الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين أختبئ يا ناس؟!

ضيا اسكندر

2020 / 12 / 15
كتابات ساخرة


بصوتٍ هامسٍ مرتعشٍ قال له: «آخر ما نمى إلى مسمعي أنهم منزعجون منك جداً. وأنهم سيلقون القبض عليك قريباً بسبب كتاباتك اللاذعة على الفيسبوك. لذلك ينبغي عليك أخذ الحيطة والحذر، ويُفضّل التخفّي!».
هكذا أُخبِرَ عبد الله من قبل أحد زملائه في العمل. ما جعل همومه تسيل وتتدفّق ثم تنهال بشراسة. ونما الرعب كالفطر في صدره بسرعة وبغزارة. فقد تذكّر سنوات اعتقاله الرهيبة عندما كان شابّاً، واستطاع آنذاك الصمود أمام جلّاديه بشجاعة نادرة. أما الآن، وبعد أن التحق بوظيفة محترمة وتزوّج وكوّن أسرة، فلم يعد لديه القدرة على تقبّل فكرة الاعتقال بتاتاً. نهض بجفولٍ مباغتٍ مغادراً مكتبه دون إذنٍ من أحد. وطَفِقَ يركض ويتلفّتُ حواليه، والهلع يتطاير من جسده. وما إن وصل إلى بيته منهكاً متكدّراً يعبُّ الهواء على شهقاتٍ متلاحقة، حتى سكب كل هواجسه لزوجته. متسائلاً بحيرة واضطراب عن أفضل مكان يختبئ فيه بحال قدومهم. قالت له زوجته وقد اكتسى وجهها خمارٌ من الأسى وهي ترمش مرتبكةً بعد أن استوعبت بصعوبة ما سمعته:
- أنت سياسي مخضرم، وتجربتك ثرّة في التعامل مع ظروفٍ كهذه. ويمكنك اتّباع ما تراه مناسباً. أما أنا يا حسرتي، فلا خبرة لي بهذه الأمور على الإطلاق.
أجابها بتسليمٍ ذليل وكأنه يستجير بها:
- الحقيقة أشعر بعدم التركيز وكأن عقلي فارغ تماماً. وقد يكون لاقتراحك نافذة يمكنني التسلّل منها إلى عالم الراحة.
ساد صمتٌ غامضٌ بينهما وراحا يترامقان دون كلام. وما لبثت الزوجة أن انبرت متحدّثةً وقد دبَّ أملٌ طفيفٌ في نفسها:
- ما رأيك أن نُفرغَ خزّان المياه الموجود على السطح وتختبئ فيه؟ أصلاً لا يوجد فيه الكثير من المياه بسبب الانقطاع شبه الدائم للكهرباء.
شعر بقبسٍ من الرجاء يخترق ظلام القلق الذي يملأ قلبه. واندلعت في ذهنه مباشرةً فكرة استقاها من جواب زوجته فهتف قائلاً:
- بل سأختبئ في المصعد. فهو قليل الاستخدام بسبب تقنين الكهرباء. ولا أعتقد أنهم سيفطنون إلى هذا المكان أبداً. لأن الاختباء في خزان الماء فكرة عتيقة سبق واستخدمها بعض المطلوبين، وغدت مكاناً مستهدفاً من قبل عناصر الأمن.
ندَّت عنها ضحكة جافّة وردَّت بسخرية:
- نعم؟ في المصعد؟! يا له من اكتشاف! ولنفترض أن الكهرباء جاءت وقت وصولهم؟!
تململ مغموماً وقد تسارعت ضربات قلبه وردَّ بشيءٍ من اليأس:
- والله معك حق. (سكتَ بُرهة متأمّلاً ثم واصل) طيب ما رأيك أن نفرغ إحدى درفات الخزانة وأجلس في أرضيّتها وتطمريني بعد ذلك بما تيسَّر من أغطية وثياب؟
نظرت إليه باستغراب، وبتعبيرٍ يتردّد بين الشفقة والسخط لاقتراحاته الصبيانية ردَّت معاتبةً:
- كبّرْ عقلك يا رجل! وهل يُعقل أن يفوتهم تفتيش الخزانة؟
- طيب، ما رأيك أن أختبئ في الغرفة الزراعية بالأرض التي أعمل بها بعد الظهر عند رشدي بك، فهي بعيدة نسبياً وتقع على أطراف المدينة، والغرفة مجهزة بأهم الاحتياجات؟
- أقسم بالله كأنك لستَ من هذي البلاد! يا رجل، هل نسيتَ أنك مرصود ويتتبّعون خطواتك، بل يحصون أنفاسك وعدد الشعرات التي تسقط من رأسك؟!
احمرَّ وجه عبد الله خجلاً. وهمد متضايقاً كمن استعرض بلهفة جميع الأرقام الرابحة في ورقة نتائج سحب اليانصيب وكانت خسارته محققة. وقال بنبرة الخائب المخذول:
- بالفعل كلامك صحيح. (وبدأ يقضم أظافره بتوتّر باحثاً عن مخرج. وسرعان ما صاح وهو يفرك يديه حبوراً بنشوة الكاسب) وجدتها! ما رأيك أن أستلقي متمارضاً لحظة قرعهم الباب. وأرتدي كمامة وأنتِ تضعين على جبهتي كمّادة نزعم أن حرارتي مرتفعة بسبب الكورونا. وحينما يدخلون أسعل بشدّة وأستغيث لاعناً هذا الوباء ومن كان السبب في إصابتي به. فيولّوا هاربين خوفاً من العدوى؟
هوّمَ على وجهها خيال ابتسامة بعيد. وقد اتسعت عيناها بفرحة من حلَّ لغزاً صعباً وقالت:
- أي هه، يا عيني عليك! يا هيك الأفكار العظيمة يا بلا..
* * *
عند الثامنة مساءً قُرِع الباب بضرباتٍ متلاحقة. كان عبد الله منهمكاً بتصفَّح الفيسبوك. هرع فوراً إلى إطفاء اللابتوب ولبس الكمامة واستلقى على الأريكة. وسارعت الزوجة إلى وضع كمّادة على جبينه حسب الاتفاق. ولم تنسَ أن تضع إلى جانبه وعاءً فيه ماء. وغمست فيه كمّادة أخرى لإضفاء المزيد من الديكور اللازم لهذا المشهد المسرحي.
واتجهت صوب الباب الذي ما زال يُقرع وهي تقول بصوتٍ اصطنعت فيه نبرة المغتاظ:
- أيييه! والله سمعنا.. طوّلوا بالكم شويّة!
ما إن فتحت الباب حتى شرع زوجها بنوبة سعالٍ مفتعلة، وهو يلعن الساعة التي ذهب بها إلى الفرن وانتظر طويلاً وسط زحام الطابور، قائلاً بصوتٍ أقرب إلى البكاء:
- كلّه من غنجكم ودلالكم انصبت بالكورونا. ولك إلهي وسيدي ومولاي لا يوفّقكن. لَكَنْ يا عمّي، أكابر، ما عاد تتزقّموا إلّا من خبز الأفران! ولك بس بدّي افهم، من شو بيشتكي خبز الكولبات؟ صحيح أنه أغلى ومعجّن ومحمّض.. بس والله بعد ما يتسخّن بيصير ما أحلاه! آخ يا ربّي على هالمصيبة آخ! ولك ألله يلعن أبو المسحة الإيجابية على أبو الكورونا لأبو اللي عداني فيها أخو شرموطة!
وإذ بصوت حارس البناية يأتيه من الباب:
- سلامتك يا غالي! أُقسم بالله ما سمعت إنك مصاب بهداك المرض! بعيد الشرّ عنك انشالله، وما عقلبك غير العافية.. لا حول ولا قوة إلّا بالله! أنا جايي آخد كيس الزبالة.. لو سمحتِ يا أختي ناوليني الكيس بعد إذنك، ما صفي غيركم ما حطّ كيس الزبالة قدّام بيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??