الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة البصرة ودولة الموصل

جعفر المظفر

2020 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


إن قسما لا بأس به من أهل الجنوب والوسط من الشيعة كان قد إستهواهم فعلا خطاب (المظلومية الشيعية) الذي تبنته قوى تابعة لإيران مثل حزب الدعوة والمجلس الإسلامي بقيادة آل الحكيم, وشهدت تلك الدعوة رواجا, خاصة بعد أن قام الجيش بقيادة حسين كامل (فريق ركن دمج) بقصف حضرة الإمام الحسين المقدسة عند الشيعة وذلك بعد ما سمي بـ (الإنتفاضة الشعبانية) أو (صفحة الردة والخيانة) وصار هناك إيمان لدى الكثيرين بأن الشيعة بشكل عام مضطهدون من قبل الأنظمة في العراق ومبعدون عن الحكم. وقد ذهب عبدالعزيز الحكيم تأسيسا على هذه الثقافة (المظلومية الشيعية) للدعوة إلى تأسيس إقليم الجنوب وتقسيم بغداد إلى مدينتين واحدة للشيعة وأخرى للسنة.

أما الحديث عن إقليم البصرة ودولة أو جمهورية أو مملكة البصرة فكان له أيضا نصيب الأسد. وحتى إلى وقت قريب إتجه بعض البصريين إلى تجديد دعوتهم لتأسيس دولة البصرة أو فدراليتها مؤكدين على أن 70% من واردات العراق إنما تأتي من البصرة وهي, أي البصرة, تملك فعليا مقومات الدولة خاصة إذا تحدثنا عن جغرافيتها وتاريخها العميق وجاهزيتها الإقتصادية.

وسط كل تلك الأجواء ومنذ الأيام الأولى لإرتفاع تلك الأصوات الإنفصالية وقف عدد لا بأس به من المثقفين (الشيعة بشكل خاص) ضد تلك الدعوات مؤكدين على أن الحل (للمظلومية الشيعية) إن وجدت هو أن نكون عراقيين في دولة يتساوى فيها الجميع أمام القانون, وإن كل مشاهد الماضي التقسيمية, سواءً على مستوى المجتمع أو على مستوى الدولة, يجب أن تُراجع لتوضع في خدمة العراق الواحد الذي يتساوى فيه الجميع تحت ظل نظام ديمقراطي علماني.

ولنعترف أن الموصل قد تعرضت قبل وبعد إحتلال داعش, وأيضا من خلال الطريقة التي تم بواسطتها طرد داعش منها, إلى ظلم لا يوصف. وهذا الظلم لم يتوقف على القتل والتهجير وسعة الدمار الذي تعرضت له الموصل وإنما أيضا إلى واقع الإستهانة بأهلها, وحتى في الرغبة للإنتقام منهم, وخاصة بعد العنوان الذي رفعه المالكي والذي قال فيه (ما زالت الحرب قائمة بين جيش الحسين وجيش يزيد).

لكن كثيرا من مثقفي شيعة العراق لم يقبلوا أبدا بما جرى للمناطق الغربية ولمدينة الموصل العزيزة بشكل خاص, وقبلها الأنبار وصلاح الدين. وكنتُ ممن نذر قلمه وقتها لكي يؤكد على أن الظلم لا يُحَلّ بالظلم, وأن رد الفعل على الفعل الطائفي يجب أن لا يكون طائفيا, وأن (العرقنة) هي التي بإمكانها أن تحل مشاكل العراق التجزيئية على أي مستوى كانت. وكان من ضمن ما قلته حين عُرِض علي الدخول في مشروع دولة البصرة : لو أن الدول تقوم على أساس الإقتصاد لوحده لما ظلت دولة واحدة في العالم دون أن تنشطر إلى دول متعددة.

حكاية دولة الموصل أو إلتحاق الموصل بتركيا شبيهة تماما من حيث الوقائع والعوامل التي يتأسس عليها المشروع ومن حيث الأمنيات والحلول بتلك التي تدعو إلى قيام دولة البصرة, فالأخيرة أيضا كان تتسع حدودها في زمن الدولة العثمانية لتشمل معظم دول الخليج, كما أن مشروع مملكة البصرة بقيادة الشيخ (الملك) طالب النقيب لم يجف حبره بعد.

كلاهما الموصل والبصرة كانت قد تعرضتا إلى ظلم كبير, وسأقولها دون تردد أن الظلم الذي تعرضت له الموصل كان كبيرا جدا ومؤلما جدا وبالمستوى الذي يدعونا إلى إلى تفهم مشاعر الداعين إلى حل مجزٍ لهذه المدينة الصامدة, لكنه بكل تأكيد لن يدعونا إلى التعاطف مع الثقافة التي تدعو إلى إنفصالها عن العراق وذلك حرصا على الموصل الحبيبة نفسها وليس من واقع ملهاة تعويم حقوقها بقارب (الوطنية التجريدية).

وأجد أن التعامل مع (المظلومية الموصلية) يجب أن لا يأتي على طريقة أصحاب (المظلومية الشيعية), فما من مدينة عراقية إلا وشملتها حكاية (المظلوميات) الأمر الذي يلزمنا بالتمسك بحل العراق الواحد الخالي من الطائفية والطائفيين ومن العنصرية والعنصريين.

إن نسبة كبيرة من العراقيين يتحدثون عن المظلومية التي تعرضوا لها سواء كانوا سنة أو شيعة, مسلمون أو مسيحيون أو يهود أو صابئة أو ربوبيون أو بلا, ومن مختلف الأعراق, بما يعني أن العراقيين جميعا كانوا قد تعرضوا إلى مظلوميات وإن تفاوتت من حيث المستوى وتمايزت من حيث الحدة.

وحينما أثيرت بعد الإحتلال قضية فدرالية الجنوب فإن عراقي المناطق الغربية والموصل ومعهم أيضا كثيرا من الشيعة أنفسهم قد وجهوا لأصحاب تلك الدعوة تهما خطيرة وصلت إلى حد الخيانة.

لقد ظل العراق منذ إنهيار دولة العباسيين يتنقل من واقع مزري إلى واقع مخزي, وقد مرت عليه وهو في وضعه ذاك قرون وقرون إلى أن تأسست دولته الحديثة برئاسة المرحوم الملك فيصل الأول التي لم يكتب لها الإستمرار.
ولو أن العراقيين طالبوا بدولة تبعا لكل مظلومية لما بقيت قرية عراقية على حالها دون أن تكون دولة لحالها.
أما النظام الحالي الطائفي الفاسد والعميل فمكتوب أن لا يبقى, وإن هذا المكتوب لا يقاس بعمر الأفراد وإنما بعمر الشعوب, فإن تأخر الحل ولم يره جيلنا فسيراه الجيل الذي يلي.
وإن غدا لناظره, حتى وإن كان بعيدا بعمر الأفراد, إلا أنه سيكون قريبا بعمر الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية