الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدة السنريو/ قراءة في نص للشاعر العراقي طالب داخل

حسني التهامي

2020 / 12 / 15
الادب والفن


صورة سيلفي؛
نظارة السيدة الجميلة
توثقُ الحدث
الهايكست : طالب داخل
وددتُ -قبل أن أتناول نص شاعرنا المبدع طالب داخل- أن أعرجَ أولا على مفهوم وشكل قصيدة السنريو. مثل الهايكو تتكون هذه القصيدة من ثلاثة أسطر مؤلفة من سبعة عشر مقطعًا صوتيا كالتالي: ( (5/7/5. أُطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى كاراي سنريوKarai Senryu شاعر الهايكاي الذي عاش في فترة إيدو( 1718-1790).
لا يتناول هذا النمط الشعري الطبيعة، لكنه يركز في الأساس على العنصر البشري والمشاعر الإنسانية. ليس بالضرورة أن يحتوى النص على الكيرجي (علامة القطع) أو الكيغو (الكلمة الموسمية).
في هذا اللون الشعري المختزل يمكن أنسنة الأشياء وإضفاء السمة البشرية على الكائنات الحية والجمادات. يجوز أيضا أن نستخدم بعض الأدوات الشعرية كالتشبيه والتجسيد والاستعارة، و التورية والمحاكاة .
يمكن للسنريو أن يتناول مواضيع شتى وليس بالضرورة -كما ذاع عند البعض - أن يكون موضوع السنريو الأساسي هو الفكاهة والسخرية، لكن بالاطلاع على نماذج شعراء اليابان الأوائل وجدنا كثيرا من النصوص تعالج مواضيع شتى كالأزمات وغيرها من التجارب الإنسانية؛ ليس أدل على ذلك من نص يوسا بوسن الشهير في وفاة زوجته :
تألمتُ كثيراً
لما دستُ في غرفة النوم
على مشط زوجتي الراحلة
***
في نص الهايجن طالب داخل تتضح سماتُ قصيدة السنريو بجلاء؛ تناول الشاعر-بدلا من الطبيعة وتفاصيلها- العنصر البشري . اعتمد الشاعر على التوريوازة بوضع علامة الكيرجي (الفاصلة المنقوطة) في نهاية السطر الأول ليخبرنا أن المشهد عبارة عن "صورة سيلفي"، ويتركنا للحظة في حالة تأمل لتفاصيل الحدث، ثم ينتقل الشاعر بنا إلى بؤرة الحدث في السطرين التاليين. كنا نتوقع أن صورة السيلفي ستركز بشكل طبيعي على الإنسان، لأن الذات البشرية وعلاقتها بالأشياء المحيطة بها معنيتان باللقطة. لكن تحدث المفارقة بتسليط الضوء على "نظارة السيدة الجميلة" التي تقوم بتوثيق ما يدور في المكان. وكلمة "الجميلة"- على الرغم من أنها أسقطت خاصية التنحي بالنص- قد زادت المعنى عمقا وجمالا، حيث أن جمال السيدة الساحر لم يُلهِنا عن مُهمةِ "النظارةِ" في توثيقِ الحدث.
ترك الشاعرُ نصه مفتوحا دون أن يُبين للقارئ تفاصيل الحدث، ولم يكشف عن معالم المكان الذي شهد الواقعة، ربما لعدم أهميته -من وجهة نظر الهايجن- في تشكيل رؤية النص. هنا يأتي دور القارئ كي يكمل بمخيلته وتصوره بقية التفاصيل، ويحدد شكل المكان، وهذه السمة ما تميز قصيدة الهايكو.
لكن يبقى سؤالٌ مهمٌ : هل تشكل كلمة "نظارة" كيغو صغيرا أو ضمنيا؟ لطالما أن المتلقي لقصيدة الهايكو في الأساس ،ليس كأي قارئ عادي، يمتلك القدرة على التأمل وإعمال الخيال والفكر للوصول إلى حقيقة الأمر. لذلك يمكننا هنا ،كقراء، أن نذهب مذهبين، وكلاهما مقبول من الناحية التأويلية: المذهب الأول أننا لو اعتبرنا أن "نظارة السيدة الجميلة" شمسيةٌ، بذلك يكون الكيغو (الكلمة الموسمية) حاضرة ضمنيا في النص تشير إلى فصل الصيف، والمذهب الآخر إذا اعتبرنا نظارة تلبسها السيدة الجميلة تستخدم لتحسين مستوى الرؤية ليلا أو نهارا، وفي هذه الحالة يتوفر أيضا خاصية الكيغو ، لكنه يكون في هذه الحالة أكثر خفوتا من حالته في المذهب الأول.
يبقى نصُ الشاعر" طالب داخل" واحدا من نصوص السنريو الفريدةِ التي تصرح بالقليل، وتحوي في طواياها الكثير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي