الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أَفَحقاً يَتَعامَلُ الإلهُ بالآجل؟

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2020 / 12 / 16
الادب والفن


[إنَّ اللهَ إدخرَ لكَ أجابةَ دعائِكَ حتى يوم القيامةِ وإنّهُ لا ينسى عبداً وإنّهُ لبصيرٌ سميع].
تلكُمُ عبارةٌ, تُجاهرُ بها عِمامةُ بعض المنابرِ كلَّ آنٍ وبزهوٍ تَذيعُ، وذلكَ هوَ مبلغُ العِمامةِ من علمٍ عظيمٍ ورفيع , فَتَراها لاتَفهمُ معنى الكلامِ رغمَ أنَّها مُعتاشةٌ بهِ ومنهُ تبيعُ, وتلكُمُ أمانةٌ خانَتها العِمامةُ ومارعَتْها حقَّ رعايَتِها, وذاكَ فينا هو الأمرُ المُريع. ومادامَ فاقدُ الشيءِ لا يُعطيهِ, فأولى للعمامةِ أن تَنأى بنفسِها عن هذا الفضاءِ الوسيع, فقد مَلَلْنا زيفَ نُطقِها, وكَيفَ صِدقِها, وحَيفَ ماتَكيلُ لنا مِن لَومٍ كلَّ جمعةٍ وتوبيخٍ وتَقريع.
إنَّ أيَّ مَلِكٍ على ظهرِها يَستَنكفُ تعاملاً بالآجلِ مع رعيتِهِ, وسواءٌ عليِهِ أعَدلَ بينَهم, أم هو مَلِكٌ طاغٍ وضيع, فعندهُ من الخزائنِ ما يجعلُهُ بِمَنْحِ العطايا مُتَكَرِّمٌ وضَليع, فكبرياءُ عَرشِهِ يأبى إلّا أن يَمنحَ المِنحةَ نقداً ومن فورِها وبِخُيلاء وتوقيع.
هذا حالُ مَلِكٍ عَرَشَ على حفنةٍ مِن أُناسٍ لأجلٍ مُسمىً خاطفٍ وسريع, فما بالُ عمامةِ مِنبرِنا مُدَوِّيةً تصرخُ بصريخٍ مَجٍّ فظيع, وكأنَّنا إبلٌ تملكُها فتراها تَهشُّ على إبِلِها في باديةٍ لتَضطَرَّها الى ضريع, أو كأنها تهرولُ بضوضاءَ لتُعيدَ ثوراً هائجاً نأى بعيداً عن قطيع! :
" أن لا تَستعجلْ الإجابةَ ياهذا, فإنَّ ربَّكَ إدَّخرَها لكَ حتى يومِ القيامةِ وإنَّهُ لبصيرٌ بكَ وسميع. وإنَّهُ ما نَسِيَ عبداً بهِ كافراً, أفَينسى تَقيّاً خَفيّاً نَقيّاً ولأوامرِهِ مُطيع؟ "
لن أنقلبَ ناقةً لأصَدِّقَ لقولِ العمامةِ هذا, لا أُصَدِّقُ هذا القولَ رغمَ أنّي ما أحطّتُ علماً بعقائدٍ وتشريع, فظاهرُ قيلهِ مُؤطَّرٌ بِلِباس صبرٍ ناهٍ عن جزعٍ , وزاهٍ بورعٍ وتلميع, وباطنُهُ مُقَطَّرٌ بجُرعَةِ تخديرٍ تُلهيكَ عما منعَ الإجابةَ عنكَ !وذاكَ مانعٌ خفيِّ وشّنيع, فَهلُمَّ ياصاحبي فنَقَّبْ حثيثاً عمّا منعَ عنكَ الإجابة وعمّا أحاطَ به من غفلةٍ ومن تدريع, فوالذي نفسي بيدهِ, ما ظَنَنتُ للحظةٍ أنّ قولَ العمامةِ قولٌ رحيمٌ يستريحُ بهِ فؤادٌ ناجى ربَّه بألمٍ وَجيع, ومارأيتُهُ إلّا حِوَلاً عن نُصحٍ حكيمٍ يُهوِّنُ الآلآمَ , وما هو بقولٍ حقٍّ وماهو بشفيع.
هلُّمَ معي وتعالَ - يا ذا لُب - هوناً لنرى ربَّنا الجَليلَ السميع, وكيف لا يُؤجِّلُ ولا يتعاملُ بالآجلِ في منحةٍ وما ينبغي لهُ وهو الوهّابُ الغنيُّ البديع. فأنَّى لنفسٍ أن تَقِفَ يومَ التَّغابنِ بشموخٍ وأنَفَةٍ بأنَّ لها ديناً عليهِ وجَاءَت لتَستَرِدَّهُ مِنَ المَليكِ مَالكِ " كُنْ" ذوالطَّوْلِ وفي الدَّرجاتِ رَفيع!
لعلَّ عمامتَنا نَسيَت كيفَ رَفَعَ المليكُ "إبنَ أمّ عبدٍ" الى آمِرٍ ناهٍ في (العراقِ), بعدَما كانَ نكرةً جائعةً خلفَ كُثبانِ "البقيع" ؟
أو لعلّها تَناسَت - بِجهالةٍ- كيفَ دَفَعَ ب"إبنِ الخَطّابِ" لِيَحكمَ جهاتها الأربع بعدَما كانَ للكأسِ عاشقاً وضَجيع؟
أم تَراها جَهِلَت كيفَ نَفَعَ "أبنَ أبي طالب" بعلمِ , فكان أقضى القضاةِ بعدَما كانَ عالةً على أبيهِ وأعمامِهِ جميع؟
أفَأغَفلَت العمامةُ أيّوبَ وكيفَ ردَّ لَهُ (أَهْلَهُ "وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ" رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ), وهو الّذي يعلم أن ربَّهُ بالإجابة سريع, أم تراها ما حفلَت بشطرِ آيةٍ : (وكذلكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) بعدما كانَ في الجُبِّ صريع.
ما ينبغي للرّحمنِ أن يُؤَجّلَ هِبَةً ( وليس ديناً) لبشرٍ ألتَجأ الى باب سورِهِ المنيع, بل إنَّهُ يَهَبُ ويَهَبُ ويَهَبُ ويردفُ بزيادةٍ أضعافاً وهو الوهّاب وينادي بتشجيع, بل هاهيَ تَتَجَلّى في أبي الأنبياء عَلناً إذ نُبِّئنا: (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَاۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ), بعدَما كانَ أبناً ل(آزرَ ) بحرفةٍ في عملٍ شنيع, هاهوَ إبراهيمُ في سابعِ سماءٍ مكرمٌ وقورٌ , ووجهُهُ ربيع .
ثم...
لِنَقتَرِبَ من سنا سيّدِنا : سيدِ الأنامِ والثقلينِ وكيفَ أمَرَهُ رَبُّهُ أن يَصدَحَ باكراً بنعمةِ ربَّهِ وبما أوتيَ من بيانٍ ويُحَدِّثَ بما يستطيع, ولقد تَسَلَّمَ الأجرَ منذ أولِ يومٍ, فكانَ في الإسراءِ سيّداً للجميع, ثمَّ أرتقى ليتقلّدَ الوسامَ الأعظمَ : وسامَ المعراجِ الرَّفيع, ثم رَفَعَ لَهُ ذِكرَهُ رَدِفَ ذِكرِهِ حينَ النّهارِ وحينَ الهزيع, ذِكرٌ يعلو كلَّ فؤادٍ ومَسمعٍ حينِ ترحالِهِ وحينَ الهجيع, ثم يُجزيه الجَزاءَ الأوفى: مقاماً محموداً وللخلائق هو وحدهُ هوَ الشّفيع.
لا تعاملَ للإله الغنيّ الحميد بالآجلِ قَطّ ! (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) فوراً لأنَّهُ (هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ), وما على الذّاتِ إلّا أن تُطِب مَطعَمَها في تَبَضعٍ وتبييع, لتكن مستجابةَ الدّعوى فتُسعَدَ بلذةِ الإستجابةِ قبلَ أن تفرحَ بمذاقِ المنحةِ وما حَمَلَت من برَكاتٍ وتنويع.
وكلٌّ لِمَا أَنـزل إِلَيهِ الوهّابُ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
وَمَن ظَنَّ مِمَّن يُناجي الإلهَ * بِأَن لا يُستجابَ لهُ فَقَد ظَنَّ عَجزا
يَعِفُّ وَيَصفحُ هولَ الذنوب * وَيَتَّخِذُ حَمدِنا نافلةً لنا وَكَنزاً
(وعذراً ياخنساء فلستُ بشاعرٍ)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا