفل ( 1819- 1891) ابنا ل الان مليفل ، الذى كان له عمل رائج للاستيراد فى نيويورك ، ثم انتقل بعد ذلك الى البانى حين بلغ ابنه الحادية عشرة .


ومات الاب بعد سنين من هذا التاريخ وهو غارق فى الدين ، تاركا اسرته التى تعودت على رغد العيش ، فى ظروف حرجة تذل الكبرياء ، ولم يستطيع هرمان مليفل ان يظفر بالتعليم الراقى ، الذى يتوقعه ابناء طبقته كحق لهم ، واضطر الى ان يعمل كاتبا فى البانى لفترة .
ثم سافر الى ليفربول كبحار على احدى السفن ، ثم اشتغل مدرسا فى اوقات متقطعة ، لعدة سنوات ، واخيرا فى عام 1841 ابحر من نيوبد فورد على سفينة لصيد الحيتان الى البحار الجنوبية ، وبعد ثمانية عشرة شهرا هرب من السفينة بسبب وحشية القبطان ، وعاش فترة فى جزيرة يسكنها اكلة لحوم البشر ، وبعد مغامرات اخرى كثيرة ، رجع الى بوسطن على سفينة حربية امريكية تسمى الولايات المتحدة .


ويبدو انه حصل فى اقل من اربع سنوات على تجارب قاسية لم يحصل عليها كل رجال الثقافة والادب فى نيو انجلند فى حيواتهم الكثيرة الطويلة ، وقد كتب ملفيل بعد ذلك يقول ، فى شيىء من الحزن وشيىء من التحدى ، ان سفينة صيد الحيتان كانت جامعة هارفاد وبيل بالنسبة له .

وحين استقر فى نيويورك ، بدأ فترة مذهلة فى حياته تتميز بغزارة ما كتب فيها : فكتب ( تيبى ) و( اومو )وهما روايتان عن تجاربه فى البحار الجنوبية ، ثم كتب ( ماردى ) وهى قصة رمزية تتسم بالاقدام والضراوة بخلفية من البحار الجنوبية ،
ثم ( ردبيرن ) وهى مؤسسة على رحلته الى ليفربول فى صباه، ثم السترة البيضاء وهى مؤسسة على رحلة رجوعه من مغامرته فى صيد الحيتان الى الولايات المتحدة ، ولقد اتم كل هذه القصص فى اقل من ست سنوات ، وبدا قصته المسماه ( موبى دك) واكمل جزءا كبيرا منها قبل ان يبلغ عامه الحادى والثلاثين .

وحين اخذت اسرته فى النمو ، وبدأت كتبه فى الرواج ، ترك ملفيل نيويورك وجمعياتها الادبية التى لم يكن فيها شيئا من الاثارة ، الى مزرعة هادئة قريبة من بيتسفيلد بولاية ماسا تشوتس ، فى صيف عام 1850، وفى الخامس من اغسطس فى هذا العام ، نظمت سيدة نشيطة تقطن بجواره لقاء مرحا لفريق من جيرانها يقومون فيه برحلة على الاقدام ، او على الاصح لتسلق الجبال ، وقابل ملفيل فى هذا الاجتماع الكثير من الرجال المشهورين ، او الذين اشتهروا فيما بعد ، والمهم انه قابل ناثانيل هوثورن.
ولقد تجاوب ملفيل الذى كان من طباعه الابتعاد عن الناس ومعاناة الوحدة مع هوثورن الذى كانت له نفس الطباع ، وكان يكبره بخمسة عشرة عام ، وقد اتفقا على ان يتقابلا بعد ذلك.

وبعد ذلك وجه ملفيل اهتمامه الى كتاب اسمه ، طحالب من بيت قديم لقسيس ، كان قد اهدى اليه قبل ذلك بثلاثة اسابيع ، وكان الكتاب من تاليف هوثورن ، وفى ظرف ايام قليلة ، كتب ملفيل مقالا امتدح فيه هوثورن وشكسبير وضمنه كثيرا من حنينه وتشوقاته الخفيه ، والتى ربما كان لا يحسها الا بعقله الباطن.

ونشر هذا المقال فى عددين من مجلة اسبوعية فى نيويورك اسمها " ذى ليترارى ورلد" تحت اسم له مستعار ، ولم يعرف ال هوثورن ان كاتب هذا المقال الذى شرح صدورهم هو جارهم ملفيل.

والان الى مقاله هوثورن وطحالبه
لرجل من فرجينيا يقضى شهر يوليو فى فرمونت

غرفة مبطنة بالورق فى بيت قديم جميل من بيوت المزارع ، يبعد ميلا عن اى بيت اخر ، ويختفى حتى مظلة سقفه فى الاوراق الخضراء ، وتحيط به الجبال والغابات ، ان هذا هو المكان الذى يكتب فيه المرأ عن هوثورن ، لقد امسك بى رجل ذو طبيعة عميقة نبيلة فى العزلة ، وصوته العاصف الذى يشبه صوت السحرة ، يرن فى أذنى ، وحين يتحول الى ايقاع هادىء اسمعه فى اغنيات طيور التلال التى تصدح على اشجار الصنوبر بجوار نافذتى
كنت تمنيت لو كانت كل الكتب لقطاء ليس لها اسم مؤلف ، حتى نستطيع ان نمجدها ، دون ان نقحم فى ذلك اسماء مؤلفيها الظاهرين .

ولست اعتقد ان رجلا صادقا يمكن ان يعترض على هذا ،
وزيادة على ذلك فانا لا اعرف الاسم المناسب الذى يمكن ان اضعه على كتاب ممتاز ، لم يحدث ان ارتفع مؤلف عظيم الى مستوى فكرة القارىء عنه ، ولكن كيف يستطيع هذا التراب الذى تتكون منه اجسادنا ان يعبر عن نبل الذكاء فينا .

والغريب اننا اغلب الاحيان لانستطيع ان نرى العظمة الكامنة فى شخص ما من اطاره المرئى.

ان من الغريب ان يسير الانسان فى طريق زراعى ثم لا يرى اعظم المناظر واحلاها بسبب سياج يخفى ما وراءه .

كذلك كانت الحال معى فيما يتعلق بروح هوثورن ، رجل الطحالب الممتاز، لقد كتب كتابه بيت القسيس القديم منذ اربع سنوات, ولكنى لم اقرأه الا منذ يومين او يوم ، لقد رايته فى محل لبيع الكتب وسمعت عنه كثيرا ، بل لقد اوصانى بقراءته صديق زواقة للادب ، ومدحه ككتاب هادىء ، نادر ، ويحتاج للتقدير حتى يذيع صيته .
ولكن هناك كتبا كثيرة تنعت بانه ممتازة ، وهناك مواهب لا تحظى بحب الجماهير وتقديرهم ، لذلك فقد اهملت وسط زحمة الاحداث ، اشارة صديقى الزواقة، ولم احظ طوال اربعة سنوات بانعاش نفسى بالخضرة المتجددة فى ذلك الكتاب .الطحالب فى بيت القسيس القديم ، ولكن كان الكتاب – كالنبيذ- يزداد بالقدم تحسنا فى نكهته وقوامه .

وعلى اى حال فقد تصادف ان ادى التسويف والتاخير الى نتيجة سعيدة، فمنذ بضعة ايام، وانا اتناول الافطار ، حضرت الى فتاة من الجبل وهى ابنة عم لى. ومعها كتاب بجلدة خضراء مزدان بصورة امامية غريبة ذات لون اخضر ، لم تكن الا كمية صغيرة من الطحلب الحقيقى ، ضغطت بمهارة فى الورقة الامامية للكتاب ، فقلت لها ما هذا؟ قالت انه كتاب طحالب بيت القسيس القديم .

ان النشوة الهادئة التى استولى بها هذا الرجل مؤلف الكتاب هزت كيانى ، ان اللمسات فى هذا الكتاب لايمكن ان تصدر من قلب عادى ، انها تدل على عمق فى الحنان ، وتعاطف لا حد له مع جميع اشكال الكائنات ، وحب قادر على الوجود فى كل مكان .

ان حزن هوثورن يقبع كالصيف الهندى ، الذى يلف البلاد فى جو معتدل مغشى من الضباب .

فى الدوائر التى يعرف فيها هوثورن ، فانه يبدو انه يعتبر كاتبا محببا ذا اسلوب محبب – رجلا معزولا لا ضرر منه ، ولا رجاء فى ان يصدر عنه شيىء عميق له قيمته ووزنه ، ولكن الحقيقة انه ليس هناك رجلا مثله ، ترتفع فيه الفكاهة والحب كقمم الجبال بحيث تلتقى مع اشعاعات السموات العلى – ليس هناك رجل مثله نمت فيه الفكاهة والحب بهذه الصورة من السمو الذى يطلق عليه العبقرية ، ولوجود رجل كهذا لابد انه يمتلك عقلانية هائلة .
ان العظماء قل ما يبدو منهم ، ان فى قبر شكسبير يقبع ما يزيد كثيرا عما كتبه شكسبير طوال حياته ، وانا ان عظمت شكسبير فان ذلك ليس بسبب ما كتبه وانجزه ، بقدر ما هو بسبب مالم ينجز ، لان فى هذا العالم الملىء بالاكاذيب يضطر الصدق ان يطير كغزالة بيضاء مقدسة فى غابة ، ولا يكشف عن نفسه الا بومضات ماكرة ، كما فى شكسبير وغيره من المتمرسين فى الفن العظيم .

ومن النادر ان ياخذ قراء شكسبير ذى الشهرة الغظيمة بهذا الرأى ، وان كانت قلة ضئيلة من مجموع من يمجدونه ، قرأوه بعمق ،ولكن المسرح الخادع هو من صنع شهرته بين الغوغاء .

والقليل من الناس من لديه الوقت والصبر او القدرة على تذوق الصدق الروحى كما هو فى هذا العبقرى .اذا فلا عجب ان يكون هوثورن الذى يعيش معنا فى هذا العصر من اكثر من اخطىء فى فهمهم .

وهو على عكس شكبير يحجم عن كل ضوضاء للشهرة قانعا بالهدوء . ولكننى فيما يتعلق بشكبير على الاقل – لن اقول ، كما يقول رشفوكولد : اننا نمجد شهرة البعض كى نبخس من شهرة الاخرين ، ايضا لن اكون احد هؤلاء الذين يعلنون ان شكسبير لا يمكن الاقتراب منه ، كى يدفعوا الى اليأس كل من يطمح الى مكانته ، لا شكبير وان كان قد اقترب من القمة فهناك عقول وصلت الى ابعاد شكسبير فى الكون .

ولا يكاد يوجد رجل ولدته امه ، لم يحس فى وقت ما بافكار تجيش فى صدره لا تقل عظمة عن اى افكار قد تجدها فى هملت ، ، اننا يجب الا نطعن فى حق البشر من اجل رجل بذاته بالغا ما بلغ ، فهذا خطأ ان نعتقد ان شكسبير لا يبارى او نترك البلاد .

صدقونى ايها الاصدقاء ، ان رجالا لا ينقصون كثيرا عن شكسبير يولدون اليوم على ضفاف نهر الاوهايو وسياتى اليوم الذى تقولون فيه ذلك ، ان عيبنا اننا نتصور ان الاديب العبقرى الذى سيظر بين ظهرانينا سيجىء فى ملابس عصر الملكة اليزابث ، او قصص بوكاشيو ، وهذا لا ينفى ان العباقرة هم ابناء عصرهم ، بل هم عصرهم ذاته .

انه نفس ما ما حدث مع اليهود الذين تصوروا ان من المستحيل ان يكون الرجل الذى يمشى بينهم وديعا فى شوارعهم هو المسيح الذى ينتظرونه ، انهم لازالوا ينتظرونه فى صورة من العظمة راكبا عربته الحربية، رغم انه كان بينهم راكبا حماره ولا يرونه .

يجب الا ننسى ان شكسبير اثناء حياته كان ينتمى الى شركة الاعمال كوندل وشكسبير وشركاؤهم الذين كانوا يمتلكون مسرح جلوب فى لندن ، وكان احد الكتاب القريبين من القصر واسمه تشتل ينظر اليه كغراب حديث النعمة اذدان بريش غيره من الطيور .

انا لا اقول ان هوثورن اعظم من شكسبير او انه يساويه فى العظمة ولكن اقول ان الفرق بين الرجلين ليس شاسعا الى الحد الذى لايمكن قياسه ، فليس هوثورن فى حاجة الى الكثير ليكون شكسبير .
وانا اقول انه اذا كان شكسبير لم يزل فريدا فى منزلته – لم يتساوى به احد حتى الان – فاعط الدنيا بعض الوقت وسوف يتفوق عليه غيره بالتاكيد فى احد نصفى الكرة الارضية .

لايمكن القول ان الدنيا شاخت ، وفقدت سحرها القديم ، هذا ليس صجيحا ان الدنيا لا زالت صغيرة كما كانت حين خلقها ، وندى هذا الصباح فى فيرمونت لا زلت احس برطوبته فى قدمى ، كما احس ادم برطوبة ندى عدن فى قدميه .
ولم ينهب اسلافنا كل ما فى الطبيعة ، بحيث لم يتركوا للاجيال اللاحقة ما يكشفون عنه من سحر، او غموض ، فهذا ابعد ما يكون عن الحقيقة ، ان ما قيل هو جزء من ترليون مما يجب ان يقال ،والذى قيل ضاعف الطريق امام قول ما ينبغى ان يقال ، وليس الموضوع ندرة المواضيع بل وفرتها الهائلة هى ما تعجز الكتاب المحدثين .

والان ايها الامريكين ما الذى اوصيكم به بشان هوثورن ككاتب من لحمكم ودمكم وكرجل فريد لا يقلد "بضم الياء "فاغتنموا الفرصة ليدفعه ذلك الى فعل الاعظم وحين تفعلون ذلك فانكم تعترفون بعبقريته ليس وحده بل كل العبقرية .فى العالم.

ولذلك فانا اقدم كلماته الاتية الى اؤلئك الذين يعرفون هوثورن معرفة جيدة ، ليقولوا الم يكن هو نفسه : واليكم كلماته ، وفى تلك اللحظة ، دخل رجل فى ملابس مهملة ، له مظهر المفكرين ، وان كانت خشونة قسماته ، ونمو عضلاته اكثر مما يوجد عادة فى رجال الفكر والثقافة ، وكان فى وجهه حيوية دافقة ،وتقدم الى الرجل الذى يعرف الاسرار ونظر اليه بنظرة اخلاص صارم ، وقال " انى ابحث عن الصدق "

ان عناوين قصص هوثورن صادمه لذلك القارىء السطحى الذى اعتاد على فر الصفحات ، ودعونى اقول عن نفسى بلا لف او دوران ان احد هذه العناوين قد خدع قارئا مثلى له عين الصقر، فكيف اتوقع روعة ، فى قصة عنوانها " جودمان براون الصغير "انك تتوقع ان تكون قصة صغيرة ، بينما فى الواقع هى قصة عميقة كدانتى ، الى درجة انك لا تستطيع ان تنهى القصة دون ان تخاطب المؤلف فى ذات كلماته ، وان تصيح فى عذاب مع جودمان الصغير فى بحثه الرمزى عن زوجته (البيوريتانيه ) .


" وصاح جودمان براون فى صوت ملؤه الياس والعذاب قائلا الايمان ، ورجعت الغابة اصداء صوته ساخرة ومرددة كلماته الايمان, الايمان ، وكأن عددا من التعساء الحائرين يبحثون عن زوجته فى كل انحاء البرية .


وثانى قصة له قرأتها، هى حفلة لنخبة منتقاة، وهى التى ظننت انها قصة لفريق من الاصدقاء دعوا الى حفل فى بلدة سالم لاكل فطيرة الشمام ، والحقيقة انها كانت احلى واسمى مما كتب سبنسر ، وليس فيما كتب سبنسر ما يفوقها ، او حتى يساويها .
ستكشف الايام القادمة ان الامريكى هوثورن هو اعظم عقل واكبر قلب ، ايا ما كان ما سيكتبه ، ولكن فى راى الشخصى ان طحالب بيت القسيس القديم ستظل الى الابد اروع اعماله .


مرة اخرى من الصعب ان ينهى انسان موضوعا لا نهاية له ، وكل الموضوعات لا نهاية لها ، وبعض الناس سيعتبرون ما كتبته عن هوثورن غير ضرورى وانهم يعرفونه ولكن حتى لو سلمنا بذلك فان مبيعات كتب هوثورن التى تبلغ خمسة الاف لكل كتاب يجب ان تصل الى مائة الف وتقرأ بالملايين ، ويعجب بها كل من اهل للشعور بالاعجاب.
مجلة ذى ليترارى ورلد – 17-24 اغسطس 1850








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: خالد النبوي نجم اس


.. كل يوم - -هنيدي وحلمي ومحمد سعد-..الفنانة دينا فؤاد نفسها تم




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -نجمة العمل الأولى